واسيني الأعرج فى حوار جديد
واسيني الأعرج فى حوار جديد -المنفى مسرح لاكتشاف الذات - الغرب الاستعماري لا يزال هو المهيمن وهو الذي يحدد طبيعة «الخطط العربية»
واسيني الأعرج فى حوار جديد
-المنفى مسرح لاكتشاف الذات
- الغرب الاستعماري لا يزال هو المهيمن وهو الذي يحدد طبيعة «الخطط العربية»
- الوسائط الاجتماعية في عصرنا تساعد الناس على التحرر
حوار– محمد نجيب محمد على – عامر محمد أحمد
الحوار مع واسيني الأعرج ممتع ولا تمل حديثه وله من القبول الإلهي ما يحيل كل ما رسمته للشخص من زوايا نظر بعيدة. فهو متواضع، مرتب الأفكار، يرى وضع أمته ووطنه بمنظار المفكر السارد، ويرى العالم بصواب النظر والقدرة على التحليل..
سألناه عن الربيع والمنفى واللغة والاختيار والتاريخ والسيرة الذاتية والأندلس وكان سؤال الهوية وفرنسا ووجوه تعددها عن الرواية والكتابة ببوابة التواصل الاجتماعي وجامعة السوربون وكانت هذه الحصيلة:
• - «سيرة المنتهى» سيرتك الذاتية، احتوت في داخلها على الهوية، التاريخ، التصالح مع الآخر، ماذا أردت أن تقول بهذه السيرة؟
•• - أردت أن أكتبها وأنا في قدرة صحية لا بأس بها، أو كما قال أحدهم «اكتبوا سيركم قبل أن يكتبها عنك الآخرون»، ففضلت لذلك أن أكتبها ليست سيرة بالمعنى التقليدي، أردتها سيرة إبداعية أولاً والمفروض أن تختلف سيرة الكاتب أو الروائي عن سيرة الصناعي أو سيرة العسكري مثلاً.
• - كيف يكتب العسكري والصناعي سيرتهم؟
•• - العسكري يتعامل مع تجربته وأدواته والصناعي أيضاً يتعامل مع تجربته وأدواته، واخترت الأدوات الأدبية في أشكالها المختلفة وهي ربما ترونها على المستوى الأدبي على الأقل، تحكي وترسم اللحظات الأولى لبدايات تكويني الأدبي.
• - نرى كثرة اشتغالك بالتاريخ الأندلسي، ونراه أكثر في رواية «البيت الأندلسي» و«حارسة الظلال» ماذا في التاريخ الأندلسي؟
•• - الأندلسيون طُردوا في المرحلة النهائية من سنة 1609م ويقال إن سكان المنطقة التي نعيش فيها في الغرب الجزائري، إنهم بقايا أندلس 1609م وقد يكون «جدي» من بينهم على حسب رواية «الجدة» التي كانت تتحدث عن أمكنة وهذه الأمكنة موجودة اليوم في خريطة الأندلس، الأمر ليس مهماً لهذه الدرجة إلا في ما حدث من طرد ناس واقتلاعهم بالآلاف وربما الملايين من أراضيهم وكأن التاريخ يعيد إنتاج نفسه.
• - كانت هناك جغرافيا ووقائع تاريخية وثقافية اقتلعت وتم محوها، وأنت تخاطب الحاضر بقراءة الماضي ومآلاته المؤلمة في القدس؟
•• - كأن التاريخ يعيد نفسه بوصاية أميركية وفرنسية وإنجليزية، الناس يرون الضرر ولا يتحركون أنا أفهم أوروبا وعقدة الهولوكوست ولكن المتسبب في الهولوكست ليسوا العرب ولكن ألمانيا وغيرها، الأوروبيون أنفسهم.
