للغة والهوية
للغة والهوية نفيسة زين العابدين مؤخرا قرأت بحثا باللغة الانجليزية عن الأسماء في اللغة العربية، واستوقفتني فقرة عن التحديات الإملائية في كتابة بعض الاسماء في اللغة العربية. اذ يري الكاتب أنه بالنظر الي الاختلافات المتنوعة في الأبجدية العربية، يمكن أن يكون هناك طرق مختلفة لتهجئة اسم ما. وأورد الكاتب اسم محمد كمثال للأسماء الشائعة والتي لها أكثر من طريقة تهجئة، فمثلا يمكن تهجئته Mohammad, Mohamed, Mohammed, Muhamad, Muhamed, etc.
للغة والهوية
نفيسة زين العابدين
مؤخرا قرأت بحثا باللغة الانجليزية عن الأسماء في اللغة العربية، واستوقفتني فقرة عن التحديات الإملائية في كتابة بعض الاسماء في اللغة العربية. اذ يري الكاتب أنه بالنظر الي الاختلافات المتنوعة في الأبجدية العربية، يمكن أن يكون هناك طرق مختلفة لتهجئة اسم ما. وأورد الكاتب اسم محمد كمثال للأسماء الشائعة والتي لها أكثر من طريقة تهجئة، فمثلا يمكن تهجئته Mohammad, Mohamed, Mohammed, Muhamad, Muhamed, etc.
نجد أنه بالفعل الكثير من الاسماء يختلف نطقها بحسب لهجة المتحدث ولغته، ومما يقودنا لفهم هذا التنوع، وضع عدة اعتبارات. منها إذا ما كانت حروف الاسم كلها موجودة في لغة المتحدث الاولي او لا. أذكر أن جدتي لم تكن اللغة العربية هي لغتها الأم، لذلك كانت تنادى ابن خالتي محمد "مَهَمِد" وكنت بجهلي ألقنها أن تنطقه محمد، ولم أكن أعلم أن حرف الحاء لا يوجد في اللغة النوبية الا منذ وقت قصير جدا. وأيضا وبحسب اللهجة كان جدي القادم من اقاصي صعيد مصر ينطق اسم محمد " مِجِمّد"، كذلك أهلنا في دنقلا ممن يتحدثون العربية ينطقون اسم محمد "مُحومّد". حتى اسمي "نفيسة" نجد أنه قد ينتهي بياء "نفيسي" عندما ينطق بلكنة من أصل لهجتي، أو "نِفِيسه" بكسر النون والفاء عندما ينطق بلهجة من أصل لغتي. أو تدخله حروف ليست من أصله عندما ينطق بلسان آخر كما ينطقه بعض البعض من الامريكين مثلا " نافِسا".
أذا أن الأمر يتعلق بالهوية اللغوية للشخص الذي يقوم بعملية النطق. فالعلاقة بين الهوية واللغة يمكن وصفها بأنها علاقة حميمة متداخلة متجانسة لا يمكن فصلها، وأن جوهر الهوية هو التشابه، هو تلك الأشياء المتطابقة، المتشابهة.. فالهوية أصبحت مركزا رئيسا لكثير من الدراسات والعلوم الانسانية والفلسفية والدينية، وكل الدراسات والابحاث في هذا المجال تعني وتهتم بأن يفهم الانسان نفسه والآخر.
الحديث عن الهوية يجرنا الي التطرق للّغة. ماهي اللغة؟ يقول جون إدوارد، أن ادوارد سابير (1921) عرّف اللغة بكونها نظام انساني بحت لتخاطب الأفكار والمشاعر والرغبات عن طريق نظام من الرموز المنتجة طوعا، ولا دخل للغريزة اطلاقا في هذا النظام. كما وصف موريس (1946) اللغة بأنها ترتيب لرموز ذات أهمية متفق عليها داخل مجتمع ما. بالإضافة الي ذلك، هذه الرموز يمكن استخدامها وفهمها من خلال السياق، وأيضا هي مترابطة بشكل منتظم. ويستمر موريس في حديثه عن اللغة ضمن ثلاثة محاور، الأول: أن اللغة عبارة عن منظومة متناسقة في قواعدها ونظامها. ثانيا: أن هذه المنظومة اعتباطية ذات وحدات خاصة تحمل معانٍ فقط لأن مستخدميها اتفقوا على ذلك. ثالثا: أن اللغة تستخدم بهدف التواصل بين مجموعة من الناس الذين شكلوا وسنوا تشريعات وقوانين للغتهم التي تجمعهم كمجتمع واحد. ويستخلص جون ادوارد من ما اورده سابير وموريس بأنه وفقا لذلك يمكننا أن نعتبر اللغة نظام للتواصل، يتألف من عناصر اعتباطية ذات أهمية متفق عليها من قبل مجتمع ما.
مما سبق، نفهم ضمنيا أن اللغات تختلف عن بعضها فيما يختص بطريقة وضعها معانٍ للأصوات والرموز. غير أنها أيضا تختلف في طريقة بنائها، فمن خصائصها أنها ليست مفهومة بشكل تبادلي. فالفرنسيون لا يفهمون العربية، ولا الأمريكيون يفهمون الصينية.
بذكر أنه لا توجد خاصية التفاهم المتبادل بين اللغات، نجد أن هذه الخاصية توجد بين اللهجات. فاللهجة هي نوع من لغة ما. تختلف اللهجات عن غيرها في المفردات والقواعد والنطق أو بشكل أدق اللكنة. ولأن اللهجات تنتمي الى لغة واحدة، فهي مفهومة بشكل متبادل. فالسوداني يفهم لهجة المصري، والعراقي يفهم لهجة الشامي، والخليجي يفهم لهجة التونسي لأن هذه اللهجات منبثقة من لغة واحدة. لذلك في رأيي أنه لا ينبغي التقليل من شأن لهجة ما، أو لكنة ما، أو لغة ما، لأن ذلك يعد قصور في الفهم لمعني الهوية ومدي ارتباطه باللغة.