قصة قصيرة
قصة قصيرة الآتِى...... محمد صديق محمد أحمد مدخل: (نَزَلَ السُّوقَ الإنْسانُ الكلبْ كى يَفْقَأ عَين الإنْسانِ الثَّعْلَبْ ويَدوسُ دماغ الإنْسان الأفعى
قصة قصيرة
الآتِى......
محمد صديق محمد أحمد
مدخل:
(نَزَلَ السُّوقَ الإنْسانُ الكلبْ
كى يَفْقَأ عَين الإنْسانِ الثَّعْلَبْ
ويَدوسُ دماغ الإنْسان الأفعى
واهتزّ السُوقُ بخطواتِ الإنْسانِ الفَهدْ
قد جاء ليَبقرُ بطنَ الإنْسان الكلبْ
ويَمصّ نخاع الإنْسان الثعلبْ)
( صلاح عبد الصبور)
تصحو من نومك دوماً عند هذا التوقيت ...تجلس على فراشك لدقائق معدودة ..تُجيل بصرك نحو أفراد عائلتك وهم على ذلك السكون ...ترفع بصرك إلى السماء ..تتذكر القول البديع (الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ...تقفز من فراشك قفزة شابة ودقائق أخرى معدودة لتكون خارج المنزل فى طريقك إلى المسجد البعيد....تؤدى فرضك حاضراً وتمارس رياضة المشى المحببة إليك ...يحتويك الشارع قبل انطلاقة النداء للصلاة ....كم يأسرك هذا الهدوء العظيم!!! أنت وحدك تسير على الشارع العريض فى هذا الوقت ...بعض ال كلا ب الضالة تمر من أمامك مسرعةً ورؤوسها مطأطأة إلى الأرض ...لا تذكر أن ك ل باً منها قد أصدر صوتاً فى يومٍ ما ....الأصوات الوحيدة التى كنت تسمعها فى هذا الوقت هى الأصوات المتقطعة للسيارات التى تسير على الطريق السريع شرق النهر والتى تُسمع فجأة وتختفى على ذات الوجه...تمر قربك بين الحين والآخر سيارات متمهلة تحمل الخضروات من المَزارع القريبة ....لا يخرق هذ الهدؤ وهذا السكون إلاّ هذه الأشياء ...وبمرور الأيام صارت من مكملاته..كنت تسير ورأسك إلى السماء لا يفارقها بصرك ..بقايا النجوم المتراجعة ...سيادة الخيط الأبيض على الخيط الأسود، وتلك الأشكال الهندسية البديعة والتى كنت تجد لها مسميات من عندك....ما أبدع كل ذلك !!!هذا هو عالمك وهذا هو وقتك من الأوقات ...وهذه هى منطقة نفوذك العظمى ...من ينافسك عليها؟؟؟ يأخذك المَسِيرعند العودة كما اعتدت حتى ضفة النهر الغربية ...تقف هناك عند (الجروف) تتأمل الخضرة والسكون الذى تُزيِّنه زقزقات العصافير التى نهضت لتوِّها لتبدأ رحلة الحياة وأصوات السيارات
المُسرعة والتى تنتهى ما أن تبدأ.. هناك....خلْف الضّفة الشرقية للنهر....تفتح صدرك تقابل به نسمات الصباح المختلطة برائحة الطين والنباتات ...تملأ صدرك منها وتُطلق من أعماقك الصوت الذى ظل حبيساً طوال يوم الأمس ...تظل واقفاً هناك حتى تبدأ الشمس فى إعلان بشائر إطلالتها اليومية ...ثم تقفل عائداً.....
يستقبلك جو المنزل الحميم ...زوجتك وأطفالك الصغار تلك الجلسة الصباحية المعتادة ...شاى ...ثم وداعهم وهم يدلفون إلى حافلة المدرسة الصباح ...والقهوة وتجهيز الصغار ...ملابسهم وإفطارهم ...وما يتخلل ذلك من أحاديث ومؤانسة حميمة....وبعد ذلك يحتويك أنت الشارع ....
لا تَذْكر على وجه الدِّقة متى ترجلت عن سيارتك الخاصة وامتنعت عن القيادة وآثرت الحركة بوسائل النقل العامة، لم تستطع مواكبة الأسلوب الذى يقود به معظمهم سياراته ...
