المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة (2_2)

المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة (2_2) *يتهموننى بالإنفصال رغم دعوتى للوحدة *دينق مجوك كان إبرة وخيط بين الجنوب والشمال. *صحفى سودانى قال:طائر الشؤم آيات شيطانية وأنا سلمان رشدي. *السفير الأمريكى قال:فقط فى السودان سلمان رشدي يدعو الخميني للغداء. *الطيب صالح أقنع العالم بأننا بشر ولنا عزة.  الخرطوم : كليك تو برس:محمد نجيب –عامر محمد أحمد تتسم كتابات المفكر الدكتور الجنوب السودانى بالعمق وقوة الحجة والمعرفة الدقيقة بأدوات الكتابة مع روح علمية ناصعة الوضوح .

المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة (2_2)

المفكر الدكتور فرانسيس دينق فى حوار الفكر والسياسة والثقافة (2_2)

*يتهموننى بالإنفصال رغم دعوتى للوحدة

*دينق مجوك كان إبرة وخيط بين الجنوب والشمال.

 

*صحفى سودانى قال:طائر الشؤم آيات شيطانية وأنا سلمان رشدي.

 

*السفير الأمريكى قال:فقط فى السودان سلمان رشدي يدعو الخميني للغداء.

*الطيب صالح أقنع العالم بأننا بشر ولنا عزة.

 الخرطوم : كليك تو برس:محمد نجيب –عامر محمد أحمد

تتسم كتابات المفكر الدكتور الجنوب السودانى بالعمق وقوة الحجة والمعرفة الدقيقة بأدوات الكتابة مع روح علمية ناصعة الوضوح . إنطلق الدكتور فرانسيس من الثقافة المحلية لقبيلة الدينكا وجنوب السودان والمعرفة بتاريخ السودان الثقافى والحضاري والسياسى الى العالمية . نشأ " دينق" فى بيئة زعامة وعلاقات إنسانية متشابكة ومتصالحة ومتصاهرة بين الدينكا والمسيرية فى أبيي بين والده الزعيم الراحل "دينق مجوك" وزعيم قبيلة المسيرية "بابو نمر" كتب دكتور فرانسيس فى الفكر والسياسة كتباً عديدة وروايات لايزال صداها الى اليوم قراءةً وبحثاً  فيها ، كما كتب عن والده دينق مجوك وصديقه بابو نمر كتابين يعدان مرجعين فى التاريخ الإجتماعى والثقافى السودانى .

فى فندق كورنثيا بالخرطوم إلتقينا الدكتور فرانسيس، إستقبلنا فى ترحابٍ ومودة "وجلباب "سودانى يحكى عن بساطته وإعتزازه بالإنتماء الى أرض تمتد من نمولي الى حلفا . ودكتور فرانسيس دينق، تتفق أو تتختلف معه فى رؤاه إلا أنه فئة الكبار ثقافةً وفكراً وإنسانياً ، الذين يندمو المرء كثيراً إذا لم يتعرف عليهم أو يجالسهم .

وفرانسيس دينق هو المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عن منع الإبادة والفظائع الجماعية ،وأستاذ وباحث فى السياسة الدولية والقانون والمجتمع فى جامعة "جونز هوبكنز"وزميل غير مقيم فى دراسات السياسة الخارجية فى معهد بروكنغز ، ولسانس حقوق من جامعة الخرطوم 1962م ، ماجستير فى القانون1966م ، ودكتوراة 1968م من جامعة ييل بأمريكا. ومن مؤلفاته " صراع الرؤى :نزاع الهويات فى السودان،السودان على حافة الهاوية ، رجل يدعى دينق مجوك، وروايتيه بذرة الخلاص وطائر الشؤم

*نرجع للجذور والى دينق مجوك ، لماذا غاب هذا الرمز الكبير للتسامح والعلاقة بين الشمال والجنوب  فى لحظة الإنفصال؟

