الروائي السوداني  الزين بانقا

الروائي السوداني  الزين بانقا (*) الكاتب في محنة ويعاني من الإهمال والمؤسسات لا شأن لمن يديرونها بالثقافة وقضايا المعرفة  (*) الرواية تتحسس طريقها بقوة وثبات رغم صعوبتها وشح الوقت الممنوح لها  (* ) غياب المعرفة بالواقع الذي تستهدفه تجربة السرد يفقر النص  (*) لم أكن أكاديميا ناجحا أو أفنديا مميزا وسبقتني رغبتي إلي كسر نمطية عصري  حوار -  محمد نجيب محمد علي 

الروائي السوداني  الزين بانقا

الروائي السوداني  الزين بانقا

(*) الكاتب في محنة ويعاني من الإهمال والمؤسسات لا شأن لمن يديرونها بالثقافة وقضايا المعرفة 


(*) الرواية تتحسس طريقها بقوة وثبات رغم صعوبتها وشح الوقت الممنوح لها 

(* ) غياب المعرفة بالواقع الذي تستهدفه تجربة السرد يفقر النص 


(*) لم أكن أكاديميا ناجحا أو أفنديا مميزا وسبقتني رغبتي إلي كسر نمطية عصري 


حوار -  محمد نجيب محمد علي 

 

 

الزين بانقا من أصوات الكتابة السردية الجديدة في عالم الرواية ، والتي تبوأ أحد مقاعدها في فوز روايته ( أبجدية العشق والأرض _ مخمسات ضوين الأعرج ) بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الأولي عام 2011 .. وتوالت من بعدها إصداراته ( الغناء في مغارة الذئاب _ رواية ) و( عروس جدي حسب الله _ مجموعة قصصية ) و( وزهرة الصبار ) التي صدرت أخيرا  عن دار المصورات .. وفي الطريق ألجزء الثاني من روايتة (_ تبلديات كوكو القصاري ) والتي يتوقع صدورها بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب .. 
وللزين بانقا عالمه الخاص الذي يمارس تسكعه في شوارعه ومدنه وقراه بحرية جعلته يهجر عالم الوظيفة 
إختيارا ورغبة في تأسيس مشروعه الإبداعي .. مابين السفر والحلم والمقاهي الشعبية والتأمل والكتابة ...
إلتقيته .. بأكثر من سؤآل ..  

 

 

 

(*) لنبدأ حديثنا بملامح السير الذاتية ؟ 

(_)أين ولدت ؟ .. أين درست ؟ هذه الأسئلة أضاع لمعتها تكاثر الإستهلال بها ، وعلي العموم أستطيع أن أقول أنني ولدت بمدينة النهود ، وتناولت جرعات أكاديمية متقطعة هنا وهناك وإنتهت بالقطيعة بيني وبين المؤسسة الأكاديمية ومع ذلك تواصلت لهفتي علي طلب المعرفة ..

(*) لماذا كانت هذه القطيعة .. ؟

(_) حالة المتسكع ظلت تلازمني منذ بدأت محاولاتي في الكتابة ، إنها تشكل معالم حياتي ، ملامح ثقافتي ، وجوه الغضب ، والحزن ، والأمل التي أقابل بها هزائمي ، .. 

(*) هل كان  ذلك تمردا ؟ 

(_) هو الإنفلات من أسر الأشياء ، محاولة الإحاطة بالمكان بعيدا عن القوقعة والتيه في نفق الحياة ، إلتقاط الدلالات بمشاعر من يبحث عن ما ينبغي أن يقال . لم أكن أكاديميا ناجحا ، أو أفنديا مميزا ، ولماذا أكون كذلك وقد سبقتني رغبتي إلي كسر نمطية عصري ؟ كان السفر ، ونهم القراءة ، والإلحاح علي التعبير من خلال الكتابة يبتلع الفرص الأخري ، وكانت النهود مدينة تطفح بالترانيم والكتب ، عامرة بالأندية الثقافية والمنتديات ، حيث تستطيع لو تغلبت علي الرغبة في النوم وأنت صغير أن تشهد ليلة شعرية يكون من أبرز نجومها تاج السر الحسن ، والحسين الحسن ، وبشير سر الختم ، وعثمان آدم بيلو ، وقد تساعدك حظوظك فتحضر عرضا مسرحيا لهملت في نادي السلام ، أو ليلة غنائية يشارك فيها هاشم العوادي ، وموردة ، وصديق عباس . 

