حليمة
حليمة محمد صديق محمد احمد _ النسوان الشغالات في النضافة ديل قالن عاوزات يقابلنك ....قالها موظف الإستقبال بنفاد صبر وكأنه يود أن يقول أنه لم يكن هنالك بُد من إدخالهن بسبب إلْحَاحهن...
حليمة
محمد صديق محمد احمد
_ النسوان الشغالات في النضافة ديل قالن
عاوزات يقابلنك ....قالها موظف الإستقبال بنفاد
صبر وكأنه يود أن يقول أنه لم يكن هنالك بُد من
إدخالهن بسبب إلْحَاحهن...
_ خليهنْ يَجَنْ
وقفن أمام باب المكتب للحظة ثم خطون إلى
الداخل ؛ يبدو عليهن التّوتر والتردد ؛ خلا حليمة
والتي كان يبين عليها الهدوء ؛ وتبدو أكثرهن
جرأة ؛ وقفتْ أمام مكتبي مباشرة بينما وقفت
التومة وإحسان خلفها تماماً تُمسك كل واحدة بيد الأخرى......
_ إتفضلوا ...قلتها مُشجعاً......
تفاجأت بأن حليمة إفتتحت الحديث بضحكة
صافية ممدودة غير أنها محترمة ....
_ والله يا أستاذ أحمد طبعاً أنت عارف
الظروف اليومين ديل صعبة والمرتب بقى ما
بكفي الحاجات الكتيرة...و
_ أيوه عارف... عارف ...أها
_ قبل عشرة يوم أنا وأخواتي ديل إستلمنا
مرتباتنا وهسّه (عدمانين نفّاخ النار..)وأتبعت ذلك
بضحكة صافية ممدودة....
_ خلاص مافي مشكلة بكتب ليكم ورقة
للحسابات كل واحدة 100 جنيه...تمام ؟
أطلقت حليمة ضحكتها المميزة ولدهشتي الشديدة
أجابتني بعد الضحكة ...
لا ؛ ما تمام....
_ كيف يعني ما تمام ؟؟ طيّب المطلوب مني
شنو ؟
_ أنا وأخواتي ديل عاوزين سلفيات منك أنت
_ سلفيات مني !! كيف ؟ كمان ولا سلفية واحدة
!؟
السلفيات دي تكتبوا طلب لشؤون العمال يحولوه
ليكم لناس الحسابات.
_ أنا عارفه الكلام ده ؛ بس ما بدّونا..قالتها
ضاحكة ...ولو أدونا مرة ؛المرة الجاية ما
بدّونا...
"ده موقف شنو الأنا وقعت فيهو ده ؟! يعني
حتى السلفيات دي حتكون مستمرة ....ده كلام
شنو يا ناس ؟ أها تقول كلامها ده وتضحك
ضحكتها السمحة دي ....زي الكأنو بتملك الدنيا
دي كلها
طيّب لو ما محتاجة سلفيات كان ضحكتها تكون
كيف ؟"
_ يعني قلت لي أنتو محتاجين سلفيات طوالي ما
سلفية واحدة وأبيتوا ال 100 جنيه العاوز
أصدقها ليكم ....؟
_ هسّه كان شلنا منك ال 100 جنيه في يومين
بتلحق المرتب ؛ أها بنقدر نجيك تاني ؟! ونحن
كمان والله ما بنشحد...السلفية دي دين والدين
لازم يتسدد...ولو سددنا السلفية الأولى نجي
نشيل سلفية تانية....
"تقولي الكلام وتضحكي...كأنك ما عملتي
حاجة..."
_يا أستاذ أحمد هسّه أنت ما سألت نفسك ليه
نحن جيناك أنت من دون الخلق ديل كلهم ؟
"يا لهذه المرأة ...هذا هو السؤال ؛ إما أن
تكون هذه المرأة فائقة الذكاء أوأن أكون أنا
رجلٌ صالح."
_ طيّب طيّب ...ما سألت نفسي لكن حأسألها؛
بس قبل كده وقّعي لي موضوع السلفيات
ده..(هذه المرة أطلقت أنا ضحكة ممدودة )
_أيوااااا ....كلمونا بمشروع ؛ قالوا مشروع
ناجح ؛ كان إتشاركنا أنا وأخواتي ديل
بالسلفيات الأنت حتدينا ليها لمدة أربعة شهور؛
بيكون رأسمالنا كويس ....أها من الأرباح نحن
نسدد ليك سلفيتك على أربعة أقساط....أتبعت
هذا بتلك الضحكة بالطبع...
_ أيواااااااا ؛ فهمت ....بس المبلغ بتاع
السلفيات ده أنا بقدر عليهو ؟
_ المبلغ ما كبير ؛ أي واحدة مننا تستلم منك1000 جنيه ؛ المشروع ذاتو أنت قايلو مشروع
دواجن ؟؟ نطلق الضحكة سويا هذه المرة ؛
وتشاركنا إحسان والتومة على نحو خجول ...
