ليالي ديسمبر الحزينة.
ليالي ديسمبر الحزينة. في مثل هذا اليوم، من سنة 2011، غادرتني أمي، وانسحبت على رؤوس أصباعها بخفة الملاك حتى لا تزعج أحدا. عادت إلى سمائها بلا ضجيج ولا خوف. أليست هي أمزار (أنزار)، التي تعني في الميثولوجيا الأمازيغية، قوس قزح أو إلهة المطر؟ بأصابعها الملونة توقف المطر متى تشاء، وترسم خطوطها على السماء. كانت فقط أمي.
ليالي ديسمبر الحزينة.
في مثل هذا اليوم، من سنة 2011، غادرتني أمي، وانسحبت على رؤوس أصباعها بخفة الملاك حتى لا تزعج أحدا. عادت إلى سمائها بلا ضجيج ولا خوف. أليست هي أمزار (أنزار)، التي تعني في الميثولوجيا الأمازيغية، قوس قزح أو إلهة المطر؟ بأصابعها الملونة توقف المطر متى تشاء، وترسم خطوطها على السماء.
كانت فقط أمي.
في ذلك اليوم الذي خط ذاكرتي مثل الجرح القاسي، قمت من حلمي مذعورا كما لو كان حقيقة، قلبي مشدود وحركاتي مرتبكة، ومبهم ما يقول بأن مكروها ما يرتسم في أفق الخوف. عندما رفعت رأسي في تلك الظلمة القلقة، رأيت نجما هاربا يجري بسرعة مجنونة، ثم فجأة، لمحته يتبعثر في شكل شلالات ضوئية، وشهب ونقاط صغيرة، ثم لا شيء إلا مساحة بيضاء من بقايا المسافة المضيئة التي قطعتها النجمة الهاربة.
بالعادة أفرح بهذا المشهد النادر الذي تشكل رؤيته وحدها لحظة جميلة أتتبعها عادة حتى النهاية، لكن في تلك الليلة لم أشعر بأية سعادة. خوف ما سكنني. تذكرت حنّا فاطنة وأنا أجلس في حجرها، وهي تقص علي قصص النجوم وأسرارها: لا تقلق يا سينو. لكل منا نجمته في السماء. النجوم تتعب أيضا كما البشر. عندما يمر عليها زمن طويل وتشعر بالعياء، تتبعثر لتضيء أكوان أخرى للمرة الأخيرة، في زوايا لا يصلها أي نور. سألتها وهل لي نجمة في السماء. قالت نعم. انتظر فقط أن يسودَّ السماء، وتنسحب كل الغيوم، في ديسمبر تكون السماء قريبة. وفي ليلة من ليالي الشتاء رأيت النجوم على مرمى البصر وفي صفاء كامل، فأدركت بالفعل أن السماء أصبحت قريبة كما قالت حنّا. قريبة أكثر مما تخيلت. مدت أصبعها عميقا في السماء، وقالت أنظر. نظرت. رأيت نجوما كثيرة. قالت دقق كثيرا. النجمة التي تبتسم تلك هي نجمتك. ثبتُّ عيني في نقطة معينة. فجأة رأيت نجمة تبتسم. أدركت ليلتها بسرعة أنها نجمتي. أصبحت لعبتي المفضلة، وطوال فصل الربيع.
في مثل هذا الشهر الحزين انسحبت أمي على رؤوس أصابعها من هذه الدنيا التي عبرتها كشهب هارب، بالصمت الذي يليق بالكبار الذين يحبون الحياة كما يحبونها للآخرين. منذ تلك اللحظة لم أكبر إلا قليلا، ظللت طفلها المدلل الذي تنتظره بعد كل غياب، يدها على قلبها حتى يضع حقيبته عند قدميها ويطوقها في عناق تمنيته دوما أن لا يتوقف أبدا. تماما كما كانت تفعل مع والدي الذي كان يغيب وراء نداءات المتوسط، وفي السفن الخشبية الثقيلة، حتى نظن أنه لن يعود، فتطمئننا هي بإشراق ابتسامتها وهي تنظر إلى السماء: سيصل قريبا. بعد أيام قليلة يدق الباب فنركض نحوه جميعا وتتخلف هي حتى ينتهي من احتضاننا وتقبيلنا. كل شيء كان يرتسم على محياها، وفي بؤبؤ عينيها. الفرح، الخوف، القلق. وعندما يكون مزاجها عكرا تتحول الألوان التي بعينيها إلى لون واحد، لون الزرقة الهاربة، نحو ظلمة حزينة.
تلك كانت أمي وأكثر، فرحا وحنينا وذاكرة مضاءة ومضيئة.
أنظر إلى السماء هذه المرة حزينا، أرى فراغا كبيرا بين النجوم. أبحث بلا توقف عن أمي. في ديسمبر تكون السماء قريبة. لابد أن أرى نجمة أمي.
سأراها.
ليالي ديسمبر الحزينة 04-12-2020