 

 

 

(*) وماذا عن بدايات تجربة الكتابة ؟ 

(_) تراكم قراءات ...قديم شائق أفلح في إقتناصي لأتعارض بقوة مع عقلاء عصري ، يلح علي الإعتقاد بأن لدي ما ينبغي أن أقوله ، لقد إستحالت هزائمي ألي مشاريع تقاتل لتصبح ممكنة ، كانوا يدهشون هل يقرأ هذا الولد علي صغر سنه لهؤلاء الكبار ؟ ولقد قبلت التحدي بشيء من ( أن أكون أو لا أكون ) فأغرقت مجلة هنا أمدرمان وجريدة كردفان بمحاولاتي المتعثرة المضحكة . كان قدري يضعني دائما بمواجهة مأزق الذات .. أن أطرح أسئلتي التي تتسع لتشمل الفضاء الميتافيزيقي وتندغم بذاتي لتعزز محنة صيرورتي . 

(*) و بدأت الكتابة بالقصة القصيرة ثم جاءت الرواية .. هل تبدأ الرواية بفكرة القصة القصيرة ؟ 

(_) بعد بيان التأثيرين تمت إذابة الكثير من الحدود والفواصل وإستفادت الرواية من هذا الفضاء المتسع ، فراحت تعيد تشكيل نفسها وتجادل فيزياء عصرها . لم تكن تجاربي في كتابة القصة القصيرة إلا محاولة لدخول عالم الرواية الذي أحبه ، وإقتضي مني الأمر كل هذه السنوات لأمتلك القليل فقط من طرائق وأساليب السرد الروائي ، وأنت تري بأنني لست سوي صاحب محاولات ترفض تأطير النص السردي وإغراقه في جمود الحكي

(*) الناقد مجذوب عيدروس قال أن هناك إنفجار روائي يحدث في السودان .. كيف تفسر ذلك ؟ 

(_) عيدروس محق فيما ذهب إليه فلقد لمس بشفافيته النقدية حقيقة الأمر ، إن ما يحدث في السودان هو ثورة معرفية وإنفلاق إبداعي عن مجرة الخواء والصمت ، فلقد إستحالت كل شروط الموت المفروض علينا إلي شروط بعث وحياة . الرواية تتحسس طريقها بقوة وثبات ، رغم صعوبتها وشح الوقت الممنوح لها ، وتعقد البنية السردية عموما بسبب إنجازات كتاب إنجلترا ، وفرنسا / وكتاب الإسبانية واليابانية المعاصرة ، وكتاب أفريقيا وحتي كتاب العربية ، وكم أشعر بالفخر والإعتزاز بهؤلاء الذين يبدعون في ظل هذا الفناء المصنوع ، ينتجون أدبا يتحسس طريقه ألي العالمية ، وهم غارقون في الإلحاح علي طلب لقمة العيش دون أن يحفل بهم أحد . 

(*) ماذا تعني ؟ 

(_) الكاتب في محنة ويعاني من الإهمال والمؤسسات لا شأن لمن يديرونها بالثقافة وقضايا المعرفة ، أنظر ألي المغرب بلد يزاحم إلي العالمية بكل قوة ، كان أحد وزراء ثقافته روائيا نال جائزة بوكر العربية ( محمد الأشعري ) أنظر إلي تجربة كتاب الجزائر وما تفعله مصر لكتابها 

 

 

 

 

(*) الزين بانقا يكتب من ذاكرة الهامش ، من القرية القديمة ..إلي ماذا يعود ذلك ؟ 

(_) نعم أنا أحتفي بالمكان ، البيوت ، الأعشاش المتداعية ، القري المهجورة ، الدروب المتربة وهي تصارع لتبقي ، الأناس الشاحبون ، الطيور والدواب ، تقاسيم الصمت والصخب ، الأعماق المنفتحة في هذا الجدل المسكون بالكآبة ، الترانيم الخفية والبكائيات والأغاني ، أهوية الوديان الغامضة . ( الأبيض ) باعة الأقاشي والطعمية ، وبائعات الشاي والقهوة ، الأحياء القديمة المتجدد منها والخرب ، موشحات العشق وتقلباته ، القراءة كشرط بقاء ، الكتابة في الهواء الطلق كمتعة وشرط إستمرار ،وكما يقول يوسف القعيد ( البديل الوحيد للإنتحار ) 

(*) عيسي الحلو ذهب في مقال له إلي أن الكاتب السوداني لن يحقق إبداعه إلا من خلال وجوده داخل البيئة التي يكتب عنها ، وقال إن الطيب صالح من روجت له هي الثقافة الغربية .. وهذه تجربة لن تتكرر ..؟ 

(_) عيسي الحلو محق فيما ذهب إليه لأن غياب المعرفة بالواقع الذي تستهدفه تجربة السرد يفقر النص ، فقد إستفاد الطيب صالح كثيرا من تجربته في ملامسة الثقافات التي كانت ترسم ملامح الإبداع العالمي في ذلك الوقت ، أما الآن فلقد تداخلت الثقافات وتطورت وسائل نقلها والتعبير عنها ، ولكي ننتج ثقافتنا علينا أن نتجزر في رحمها ، لقد كسرت التجارب الإبداعية الآتية من أفريقيا واليابان وأمريكا اللاتينية هذا الإحتكار . 

