بستان الأدب

بستان الأدب

أسماء رمرام.. قسنطينة

ـــ

هل يضر القصة أن تكون جنبا إلى جنب، مع الرواية، على مائدة واحدة، لتذيقا قارئا نهما أصنافا من الحلويات والمملحات والأكلات الدسمة وتثريا جوع عقلهِ لأفكار جديدة؟ وهل يضر قارئا متطلعا لأفكار ثرية أن ينهل من نبع القصة ومن نبع الرواية معا؟؟
تختلف ذائقة القراء، ولهذا فإن التنويع في مائدة الكتابة يفتح أبواب المعرفة والتذوق فيرضي هذا ويرضي ذاك.
نفس الأسئلة أطرحها في ما يخص القصيدة العمودية والتفعيلة وقصيدة النثر والهايكو وغيرها من أنواع الكتابة الشعرية.
هل يضر القصيدة العمودية أن تتفتح قصيدة نثرية أمام ناظريها فتنهل من معين جمالها العقول والأعين؟ أليست الطبيعة غنية بأشكال وأنواع من الأزهار التي تفوح من كل صنف منها عطور مختلفة؟ هل يعقل أن تشتكي زهرة بابونج من زهرة توليب تزاحمها في بستان جميل؟؟ أليس الهدف  في النهاية هو بستان الأدب ومخيلة القارىء؟
سمعت قصيدة نثر تقول: أنا لم آتِ بدينٍ جديد يا سادة، ما بدّلت دينكم وما الشعر بوحي يوحى، إن هو إلا كلام بشر، أراد أن يعبر عن مكنوناته فاتخذ شكلا تعبيريا يناسبه، فما لكم تهجمون عليّ؟
إن الشعر ديوان العرب، ولنا تراث شعري هائل نفخر به، ولكن القارىء العربي اليوم متفتح على كتابات الآخرين، ومن الطبيعي أن يتذوق قصيدة نثرية، أو قصيدة هايكو، فيفتن بها ويكتب على شاكلتها. وما الضرر في ابتكار شكل شعري آخر، أليس الشعر حرية؟؟ أليس أجنحة تطير وقلوبا ترتجف؟؟ هل يعقل أن يحب العصفور قفصا صغيرا لا يتسع لجناحيه؟
قبل عشر سنوات تفتحت أمام عيني صديقة قديمة، زهرة شهية، كانت تعشق قصيدة النثر، وكانت تحثني على كتابتها، وكانت تقول أن الشعر العمودي ليس صالحا لهذا الزمن. كنت أقول، إن اختياري للقالب العمودي مثلا، لا ينفي رغبتي في تجديد الصور الشعرية، واللعب بالاستعارات مثلما أهوى، أليس الشعر لعبا بالمجاز، وسباحة في بحر الخيال؟
ما زال شعر بهاء الدين زهير، والعباس بن الأحنف، والمجنون، والمتنبي، يثير جوارحي في كل مرة أقرؤه.. ما زال خالدا ذلك البيت الذي يقول فيه الشاعر:
" وليس الذي يجري من العين ماؤها.... ولكنها نفس تذوب وتقطر"..
وغيره من الأبيات الجميلة، التي تثير مشاعر قارئها، بل ويحفظ بعضها من أول قراءة.
الحرية أن تتقبل الآخر، هذا الآخر الذي يريد أن يعبر بشكل شعري ما، عن حالة نفسية ما، أو فكرة ما، دون قيودْ.

في مقولة لنزار عن قصيدة النثر يقول: "إن شعراء الحداثة أرادوا أن يخلصوا الشعر من التناظر، والتكرار ولعبة الخطوط المتوازنة،فوقعوا في ذات المأزق، إنهم يتشابهون أسلوبًا وأداءً ولغة، كما يتشابه عشرون توأما نزلوا كلهم من بطن واحد، فإذا قرأت لواحد منهم أغنتك قراءتك له عن قراءة الباقين"،.
ولكن بعض شعراء النظم، لا تعدو قصائدهم كونها نظما، فهي تلتزم بالوزن والقافية، ولكنها تفتقر إلى الجمال والابتكار في الفكرة، فلا تترك أثرا في نفس القارىء.

في تعريف رائع لمحمود درويش للشعر، يقول: الشعر ما هوَ؟ هو الكلام الذي نقول حين نسمعه أو نقرؤه هذا شعر ولا نحتاج إلى برهان. .