• - تقصد من الاهتمام بالأندلس المثال أم براهين التاريخ الراهن ومآسيه؟
•• - ليس التاريخ هو المقصود والتاريخ ما هو إلا متكأ أو استعارة للحديث، والسؤال يحوي ذلك ويؤكد على المثال والراهن ومآسيه، ويهمني هذا العصر الذي أعيشه، واللوم يقع أيضاً علينا في التعريف بتاريخنا بثقافتنا، بالظلم الذي وقع علينا، ألوم العرب، على تجاهلنا لأنفسنا، لماذا لا ننتج فيلماً عظيماً كبيراً، لماذا لا نعبر عن انشغالاتنا الإنسانية؟
• - هل وجدت عند ابن عربي معراجاً صوفياً في قراءة الروح أم جذبك إليها قراءتك الشخصية في عمقها وعطرها الخاص؟
•• - ابن عربي تأكيداً، هو شخصية روحية عالية القيمة وصعبة المراس، عندما تدخل الفتوحات المكية مثلاً الآن أو غيرها من الكتب التي ألفها، تجد نفسك في دوامة عليك أن تكشف وتتحصل على مفاتيح التفسير، مثلاً: أنت تدخل في بحر، هذا البحر ليس من السهل الخروج منه وليس من السهل الاصطدام مع أمواجه، لكن أنا في بعض الكتابات ساعدني كثيراً، بالخصوص في «سيرة المنتهى».
• - ما أوجه المساعدة في سيرة المنتهى؟
•• - جاءتني فكرة الجد الأول، «اذهب نحو الأم التي تعذبت، أذهب نحو الأب الذي استشهد ونحن لا نعرف له قبراً» ولا نعرف أيضاً كيف استشهد، فإذا أنا وجدت نفسي داخل هذه الرحلة الصعبة والقاسية وكان يجب أن أقوم بذلك لأن بي رغبة لأن أعرف هذه الجذور الذاتية– طبعاً ليس بالمعنى القبلي أو العرقي ولكن الجذور بالمعنى الأدبي، ما هي ومن هم هؤلاء الناس الذين أثروا في تأثيراً بليغاً ودفعوا بي إلى كتابة شيء هو ما أقوم به اليوم في نصوصي.
• - الجاذب أكثر في تتبع الأثر الروحي في كتابة سيرة المنتهى؟
•• - الاحساس الداخلي في علاقة الإنسان بمحيطه من حيوان وجماد، وما يحويه الكون والمشترك الحياتي بينك وبين من يحيط بك، كيف تكون متسامحاً، كيف تكون طيباً، كيف تكون أيضاً معطاءً وحكيماً.
• - في الحوار داخل رواية «البيت الأندلسي» نجد هذه المقولة :
«المخطوطات يا عمي مراد مثل النساء، هشات جداً، ويحتجن إلى اللمسة الحنونة، العنف يدمر من يقف أمامهن والمخطوطات هكذا علينا ألا نضغط عليها كثيراً وإلا آذيناها»؟
وأنت من ضمن خمسة فازوا قبل سنوات بجائزة قطر لكتابة التاريخ سردياً؟
•• - علينا أن نحذر لأن المسؤولية التي وضعتها الجائزة كبيرة جداً، القراء يعدون بالملايين وبالتالي أنظر إلى حجم المسؤولية، أنت عليك في كل كلمة تكتبها تكون حذراً فيها.
• - هذا الحذر وفرادة الجائزة في توصيفها لإعادة كتابة التاريخ سردياً؟
•• - كتبت هذا التاريخ طبعاً، واسترجعت «مائة سنة» من الانهيار العربي، كيف سرقوا! وكيف مزقوا في اتفاقية «سايكس بيكو» ومرحلة الدولة العثمانية، وكذلك الانفجارات المتعاقبة بخصوص الاستعمار الانجليزي والفرنسي ومساهمتيهما في هذا التمزيق والتشتت.
• - كيف نقرأ عصرنا الذي نعيشه في راهنه؟
•• - لا يمكن فهم العصر التاريخي الذي نعيشه إلا بالعودة إلى المائة سنة الأخيرة، دعنا نقل العصر الحديث بعد انهيار الدولة العثمانية والذي ما زال مستمراً منذ بداية القرن العشرين «1905م» وصاعداً إلى اليوم.
