جبال النوبة الإثنية السياسية والحركة الفلاحية

جبال النوبة الإثنية السياسية والحركة الفلاحية عرض كتاب -كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين يقول المفكر والمؤرخ الفرنسي الراحل (فرنان برودل) في كتابه"الحضارة المادية والاقتصاد والرأسمالية من القرن الخامس عشر حتي القرن الثامن عشر

جبال النوبة الإثنية السياسية والحركة الفلاحية

جبال النوبة الإثنية السياسية والحركة الفلاحية
عرض كتاب -كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين

 

 

 


يقول المفكر والمؤرخ الفرنسي الراحل (فرنان برودل) في كتابه"الحضارة المادية والاقتصاد والرأسمالية من القرن الخامس عشر حتي القرن الثامن عشر -الجزء الثالث -زمن العالم-ترجمة مصطفي ماهر "إن كتابة تاريخ العالم كله مهمة تبئس اكثر الناس شجاعة، بل وأكثرهم سذاجة، فتلك مهمة يمكن مقارنتها بمحاولة الإحاطة بنهر بلاشواطئ، بلابداية اونهاية، بل إن هذه المقارنة اضيق من أن تحيط بالموضوع، والاصوب المقارنة لابنهر واحد بل بانهار عديدة ولكن المؤرخين لحسن الحظ اعتادوا على مواجهة الموضوعات الصعبة الضخمة التى تتعاظم أبعادها وتتجاوز الحدود"

 

 


جبال النوبة..
صدر عن دار المصورات  للطباعة والنشر والتوزيع كتاب (جبال النوبة -الإثنية السياسية والحركة الفلاحية-1924-1969م ) للاستاذ الدكتور  (عطا الحسن البطحاني) في طبعة ثالثة وعدد صفحات 322 من القطع الكبير،  والكتاب في متنه رسالة دكتوراة واحتوى على مقدمة أولى و مقدمةثانية وهذه الطبعة الأخيرة،  أشارت إلى  أحداث ثورة ديسمبر 2019م  وظلالها على الأوضاع السياسية والاقتصادية في  جبال النوبة حديثا. . وكذلك تذكير القارئ باستبداد انقلاب يونيو المشؤوم وزيادة النار اشتعال بسياسات النظام المباد الخرقاء. وقد كان الحاضر يحوم داخل متن وهامش الكتاب رغم مرور نصف قرن على الفترة التى توقفت عندها الدراسة  (1969) والتاريخ يشير صراحة على ماوصلت إليه جبال النوبة قبل انقلاب جعفر النميري  (25/مايو 1969-6/أبريل 1985) وقد يبدو للقارئ الكريم أن مفهوم الإثنية السياسية جديدا، لكنه في حقيقة الأمر تحس  بطعمه وتكابد  مصائبه الدول والأفراد  في الحروب العرقية كماحدث في البوسنة والهرسك و مثال طائفية الدولة في  لبنان وإن اصطلح الكثير من الكتاب  اللبنانيين على القول ب (اثننة السياسة).  