يبدو أن الحال الذى وصلت إليه بدأ من هنا ...حالة غريبة بدأت تلحظها ...اختلط عليك الأمر ...هل هو حقيقى أم مُتَخَيَّل ؟؟كل الذين يُطلقون أبواق سياراتهم يكونون فى حالة غضب ...كنت تحس ذلك من صوت البوق...تطور الأمر معك حين بدأت فى الشعور بأن صوت البوق رويداً رويداً يتحول إلى نباح ...وبدأ نباح السيارات فى مطاردتك ....لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل بدأت تلاحظ أن أؤلئك الذين يمدُون رؤوسهم من نوافذ سياراتهم ويشتمونك ...تتحول وجوههم إلى أشكال حيوانات بعينها..
لم تكن لديك القدرة على تحمّل هذا ...أوقفت سيارتك وأصبحت من الذين يقفون صباحاً على جانب الأسفلت...لم تَعُدْ تتلقى النباح ...ولكنك كنت تسمعه وتراقب تلك الوجوه التى على شكل حيوانات بعينها ..وقوفك على جانب الطريق جعلك ترى السيارات العديدة والسرعة الجنونية التى تنطلق بها ..تُذكرك بالحيوانات أيام الحروب وعند الكوارث الطبيعية ...ويتعاظم الأمر حين تمر سيارات الشرطة وهى تولول ... وكذلك سيارات الإسعاف والتى تمر فى فترات متقاربة ..ثم سيارات الإطفاء ...أصبح الخوف ملازماً لك ...بِتّ تترقب الآتى .......
ماذا هناك ؟؟؟...لِمَ هى هاربة كل تلك السيارات ؟؟ ما الذى سيأتى بعدها؟؟ ....وتتوقف أمامك الحافلة وتقفز داخلها فى الوقت الذى كان أحد الرّكاب يُمْسك بخناق الكمسارى ويتبادلان النّباح...!!
امتد الأمر إلى المكتب...وجوه الموظفين أصبحت تتحوّل الى وجوهٍ لحيوانات بعينها...تحُس بالرعب عندما يُطالعك وجه (الكامل)موظف الحسابات..كنت لا تستطيع تركيز بصرك عليه...(إحسان) سكرتيرة المدير...كان الحيوان المتربع على وجهها ...يُناسبها تماماً...لايُثير الرعب ولكن يجعلك تقف عند ذلك الخط ولاتتعداه...أما المدير فإنك حتماً لاتستطيع رؤيته ...ولكن لايصعُب عليك أن تضع على وجهه ذلك الحيوان المُعيّن....وحدهما صديقك (الطيِّب)مدير شؤون العاملين صاحب الإبتسامة المشرعة والضحكة المُجلجلة وعم (حسن) الساعى ،الذى تبلغك طِيبته قبل كوب القهوة الذى يحمله، وحدهما لم تتربع الحيوانات على وجهيهما...
تعود إلى المنزل مساءً منهكاً ومهزوماً...تنظر إلى وجهك فى مِرآة الحمام...فترى إنساناً آخر،تهرب إلى الصالة القريبة فتداهمك نشرة الأخبار من التلفاز فترتد سريعاً...تدلف إلى غرفتك وتتمدد على السرير بكامل ملابسك ....كنت تخشى الجلوس إلى عائلتك وأنت على هذا الحال ...أكثر ما كان يُخيفك هو أن يتسرب إحساسك هذا إليهم ...كنت تبذل المستحيل كى تبدو على طبيعتك ...
ترددت كثيراً قبل أن تُصارح صديقك (الطّيِّب) بما يُسيطر عليك وما تخشاه ....أول رد فعلٍ على حديثك هذا كانت ضحكته المجلجلة ....يطلب منك أن تقترب...تدنو ناحيته ....فيطلب منك أن تقترب أكثر...يُمسك برأسك ويضع شفتيه على أذنك ويهمس فيها بكلمةٍ واحدة...ثم يُطلق تلك الضّحكة المجلجلة ....
قبل ذلك الموعد المعتاد تصْحو ...وما يزال الخيط الأسود سائداً....تُجيل بصرك ناحية عائلتك ..يتخللهم فرداً فرداً ...تنهض ثقيلاً ...تغادر فراشك وأنت تجرّ أقدامك جَرّاً ...تخرج ويستقبلك الشارع خانقاً ،تلفح وجهك سمومٌ لم تعْهدها ....تصل مقصدك وأنت تتصبب عرقاً وتتلاحق أنفاسك ،وقبل أن تشرع فى ما أنت مُقبلٌ عليه ،كنت تراجع وضع الوُريقة التى سطّرت عليها كلمات قليلة اخترتها بعناية ،وطويتها بعناية أكبر ....وشَبَكْتها هناك.... على الوسادة