سلاطين باشا رجل المهام الصعبة

سلاطين باشا رجل المهام الصعبة

سلاطين باشا رجل المهام الصعبة

سلاطين باشا رجل المهام الصعبة

*د.البشير احمد محي الدين..

 

كان يبلغ من العمر 23 سنة عندما وفد الي السودان وصار ذا شأن عظيم وتدرج فيه بالوظائف  الي ان تم أسر ه ،واصبح من المترجمين ومن الذين توكل لهم مهمة التعرف  علي كل الاجانب الذين قتلوا او اسروا بواسطة الثورة المهدية في السودان.وقد  لازم سلاطين الذي اسماه الانصار (شواطين) الخليفة عبد الله ،واصبح من ملازميه وروي عنه قصصا، كثيرة وكان يقول عن نفسه (انا المصيبة المعلقة بي السبيبة ان انقطعت السبيبة وقعت المصيبة) ونجح سلاطين في الهروب وكتب كتابه الشهير (السيف والنار في السودان) ولايخلو كتابه، من مبالغات.و

اول زيارة لرودلف سلاطين باشا الضابط نمساوي الجنسية للسودان كانت سنة 1878م وقتها كان ضابطا صغير السن برتبة الملازم في الجيش النمساوي مع كتيبته في الحدود بالبوسنة وكان قد اخذ اجازة وزار مصر ومنها دخل سائحا في بلاد السودان وزار الخرطوم وزار جنوب كردفان ومكث في مباني البعثة التبشيرية النمساوية في الدلنج ،ومنها حاول ان يزور دارفور الا ان هناك تعليمات تمنع دخول الاجانب لاقليم دارفور حيث كان حاكم دارفور اسماعيل باشا ايوب.

في ذلك الوقت كان (غردون باشا) حاكم عام مديريات الاستوائية وكان مقيما في الادو وحاول (رودلف سلاطين) ومعه (الدكتور امين) ان يزورا الاستوائية الا ان الاخبار من اوروبا  اجبرتة علي العودة الي النمسا وسافر (الدكتور امين) الي الاستوائية وطلب (سلاطين) ان يذكر بخير امام (غردون). وبعد ثلاث سنوات من هذا الحدث تسلم (سلاطين) خطابا من (غردون باشا) يدعوه للعودة للسودان للعمل معه ، ولما وصل مصر وجد (علاء الدين باشا) الذي قتل في معركة شيكان مع (هكس باشا) فركبا سفينة الي سواكن وعلي القوافل الي بربر وفي بربر ركب ذهبية (غردون باشا) الي الخرطوم.وكانت اول وظيفة تم تعيينه  فيها في السودان وظيفة مفتش مالي وخرج لاعداد تقرير عن شكاوي الاهالي من نظام الضرائب فسافر الي المسلمية وسنار وفازوغلي وجبال كشنكرو (تقع بين قيسان والكرمك علي الحدود مع اثيوبيا) ولما عاد كتب تقريرا عن وجود فساد في نظام الضرائب ،وتهرب بعض المحسوبين علي الحكام من الضرائب وانها تقع علي عاتق الفقراء وصغار الملاك وهي تثقل كاهلهم ووجد ان اصلاح نظام الضرائب امر معقد فقدم استقالته من وظيفة مفتش مالي .وبعد استقالته ،عين سلاطين مديرا لمديرية (داره) في جنوب دارفور وطلب منه مقابلة (غردون باشا) شمال الدويم في منطقة (الترعة الخضراء) مغ تكليفه بقيادة حملة لحرب (السلطان هارون) الذي يحاول ان يستقل باقليم دارفور وارجاع ملك اهله وكان مستعصم بالقمم العالية في جبل مرة، اضافة الي حوداث الصراع القبلي وتهريب السلاح والذخائر لقوات (سليمان ود الزبير باشا) بالاجمال كانت الرحلة لدارفور خطر كبير. فقام (غردون باشا) باصدار امر بطرد التجار الجلابة من مناطق المسيرية ،والرزيقات والهبانية، والحمر ،الذين يتهمهم بايواء المهربين من الجلابة وكان هذا اول عزل ممنهج لبعض المناطق ،والقبائل ،فنشط النهب وسيق التجار( الجلابة) الي مراكز الحكومة بعد نهبهم الي الطويشة وام شنقة ،وداره.

وصل ( سلاطين باشا) دارفور في1879م وفي الطريق شاهد فظائع نهب التجار الجلابة علي ايدي القبائل العربية . عند وصول سلاطين باشا الي الفاشر وصفها بانها تتكون من جزئين، شرقي وغربي، ويفصلها وادي تندلتي وعلي الجزء الغربي مباني الحكومة وفيها القلعة وحولها خندق وفي وسطها مباني المديرية وسكن رجال الحكومة ويحيط بالقلعة خندق كبير. بعد وصوله الي مكان عمله قاد حملات حربية ضد السلطان هارون انتهت الي قتل السلطان هارون وانتهي التمردضد الحكومة.