وفي مقدمة الكتاب الثانية يقول الدكتور عطا البطحاني"الثلاثون عاما التى عاشها السودان تحت حكم الإسلام السياسي الراديكالي تمثل حقبة هامة تتعدى أهميتها السودان والبعد الإقليمي ونتجرأ للقول إنها تمثل حقبة جديدة لموجات التراكم الرأسمالي على الصعيد العالمى، حقبة دفعت ديناميتها قوى رأسمالية صاعدة كالصين وقوى طرفية ريعية شرق أوسطية لاحكام قبضتها على موارد البلاد بتطويع حكامها الإسلاميين الذين لعبوا دور الكومبرادور الصغير مقابل ضمان بقائهم في السلطة، ثراء موارد جبال النوبة لم تكن بعيدة عن مرمى آليات التراكم البدائي. على مر التاريخ مثل إقليم جبال النوبة منطقة محمية لنهب مواردها البشرية والطبيعية والمادية وفي هذا السياق التاريخي جاءت الإنقاذ لتمثل بسياساتها نقلة نوعية في تعامل المركز مع أقاليم الهامش من حيث احكام السيطرة  لاستنزاف الموارد الطبيعية وهي نقلة جسدت آخر مالدى الطبقة المسيطرة من إستراتيجية للابقاء على هياكل الامتيازات الموروثة وغير المبررة تاريخيا واجتماعيا ". يقول الباحث  (ايدابير أحمد ) في رسالة ماجستير -جامعة الجزائر بعنوان  (التعددية الإثنية والأمن المجتمعي :دراسة حالة مالي ) "استخدمت كلمة الإثنية لأول مرة في اللغة الإنجليزية في القرن الرابع عشر وظلت تستخدم للإشارة إلى الأفراد المهمشين أو المكرهون" ويضيف  (ايدابير أحمد ) "ومفهوم الإثنية حديث الاستعمال في العلوم الاجتماعية رغم استعماله في علوم دارسة للبشرية، وشاع استخدام مفهوم الإثنية (العرقية)بين السياسيين وعلماء الاجتماع والعامة في الغرب منذ الخمسينات من القرن العشرين ومنذ الستينات أصبح اللفظ يستخدم للدلالة على جماعة بشرية يشترك أفرادها في العادات والتقاليد واللغة والدين وأي سمات أخري مميزة كالاصل والملامح الفيزيقية الجسمانية وتعيش في إطار مجتمع واحد، جماعة أو جماعات وهذا مصطلح يشير إلى جماعة لاتعرف بالنظر إلى المؤسسات السياسية ولكن بالنظر إلى علاقات الدين أو اللغة أو الروابط الإقليمية السائدة بين أعضائها " وأوضح دكتور عطا البطحاني، "يتناول هذا  الكتاب العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والانتماء الإثني في منطقة جبال النوبة السودانية وذلك بتقصي التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمنطقة منذ القرن التاسع عشر وحتى ستينات القرن العشرين، غير أن الهدف الرئيسي للدراسة هو تفسير تنامي الشعور القومي وهو الشعور الذى عبرت عنه النخبة البرجوازية الصغيرة في المنطقة بصورة أساسية. وسيتم تبني وجهة نظر ترى أن الاستبعاد الواضح للبرجوازية الصغيرة النوبية من مواقع النفوذ والثراء المادي والقهر الذى تعرضت له من البرجوازية في السودان الشمالي هو شكل ردود فعل هذه الطبقة إزاء السيطرة الاستعمارية بشكليها القديم والحديث. وخلافا للنخبة السياسية في جنوب السودان فقد تميزت ردود فعل البرجوازية الصغيرة بالبطء والتشرذم وعدم الثبات. غير أن  النخبة في خضم نشاطها الرامي لمعالجة قضايا التخلف في المنطقة صعدت لتحالف سياسي مع الفلاحين. فقد مثل نمو قطاع زراعي راسمالي

