من جبال أوراس للخرطوم

من جبال أوراس للخرطوم الشاعرة الجزائرية عائشة حداد - الخرطوم أجمل بكثير مما تصورت ، والسودان نبع ونهر ومصب للسرد والمحكيات والتراث . - أول من جالست إمرأة فى الثمانين سألتني بكل شغف : كيف هي جميلة بوحريد ؟ - هذا ما قلته للطيب صالح على قبره ! حوار – محمد نجيب محمد على

من جبال أوراس للخرطوم

من جبال أوراس للخرطوم

الشاعرة الجزائرية عائشة حداد

- الخرطوم أجمل بكثير مما تصورت ، والسودان نبع ونهر ومصب للسرد والمحكيات والتراث .

- أول من جالست إمرأة فى الثمانين سألتني بكل شغف : كيف هي جميلة بوحريد ؟

- هذا ما قلته للطيب صالح على قبره !

حوار – محمد نجيب محمد على

عائشة سعيد حداد شاعرة جزائرية من جبال أوراس ، زارت الخرطوم ، وشاركت فى منتدياتها الثقافية . بنقديم الندوات والقصائد ، وهي لها إسهامات فى كتابة القصة القصيرة والشعر بجانب محاولاتها فى الرواية وتعمل مهندسة معمارية إلتقيتها وكان هذا الحوار

- عائشة حداد تخصصت فى هندسة المعمار ، هل من علاقة بين الهندسة والإبداع ؟

الكتابة هى هندسة الكلمات ، والمعمار هو تخطيط المعنى ، الكتابة هى مشروع كاتب زاده الحبر والورق .

- ماهى العوامل التى شكلت وخلقت موهبة الكتابة لديك ؟

الكاتب هو إبن بيئته ، أنا من بيئة ألهمت من زارها ولو مرة ، فكيف بمن ترعرع ونشأ فيها ، بيئة كل ما فيها جميل وصادق حد القصوى ، جبال أطلس ، قمم أوراس ، الينابيع ، الغابات ، الأهازيج ومواسم الحصاد والحرث . وأيضا دفعنى واقع المرأة الذى تشوبه المرارة فى الراهن لأن أعبر وأبوح . نحن الجزائريون محظوظون بإنتمائنا للثقافة الأمازيقية والعربية والإفريقية وثقافة البحر الأبيض المتوسط .

- ترى كيف وجدت عائشة الخرطوم فى أول زيارة لها  ؟

وجدتها أجمل بكثير مما تصورت ، أول من إلتقيت إمرأة فى الثمانين حين علمت أني من الجزائر سألتني كيف هي جميلة بوحريد ؟ لمست حينها عمق الوصل الثقافي بين السودان والجزائر . لقد وجدت قلوب الناس فى السودان قصورا وسرايا ، وجدت البساطة والعفوية تاج كل سوداني ، ورغم ذلك وجدتهم مقصرين تجاه مبدعينهم وتجاه رصيدهم الجميل الموروث ، وتجاه بيئة مثل بستان أسمر قلبه نخلة ، هم لا يعملون لإيصال كل هذا الجمال للعالم . وكان لى شرف أن شهدت إعلان جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي بمركز عبد الكريم ميرغنى بأمدرمان ، وأيضا تجولت فى قاعات المعرض الدولي للكتاب وشاركت فى تقديم العديد من الإصدارات والمواليد الروائية والشعرية السودانية ، وأكثر ما أعجبني لقائى بمن يمارس ويمتهن بيع الكتب القديمة والجديد ة " الوراقين " كما تسمونهم ومنهم القاص عمر دفع الله رأيته كمن ينقب عن كنوز دفينة وآبار جوفية لعطشى المعلومة فى صحراء المعرفة ، إلتقيت أيضا بتجارب نسائية أبهرتني بعمق بمعاني الرؤية وإكتساب السرد والشعر الهادي البديع ، منهم الروائية سارة عبد المنعم والروائية بثينة خضر مكى وملكة الفاضل  والشاعرة منى عبد العظيم بديوانها بنت هباشة ، وهو يحمل الكثير من ملامح قلب طفلة وعالم برىء

 

- لا شك أن الأمكنة التى زارتها عائشة بالخرطوم كان لها أثر فى تكوين الرؤية ، كيف قرأت جغرافيا الناس والأمكنة ؟