كان سلاطين مسيحيا متمسكا بدينه لكنة من خلال خبرته الطويلة في العمل في السودان فهم ان جنوده يحبون القائد الرجل الشجاع والمسلم والذي بتواضع معهم لذلك لم يكن الدين هاجسا في حياته ،الا انه سمح بهجرة احد ابناء الفراتيت الي اوربا وتنصر وكان هذا الصبي اسمه (كبسون) اضافة الي اهتمامه الشخصي بالبعثة التبشيرية الكالولكية النمساوية في الدلنج قبيل نشوب الثورة المهدية وبعد وقوعهم اسري في يد الانصار.

سلاطين يميل في كتاباته الي ابراز شخصيته التي يحاول ان يصفها بانها رحيمة ومناصرة للحق وعادلة وقادرة علي بذل كل نفيس وهو بهذه الصفات يعيش في مجتمغ تغلب عليه الانانية والجهل والصراعات ولايعرف سبيلا للمدنية وتعمه الفوضي اي كانه (المسيح وسط اليهود). ويدعي انه ناضل سلاطين مع جنوده لمنع الحروبات الاهلية وفي العام 1881م وبعد زيارة صغيرة للخرطوم وبعد وصولة الي مقر عمله في مديرية داره وصلته برقية تحذر من نشوب تمرد بقيادة درويش اسمه (محمد احمد) وان علية ان يمنع الاهالي من الانضمام الية باي ثمن .

يقول سلاطين في كتابة السيف والنار في صفحة 49 عن ابرز اسباب قيام الثورة المهدية هي (السياسات الخاطئة في جمع الضرائب والفساد الاداري اضافة الي محاولات منع الرق وهو امر كفله الدين ولم يمنعه والارقاء هم الشغيلة في نظام الانتاج فيزرعوا الارض) ويقول سلاطين عن الرق في السودان ( الدين ياذن بالرقيق وقد كانت الارض منذ عهد بعيد تفلح بالعبيد وكان العبيد يوكلون بالماشية ولست اشك في ان النخاسة كانت تتطلب ارتكاب فظاعات ولكن لم يبال بها  اويفكر فيها مشترو العبيد وكانوا علي وجه العموم يعاملون عبيدهم معاملة غير سيئة وكنا نسمع شكاوي العبيد ونحرر العبد الذي يشتكي من مولاه) ، كانت نظرة سلاطين باشا تجاه الرق قد وثقها في تقرير حكومة السودان بعد عودته مفتش عام للحكومة الاستعمارية بعد مجاعة 1902م المنسية والتي اضطر الاستعمار لجلب ذرة من الهند لاغاثة الاهالي الذين هجر العبيد مزارعهم وقل منسوب النيل والامطار ، فسمح تقرير سلاطين بنوع من الرق علي الرغم معارضة المجتمع المعادي للرق في بريطانيا.

بعد انتشار المهدية واستقواء نفوذها اخذ سلاطين اسيرا ورافق كل حملات المهدية بعد سقوط كردفان ودارفور واستسلم كارها وغير دينة (أدعي الاسلام) وبعد فتح الخرطوم تناوب عليه الدهر بين التقرب للخليفة عبد الله ومجالستة وبين حبسه في السجن والاعراض عنه الا ان الاهم بعد هروبة الشهير روايته  عن معاناته ومعاناة الاسري الاوربيين وتحدث عن فظائع المهدية في فتح الخرطوم وحكم الخليفة وسجن الساير في ام درمان.

رسم سلاطين صور ذهنية عن السودان ووصفه للبلاد بانها متخلفه ووصف القبائل بالمتناحره والهمجية والبربرية، وكان لكتابه اليتيم و الاوجد ( السيف والنار في السودان) دورا في التشجيع لاعادة احتلال السودان وعاد مع الحملة كرابع اقدم ضابط وعين المفتش العام اي بمثابة رئيس الوزراء في الحكومة الاستعمارية الجديدة واسس النظم الادارية ،وقبلها تولي قيادة اول قوة عسكرية لمطاردة الخليفة عبد الله التعايشي ووصل الي قرية الشقيق شمال الدويم ووجد ان الخليفة غادرها قبل يومين.

شخصية سلاطين باشا كانت الاكثر جدلا لانه خبر وعجم ثقافة وطبائع الشعب السوداني وظل هو الاكثر حنكة ودراية لذلك عندما وضعت استراتيجية تحويل المهدية الي طائيفية نجد ان تقارير سلاطين تتحدث عن المجتمع المتدين المتصوف ومداخل اختراقة عبر تبني استراتيجية تحويل الانصار الي طائفة ومنحها الارارضي وخلق حالة من التنافس مع الختمية للسيطرة علي المشاعر الدينية ومن ثم السيطرة علي السيدين وبالتالي يضمن الانجليز ان لا ثورة علي غرار المهدية مع التركيز علي تثبيت نظام الادارة الاهلية ومنح رجالاتها سلطات واحترام زائدين