 

 


وسط قطاع زراعي تقليدي متخلف، البدايات لمرحلة إدماج متقدمة لفلاحي جبال النوبة في البنيات الرأسمالية " ويضيف دكتور البطحاني"بالرغم من الأصول الإثنية المشتركة للنوبة، تشكل التقسيمات على مستوى الثقافة المحلية والدين واللغة مصدرا للتنافر وقد حالت هذه الانقسامات بالاضافه إلى الأوضاع الاقتصادية البدائية التى سادت وحالت دون نشأة مبكرة لإحساس بالهوية النوبية أو القومية النوبية "
التاريخ الاجتماعي..
وفى فصول ذات عناوين ترتبط بالتاريخ الاجتماعي والاقتصادي في حقب ماقبل الفتح الإنجليزي -المصري 1898، أشار الأستاذ الدكتور عطا الحسن البطحاني إلى جملة عناوين اشتملت على مقدمة، التجارة بعيدة المدى ومملكة تقلي (1500-1800)-التطورات الاجتماعية -الاقتصادية،الاتاوات :تجارة الرق وتحول المزارعين إلى فلاحين -العهد التركي -المصري 1821-1880.  الاتاوات وتحول المزارعين التقليديين إلى فلاحين فترة المهدية 1883؛ 1898-خاتمة :جبال النوبة عند إعادة الفتح.
الاستعمار البريطاني والفلاحون النوبة -الهياكل السياسية والإدارية 1900-1940..
يقول الدكتور البطحاني"واجه البريطانيون صعوبات ضخمة لإلحاق الفلاحين النوبة بالبنيات الرأسمالية الاستعمارية والبنيات السباسية اللازمة لها وبضيف دكتور البطحاني إلى" انصراف البريطانيون  إلى مجهودات إحلال السلام في السنوات العشرون الأولى من القرن العشرين وقد تمكنوا في نهاية الأمر من التهدئة بالقضاء على المقاومة المسلحة للنوبة وبخلق قاعدة اجتماعية من الموالين المرتبطين بالجهاز الاستعماري للدولة  وأن الافتراضات الأيديولوجية  "للسياسة النوبية" والتى كان جوهرهالمعلن حماية مصالح  الفلاحين النوبة والحفاظ على تقاليدهم وثقافتهم من التأثير الطاغي للثقافة العربية الإسلامية. وقد تأثرت بعض إجراءات هذه السياسة، المتعلقة بأستيطان الأراضي وسياسات الاستخدام والتجارة المحلية والتعليم تأثيرا كبيرا بهذه الابوية الاستعمارية " ومن عناوين الحقبة الاستعمارية -إخضاع الفلاحين النوبة-إلحاق دولة تقلي والبدو والبقارة1899-1907. -القاعدة الاجتماعية للمقاومة النوبية-إخضاع الفلاحين النوبة للعنف المادي  (1907-1913)-الإدارة المباشرة  (1914-1928)-السياسة النوبية:الأيديولوجية والفرضيات السياسية -سياق السياسة النوبية:نمو رأسمال التجار الجلابة- ويؤكد دكتور البطحاني على الآتى :وضعت السياسة النوبية انطلاقا من الحالة الاجتماعية -الاقتصادية قبل دخول البريطانيين والتى تميزت بهيمنة العرب البقارة والتجار (الجلابة)وكانت غالبية الفلاحين النوبة تقبع في اسفل الهرم الاجتماعي، بينما تعاون عدد من الزعماء القبليين مع البدو العرب والتجار الجلابة وبالرغم من أن العرب البقارة كانوا أنفسهم ضحايا الدولتين المصرية والمهدية، فقد تمكنوا من المحافظة على سيادتهم على النوبة وعلى تحالفهم مع حكام المهدية قبل الفتح في عام1898"-السياسة النوبية:حالة التأسيس والممارسة "في عام1907م تم  إنشاء اقليم للجبال لكي يساعد في تسريع عملية الاخضاع وفي 1914 تم فصل جبال النوبة بصورة رسمية من كردفان ومع بداية انتاج القطن في عام1925 تمت إعادة تنظيم منطقة جبال النوبة إلى ثلاث مناطق :الجنوبية  (تلودي)الغربية  (الدلنج)والشرقية (رشاد). تم تأسيس (ثلاث ) فيدراليات جمعت معا السلالات والمجموعات العشائرية المتنافسة في مناطق ادارية هى:النيمانق، الدلنج وكواليب وكادوقلى، ثم جمعت منطقتى نيمنج والدلنج وكواليب في منطقة اكبر هي منطقة شمال الجبال تحت إدارة مأمور إداري بينما كونت المجموعة الثانية التى تشمل كادوقلى مع ميرى ومناطق صغيرة أخري، منطقة جنوب الجبال ويديرها أيضا مأمور وقد كلف المأمور الإداري في كلتا المنطقتين بالتطوير التدريجي لنظام حكم محلى يشارك فيه النوبة" ونقرأ عناوين مثل -المأمور الإداري :قطب الإدارة المحلية-الأساس الاستعماري للتشرذم الاثني والقبلي :في خضم عملية الاخضاع تم تحطيم قواعد ونفوذ معظم( المكوك) العصاة ولملء   هذا الفراغ على المستوى المحلي وخلق قاعدة اجتماعية للحكم الاستعماري تجاهلت الادارة البريطانية قواعد الخلافة للمناصب السياسية وقامت مباشرة بتعيين مجموعات من الممالئين الذين جاءوا من خارج الأسرة المالكة أو السلالات الحاكمة وكان معظم هؤلاء المعينون رجال شرطة سابقين أو ضباط في الجيش رؤى أن خبراتهم الحضرية امدتهم بمهارات في إدارة شئون الحكم وإحكام السيطرة على السكان المحليين "-

 

 

 