هذه علاقة أجيال وراء أجيال "جدنا"والد"جدنا" أبو والدنا أول من إتصل بالعرب فى فترة حروب تجارة الرق،فخلق صلة مع العرب ودمجوا الدم حتى يكونوا "أهل " رغم أنهم عنصرياً ،ثقافياً، عرقياً مختلفين ، لكنهم كانوا قادرين على ان يصبحوا "أهل "وهذا ما جعل العلاقات بين المسيرية والدينكا ،تتحسن، زعماءلقبائل الدينكا، كانوا يقولون لنا نحن لم نكن نعرف العرب هذه هى عائلتكم التى ربطتنا بهم ،وكان عندما يأتون تجار الرق بأشخاص فإن والد جدنا كان ياتى وينقذهم كانت هناك منطقة إسمها "الزريبة "فياتى والد جدنا ، ويرجعهم الى مناطقهم وجاء "جدنا "والد "أبانا" وخلق نفس الصلة مع المسيرية ، واذا قراتم كتابى عن " بابونمر" تجد كيف كان التعاون بين والدنا" دينق مجوك" و" بابو نمر".

*كيف كانت العلاقة داخل العائلة فى مسألة زعامة القبلية ، او بصريح العبارة كيف وصل "دينق مجوك" الى زعامة القبيلة؟

كانت هناك خلافات فى العائلة بين والدنا وأخ له غير شقيق ، فى من يتولى المسئولية والزعامة ، فكانت  هناك تفاصيل حول من هى الزوجة الأولى "لجدنا" أم والدى ،أو أم الأخ غير الشقيق ، هذه تمت خطبتها أولاً، لكنها كانت معارضة للخطوة من جانب أهلها ، الثانية قبلت بالأمر، وأتت قبل من تمت خطوبتها اولاً، وكان الأمر فلا تحديد من هى الأولى وهذه عادات لدى الدينكا ، بان الزعامة لإبن المرأة الأولى ن وكان دينق مجوك قد دخل فى علاقات مع العرب وخاصة بابو نمر" والإنجليز ، وقد كسب ودهم وتميزت علاقاته معهم ، وكانوا يقفون معه ويعتقدون ان دينق مجوك هو الأصلح والأجدى لزعامة القبيلة.

*ماذا حدث؟

حدث إنقسام ، وكان "  جدنا" والد دينق مجوك ، يميل الى كفة الإبن الآخر . دينق مجوك وقف مع العرب والإنجليز ، قبللا حدوث هذا الخلاف ، لذلك تولى قيادة القبيلة ، وبرهن على انه كان مؤهلاً للقيام بالقيادة وكما ذكرت من قبل ، فإن الإنجليز كانوا قد سألوا حول أفضلية بقاء "أبيي"تجت إدارة أقليم كردفان عام     1905م. وبعض القبائل التى كانت تقيم فى أبيي تم إرجاعهم الى الجنوب ، بزعامة " جدنا" " كوال أروب" وبقي فى كردفان الوالد وقبيلته ، وعندما تم تخييره فى الذهاب الى الجنوب ، اختار البقاء فى الشمال وأيضاً الإنجليز قبل خروجهم من السودان وإعلان الإستقلال ، طلبوا منه ان يختار بين  الذهاب الى الجنوب أو البقاء فى الشمال ، فأختار البقاء فى الشمال وكان يصف نفسه بأنه إبرة وخيط بين الثوب الواحد".

*لكن لاتزال هذه المشكلة قائمة فى "أبيي" كيف الوصول الى الحل؟

الدينكا فى أبيي يشعرون ، بإضطهاد فى الشمال لذلك يسعون الى الإنضام للجنوب، وكانوا تحت زعامتهم "جدنا" ووالدنا لم يكونوا مضطدين، بل العكس كان المرء كونه " جنوبياً " من الشمال ، كانت تعطيه ميزة خاصة فى الراهن فإن الوضع فى الجنوب نفس الشئ ، إذا أردت توحيد البلاد ، توجد خلافات ، كيف تستطيع خلق مناخ يجعل كل شخص يحس بالمواطنة، ويعتز بوطنه .

*يسعى بعض ابناء أبيي من الدينكا الإنضمام الى الجنوب؟

نعم: هناك من يسعى للإنضمام الى الجنوب، نيفاشا أعطتهم ، حق القرار ، البقاء فىى الشمال أو الإنضمام الى الجنوب ، وعندما لم ينفذ هذا البند ، سعوا الى الإستفتاء ، وتقريباً 99%منهم إختاروا يكونوا جزءاً من الجنوب .

