سكين الفراغ 

سكين الفراغ  حمد المصطفي الحاج  إمتلأت أحواء المدينة بالصقور بعد أن هجرت  أوكارها في الجبال والوديان والسهوب مشكلة من الأجنحة السوداء والرمادية مظلة ترسم بظلالها السوداء علي أسطح البيوت والباحات والجدران لوحة تشكيلية متحركة تتغير بتغير حركة مرور وتحليق الصقور بالجو ..

سكين الفراغ 

سكين الفراغ 

حمد المصطفي الحاج 

 

إمتلأت أحواء المدينة بالصقور بعد أن هجرت  أوكارها في الجبال والوديان والسهوب مشكلة من الأجنحة السوداء والرمادية مظلة ترسم بظلالها السوداء علي أسطح البيوت والباحات والجدران لوحة تشكيلية متحركة تتغير بتغير حركة مرور وتحليق الصقور بالجو ..
علي عامود الكهرباء الخرصاني بالقرب جائط الدار حط صقر رمادي اللون أعلي قمته وعلي السلك أسفل منه حط صقران واحد علي يمينه  والآخر علي يساره ،مشكلين لوحة تشبه تماما منصة الفائزين الثلاثة الأوائل في المسابقات 
تحت ظل الحائط الرقيطي المتصدع استقرت إمرأة قليلة اللحم أنيمية الجسد علي عنقريب منهوش الكرش مكسور ( الوسادة )والذباب يعيث في الجسد المنهوك ،كما في الأواني المتناثرة هنا وهناك ،وهي عاجزة عن هشه ..الشيء الوحيد الذي كان بمقدورها أن تهش به هو إغماض عينيها الكليلتين بين فينة وأخري وهما تشخصان بنظرات هلع ورعب ..
كان جسدها القليل اللحم ينتفض كلما دار بخلدها أن تكاثف الصقور في مكان ما يعني أن كارثة ما لا محالة حالت بذلك المكان ، فأضاف ذلك الإحساس علي ملامح وجهها المريض علاوة علي الظلال الناجمة من حر كة الصقور في الجو إحساسا مترعا بالموت ...
حملت طفلة صغيرة (سكين فراغ ) من ركن الباحة ..جرجرت رجليها النحيلتين مثل قصبتي عنكوليب واللتين كانتا تحملان بطنا متهدلا أشبه ببطن حبلي في شهرها الأخير ..كانت تهش الذباب بيديها الشبيهتين ببسطونتي خيزران والذباب يصول ويجول يكر ويحط علي السائل الأصفر الذي ظلت عيناها تفرزانه باستمرار ...
مرت من أمامها صفحة صحيفة حملتها الريح .. ركضت في إتجاهها وهي تحاول إمساكها وتفشل .. وأخيرا داست عليها برجلها وانحنت فأخذتها قربتها من وجهها وبدأت تجول بعينيها في سطورها ..تسمرت عيناها علي الصورة الموجودة في وسطها وهي تتهجي حروف التعليق أسفلها وتحدق في الكعكة التي تشبه ناطحة سحاب _ كعكة زفاف العصر لليدي ديانا والأمير  تشارلز _
تنهدت بأسي ووضعت الصحيفة علي منضدة خشبية معاقة ..أدخلت يدها في سطل بلاستيكي بهت لونه وتآكلت حوافه ..أخرجت سمكة صغيرة بحجم كفها تنز بطنها بكائنات دقيقة ورائحة نفاذة .. وضعتها علي المنضدة المغطاة بكعكة زفاف العصر .. وبدأت تعمل سكين الفراغ لإزالة القشور بحذر شديد حتي لا تتوغل عميقا في جسم السمكة شبه المتحلل ..وهي تهش الذباب بحركة آلية من يديها النحيلتين ..
خفق الصقر الرمادي علي قمة العامود الخرصاني جناحيه رفرفهما ثم بسطهما ثم دار نصف دائرة ونيش عينيه الحادتين تلقاء السمكة الممسكة بها الطفلة فانقض عليها ..ززز بوغتت الطفلة فتشبثت بالسمكة ..فانقض عليها الصقر ثانية صافعا وجهها بجناحيه الطويلين ..إلا أن الطفلة تشبثت بها بقوة ..فانقض الصقر علي عينها ففقأها سرعان ما هجمت الصقور علي الطفلة التي تركض في باحة وهي تصرخ وتولول من الألم والدم يسيل من عينها علي خدها الناتيء وكانت الصقور تطارها وهي تنهش وتقضم من جسدها الذي كان ينز دما حتي سقطت علي الأرض والصقور ماتني تنقض وتنهش ...
انفتح الباب الخشبي عنوة .. ولج شخصان مذعوران يرتدي أحدهما جلبابا وعلي وجهه لحية كثة بينما ارتدي الآخر بزة كابية مهلهلة .. خلع ذو الجلباب عمامته بينما حل ذو البزة الكابية حزامه وبدءا يهشان الصقور من الطفلة ...
انفضت المعركة حيث كانت بقية جسد مكومة علي الأرض تنز دما ماسكة بيدها اليمني سكين الفراغ وقريبا منها كانت الكائنات الصغيرة تصول وتجول في جسد السمكة وفي الجو ما زالت الصقور تزداد عددا وهي تحلق في المكان وترسم بظلال أجنحتها الرمادية والسوداء لوحة قاتمة ...