تاجوج كما أراها

تاجوج كما أراها أبوطالب محمد أشارت العديد من الكتابات التاريخية الخاصة بقبيلة الحمران إلى حكاية تاجوج ومحلق، وبعضها أجمعت أن الحكاية ضربا من ضروب الخيال الشعبي

تاجوج كما أراها

تاجوج كما أراها

أبوطالب محمد

 


أشارت العديد من الكتابات التاريخية الخاصة بقبيلة الحمران إلى حكاية تاجوج ومحلق، وبعضها أجمعت أن الحكاية ضربا من ضروب الخيال الشعبي، والبعض الآخر  ترى أنها منسوجة من الواقع وفي مجملها أجمعت على طلب محلق لتاجوج أن يراها كما ولدتها أمها أمامه، وعلى هذا التضارب دخلت الحكاية عالم الأدب المسرحي، وتناولها العديد من رواد المسرح السوداني  بأسلوب حبكة درامية تمركزت حول إشاعة تاجوج لطلب المحلق بأن يراها ترقص أمامه كما ولدتها أمها. وحتى موت تاجوج في المصدر الشعبي ارتكز على  مقصد الحمران للحج واشتباكهم مع الهدندوة، وهي الحادثة التي قتلت فيها تاجوج، وهي متفق عليها عند نعوم شقير في كتابه (جغرافية وتاريخ السودان)، والطيب محمد الطيب في كتابه (تراث قبيلة الحمران)، و عبد الله الطيب في كتابه ( الأحاجي السودانية) وحتى موته اتفقت عليه المصادر بأنه توفي وسط أهله. نتجت معالجات النصوص المسرحية لهذه الحكاية  عن اختلاف أساليب حكيها الشفاهي وتعدده، و منذ افتتح المسرح السوداني خطابه التأصيلي المناهض للاستعمار في فترة الثلاثينيات مثلت حكاية تاجوج ضربة البداية على يد خالد أبو الروس في مسرحيته (مصرع تاجوج والمحلق) حيث استفاد بقدر كبير من مضامين الحكاية الشعبية، وارتكز بشكل أساس على أشعار محلق وطلبه لتاجوج وموتها.  ثم معالجة الكاتب مبارك أزرق  في مسرحيته (لغز تاجوج)، ومعالجة الكاتب يوسف خليل في مسرحيته (محلق)،  ومجدي النور في مسرحيته (تاحوج في الخرطوم)،  ونعماد حماد في مسرحيتها (تاجوج ومحلق)، وعوض بعباش في مسرحيته (تاجوج وغول الأمنيات)، أما مسرحية تاجوج كما أراها قيد الدراسة صدرت عن الهيئة العربية للمسرح في العام 2019م، وقدمت في موسم المسرح القومي 1975/1974 و أخرجها الأستاذ الراحل الريح عبد القادر، خرجت مسرحية تاجوج كما أراها برؤى فنية تختلف اختلافا كبيرا عن سابقاتها و هي معالجة الكاتب المسرحي الراحل محمد سليمان نصر  سابو وهو رائد من رواد المسرح السوداني ومصمم رقص عالمي ومن أوائل المختصين في مجال الرقص وفنون الاستعراض، امتدت خدماته إلى فرق الجاز لتقويم أدائها الاستعراضي بطريقة علمية وساهم في رسم خطوط حركتها، وفي بداية الستينيات عاد إلى السودان من ألمانيا الغربية بعد اكتسابه خبرات في فنون الاستعراض والرقص والباليه. وفي العام 1967م عمل في المسرح القومي كاتبا ومخرجا ومنفذا، وشغل مخرجا منفذا مع عدد من رواد المسرح السوداني أمثال الفكي عبد الرحمن في مسرحية(المك نمر) والفاضل سعيد في مسرحية (أكل عيش وما من بلدنا) وعوض محمد عوض في مسرحية ( السلطان الحائر) ومكي سنادة في مسرحية ( المنضرة) ويوسف خليل في مسرحية ( الخضر)  وحسن عبد المجيد في مسرحية ( الرفض)، وعرف عن سابو بأنه ممثلا وراقصا تعبيرا ومصصم رقصات، له شغف جارف بالمسرح والمسرح الاستعراضي والأوبرا (سابو، ص76/66). استفاد في بناء مسرحيته من خبرته في فن الاستعراض والباليه  والأوبرا والرقص والمسرح الغنائي والاستعراض، وخدمته و مساهماته في مجال التنفيذ والتصميم الإخراجي لعدد من المسرحيات التي قدمت على خشبة المسرح القومي في فترة السبعينيات والستينيات. قسم سابو مسرحيته على أربع فصول ومشاهد، وعدد من قنوات الأبنية الدرامية و طوع أسلوب الحكاية الشعبي إلى أسلوب حديث ممهور بلغة الغناء والاستعراض والأوبريت تماشيا مع روح العصر، واستبدل مكان الباليه بالأغاني والرقصات الشعبية المتنوعة الخاصة بقبائل الشرق وتحديدا الحمران. حيث جرد الحكاية من أساليب التقليد وأدخلها ميدان التحديث العصري المتماشي مع فنون الاستعراض والرقص الغربي،  ووظف المعتقد الشعبي المتعلق  بشخصية الوداعية في دفع وتوتر  الحدث بين أوهاج ومحلق وتاجوج. حيث لعبت الوداعية دور الوسيط المفرق بين محلق و تاجوج لأنها دفعته إلى اكتشاف الشامة بناء على الوصف الذي أدلي به الودع بأن أم شامة بتشحتف روحك وأبعد بعيد من الهايفات الزايغات وشوف لك بت حلال هدية رضية.   