هنالك مقولة أرددها دائما : الأمكنة أرواح ، والجغرافيا إنسان . زرت العديد من المعالم ، منها سوق السمك بالموردة بأمدرمان وهو سوق يتساوى فيه كثرة عدد الباعة والصيادين وانواع السمك النيلي المختلف فى السلال والشباك . وزرت أيضا والوقت عصر جمعة " مقابر حمد النيل " وهو مكان تجاور فيه النائمون الخاضعون لإرادة الله مصطفين متجهين القبلة بجوف التراب ، بمن يقفون حفاة بملابسهم الخضراء يقرعون الطبول وكأنها من جلودهم على إيقاع ونبض روحي فى طلاقهم للدنيا وفى مناجاتهم للحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ، والسبح تتدلى من الأعناق والأيادي حباتها ذكر ومديح وارواحهم تحلق تتداعى وتفرد أجنحتها ، وزرت أيضا قبر الراحل العظيم الطيب صالح فى مقابر البكرى ودعوت الله له وهمست كم كنت رائعا أيها الإنسان .

- عائشة تكتب قصيدة النثر ، هل من رؤية تحكم منهج الكتابة ، أم أنها تيار لم يتبلور بعد ؟

الكتابة فى إعتقادي كائن حي ، ميلادها قد يأتي على صورة قصيدة نثر أو رواية أو قصة . ما يعنيني أكثر هو المعنى ، هو وقع الكلمة ، هو الصورة المكثفة والصادقة بعدها يأتي التصنيف .

 

- ما علاقة النثر بالشعر ؟

الشعر فى إعتقادي تجلي وتحليق وإخضاعه للموزون والقافية نوعا من القيد والإعتقال فى عصرنا هذا . لا أنكر جمال ودهشة القصيد الموزون لمن كان عظيما ويملك القدرة على ذلك . نحن فى الألفية الثالثة تحكمنا الصورة والإنطباع والرصيد المرئيي والخيال أكثر من جمالية البناء والنسيج المنظوم .

- أنت كتبت القصة والرواية والشعر ، هنالك من يرى أن الشعراء هم الأقدر على كتابة الرواية والسرد من غيرهم من كتابها ؟

بكل بساطة كتابة الرواية تحتاج إلى عمق ،إلى تجربة إنسانية مرة كانت أو حلوة . والشاعر هو أكثر المخلوقات تأثرا وحساسية لذلك يجيد الشعراء كتابة الرواية ، فالشاعر دائما له منظور وعين ترى الأشياء والدنيا من زوايا أخرى أكثر جمالا ، أكثر عمقا ، أكثر تمحيصا ، أكثر أيضا تأثيرا ومصداقية .

- ماذا تقول عائشة عن الكتابات السودانية ؟

فى زيارتى هذه إكتشفت أن السودان نبع ونهر ومصب للسرد ، للرواية ، للمحكيات ، للتراث الشعبي . وهو مغيب عن قصد أو عن غير قصد لا أدري ذلك . أول ما قلته وأنا أقف على أرض النيلين وأول الإهرامات للراحل الطيب صالح : ليتني التقيتك حيا ، لكني التقيتك من خلال موسم الهجرة نحو الشمال .. أسأل ولا تجيبني متى تحين مواسم الهجرة إلى ذواتنا إلى التصالح مع ارواحنا إلى التغيير الإيجابي إلى النهوض بما نملك .

 

- هل هناك تشابه ثقافي يربط الخرطوم بالجزائر ؟

أول ما لفت إنتباهي نغمة الزغرودة للمرأة السودانية التى تطابق نغمة الزغرودة للمرأة الجزائرية ، وهى تختلف عنها فى الشقيقتين المجاورتين تونس والمغرب . وثاني التشابه فى المحكي والأمثال الشعبية حتى وإن إختلفت الصياغة نجد أن المعنى ذاته .

- وماذا الهمتك الخرطوم ؟

آخر قصيدة كتبتها على ضفاف النيل والريح ترفض إقلاع المراكب :

إنقضى عمري

بظل أقصر مني

يراودني وأأبى الإنحاء

هذا المساء

السماء أكثر إرتفاعا

والموج يحاصر المراكب

فى " مراسي الشوق "

الريح إمرأة مجنونة

تعرض خصلاتها للبيع .