• - لا تزال الهيمنة الاستعمارية باقية؟
•• - الغرب الاستعماري لا يزال هو المهيمن وهو الذي يحدد طبيعة «الخطط العربية» الإشكال ليس هذا فقط، بل كيف نصوغ كل هذه المعلومات أدبياً، وجهدك ككاتب، القراءات، الخيارات، الاستراتيجيات المختلفة بالنسبة للتعامل مع التاريخ.
• - واسيني الأعرج بين الروائي والمؤرخ؟
•• - ما يهم بالدرجة الأولى، أنني روائي، ولست مؤرخاً، وما يعني في ذلك كيف جمعت هذه المادة وكيف رتبتها في ذهنك وما أعتقده في هذا الجهد الكبير، أنا أنتج أدباً ولا أنتج تاريخاً.
• - في روايتك ذاكرة الماء– محنة الجنون العاري– كانت الكلمات، مثل القساوة، البرودة، الحياة، السر، المنفى، حاضرة دلالة الكلمات في التعريف بحقبة جزائرية معروفة تداعياتها ومآسيها؟
•• - تحس بالفداحة أن تجد دولاً مفككة منهارة، ماذا بقي من ليبيا، فداحة كبرى لمآلات الثورات، هذا التدخل الأجنبي، معلن وسافر، وتزداد الأنظمة هبوطاً، فإذا نظرنا إلى الحالة العربية نجد معنى ذهاب هذا ومجيء هذا دون أن يتغير غير إعادة إنتاج الأنظمة السابقة ربما بشكل أسوأ دون أن تقترح حلولاً حقيقية.
• - ما هي عوامل انتكاس الثورات وتراجع التغيير داخل الذهنية العربية والوعي الجمعي؟
•• - ربما أن الإيمان بالتغيير الحقيقي وعوامل ديمومته لم تستوعبها الثورات للأسف، أحجمت عن التعاطي مع الواقع على الأرض. وبدلاً من أن تتحول الثورات هذه إلى وسيلة للتغيير والذهاب بعيداً في التطور والنهوض وحقوق الإنسان، والحق في المواطنة والحق في الحرية نجدها عادت إلى نقطة الصفر وتم تدمير كل ما من شأنه التعاطي مع التغيير بأيدينا، أو تم التدمير بحجة ضرب الإرهاب ولأن من يريد أن يضرب هذا الإرهاب عليه ألا يؤيده، ومن خلق هذا الإرهاب ومن وراءه.
• - هل تقع على الأنظمة الديكتاتورية مسؤولية كل هذا التشظي والعنف وضياع الربيع؟
•• - صحيح الأنظمة الديكتاتورية لعبت دوراً حاسماً في وجود هذا العنف وجاء كردة فعل لانهيارات المجتمعات العربية، لكن في الوقت نفسه من حماه وأخذ بيده، وسلحه ودربه، من درب القتلة، هم الذين دربوا القتلة، وبريطانيا وأميركا وغيرها من الدول الأخرى، يعترفون بذلك علناً ولكن في النهاية مرتبة بعناية.
• - ما دور العامل الذاتي العربي في التعامل مع الأنظمة القاهرة؟
•• - كل ما ذكرته لا يلغي العامل الذاتي في المجتمعات العربية نفسها، لأنها تخلق مثل هذه الأشكال لكن من يؤيدها، من يطورها، من يسلحها هذا السؤال الكبير ؟
• - ما دور الجوائز مثل كتارا والطيب صالح للإبداع الكتابي في رفد الساحة بأسماء جديدة وهل لعبت دوراً في تعزيز موقع الصدارة للرواية؟
•• - الطبيعة الذاتية أن يشعر دائماً الكاتب عندما يكتب نصاً، كيف يكون هذا النص مرئياً وعملية المرئي بالنسبة للنصوص الحقيقية والجوائز تلعب دوراً فيها، ناهيك عن القيمة المادية المساعدة.
• - هل الفوز بالجائزة حاسم في تحديد موقع الكاتب الفائز في خريطة الإبداع؟
•• - أعتقد أنه ليس حاسماً، الحاسم هو كيف يصبح هذا النص أو ذاك مرئياً بالنسبة للقراء، هذه مهمة كبيرة لأن هذا يخدم الكاتب وهذا الكاتب عندما يفوز بالجائزة يصبح منظوراً له بشكل واضح ومحدد وجميل.