 


لعبا الوداعية وأوهاج دورا في دفع محلق بأن  يشك في زوجته تاجوج، ودفعه الشك التعرف على الشامة مقابل الرقص  أمامه مجردة الثياب وبين إصرار محلق وتأكيده من كلام الودع، وافقت تاجوج بشرط أن يكون لديها طلبا أخر وهو الطلاق، ونفذ طلبها بناء على الشرط، و ظل محلق هائما في البوادي لا رفيق له سوى الدوباي ومحايا الشيوخ وبخراتهم. ثم تتزوج تاجوج من شخص يدعى (عثمان شوتال) المشغول دوما بمهام التجارة و يقضي نهاره في الأسواق وما تبقي له من وقت يقسمه بين زوجاته الأخريات، ومن هنا أحست تاجوج بفراق محلق وهفت بها الذكرى من وقت لآخر تسأل (ستهن) وهي مربية تاجوج منذ صغرها عن حال محلق والقبيلة وتخبرها بحاله الميئوس وهجوم القبائل الأخرى على قبيلة الحمران وأخذ حقها حمرة عين. بحكم دور (ستهن) كمربية جسدت دور في إعادة علاقة تاجوج بمحلق. ولجأ سابو أيضا في البناء الدرامي إلى أسلوب الاستنجاد بالسرد  عندما هجم محلق على أب آمنة وأوهاج وطلق الأخير ساقيه للريح وتبقي أب آمنة مستنجدا بذكرياته مع محلق ( عليك الله يا محلق أنت نسيت خوتنا الزمان؟ وقت جلستنا من الصبحية للعشية في راكوبة ناس علوية سكر، وتدخل علينا رفيفتك نورة أم شليخ وتقوم كدي علوية تمسك الدلوكة وتتهوط في البمبر وتنقرشها وتقوم رفيقتك نورة النايرة وإدوك الشبال، وبعدها تدخل ايدك في جيبك وتخت لها النقطة في هامتها ويزغرتن البنات ويغنن)،
رهان سابو على  تكثيف المشاهد الغنائية والاستعراض والرقص الشعبي و الأرتري مغامرة وضعته في مواجهة مع  الموروث الشعبي في غالب حداثي أبرز عبره قيم إنسانية تدعو للمحبة والتسامح بين القبائل، وهي دعوة تندرج ضمن دعوات المسرح السوداني في فترة الثلاثينيات عند إبراهيم العبادي في مسرحيته المك نمر عندما قال: ( جعلي ودنقلاوي وشايقي أيه فايداني غير نقطة خلاف خلت أخوي عاداني يكفي النيل أبونا والجنس سوداني) طبعت هذه الأبنية فنية  الأسطورة بمعالجة درامية حديثة ومختلفة إختلافا كبيرا من المعالجات الدرامية السابقة، لأن العناصر الفنية الغالبة في مسرحية سابو عناصر صورية استعراضية متحركة جامعة لعدد من الثقافات الشعبية من حمران وهدندوة وبني عامر وفي ظل هذا البناء  أبرز سابو الدور الإنساني لتاجوج وعودتها لمحلق مرة أخرى.