الحوار الاخير
الحوار الاخير الروائي ابراهيم اسحق في حوار مفتوح (1/2) _"أولاد المدينة" هم من حرضوني على الكتابة _كتبت ثمانية قصص في "راكوبة" في الجزيرة أبا _كتابة الرواية لا تشبه كتابة الشعر _كل كتاباتي من قصص وروايات هي رواية واحدة كبيرة _الجنقو مسامير الأرض تدور في فلك المسكوت عنه المفضوح.. وحياة الجنقو ليست هكذا _لا أستطيع أن أقدم في نص من نصوصي نفس الكلام الذي قالته "بت مجذوب" في موسم الهجرة!! _الطيب صالح اقتطع ربع حجم الرواية قبل طباعتها كما قال دينس جونسون.. ولا أحد يعرف محتوى هذا الجزء إلا دينس جونسون حاوره/ محمد نجيب محمد علي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحوار الاخير
الروائي ابراهيم اسحق في حوار مفتوح (1/2)
_"أولاد المدينة" هم من حرضوني على الكتابة
_كتبت ثمانية قصص في "راكوبة" في الجزيرة أبا
_كتابة الرواية لا تشبه كتابة الشعر
_كل كتاباتي من قصص وروايات هي رواية واحدة كبيرة
_الجنقو مسامير الأرض تدور في فلك المسكوت عنه المفضوح.. وحياة الجنقو ليست هكذا
_لا أستطيع أن أقدم في نص من نصوصي نفس الكلام الذي قالته "بت مجذوب" في موسم الهجرة!!
_الطيب صالح اقتطع ربع حجم الرواية قبل طباعتها كما قال دينس جونسون.. ولا أحد يعرف محتوى هذا الجزء إلا دينس جونسون
حاوره/ محمد نجيب محمد علي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أذكر أنني حاورت أستاذي ابراهيم اسحق للمرة الأولى حين كنت طالباً بمدرسة محمد حسين الثانوية عام 1973 لصحيفتي المدرسية.. كان هو أستاذنا للغة الانجليزية.. وحينها كانت قد صدرت له رواية "حدث في القرية" و"أعمال الليل والبلدة".. ربما لم يكن حوارنا ليتجاوز سؤال التلميذ لأستاذه! وفرح الشعر في بداياته بحوار أستاذه الروائي الكبير..! وهأنذا.. بعد كل هذا الزمان الذي مضى.. أجلس بذات فرحي الأول.. وبرؤى مختلفة.. ومحاور عديدة وقراءة جديدة لكاتب ضخم.. أعطى ولا يزال.. ولا تزال الأسئلة تنقب في زوايا الإجابات.. في كاتب.. نحتاج لزمن طويل سيأتي لنقرأه كما يجب..
في يقيني أن أستاذي الروائي القاص ابراهيم اسحق لم نقرأه بعد.. بما يستحق.. ولم نسوق له بالقدر الذي يكفي ليعلم العالم أن في السودان أدباء كبار لا يقلوا شأواً عن أدباء جائزة نوبل.. ولكن!!
(×) لنقرأ أولاً.. بماذا بدأ ابراهيم اسحق الكتابة. الشعر أم القصة أم الرواية؟
(=) بدأت الكتابة بالرواية, ثم جاءت القصة, وهنالك من يقولون أني شاعر, ومحاولاتي في الشعر جاءت في وقت متأخر, واعترف أنها كانت محاولات فاشلة.. فأنا لست شاعر..
(×) نرى ماهو الدافع الذي قادك لأن تكتب؟
(=) حين كنت في الفاشر الأهلية الوسطى.. كان "أولاد المدينة" زملائي في المدرسة يتلذذون بالحكايات الريفية التي كنت أحكيها لهم.. وهذا حفزني لأن أحكي لهم بطرافة مشوقة.. وأصبح لديهم سيل مستمر من الحكايات المنسوبة لابراهيم اسحق لدرجة أنهم سموني "بالسفير ودعة"..
