رض كتاب تصوف .. تمارين روحية
رض كتاب تصوف .. تمارين روحية ابراهيم علي ابراهيم: نيقوس كزانتزاكيس تصوف... لا أطمع في شيء .. لا أخاف من
عرض كتاب تصوف .. تمارين روحية
ابراهيم علي ابراهيم:
نيقوس كزانتزاكيس
تصوف...
لا أطمع في شيء .. لا أخاف من شئ .. أنا حر..
ترجمة الشاعر: سيد أحمد
علي بلال..
اسم الكتاب :تمارين روحية..
الكاتب: نيقوس كزانتزاكيس..
المترجم : سيد أحمد علي بلال.
الناشر : دار المدى للثقافة والنشر - دمشق - سوريا..
يقع الكتاب في (83) صفحة من القطع المتوسط..
يعد كزانتزاكيس من اهم روائيي عصرنا ، فقد عاش تجارب ثرة امتزجت بمقدراته الروائية الباهرة، فاغتنت المكتبة العالمية باعماله التي حولت بعضها الى اعمال سينمائية مثل زوربا والمسيح يصلب من جديد والقديس فرانسيس والحرية والموت وتقرير الى الغريكو والاخوة الاعداء وغيرها..
عاش خلال القرن التاسع عشر وسابقا لزمانه شهد التحولات الكبرى في اليونان وعلى ارض جزيرة كريت التي شهدت مولده عام 1883م، وشهد حقب الاستعمار التركي لبلاده درس في اثينا وباريس وعاش في عدد من البلدان الاوربية.
يقول الشاعر والاديب السوداني مترجم هذا السفر من اللغة اليونانية القديمة ثم اليونانية الجديدة وهو بدوره درس في جامعة اثينا يقول عن هذا الكتاب:
«تصوف هو المخطط الاولي لمسيرة الاكتشافات الموعودة وهو البذرة التي نبتت في مؤلفاته الروائية والشعرية اللاحقة، لذلك يمكن اعتبار هذا الكتاب دليلاً يقود القاريء عبر عوالم كزانتزاكيس الروائية وفي الوقت ذاته يمكن النظر اليه كمحطة اساسية لقياس تطوره اللاحق»..
على قبر كزنتزاكيس في اراكليون نحتت عبارة «لا اطمع في شيء .. لا اخاف من شيء .. انا حر» ويعد قبره في جزيرة كريتي احد المزارات السياحية المهمة، وعلى تبة عالية كأنها قلعة يفد اليها السياح من ارجاء المعمورة وحتى لكأنه ما زال ماثلا بروحه يفد الكتاب والعشاق والاعلاميون والفضائيات لتدار الحوارات من هناك.
نبدأ استعراض هذا الكتاب بمدخل فلسفي قد يكون فاتحة نعبر بها على رؤاه محطاته الفلسفية في تسلسلها لنعطي بعض ملامح هذا السفر الشاعري النثري والذي لم يأخذ حقه من النقد والقراءة والمعايشة:
«نأتي من هاوية مظلمة وننتهي الى مثيلاتها اما المسافة المضيئة بين الهاويتين نسميها الحياة.. «لحظة ان نولد تبدأ رحلة العودة الانطلاق والعودة في آن كل لحظة نموت لهذا جاهر الكثيرون في ان هدف الحياة هو الموت»..
بهذا المدخل حدد الكاتب الكبير رؤيته الفلسفية للحياة بصورة قاطعة فهو يرى ان «الصاعد نحو التركيب » و «الهابط نحو التحلل » تياران ينبعان من اغوار الجوهر البدائي كما اسماه .. الخارج عن القانون .. كأنه رد فعل تجاه الينابيع المظلمة.. الخالدة.. ونحن ايضا نشعر في اعماقنا ان الحياة هي الأخرى فوضى وفوران لا نهائي للكون ، ومن ثم علينا تحديد واجبنا في ادراك الرؤيا التي تستطيع ان تستوعب هذين الاندفاعين الهائلين :
الواجب الاول: اسماه: النظر في الاعماق..
الواجب الثاني : لا تسعه الظواهر «فلتعش هذه المعاناة العميقة الشاقة.. »
الواجب الثالث: العقل يتكيف ، يعبيء سجنه .. عرشه .. بانجازات عظيمة .. ينقش على الجدران مآثر بطولية .. ويرسم على السلاسل اجنحة الحرية.. ويقول ان القلب لا يتكيف .. ومن ثم يسقط داميا .. بعد امل كبير .. واصوات عشق تتسرب الى مسامعه عبر الريح..
تلك الواجبات فصول فسرها الكاتب بقلم شاعري: واتجه عميقا الى المسيرة وحددها في سلالم..
السلم الاول: انا..
السلم الثاني: السلالة..
السلم الثالث: الانسانية..
السلم الرابع: الارض..
