زمن الديم *عامر محمد أحمد حسين. في تذكر قمر وضحكاته.
زمن الديم
*عامر محمد أحمد حسين.
في تذكر قمر وضحكاته.
في يوم مطير وقفت السحب دون الشمس والناس ،وأصبح السوق الشعبي في صباح الخرطوم ،خالياً من المارة والعربات.. اغلقت الدكاكين ابوابها وهي لم تكمل الافتتاح .وقف( قمر) بقامته المديدة وصوته الجهور ،وسأل "عبدالكريم ودالطيب ": الجو ده جو شنو".وكان عبدالكريم في تلك اللحظة في شغل شاغل ولايدري مايدور حوله. تحرك "قمر "نحو ودالطيب واعاد السؤال:" الجو ده جو شنو/ أو هذا الطقس ماذا يمثل لك..إنتبه عبدالكريم إلى جدية السؤال : جو فول بزيت سمسم وتونة وشطة خضراء..وقبل ان يتذوق "ودالطيب " طعم الفول ويشتم رائحة التونة والشطة الخضراء..اجابه قمر قائلا: جو فول يابايخ " ضحك عبدالكريم كما كان يضحك" قمر " وكانت مع الضحكة كلمة " ام تج " وهي كلمة لطيفة كان يردها قمر عند نشوته وتشهيه لجلسات اصفياء يجلسون على حلقات ينكتون ويطربون ويغنون و بما فيها من طرائف تلك الجلسات..عندما سمع قمر ، وصف ودالطيب ، استحضر وبلغت روحه مرحلة الطرب والغناء وكان كثير الغناء جميل الضحك والروح.وبصوت جميل وحزين ابتدأت النغمات ،وحركة اليدين والأرجل في تناغم ليس فيه نشاز ولاشتارة.انغام هادئة ورقص خفيف وتقليد لصوت من أندر الأصوات "خضر بشير "
(حبيبي عرج بي وميل نتامل الأفق الجميل
شفنا الغزالة مع الصباح..)
في كلمة الصباح التي ينطقها خضر بشير ورددها في جمال وطرب (قمر) كان الصباح في جمال صوته وعذوبه تقليده صوت الكنار الصداح خضر بشير.مع نسمات الصباح الماطر والسوق الخلو من المارة والخاطر الفارغ من الهم، يزداد أيقاع الاغنية وسلطنة قمر.
(عرج بي وميل في الشاطئ أتأمل كل جميل)..
النيل خلاف روضه الظليل ينعشنا في روحه العليل
أما الطيور عاشقة الزهور في هناء وسرور..)
كأن فرقة موسيقية كاملة تقف معه في افق الجمال تهدهد خطوه وتزداد كلمات "محمد البشير عتيق" في حنجرة قمر ، حلاوة ،لاينظر خلفه ولا امامه ولكن ينظر في كل مكان وزمان إلى صوت خضر بشير وجمال الصباح..انتبه عبدالكريم الطيب الى الصوت الجميل وايقاع الأرجل في طرب نفس شفيفة حرك شجونه طقس ياتي كل خريف و لا يحس به إلا شفيف وعاشق للجمال...وقف يتامل ..وجدني استمع وبصوت خفيض قال لي...يا اخوي ليه مانبهتني وكان صوت قمر في صعود إلى آخر مرتبة في مراتب تذاكر الوصول إلى اعلى قمم النفس في توقها لكل ماهو جميل..انتبه قمر لنا ..وبصوت ضاحك قال لنا: جو..فول..ياود الطيب..حرك راسه شمالا ويمينا في عتاب ومضى في اتجاه معاكس لحركه سيره الأول..وكما كان خفيفاً وظريفاً وساخراً..رحل عن عالمنا بعد رحلة قصيرة مع المرض دون وداع .رحمه الله برحمته الواسعة.