خارج المتاهة/ محمد عتيق  *شباب السودان*    *والإلهام الجديد للبشرية*

خارج المتاهة/ محمد عتيق  *شباب السودان*    *والإلهام الجديد للبشرية*

خارج المتاهة/ محمد عتيق 
*شباب السودان*
   *والإلهام الجديد للبشرية*
_______________________________
  ضجت الصفحات السودانية في الأسافير ومواقع التواصل الاجتماعي بالتصريح الداوي الذي أعلنته مجموعة من الباحثين في معهد البيانات الضخمة بجامعة أكسفورد بأنهم تمكنوا من إنشاء أكبر شجرة عائلية بشرية على الإطلاق مع خريطة متكاملة من الجينات أعادت أصول الإنسان والإنسانية إلى أجدادٍ عاشوا في السودان الحالي ... وحق لهم أن يملأ الخبر منتدياتهم.. فإذا كانت الدراسات الحديثة تشير إلى أن الحياة البشرية تعود في جذورها إلى أصل مشترك في السودان ، فإن الأحداث السياسية وقرائن الأحوال في السودان تشير إلى أن عهداً جديداً للتاريخ الإنساني سيبدأ مجدداً منه.. نعم ، سيبدأ عهد جديد ، ليس في الجينات والأصول ، فذلك أوانٌ آخر ،  وإنما في نمط الحياة وقيمها يقوده شباب المقاومة ، بلجانهم في كل مكان ، يرتادون به آفاقاً جديدةً تعود بالإنسانية إلى نقائها الأول متصالحةً كل مكوناتها ..
   هؤلاء الشباب وجدوا الحياة جدباء ، مجففة الآمال ، كسيحة المؤسسات المعرفية والتعليمية ، التجهيل والسلب للحياة من حوله في كافة البناءات .. تلفَّتوا يميناً ويساراً في هذا العالم الملوَّن الذي أتاحته لهم أجهزة صغيرة في أيديهم ، رأوا أقرانهم في الدنيا ومن حولهم ممتلئين عافيةً ونضاراً ، واثقين من يومهم وغدهم ، ينظرون إلى المستقبل بحبورٍ وسعادة ..
  امتلأت عقولهم وجوانحهم عزماً جاداً على تحقيق حياةٍ سويَّةٍ مُنْتِجَةٍ تُلْقي ثمارها على الأجيال اللاحقة بل على الإنسان أينما كان على خطى أسلافهم العظام الذين قال العلم الحديث أنهم كانوا أساس البشرية ..
 
في مواجهة نظام الاسلامويين الفاسد (١٩٨٩-٢٠١٩) قادت أحزاب المعارضة السياسية وتنظيماتها المهنية المختلفة ثورتها المجيدة في ديسمبر ٢٠١٨ وكانت الأجيال الجديدة (بناتاً وأولاداً) هم وقودها المباشر .. تَلَفَّتُوا مرةً أخرى إلى تاريخ وطنهم ليجدوا أخطاء بارزة ، بعضها بحسن نية وبعضها بسبب الجهل إلّا أن جميعها كان مصدرها العجلة و(الكلفتة) وقصر النَفَس...إلخ ، فقرروا - تلقائياً ودونما إعلان - أن تكون الثورة ليست ضد النظام الدكتاتوري القائم فقط وإنما - وبالإضافة إلى ذلك - أن تكون تصحيحاً شاملاً للأوضاع ، وأنَّ "حرية سلام وعدالة" لا تعني غير ذلك.. ولكي تكون الثورةُ شاملةً وعميقة لا بد من إكمال عملية إسقاط النظام بإسقاط لجنته الأمنية التي فرضت نفسها "قيادةً للثورة" وحلفائه ، وفي الصفحة اللاحقة *إسقاط العقلية السياسية السائدة في اليمين وفي اليسار* .... ماذا يعني ذلك ؟