-أنتاج القطن والبنية الزراعية في جبال النوبة 1924-1952
وتضمن الفصل -مقدمة-مصادر موارد الدولة الاستعمارية وانتاج القطن-صناعة الأقطان في جبال النوبة-صناعة اقطان جبال النوبة:التمويل والاليات التسويقية. صناعة اقطان جبال النوبة والكساد التجاري العالمي في أوائل الثلاثينات.--- صناعة القطن جبال النوبة :صناعة العمالة والبنية التحتية. ---التفاوت الإجتماعي وسط الفلاحين 1924--1945ويشير دكتور البطحاني إلى أن العوامل المباشرة التى ادت الى تفريق السكان المحليين في طبقات  وفئات فلاحية مختلفة، هى مدى توفر الأرض والايدي العاملة، وكان الأكثر اهمية ليس اتساع الأرض المملوكة، وإنما مساحة الأرض المزروعة وكانت العمالة هى العامل الحاسم في تحديد هذه المساحة. وبضيف دكتور عطا البطحاني "خلافا لدراسات أخرى حديثة نعتقد بأن التطور الجنيني للرأسمالية الزراعية في جبال النوبة لم يبدأ -فجأة -مع قيام مشاريع الزراعة الآلية المطرية المملوكة للقطاع الخاص في اواخر الستينات بل تطورت علاقات الإنتاج الرأسمالي  عبر فترة طويلة وتميزت هذه المرحلة بالتنافس بين الطبقات والشرائح المختلفة حول السيطرة على الأرض ورأس المال -وفوق كل ذلك -على الأيدي العاملة" ونجد عناوين أخرى تدلل على قراءة الكاتب لكل مراحل تاريخ ونمط إنتاج جبال النوبة في الفترة الزمنية للقراءة مثل -كبار مزارعي القطن الجلابة--الفلاحون متوسطو الحال من الفلاتة-قامت سياسة الإدارة البريطانية فيما يتعلق بأستيطان المهاجرين النيجيريين (الفلاتة-الهوسا -البرنو-البرقو)في جبال النوبة على الأسس التالية..  الأول أن هجرة غير محدودة من غرب أفريقيا لمنطقة جبال النوبة خاصة في المراحل الأولى  (لنهضة النوبة)ليس مرغوبا فيها والثانى -أن السماح (لاقلية تقدمية) من النيجيريين بالافتئات على الأراضي الصالحة للزراعة التى تحتاجها  (أغلبية متخلفة)من النوبة من المحتمل أن يؤدي إلى نقص الأراضي. كذلك أدركت الحكومة أن محاولة إبعاد كل المهاجرين من غرب أفريقيا يعتبر عملا قاسيا وعديم الجدوى ولكنها قررت إن من المصلحة ضبطهم وتقليل أعدادهم. ومع تزايد هجرة الفلاتة تقرر في آخر الأمر إرسال الفائض من هذه الهجرة إلى تقلي حيث كان بعض الفلاتة قد استوطنوا من سنوات طويلة وقد خصصت لإستيطانهم في الثلاثينات المنطقة الممتدة بين العباسية والجبال الشرقية وحدود كردفان الشرقية"
تحالف الجلابة
اشتمل الكتاب على فصول مهمة في تتبع تاريخ النوبة ودور الحركة الفلاحية وكذلك حالة الصدام  الداخلية بين المكونات النوبية والوافدين وحركة التجارة والبصمة الاستعمارية واحتوت الفصول على العناوين الآتية :
تحالف الجلابة وبيروقراطية الدولة 1952--1966. --رأسمال الجلابة والسياسة الزراعية 1950--1954. الجلابة وتسويق القطن. --التجار والزراعة الآلية --اهمية تجارب القضارف--صناعة اقطان جبال النوبة وسياسات التنمية 1952--1985. -- القيود على الزراعة الآلية 1954-1958.. وجاءت بقية فصول الكتاب على النحو التالى :حركة فلاحي جبال النوبة 1946--1952-تعاظم النشاط السياسي الطبقي. --حركة مزارعي جبال النوبة :مأزق الجبهة المعادية للاستعمار والتحالف مع الرأسمالية الوطنية، 1953-1957... ظهور الإثنية -القومية 1957-1966م:جدل الطبقية؛ -الإثنية.. الخاتمة.. الفلاحون والبرجوازية الصغيرة. يقول الدكتور عطا الحسن البطحاني"كأقليم متخلف ويحتل موقعا طرفيا في التشكيل الإجتماعي للسودان، كان مجتمع الفلاحين النوبة ممزقا بالمنازعات والمتناقضات، التناقضان الاساسيان اللذان تعرفنا عليهما في هذا الكتاب هما:تناقض إثني (المركز -الهامش أو عرب الشمال ضد النوبة )والثانى طبقي (أثرياء الفلاحين والرأسمالية الزراعية والتجار، من مختلف الاثنيات من جهة وفقراء وصغار المنتجين من الجهة الأخرى )"