ثم مضى الى الرؤيا.. فالممارسة: العلاقة بين الانسان والإله علاقة الاديان بالانسان. ، علاقة الانسان بالطبيعة.. الى آخر العناوين التي اختارها لتحديد موقفه من القضايا بصورة اكثر تفصيلا:
٭ انا مخلوق ضعيف ومؤقت .. مصنوع من طين واحلام.. لكني ادرك ان بداخلي تصطخب كل قوى الكون... اريد للحظة واحدة وقبل ان تحطمني هذه القوى ان افتح عيني فأراها امامي، هذا هو هدفي الوحيد في الحياة.
اريد ان اجد مبررا لكي استمر على قيد الحياة، ولكي اتحمل المشهد اليومي المرعب للمرض والقبح والظلم والموت..
٭ بدأت من نقطة مظلمة هي الرحم واسير نحو نقطة مظلمة هي القبر، احدى القوتين تقذفني من هاوية مظلمة والاخرى تسحقني وبلا انقطاع، في هاوية مظلمة..
٭ ونتنقل مع كزانتزاكيس والمترجم - الشاعر لغة سلسة وافكار مدهشة .. تغري بالتهام الكتاب دون توقف.. ونقف حائرين اي المقاطع تلك التي نجعل القاريء الكريم ينتقل معنا فيها: ها نحن نذهب الى: الرؤيا : يقول: بدأت حين سمعت الصيحة.. عبرت من معركة الى اخرى بكل انواع التدريبات العسكرية للانسان المحارب..
حاربت داخل الخيمة الصغيرة لجسدك .. لكنها بدت لك ساحة ضيقة.. فاختنقت ثم انسكبت لكي تنعتق منها.. عسكرت عند سلالتك وامتلأت اياد قوية.. صعدت مع دمك الى الاسلاف ذوي الرهبة وتحركت مع الموتى ولاحياة ومع الذين لم يولدوا لكي تحارب..
...................
انحنى على هاوية وارهف السمع ويتقدم احدهم وهو يلهث.. على الطريق الصاعد الخطير الغامض ويبذل جهده ويكافح باصرار ليصعد لكنه يصطدم بالعوائق في طريق تقدمه..
.................
من داخل هذا الطيني الانساني تتدفق اغان إلهية وافكار عظيمة وحالات عشق جارفة واندفاع يقظ وغامض بلا بداية ولا نهاية..
... ان الانسانية مثل كتلهة من الطين وكتلة من الطين هي كل واحد منا..
ما هو واجبنا؟
.................
ان نناضل من اجل آت تترعرع زهرة صغيرة على سماد جسدنا وعقلنا..
...............
عند تبة عالية في اراكليون من جزيرة كريتي وقف كاتب هذه السطور...متأملا افواج السياح الذين جاءوا من اقاصي الارض ليشكروا روح هذا الفيلسوف المبدع.. والروائي الخالد.. الذي ما يزال معاصرا ورقما ادبيا كبيرا رغم انسراب الجسد منذ زمن بعيد.. لابد ان لكل ذاكرة .. هنا وهناك مع فلسفاته وقصائده واعماله التي احتفلت بها السينما العالمية..
عايشنا حالة صديقنا الشاعر والمترجم سيد بلال وهو يعتصر روحه في ترجمة هذا السفر.. ينقب عن كل كلمة متنقلا بين السودانيين والعرب واليونايين وحازقي اليونانية القديمة.. وقواميس اللغات بحثا عن كل كلمة .. على سبيل المثال : فإن كلمة مثل: (المرحاكة) في عاميتنا السودانية.. فهمها هو من قراءته هكذا .. ثم بحث في العربية ليحصل عليها انها.. التقاه (فرضت عليه اثر ضغوط الترجمة ان يتوقف، ومضينا الى جزيرة ايجنا .. لنسبح ونركب الدراجات ونستنشق هواءا نقيا ولنأكل السوفلاكي ... ثم نعود لأثينا ليواصل سيد بلال رحلة ا?معاناة مع هذا الكتاب الصغير في حجمه.. والصعب والكبير في مضمونه خاصة وانه يحمل فلسفة نيقوس كزانتزاكيس وهو المفتتح لأعماله)..
حكايات سيد ومعرفته لكل كبيرة وصغيرة عن حياة هذا الفيلسوف الكبير لا تنقطع .. فهو الراهب الذي انقطع سنينا في معابد كريتي . وهو المبدع الذي يجوب العالم ويعود لجزيرة السحر وهو الوطني الذي علمه ابوه وهو بعد طفل يافع .. يسحبه من يديه الى الجثث المعلقة على الاشجار .. انها جثث الشهداء التي علقتها قوات الاحتلال التركي لليونان..يسحبه والده من يده وهو خائف.. يعنفه ويدفعه ليلمس الجثث الباردة وهو يقول له: ألمس .. ألمس .. كي تعرف قيمة الوطن.. كي تعرف كيف تكون الوطنية..
قلت وانا اقف على قبره في التلة العالية في اراكليون : لقد كان يخاف الجثث الباردة .. وهو صغير.. وها هو هنا لمئات السنين.. في بقعة - ايضا - باردة .. وحيدا ملقي هنا .. لقد صدق في كل ما قال : من نقطة مظلمة.. الى نقطة مظلمة.. او كما قال الراحل محمود درويش : من الطيني الى الطيني