*رؤيتك لحل مشكلة أبيي؟

أرى بأن هناك ميزة لوجودك فى الحدود بين الجنوب والشمال ، وهناك صلة مع " الجانبين" لكن هذه الصلة لايجب أن تضع الشخص فى الدرجة الثانية كمواطن وكيف نستطيع جعل الناس تشعر بأن من كانوا بعيدين عنك يجب عليك " كسبهم" وتقربهم وتعطيهم معاملة خاصة، وكان جدنا ووالدنا وبابونمر، وزعماء القبائل حكمتهم تتمثل " عند خلاف قبليتين " أو " خشم بيوت" " يتصارعون" بان عليك أن لاتقف مع الشخص "القريب" لك ، قف مع البعيد" حتى تقربه لك. وإذا وقفت مع " القريب" تكون أعطيت الشخص الآخر ، الدافع للإبتعاد عنك أكثر ،وهذه تحديات أمامنا سواء فى الشمال أو الجنوب.

*أنت كاتب ، ومفكر ، وروائى ، ودبلوماسى ، وبالتالى فإن كل هذه الصفات تقع ضمن إطار علاقة شائكة بين المثقف والسياسى ، كيف تنظر الى الأمر من زاوية نظر شخص ، مفكر وسياسى ومثقف؟

يجب أن تكون كل هذه الصفات منسقة فى الشخص، وأذكر عندما إعتذرت للرئيس النميرى ، بأننى لن أذهب الى أديس أبابا للحوار مع من حمل السلاح ضد نظام حكمه، وأنا فى طريقى الى أمريكا ، سألت نفسي!

*ماذاقلت لها ؟

قلت لها ، هل أنا ، أغادر " البلد" وأنساها " أعطى ظهرى لها" و" خلاص" أم سأظل على صلة بها ، وطبعاً كان قرارى لابد من الإستمرارية ، والإهتمام بالبلد ، والعمل . وأيضاً كنت أسال نفسي ، ماذا سأفعل !

*هل كانت لك خطة محددة ، حتى تستطيع الإستمرارية فى الإهتمام بالبلد ؟

لم تكن لدى أى خطة ، وقررت أنا فى الطائرة من الخرطوم الى أمستردام ومن أمستردام الى أمريكا ، قلت الكلام الذى أقوله فى الكتب الأكاديمية " أود أن أقوله بطريقة مختلفة ، وبطريقة يستطيع الناس ، تلمسها ويتعاطفوا مع الموقف ، أكثر من مجرد أفكار .

*ماذا كان القرار؟

كان قرارى ، كتابة ذلك ، عن طريق " الرواية".

*الرواية الأولى ؟

بداية برواية " بذرة الخلاص" ترتبت الأفكار فى ذهنى وأنا فى الطائرة الى أديس أبابا ، وهناك إشتريت " دفتر" وأنا فى طريقى من أمستردام الى نيويورك بدأت الكتابة ، وكان بجوارى فى الطائرة شخصاً ، إنجليزياً" وكان يسألنى فى كل مرة سؤالاً ، وأرد عليه ، ثم أواصل الكتابة ، وآخر الأمر سألنى قائلاً: ياأخى ، انا آسف لكن لابد أن أسالك سؤالاً ، من أنت وماذا تكتب؟

وكانت قد تبقت لنا "50" دقيقة للوصول ، وبدأت بينى والإنجليزى ونسة ودردشة" وبعدها واصلت الكتابة ، وعندما صدرت رواية "بذرة الخلاص" هناك نقد ربط أحداث الرواية مع التاريخ من كتاب معروفين، فقررت تغيير أسلوب الكتابة لتصبح أكثر قرباً من مفهوم الكتابة السردية حتى لايصل البعض لمثل الإستنتاجات فى قراءة رواية " بذرة الخلاص" وكان قد كتبت رواية " طائر الشؤم" وأصبحت رواية واقعية ، وأنا لدى الأفكار يمكن أن تستوعبها الكتب الاكاديمية او الكتابة الروائية وتتوفق على فهم القارئ وماتوصل إليه من رسالة . والآن مثلاً، الدكتور عبدالله النعيم مترجم رواية " طائر الشؤم" وهو أستاذ أكاديمى وقانونى يقول لى : " أنا معروف فى السودان أكثر كمترجم لرواية طائر الشؤم "