(×) اذاً كان الحكي هو أول حكايات ابراهيم اسحق؟
(=) أجل, ودفعتني هذه المحبة لقراءة النصوص القصصية الموجودة بمكتبة المدرسة.. ولحسن الحظ كان بمدرسة الفاشر "دولاب" بكل فصل به مجلدات ضخمة, مجموعها لا يقل عن ألف مجلد.. كانت هذه المجلدات معظمها في السيرة الشعبية العربية التي حسنها "الاوباشي" وفاروق خورشيد وغيرهم..
(×) هل لك أن تذكر لنا بعض أسماء قراءاتك الأولى؟
(=) ما بين السنة الأولى والثانية بالمدرسة, قرأت سيرة سيف بن زي يذن وألف ليلة وليلة, وبني هلال, وعنترة بن شداد وغيرهم..
(×) وماذا عن كتاباتك في تلك المدرسة الوسطى؟
(=) حين وصلت الى السنة الثالثة بدأت أكتب أشياء وصفية, كانت تتداخل فيها السيرة الحكائية.. مثلاً في وصف حركة الناس حول الراهد والفولة, أو عن التجمع في ميدان الكرة في الفاشر, أو عن التجمعات السياسية الشعبية.. ربما كان مزاجي الأساسي هو أن أقدم الصورة الجميلة لما يعتمل في ذهني في شكل حكائي..
(×) أفهم من ما سبق أن "أولاد المدينة" هم من أشعلوا رغبة "ابن الريف" ليكتب؟
(=) بالنسبة "لأولاد المدينة" يرون دائماً أن الريف عالم آخر لا يعرفونه وهذا تماماً ما دفعني وحفزني لأن أحكي لهم حكايات الريف في صور جميلة وطريفة.. اكسبتني القدرة على الحكي.. ومدرسة الفاشر حينها كانت نصف تلاميذها من المدينة ونصفهم الآخر من الريف..
(×) وأبناء المدينة سموك "السفير ودعة".. فارتبط اسم ابراهيم اسحق "بودعة".. كما ارتبط اسم نجيب محفوظ بالقاهرة وعيسى الحلو بالخرطوم.. هل يعني هذا – بالضرورة – أن يكون الكاتب مقيداً بأمكنة محددة؟
(=) أنا لا أقول أن كل كتاب العالم يجب أن يكونوا هكذا, وهنالك من النقاد من يقولون أن ابراهيم اسحق انتقى بيئة وحولها لعالم مواز لها.. وهذه الفرعية من الانتخاب, وهيكلة عالم خيالي حول منطقة واحدة أخذتها أنا من وليم فوكنر وجيمس جويس وميخائيل..
(×) أنت عاشق لودعة.. أستاذ ابراهيم؟
(=) هل يمكن أن تقول لي ماذا ينقص "ودعة" عن "دبلن" مثلاً؟! الانسانية كلها واحدة.. وكل ما أردته أنا, أن أعكس حياة أهلي.. علماً بأني لم استخدم كلمة "ودعة" في النصوص.. ومزاجي كله برواياته وقصصه يدور حول عالم محدد, لكن هذا العالم يمكنه أن يمد أذرعه في العالم الثاني.. والاستلهام الأساسي لكتاباتي يأتي من الاقليم الذي يقع جنوب الفاشر لحدود 60 أو 70 أو 80 كيلو ومعظم مسميات المدن هناك "الأرياف والوديان والقيزان والفرقان" ولب الموضوع هو العالم الذي أعرف والذي يستحق أن يعرف الناس عنه أجمل مافيه, وأبشع مافيه, وكل شيء عنه..
(×) أذكر أنك قلت لي أن قصصك القصيرة الأخيرة كتبتها في "ودعة"؟
(=) أنا لا أنكر أن الاستلهام كثيراً ما يأتي في البلد.. بمعنى أن الفكرة يمكن أن تطرأ عليك في البلد ولكن قد تكتبها خارج البلد, وهذه كانت أول مرة أكتب هناك قصتين "المعلوم بالعافية والضرورة" و"الخروج من حلة انفاقا"..