التطورات في صفحة الثورة الأولى وصلت إلى أن بعض القوى السياسية تسعى - بوعي أو بدونه - إلى التحالف مع نفس أعداء الشعب (بقايا اللجنة الأمنية للنظام الساقط وحلفائه) ، فتوصَّلوا إلى "اتفاقٍ إطارىّ" معهم قائلين أن هذا منتهى قدرتهم وأنهم بذلك يضمنون  تحوُّلاً مدنياً ديمقراطياً يُعيد   العسكر إلى ثكناتهم ، يحقق السلام وصولاً إلى انتخابات "حرة ونزيهة" .. أطراف أخرى منافسة لها تحت إسم قحت/الكتلة الديمقراطية ، ذهبت إلى القاهرة لصياغة (بنود المنافسة) وعادت إلى الخرطوم فيلتحق بعضها بمسيرة المجموعة الأولى عَبْرَ إعلانٍ سياسي مشترك يجعل منهم جميعهم حلفاء تحت راية "الإتفاقية الإطارية" .. *(ولا أحد يشير في وثائقه إلى أن للفترة الإنتقالية مهام لا بد من إنجازها ، وأن هنالك شرعيةٌ ثوريةٌ يستمد منها الثوار شرعيتهم ، وأننا أحرار مستقلون - كسودانيين - في تقرير مصيرنا واختيار مسارنا)..*
لجان المقاومة فيها حزبيون ينتمون لأحزاب مختلفة في كافة الكتل ، ولا شك أنهم يتأثرون بالخلافات المشتعلة بين أحزابهم وتنظيماتهم والتي تنعكس عليهم وعلى حركتهم بما يشبه الانقسام والتمزُّق ، *ولكنهم يلاحظون*
**  أن المعارضين لكتلة الإتفاق الإطاري وحلفاءهم في (الإعلان السياسي) ، ورغم صحة منطلقاتهم   ورؤاهم في مواجهة تلك القوى ، إلّا أن الحلول الجيدة التي يقولونها تظل اطروحات نظرية طالما أنهم لا يتحلّون بالقدرة اللازمة على تجسيدها عملياً بالمبادرات والتنازلات الجريئة ..  
**  حملات النقد والتشويه العنيفة حتى لمن يتراجع عن موقف خاطيء ؛ انها "الشماتة" وليست الوطنية ومساعدة البعض في الثبات على الموقف السليم ..
** لا بد من استكمال إسقاط النظام بإسقاط لجنته الأمنية وحلفائه كمدخل وحيد لتفكيك النظام وإزالة كل أشكال التمكين الذي أقامه في المجتمع وفي نسيج الخدمة المدنية والعسكرية والعدلية ..
** يتوافد علينا المبعوثون من الدول والمنظمات الغربية ووزراء من الشرق ، ودبلوماسيوهم مع نظرائهم من دول الإقليم،  المعتمدين في الخرطوم ، ومنهم من يُمارس "الغطرسة" والأستاذية ، تحت شعارات مساعدتنا في تحقيق أحلامنا في الحكم المدني والتحول الديمقراطي .. والحقيقة الساطعة تقول أنه لا مصلحة لأحدٍ في قيام نظام مدني ديمقراطي ، وأنه  الاستعمار في ثوبه الجديد ، كُلٌّ يسعى لأهدافه وأطماعه في موقع بلادنا الجغرافي وثرواتها، وذلك من خلال ربط بلادنا بقاعدتهم المتقدمة في فلسطين المحتلة "إسرائيل" وبالدكتاتوريات العسكرية والعائلية وبالمؤسسات الاقتصادية الغربية (صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية) ..
والأسباب في كل ذلك متعددة ، أهمها ، والتي تعني ثورتنا ، هو السبب المتعلق بنا وبموروثنا السلبي من ثقافة عهود التيه والانحطاط التي جعلتنا بهذا المستوى من الاهتراء والضعف ، تقودنا إلى أنصاف  الحلول وإلى التسويات المُذلّة سواء في قضايا الوطن أو في بناءاتنا الحزبية والفكرية.. خضوعاً للآخر الاجنبي ..
- سيتقدم شباب السودان بثورتهم ؛ وذلك بتمتين وحدتهم ، بإدراك تلك الأسباب ، والتسامي على الخلافات بين أحزابهم *(في حالة المنتمين وهم قلب لجان المقاومة)* ، واعتبارها كلها من صغائر الأمور ، ولأن أهدافهم من الثورة أسمى وأبعد ، وفي تحقيقها تحريرٌ للبشرية من أسر الإستعمار الحديث الذي يجتهد ويتَفَنًّن في تقييدها بقيود العنصرية والفتن الدينية والدكتاتوريات العسكرية والعائلية  *"يمارسونها سراً ويبغضونها في العلن"* ..
إقامة دولة مدنية ديمقراطية تتعزز على المدى البعيد بإعادة صياغة المجتمع على أساس ديمقراطي وعلمي مع تحقيق أسباب الحياة الحرة الكريمة بمستلزماتها المادية في المعاش وفي الصحة والتعليم استثماراً راقياً ومنفتحاً في الإنسان ، تحقيق ذلك سيكون ملهماً للشعوب والمجتمعات في كل مكان فيبدأ عصر جديد من التعاون والرخاء المشترك ، عصر الإنسانية السويّة ، وفي ذلك استعادةٌ لدور السودان في عطائه الكبير الثاني : تقديم النموذج للحياة الحرة الجديدة .. عندها ستكون جماعات شابة من كوادر الثورة ولجان المقاومة قد صعدت إلى سدة القيادة في مختلف الأحزاب إيذاناً ببدء صفحة جديدة قوامها التنافس الشريف بينها لخدمة الانسان في الوطن وفي كل مكان .. 
 12.02.2023