*هناك من قدم نقداً شديداً لرواية طائر الشؤم ، حتى  من قبل بعض المثقفين الجنوبين وأعتبروها نافذة الى الإنفصال ؟

هؤلاء ممن ،  لم يقرأ الرواية ، وكل من يقرأ الرواية بعيداً من المؤثرات على هذه القراءة ، يراها تدعو لتغيير المناخ العام والعمل على تأسيس مايجمع بتشخيص الأزمة الحقيقية دون رتوش " والمشكلة تتمثل فى قراءة الرواية " وأستنطاقها بغير ما أرادت توصيله ..مثلاً " صحفى سودانى" كتب ، وأنا متأكد بأنه لم يقرأ الكتاب ، كتب عن طائرالشؤم ، قائلاً: بأنها " آيات شيطانية" وأنا سلمان رشدى.

*ماذا كانت ردة فعلك تجاه هذا الإتهام الخطير ؟

الغريب أن السفارة الأمريكية فى الخرطوم ، أتصلت بالخارجية الأمريكية ، وكانوا " خائفين على شخصى " الضعيف"وبعد أسبوع أو عشرة أيام من هذا الأمر .

أتصلت بى الخارجية السودانية .

*إتصلت الخارجية السودانية  للإعتذار عن إتهام الصحفى_لك؟

لا أبداً، بل قالوا لى بأن الدكتور الترابي ، سيزور أمريكا ويطلبوا منى تنظيم مناسبة للحوار، وكان أن دعوته للغداء، فى المعهد الذى كنت أعمل ، به ، ومن الذين ، دعوتهم ، سفير أمريكى سابق فى الخرطوم ، وكان قد سمع بأننى " مهدد" بتهمة أننى  سلمان رشدى  لكتابتى رواية " طائر الشؤم" وأنها تساوى " الآيات الشيطانية " دعوت هذا السفير الى الغداء " فأتصل بى هاتفياً ، وقال لى : عندما أتتنى الدعوة ، ضحكت ، وقلت "بس" أو فقط فى السودان ، ممكن " سلمان رشدى " يدعو الخمينى الى الغداء " لايحصل الافى السودان .

*رغم تمسكك بالوحدة ، إلا أنه هناك من لاينفك يتهمك بالدعوة الى الانفصال؟

كما قلت لكم هناك من لايقرأ، وأنا رغم دعوتى للوحدة ، طوال حياتى ، لكن مايروج عنى فى السودان ، بأننى " إنفصالى " ومثال الاخ " بونا ملوال" الذى كان يتكلم علناً عن الإنفصال يقولون عنه " وحدوى" ودائماً سؤالى عن لماذا يضغط البعض على الجانب الواضح ،هل حتى لا أتكلم عن " المساواة".

*بحكم وظيفتك الكبيرة فى الأمم المتحدة ، هل ترى أن الأمم المتحدة ، تقوم بالدور المرجو منها ، أم أن هناك تقصير فى عملها فى بعض القضايا التى تمس كثير من الأزمات السياسية والإنسانية ؟

فى بعض كتاباتى ، وصفت الأمم المتحدة ، بأنها " أمم متحدة مكونة من أمم غير متحدة " وهى نتاج بالتالى للواقع، وهذا الواقع ، أنتج ،" دول وحكومات " ولهذه الحكومات ، أهدافها وحتى مجلس الأمن ، محكوم بأهداف الأعضاء ، وهؤلاء الأعضاء "الخمسة" هم "الحكام" فى العالم كله ، لانهم قد إنتصروا فى الحرب العالمية الثانية ، وفى كل هذه السنوات ينادى الناس ، بإصلاح وديمقراطية الأمم المتحدة ، وخاصة تغيير دور مجلس الأمن وزيادة عضويته .

*كيف كانت بدايتك الأولى مع الأمم المتحدة؟

عقب تخرجي من الجامعة وبداية عمل الدكتوراة دخلت الأمم المتحدة، فى قسم حقوق الإنسان ، قضيت فيه "خمسة أعوام" ومن هناك ، أصبحت "سفيراً" وعندما رجعت للأمم المتحدة ثاية، كنت مساعد الامين العام لشؤون النازحين ، وهذا ساعدنى فى "التجول" فى كل دول العالم ، ثم مستشار خاص ، للأمين العام عن الإبادة والفظائع ضد الإنسانية .