(×) هل ذهبت هناك لتكتبهم؟
(=) لا.. وكل الأفكار جاءتني هناك.. جاءني الخاطر لأكتبهم..
(×) أسألك أستاذ اسحق.. هل الكتابة في الخرطوم تختلف عن الكتابة في "ودعة"؟
(=) لا.. ابداً.. الفكرة قد تنزل على الكاتب مثل الكابوس في أي محل, قد تضايقني وأنا في الرياض أو في الخرطوم أو في الجزيرة أبا..
(×) أنا أسألك عن تجربتك؟
(=) أقول لك.. أنا كتبت ثمانية قصص معظمها موجود في "ناس من كافا" وأنا جالس في "راكوبة" في الجزيرة أبا.. متى ما "ضايقتني" الفكرة أكتب..
(×) وهل تأتي الكتابة فجأة؟
(=) الكتابة تأتي دائماً حين تجد نفسك منعزلاً, والفكرة تزاحمك, ولا تجد مفراً سوى أن تكتب..
(×) أسألك عن حالة الكتابة لدى ابراهيم اسحق؟
(=) أذكر أنني ذهبت برفقة عريس الى الجزيرة أبا.. ذهب هو وزوجته وتركني جالساً في "الراكوبة".. فضايقتني الأفكار وكتبت ثمانية قصص هنالك.. ومحمول الفكرة الأساسية حين تدخل الى ذهنك لا تعلنك متى دخلت, ولكن معلوم الفكرة من الممكن أن تحمله معك, الى أن تتفجر فيك وتبقى لك "مشكلة" حتى تكتب..
(×) وكتابة الرواية هل تشبه كتابة القصيدة؟
(=) لا أظن.. كتابة الرواية خليط من الحكي الشعبي والدراما.. واعتقد أن كاتب القصة القصيرة أو الرواية أن يقبض على "تشويق" القاريء.. الكاتب يتابع الفكرة.. مسارها.. والمنظر يقوده الى المنظر الآخر.. هذا موكب درامي.. ولا يشبه كتابة القصيدة.. وهذا بالتأكيد لا يمنع من أن الصور أو التعبير عن الصور قد تكون به شاعرية.. والشعرية تعطي جمالية الحكي.. ولكن كتابة الرواية ليست مثل كتابة القصيدة.. وكل القصيدة في النهاية صورة..
(×) وأسألك عن أول رواية؟
(=) حدث في القرية.. كتبتها وأنا طالب في معهد المعلمين العالي في سنة ثالثة..
(×) اذاً لم تكتب قبلها؟
(=) المسألة مراحل. كنت أحكي القصص لزملائي في الفاشر الأهلية الوسطى وفي الجمعية الأدبية كما قلت لك أولاً.. وهذه المرحلة كانت تجمع شيئاً من عندي وشيئاً مما تعلمته من الكتب.. وحين جئت الى الأحفاد.. أصبحت اقرأ في المكتبة المركزية.. واقتني الكتب المستعملة التي ألقاها..وصرت أقلد "ابوبكر خالد وعثمان علي نور".. كنا نقرأ أعمالهم في مجلة "هنا امدرمان".. وكانت كتاباتي ضعيفة ونصحني حينها مصطفى مبارك أن أعود مرة أخرى لأقرأ حتى يتسع المجال وأكتب قصصاً أنضج مما كتبت.. ثم كان أن هجرت الكتابة مؤقتاً وانصرفت عنها حتى دخلت الجامعة.. وأصبحت في معهد المعلمين العالي.. وبدأت مرحلة تعليم كيف أكتب القصة من جديد.. كيف اتتلمذ على النصوص الحقيقية.. قرأت مجلدات "سومرست موم" وجي داي موسان, وادجار الن بو, وكولدوبل.. وهذه القراءات تدفع بمقدرتك الكتابية لشكل جديد..