_ أها ....المشروع شنو ؟
_ عاوزين نعمل محل بتاع شاي وقهوة بالمسا
_ تمام ؛ تمام ده مشروع بيكون ناجح إن شاء
الله ...خلاص ؛ ما عندي مانع بس تعالوا لي
بعد يومين إن شاء الله .....ودعنني وأطلقت
حليمة ضحكتها تلك متزامنة مع عبارات الوداع
والدعاء .
لم يكن أمامي الا الرضوخ وما دريتُ سببا لذلك ولماذا سايرتهن دون ترددً حتى ؟!!!رغم
أني لاّ أعلم من أين لي توفير مبلغ السلفية هذا
لكل واحدة ؛ قلت لنفسي( ما مشكلة....عمل
الخير متْمُوم) .لم يهدأ لي بال منذ أن خرجن من
مكتبي ؛ كنت أرى في وجوههن أمل وبوادر
فرح ؛ ولم أكن مستعداً لخذلّانهن أو وأد
فرحتهن ...وشرعت عقب خروجي مباشرة من
المكتب في السعي لتوفير المبلغ المطلوب ؛
يومين كاملين من السعي المتواصل وتوفيق من
الله كان المبلغ جاهزا....كِدت أطير فرحا ؛
ورُحت أتخيل فرحتهن وأكاد أسمع تلك الضحكة
الطويلة الممدودة.
بعد شهر بالتمام والكمال كنّ وقوفا أمام
باب مكتبي بعد أن سبقهن موظف الإستقبال ؛
وبعد التحية والضحكة الصافية الممدودة
وضعت أمامي مبلغا من المال وخاطبتني
ضاحكة :
_ أها ده كمان نص مبلغ السلفية حقتنا كلنا
_ ما شاء الله ؛ يعني الشهر الجاي حتكونوا
سددتوا السلفية ...
_ الحمد لله الشغل كويس
خرجن من مكتبي والذي تلونت أركانه بالبهجة
ولحقتني تخمة من الفرح عظيمة ؛ كنت في
دواخلي أحسّ أن هذا الفرح لم يكن بسبب
قدرتهن على رد مبلغ السلفية والذي يعلم الله
وحده كيف تحصلت عليه ؛ولكنه بلا شك بسبب
نجاح العمل الذي قمن به وباب الرزق الذي
انفتح أمامهن...
مضى على حضورهن الأخير ما يُقارب
الشهرين ولم يحضرن إلىّ ؛ أصابني كثير قلق
مما دفعني إلى سؤال عامل الإستقبال الذي أخبرني
أنّ ثلاثتهن متغيبات عن العمل لفترة طويلة؛
تُرى ماذا أصابهن؟ لم أستطع طوال نهار ذلك
اليوم من طرد الهواجس الكثيرة التي حاصرتني
وأنا في خِضم هواجسي يدخل عليّ موظف
الإستقبال وقبل أن يفتح فمه هتفت :
_ عاملات النضافة؟؟
_ أيوه
نهضت من على مكتبي متعثراً وأنا أصيح في
وجههه :
خليهن يدخلن....
دخلن عليّ كما جئن أول مرة ؛ تتقدمهن
حليمة وخلفها التومة و إحسان ...ألقين التحية
بصوتٍ واحد ؛ أتبعتها حليمة بتلك الضحكة التي
أُحب...
_ خير ؛ الحاصل شنو؟
_ القصة طويلة...قالت ضاحكة...شغالين في
شغلنا جونا ناس المحلية ومعاهم البوليس..
_ أها.....
_ شالو عِدتنا وودونا القسم كتّبونا ورقة قالوا
إنذار...
_ أها....
_ بعد كم يوم مشينا اشترينا عِدّة تانية ومشينا
اشتغلنا ؛ ما كملنا تلاتة يوم جونا تاني والمرة
دي ودونا القاضي وسجنونا خمستاشر يوم
وأتبعت ذلك بتلك الضحكة...
أظلمت الدنيا أمام عينيّ ؛ واختطفت قطة
الحزن لساني ؛ كُنّ يقفن أمامي يلفهّن صمت
من نوع قاسٍ ؛ رفعت رأسي أتمعنهنّ ؛ لم يقلن
شيئا وما استطعت قول شيء ؛ سحبت ورقة من
درج مكتبي وكتبت عليها مبلغا من المال
وعنونتها للحسابات ووقعتها ثم دفعتُ بالورقة
إلى حليمة وأنا أقول بصوت مهزوم : الحسابات
...
مدت يدها بترددٍ ليس من شيمها ؛ تراجعن
سريعا وعبرن الباب إلى الصالة الواسعة وهنّ
يرددن عبارات الشكر دون أن تطلق حليمة تلك
الضحكة التى أُحبّ ؛ غير أن ضحكتها تلك كان
صداها يتردد بين جدران مكتبي وتغوص عميقا في قلبي.
محمّد صِدّيق محمّد أحمد
15 يونيو 2020