*ماهى المبادئ التى حاولت تطبيقها فى كل فترات عملك فى الأمم المتحدة؟

هى نفس المبادئ التى إنطلقت بها من السودان ، وكيف أن هذه الصراعات التى تتسبب فى الحروب والنزاعات مرتبطة بالهوية، والخلافات العرقية والدينية ، والثقافية ، ويرتبط الحل دائماً بأعطاء المواطنيين حقوقهم وتوحيدهم . وفى كثير من البلدان أقابل " المسئولين فى الحكومة " وأقابل النازحين ، وأقول لهؤلاء " النازحون" أنتم ماذا تريدون منى أن أنقل لحكومتكم، وتقريباً ، فى كل أنحاء العالم يقولون لى " هؤلاء ليسوا بناسنا".ونحن لا علاقة لنا بهذه الحكومة.

*مثال ينطبق على نظرة مواطن دولة نازح لحكومته؟

مثلاً ، فى دولة من دول أمريكا اللاتينية، قال لى أحد المواطنيين " هذه الحكومة " تنظر لنا كمجرمين وإجرامنا يتمثل فقط فى أننا " مساكين " وفى أحد الدول الأفريقية ، رئيس وزراء ، قال للأمم المتحدة " ماتعطونه من طعام جيد لهؤلاء النازحين يقتل عساكرى " كأن هؤلاء النازحين " لاينتمون لبلاده .

*هذه التجارب الكثيرة والكبيرة ماذا أضافت لك من خبرة فى معالجة مثل هذه المشاكل والأزمات؟

خرجت بفمهوم أنه اذا أردت التفاوض مع الحكومات ، لابد من خلق حجة لتجعلهم يستمعون لك ، وان فهم السيادة الوطنية أو القومية ، كإبعاد للعالم الخارجي، وتكون هذه وسيلة لإغلاق الباب أمام الحل للأزمات فعليك بتغيير ذلك وأن السيادة ترتبط بالقيام بمسئولية الحكومة تجاه مواطنيها ، إذا كانوا  يحتاجون مساعدة ، تطلب الحكومة المساعدة من المجتمع الدولى ، حتى تقوم الحكومة بمسؤولياتها تجاه هؤلاء المواطنين، لذلك عند زيارتى لاى دولة والإلتقاء بالمسئول فيها ، أقول له " أنا أعلم بأن النزوح الداخلى ، يقع تحت بند السيادة الوطنية للبلد ، لكن أنا مابفهم سيادة " البلد " بطريقة سلبية ، كأنها " إغلاق الباب على العالم الخارجى " _السيادة فى البلد ، مسئولية ، وأنت إذا كنت تحتاج للمساعدة ، أنا هنا حتى أدعمك ، " بالمساعدات من المجتمع الدولى" والحكومات تقبل ذلك ، لكن عندما تأتى وتقول حقوق الإنسان ، ومأساة النازحين فوق سلطتك ، وسنفرض عليك حلول ، لاتقبل بذلك حكومة ، وفى النهاية يمكن أن يغلق الباب عليك ، ولن يستفيد من ذلك احد.

*كيف نعالج مشاكل الأمم المتحدة ؟

اذا أردت ان تعالج مشاكل الأمم المتحدة عليك بمعالجة مشاكلك، الداخلية، وكذلك تسعى لكسب المجتمع الدولى ، حتى يساعدك فى كيفية معالجة هذه المشاكل الداخلية ، وإذا تحول الأمر كله الى مواجهة وصراعات من الذى يستفيد ، لذلك من يحاول إستخدام سلاح حقوق الإنسان للضغط من الخارج تأتى النتائج فى كثير من الأحيان عكسية.