(×) وكتبت حدث في القرية؟
(=) كتبتها عام 68 وصححت من الناحية اللغوية وفي ذلك العام قدمتها للراحل عبدالله حامد الأمين, وهو بدوره قدمها لعبدالله علي ابراهيم ليقرأها.. وحينما ذهبت لهم لأسألهم عنها.. قالوا لي أن الرواية ذهبت لبيروت..
(×) أستاذ ابراهيم.. ألاحظ دائماً من خلال عناوين مطبوعاتك انك دائماً تحتفي بالصورة الجمعية "عائلة نورين" "عائلة كباشي" "ناس من كافا".. على عكس الطيب صالح "عرس الزين" "رسالة الى الين" لماذا يعود هذا؟
(=) اعتقد لو انك نظرت للحياة التي تعيشها الأسر في مدينة أو في بلدة صغيرة في غرب السودان, دائماً يكون هناك "حوش ناس فلان".. وهذا الحوش تحول الى "آل" في بداية القرن العشرين, وحتى في مدينة الفاشر تجد للأسرة زريبة تحوط بيتهم وداخلها هذا بيت فلان وهذا بيت فلان.. وفكرة "الحوش" ليست فكرة نظرية ولكنها فكرة حقيقية بالنسبة لعالمنا.. وكلمة "آل" التي استخدمها لا تعطيهم انفرادية ولكنها تعطيهم ذاتية جمعية.. هذه الذاتية الجمعية تتكامل مع بعضها لتكون الصورة الكلية للبلدة..
(×) يقولون أن الروائي لا يكتب في حياته إلا رواية واحدة؟
(=) أنا أيضاً أقول أن كل كتاباتي من قصص قصيرة وروايات هي رواية واحدة كبيرة..
(×) ويقولون أيضاً أن لكل كاتب موضوع واحد أو اثنين أو ثلاثة تدور كتاباته في فلكهم؟
(=) اتفق معك.. ولكن الموضوع ليس حدثاً واحداً, لنقول المظهر الجمعي لحياة منطقية بكاملها.. وهذا المظهر الجمعي به خلافات الناس مع بعضهم, وافراخهم وتأملاتهم وسيرهم خلف انعامهم وزراعتهم, وعلاقاتهم التجارية, وكل شيء.. مثلاً في "أولاد كباشي" من يروون القصص وصل عددهم حتى الآن الى "27" شخص.. والباحثة آسيا وداعة الله قالت أنها تابعت آل كباشي من خلال ما كتبت ووصلت الى الجيل الرابع من آل كباشي..
(×) وشخصيات رواياتك – أستاذ ابراهيم – دائماً نراهم يتكررون؟
(=) من الممكن أن تقول أن 60% من كتاباتي بها تكرار للشخصيات ولكن ليس تكرار لمواقف أو انطباعات.. مثلاً "شخصية حازم" يظهر في الرجال السلاحف في ناس من كافا راعي غنم ثم تراه مرة أخرى يروى أخبار البنت مكايا.. ثم تراه هو نفسه في عرضحالات كباشية يحكي عن "الولد بتاع الجنجويد"..
(×) هل يقصد أستاذ ابراهيم هذا التكرار في الشخصيات؟
(=) لا ليس عن قصد, الحدث وحده يستدعى أن يقول الكاتب هذا الحدث الشخصية الوحيدة التي يمكن أن تحكيه هي فلان الفلاني لأنها هي صاحبة القدرة بأن تضع اللحمة والطعم على هذا الحدث..
(×) أنت ككاتب ليس لك خيار؟
(=) الحدث يقرر من الشخصيات تحكيه, ومن الشخصيات تلعب فيه الدور الأساسي..