 

 

 

(*).. كيف تنظر إلي المشهد الإبداعي الآن ؟ 

الشعر يتهيأ ليستوعب في داخله شروط التحديث التي فرضتها المعارف المتاحة ، والجماليات المتجددة ، وحتمية الثورة ، والتقنية . والمسرح ماذا نريد أن نقول لعالم بلا مسرح ؟ والقصة القصيرة جيدة جدا وهناك الكثير من الإبداع القصصي الذي يزاحم علي  العالمية مسكوت عنه . أما النقد هذا هو المأزق الكبير 

(*) ماذا عن المسابقات الإبداعية ، كيف تنظر لها .. هنالك من يري أنها ( فائض إبداعي ) ؟ 

(_) المسابقات رغم أنها تحفز وتساعد علي تحرير المبدع من أسر الفقر إلا أنها لم تتوفر علي النجاح المقصود ، ربما لأن المقاصد في الأصل لم تكن تعني بالكاتب ،إنها إحتفالية وتظاهرة لابد أن يسبقها عمل دؤوب في الإعتناء بالكاتب لتعود علينا جميعا بالكسب الذي يعزز  ثقافتنا بين الأمم ماذا لوبادرنا بمنح التفرغ للمبدعين ؟ لو عملنا علي طباعة الإنتاج الثقافي والترويج له وتسويقه ؟ لو عملنا علي إعمار المكتبات وتنشيط أسواق الكتاب ، ودعم المنتديات ؟ وإلا كيف تطلب من هذا الحصان المتعب المسلوخ الظهر والذي يجر عربة الكارو طيلة النهار ،أن ينافس ذلك الحصان الأميري الذي يعيش كما الأمير نفسه ؟ 
برأيي أن الجوائز تستحق المجازفة رغم إختلال قاعدة الفوز ، التي تقلل من فرص فوز ذلك الحصان المسكين ، وأظن أن السؤال الأساسي حول أهداف هذه المسابقات لم يطرح بعد ، أو لم يعرض علي نحو كافي للنقاش ، فإذا كان الهدف هو الإرتقاء بالفنون والآداب فلابد أن نبدأ بالمبدع نفسه / مالذي يحتاجه ؟ ومالذي يعمل علي إعاقته ؟ 

(*) زهرة الصبار روايتك الأخيرة إقتربت كثيرا من المسكوت عنه ؟ 

(_) زهرة الصبار رواية ذات بناء خاص وهي في بنيتها الفنية تحاول الإضافة والتجديد في بنية السرد الروائي ، مستخدمة تعدد الشخصيات الفنية بالمفاهيم والدلالات ومرتكزة علي قضايا لا تزال تلح علي الناس كقضية الرق .. والمسكوت عنه في تراثنا وواقعنا ومفاهيمنا قد يستوعب أعمال الجيل الحالي والقادم كلها بعض أساطير إتخذت لنفسها قناعات وبعض مفاهيم أخطأت سبيل الحقيقة ونامت في برك الجمل . والكثير من المعتقدات والمتخيلات التي تملأ الذات وتفيض ولا يستطيع المبدع الإقتراب منها لأنها إتخذت شكل القداس .. زهرة الصبار لن تكون الوحيدة بالنسبة لي أوحتي  لغيري التي يتعين عليها أن تقتحم أودية المسكوت عنه وتجهر بالحقيقة 

 (*) هل أصبحت الرواية ديوان العرب ؟ 

(_) الرواية تملك الخواص التي تؤهلها للمزيد من النجاحات دون أن يتنازل الشعر عن عرشه إنها تحتوي ضمنا علي الشعر وتحتفي به ، ولكنها لا تقبل بالمشابهة ، والآن قد جاء دورنا لنخلق زمننا الروائي / وخواصنا التعددية في آلية السرد ، وملامح مانود أن نقوله في جدالنا مع ثقافة عصرنا ومن خلال ملامح أولئك الأناس الذين يلحون علي ذاكرتنا الإبداعية 

(*) اخيرا . فاز الزين بانقا بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي ولم تكرمه الدولة .. علي عكس الفائزين العرب الذين فازوا بذات الجائزة وكرمتهم بلادهم ..؟

(_) هل تريد مني في ختام حديثي أن أرسل قهقهة يا صديقي... لماذا تكرمني الدولة ؟ ماذا فعلت ؟   !!!!