• - كتارا وجائزة الطيب صالح.. كيف تقرأ تطور الكتابة من نافذتيهما؟
•• - النصوص التي تقابلك وتتطلع عليها وتحكم فيها تستطيع أن تؤكد أنها تستحق أن تكون في الجائزة، ثم تتنزل بعد ذلك مسافات المنافسة من الجيد إلى الجيد جداً، إلى أصحاب المراتب الأولى في الفوز والحقيقة أن هناك بشائر خير وإدهاش بأن الكتابة في الوطن العربي رغم الصعوبات والظروف القصوى لا تزال حية ولا تزال مستمرة، الناس يكتبون ويكتبون نصوصاً ممتازة وجيدة وفيها من الرؤية والفكرة والسرد الممتع والمدهش الكثير والكثير جداً في الرواية العربية.
• - اختيارك للغة العربية للتعبير بها، مع وجود كتاب جزائريين يكتبون بالفرنسية ولا شيء سواها، كيف تقرأ هذه الازدواجية؟
•• - تاريخ الجزائر حتى كلمة اختيار صعبة عليه، لأن من يكتبون بالفرنسية غالبية أهلهم يتحدثون الفرنسية وكنت حتى المرحلة النهائية أدرس باللغة الفرنسية، ما عدا اللغة العربية وهناك حدثت صدفة.
• - ماهي هذه الصُدف؟
•• - مثلاً: جدتي التي كانت تريد أن يكتب تاريخ العائلة وهي بعفويتها إنسانة بسيطة وليست متعلمة ولكنها حاملة لذاكرة وحاملة لميراث ويمكن كتابتي باللغة العربية جاءت رغبة مني في ذلك لأن فرنسا قتلت والدي.
• - كيف تقرأ المشهد الروائي العربي أمام الانفجار الذي نراه في الإصدارات في معارض الكتاب؟
•• - أنا سعيد أن الكتابة تحررت هذا من حيث المبدأ. لندع كل الناس تكتب، فهنالك غربال يغربل جيداً. أقصد يجب ألا ننصب أنفسنا على المشهد. ففي المائة إصدار إذا وجدنا «خمس روايات» فقط جيدة هذا أمر جيد ويمكن أن نقول إن الرواية بخير.
• - دور الوسائط الاجتماعية في انتشار الكتابة الروائية وغيرها؟
•• - الوسائط الاجتماعية في عصرنا تساعد الناس على هذا التحرر. أنت تكتب وتنشر في الفيس بوك أو تويتر، ولست معنيا بالآخرين، يعجب من يعجب ولا يعجب من لا يعجب وهذا فيه شيء من الدمقرطة في الكتابة.
• - أحياناً يستظل المبدع بالمكان وآخر ضحية له «المكان المنفى»؟
•• - المكان نستطيع أن نذللـه، بحسب ما تريد، كانت لدي نظرة للمنفى سلبية، الآن نظرتي للمنفى لم تعد سلبية، بل بالعكس هو وسيلة لاكتشاف النفس واكتشاف الذات واكتشاف بلد واكتشاف الآخر.
• - هل اكتشفت فرنسا؟
•• - وجودي في فرنسا أتاح لي اكتشافها بشكل يومي، اكتشف وجوه فرنسا المتعددة وأيضاً وجهها العنصري الآخر، فرنسا مثلها مثل أوروبا ليست رؤية أحادية، ولكن رؤية متعددة.
• - هل رأيت بالتدريس في السوربون وجه فرنسا الحقيقي؟
•• - أنا الآن أشتغل في السوربون وهذه قيمة ثقافية بالنسبة لي ولكن أيضاً ليست سهلة لأن توظيفي من أناس فرنسيين يحبون شخصيتك أو يقفون معك في لحظات الأزمة وبالمقابل هناك عنصريون يتمنون لو لم تكن موجوداً لأنك بالنسبة لهم تحتل مكاناً لفرنسي أصلي.