(×) أنت باحث في الفلكلور وكتبت السيرة الهلالية ما أثر ذلك على كتاباتك؟
(=) أنا أعتقد أن الفلكلور بالذات ساعدني جداً بأن أعرف مؤشرات تحليل خبايا الناس على المستوى الشعبي.. لماذا؟ لأنك حين تسمع حكاية يستجد فيها جوانب من حياتهم اليومية, وجوانب من تخيلاتهم للكون, وجوانب من توقعاتهم للغد, وجوانب من ذكرياتهم الماضية, وأنت ككاتب تستطيع أن تمزج ما بين الشيء الذي تعلمته على المستوى الشعبي مع التقنية الحديثة التي تعلمتها من بلد آخر..
(×) وابراهيم اسحق لم يكتب عن الخرطوم؟
(=) كل المادة التي أكتبها أنا هي وعن آل كباشي بالدنيا.. اذاً لابد من أن يكون الراوري من آل كباشي.. والحدث الذي يحكيه عن الخرطوم يضع به رؤية واحساس آل كباشي وهو موجود بالخرطوم.. وآخر رواية صدرت لي "وبال من كلمندو" بها فصلين يدوران بالخرطوم وهنالك تقريباً حوالي ست قصص قصيرة لي تدور أحداثها في الخرطوم..
(×) وهي وعي آل كباشي ورؤيتهم واحساسهم في الخرطوم؟
(=) أقول لك "عثمان" من حكى أول روايتين لي "حدث في القرية" و"أعمال الليل والبلدة" في الستينات يعيش في بيته في "امبدة" لأكثر من عشرين عاماً.. ولا استبعد في لحظة من اللحظات أن يحدث "حدثاً" يجعلني أدعوه ليحكي الحدث من داخل الخرطوم فهو يعيش في الخرطوم.. ولكن ربما تكون هناك نصوص حدثت وعثمان في الخرطوم ولكنه حين ذهب للبلد كتبت بأجواء البلد مثل "سفر ست النفر بت شيفون"..
(×) وأعود لذات السؤال لم تكتب عن الخرطوم؟
(=) قصة "بير أولاد ابوقطاطي" خرطومية "مية المية" وهناك قصة منشورة في عرضحالات كباشية اسمها "بتاريخ السعالي والسجاني".. اعتقد انها تتكلم عن البيئة الخرطومية ولابد لأولاد كباشي من أن يكونوا طرف من الحياة الموجودة في الخرطوم..
(×) مفهوم العرضحالجي الذي قدمه ابراهيم اسحق في عرضحالات أولاد كباشي – هنالك من النقاد من يعترضون عليه.. ترى ماهو تعرييف العرضحالجي عند ابراهيم اسحق؟
(=) أذكر أن هذه القضية كانت قد اثيرت في لقاء بنادي القصة بعد عودتي من الغربة.. وكان السؤال اذا لم يكن عند ابراهيم اسحق حكاية الراوي العليم – المستوعب لكل شيء فما هو دوري اذاً..!! وأنا مهمتي كما قلت لهم أن أكتب النص الذي يحكوه لي آل كباشي – وفي قطاع السرد أعطيهم أفضل ما عندي من البراعة الكتابية.. أما في الحوار فأنا آتي بكلامهم كما هو.. وهذه الوظيفة لها شكلين من التراث العربي.. شكل كاتب الانشاء "كما كان يمليه عليه السلطان".. والشكل الثاني هو كتابة العرضحالجي الذي مثلاً نجده على المستوى المحلي يكتب العريضة باسلوبه في اللفظ والتعبير.. وأنا اعتقد ان أولاد كباشي ليس لديهم القدرة ليدافعوا عن أنفسهم بحيث يفهمهم القاريء وأنا أستطيع أن أعبر عنهم.. لذا أنا رأيت أن كلمة العرضحالجي أفضل من كاتب الانشاء, لأن كاتب الانشاء يعبر عن مسألة ديوانية.. بينما العرضحالجي يعبر عن حاجة شعبية وهي من ثقافتنا وتؤدي هذا الدور..
(×) أستاذ ابراهيم اسحق.. لنفتح الآن باب الحديث عن المسكوت عنه في الرواية – أراك تجنح بعيداً عن الكتابة في الجنس.. أو ربما تتجنب الاقتراب منه؟
(=) لا.. هو موجود في كتاباتي, موجود بشكل لا يثير مشكلة..