*وأنت فى هذا العام ضيف شرف جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابى ،علاقتك به ، وماذا وجدت فى قراءته ؟

أنا أعرفه وقرأت له ، ومن الأشياء التى جذبتنى اليه، مقدرته فى نقل واقعه المحلي، وثقافاته، وعلاقة المناطق والقرى وكل هذه الأشياء البسيطة، وعكس قيم هذه المجتمعات فى الخارج ، ويجعلنا عندما نتحرك فى العالم الخارجى ، وكان مفهومهم لنا بوجود فراغ حضارى ، من الناحية الروحية ، ويأخذون فقط بأننا نريد أن نكسب من تعليمهم ، وليس لنا مانتصف به من قيم وحضارة ، الطيب صالح ، أقنعهم ، بأننا لسنا فقط " بشر " انما" بشر" لهم " عزتهم""وقيمنا" وأنت اذا أردت التعامل معى ، عليك أن " تفهمنى" وأنا " أفهمك" " وتفهمنى" وإذا كانت لديك " خيرات" انا أيضاً لدى "خيرات" وأنت اذا فهمتنى وأحترمت ما أملك من خيرات أرض وقيم وثقافة فعند ذلك ستستفيد من كل هذه الخيرات ، وهذا فى رأيى كانت المساهمة الكبيرة للراحل الطيب صالح وهذا مانتفق حوله ، وعلى المستوى الشخصى عندما اسمع من شخصيات كبيرة ، فى العالم الأكاديمى ، الإشارة الى كتاباتى عن الدينكا وقيمهم ويأخذونها بأنها لها دور على المستوى القومى والعالمى، هذا مايسعد الإنسان جداً، وكل قبيلة فى بلادنا، شمالاً وجنوباً ، تشعر بعزتها وانا أقول دائماً بأن الشعور بالعزة والعظمة لكل قبيلة وفرد ، وإحترام ذلك من المجتمع ، يشعرنا جميعاً بالمساواة ، وإذا قلت بأن هؤلاء " عنصريون" وانا لست " عنصرى " هذا غير صحيح وكلنا ينحاز الى عنصره وثقافته وتاريخه، ويعتز ، بقومه وقيمهم الثقافية ،والإجتماعية والأخلاقية . لذلك سنجد المشترك " بيننا" صيانة الكرامة لكل فرد منا وهذا أيضاً مصدر لأحترام الأخرين.

*كتابك  السودان على حافة الهاوية  هل ترى السودان لازال على حافة الهاوية ؟

قصدت به فى تلك الفترة وهى فترة قرار، هل ينفصل أو لا ينفصل ، "معناها وقع فى الهاوية " .

*الصراعات فى الجنوب؟

أعتقد بأن الجنوب وراء الشمال والسودان مرّ على مراحل ،وفى إعتقادى ، هناك قبول للحوار فى السابق لم يكن هناك قبول فى السؤال عن الهوية، إذا قلنا بأننا" سود وافارقة " كانوا يقولون نحن ايضاً " عرب سود ليس عرقياً وإنما ثقافياَ ، وإذا كان الحديث عن التهميش والفقر ، كانت الإجابة ، بوجود التهميش والفقر ، فى الشمال وكذلك عند الحديث فى الدين ، تأتيك االاجابة بوجود مسلمين ، فى الجنوب. واذا كان الحديث عن الإقتصاد والمساواة ، تجد القول هناك أيضاً فقراء فى الشمال ، وهذا " تنكر لهذه القضايا ، لكن الآن هناك إعترافاً بوجود مشاكل ، وهناك ناس مهمشين، ولديهم حقوق.. الجنوب ، ليس فى مرحلة " التنكر " وهناك من يتهم الدينكا بالسيطرة على الجنوب ، والناس ينظرون للدينكا مثل عرب السودان ،والدينكا لاينظرون الى أنفسهم بإعتبارهم " مسيطرين" بل انهم ينظرون الى انهم مستهدفين من قبائل أخرى ، وسيأتى الوقت على الجميع بانهم كونهم يقولوا فى الجنوب نحن " سود" ماكفاية. أو نحن جنوبين ليس كفاية ، وكما قلت لكم من قبل ، الصومال قبيلة واحدة ، ودين واحد ، وأعتقد بان التحدى ، نفس التحدى ، ويجوز أن يكون مختلف قليلاً ، لكن المطلوب خلق وضعية يكون كل جنوبى ، يشعر بأنه " مواطن" متساوى ، وأن لاتوجد قبلية ، لكن هذه عملية تحتاج زمناً ، وأعتقد أن السودان "قليلاً " متقدم " لانه بدأ فى حل ّ مثل هذه المشاكل " باكراً" من الجنوب.