(×) ماذا تعني بالمشكلة؟
(=) أنا من بيئة أنصارية محافظة.. ما حدث مثلاً في رواية موسم الهجرة للشمال من أحاديث في الجنس هي بين الكبار فقط وغير مسموح أن تنتقل هذه الأحاديث لتكون بين الفئة التي يمكن أن تجرب.. وهذا من بيئتنا.. اذا كان الكبار يتحدثون في موضوع كهذا.. ودخل عليهم أحد الصغار يسكتون ويصمتون.. ومن هذا جاءت كلمة "المسكوت عنه"..
(×) وابراهيم اسحق ألم يسعى للاقتراب من المسكوت عنه في كتاباته؟
(=) في فضيحة آل نورين حين جلس الفقهاء ليسألوا في البنت والولد "ياجماعة انتو لما اختليتو مع البعض, معاملتكم مع بعضكم البعض وصلت لي مرحلة المرواد في المكحلة, الدلو في البير".. ولم تكن هناك غضاضة من هذا الحوار حتى مع وجود الصغار.. وأنا شخصياً لا أرغب أن أصور شيئاً غير موجود في البيئة التي أكتب عنها.. وأنا أعتقد ان الكتابة الذين يكتبون المسكوت عنه في مستوى الرواية – يفتحون الباب على مصراعيه لكل الناس والمشكلة تأتي من الكاتب حين يعبر عن المسكوت عنه بالمفتوح يتضخم وبدلاً من ان يكون بمقدار 10% فقط من حياتنا وكلامنا وممارساتنا يتحول الى 50% منها.. وهذه خطورة أخذت تأكل ما تبقى من الحياء..
(×) أستاذ ابراهيم.. هل هناك أمثلة لما تقوله؟
(=) مع احترامي مثلاً لبركة ساكن في الجنقو مسامير الأرض الا ان ثلاثة ارباع هذه الرواية يدور في هذا المسكوت المفضوح.. فهل حياة "الجنقو" كلها هذه الممارسة؟ لا أظن ذلك!! وهل الحياة في المغرب العربي كلها هي الصورة التي قدمها محمد شكري في الخبز الحافي؟.. والمشكلة تأتي من أن الكتاب – وبالأخص في السودان – عليهم أن ينتبهوا بأن ما يحدث في "بلاد بره" في كتاباتهم لا يخصنا.. وحديث كتابنا عن المسكوت يجب أن يكون بالمقدار الذي يشبه واقعنا ولا يتجاوزه..
(×) دعني أسألك عن ما كتبه الطيب صالح في زوايا المسكوت عنه؟
(=) من تحدثوا عن هذا الموضوع تناولوه بحساسية مفرطة, فكل ما أورده الطيب صالح عن "بت مجذوب" لا يتعدى فقرة واحدة من الرواية.. وهنالك من النقاد من قال لو سحبت هذه الفقرة من الرواية لن تؤثر فيها..
(×) هل من الممكن أن يقدم الأستاذ ابراهيم اسحق داخل أحد نصوصه حديثاً يماثل حديث "بت مجذوب"؟
(=) أنا لا أستطيع أن أقدم في داخل نص من نصوصي نفس الكلام الذي قالته "بت مجذوب".. ورغم ذلك لا أدين الطيب صالح ولا أدين أيضاً من اشتكى من هذا الأمر واعتقد أنه من الطبيعي جداً أن يأتي النص كما أراده الطيب لأنه كتبه في لندن.. وأحيل الناس هنا لما قاله دينس جونسون.. بأن الطيب صالح اقتطع ربع حجم الرواية قبل طباعتها.. والى الآن لا أحد يعرف محتوى الجزء المقتطع إلا دينس جونسون.. والسؤال هل ان هذا الجزء الذي اقتطعه الطيب صالح يحتوى على شيء من المسكوت عنه.. أم لا..؟!