مشهد العولمة المعاصرة والتموضع الثقافي كليك تو برس تبدأ في نشر الأوراق العلمية لجائزة الطيب صالح العالمية

مشهد العولمة المعاصرة والتموضع الثقافي كليك تو برس تبدأ في نشر الأوراق العلمية لجائزة الطيب صالح العالمية

مشهد العولمة المعاصرة والتموضع الثقافي كليك تو برس تبدأ في نشر الأوراق العلمية لجائزة الطيب صالح العالمية

جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي
الدورة التاسعة- الندوة العلمية
فبراير 2019م

مشهد العولمة المعاصرة والتموضع الثقافي


د. بكري خليل


مشهد العولمة المعاصر والتموضع الثقافي
د. بكري خليل
المدخل:
على مدى ليس بالقصير، ساد خطاب عال النبرة عن دخول الإنسان إلى عصر العولمة الشاملة، الكفيلة بنقله إلى دنيا الحرية والانعتاق، حيث ينال فيها كامل الحقوق ويعيش في عالم جديد توافقي ينعم بالسلام والأمان.
ووجد مفهوم العولمة الكثير من الاهتمام وكذا التفسيرات العديدة، وكماً هائلاً من التعريفات بقصد تقريب المعنى وتوضيحه للأذهان.
فهي تلك العملية التي تشمل أسباب ونتائج ومسار النشاطات الإنسانية العابرة للثقافات والقوميات، وتتضمن التكامل الاقتصادي وانتقال المعرفة والثقافة والانتاج وتتأسس على سوق متحررة عن السيطرة السوسيوسياسية.(1)
ويرى انتوني ماكقرو Antony MC-Graw  أن العولمة عملية تحدث تدفقات وترابطات ليس عبر الدول والحدود الاقليمية وانما عبر مناطق العالم والقارات والحضارات.(2)
وتهتم بعض المراجع بالجوانب المتصلة بالعولمة وابعادها. فالعولمة هي عملية تفاعل بين الناس والشركات والحكومات على امتداد العالم. وأنها قد نمت نتيجة التقدم في وسائل المواصلات وتكنلوجيا الاتصالات، وأنها توسعت نتيجة التفاعل ونمو التجارة العالمية والافكار والثقافة.(3)
فالعولمة انعكاس لتطور النظام الرأسمالي ودعوه لتدفق كل شيء من المعلومات ورؤوس الأموال إلى التجارة والخدمات، ودمج بين المجالين الترابطي الدولي والمؤسسي عبر الوطني وتقليص النشاط الوطني وسحب صلاحياته.(4)


وفي خضم الأوضاع التي شكلت رافعة لشعارات العولمة، أضافت الثورة العلمية التقنية قدرات هائلة على مستوى التواصل ومختلف المبادلات والتي أصبحت وكأنها الواجهة الأمامية للعولمة وذراعها وباعها الأطوال.
فان كانت الفتوح العلمية خلال أوائل القرن العشرين قد كشفت عن مفهوم التدامج الزماني- المكاني في مجال البحث الفيزيائي، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحاسبة واجهزة الاتصال المتقدمة قد حققت ذلك التدامج العيني بالقدرات القياسية في طي المسافات وتقليص الزمن بكل ما يلقيه من آثار على دقة وكفاءه الأعمال وتمكين الإنسان على الانجاز المتقن في بناء حضارة المعرفة. لذا لا نستغرب  تعريف العولمة نفسها بأنها هي ضغط الزمان والمكان بحسب ديفيد هارفي(5) Dewid Harvey .
ومثل هذه التحولات إنما تثري تعاطي  الإنسان مع ما حوله وتبعث على التأمل للتعرف على طبيعة واتجاهات الأحوال والمستجدات والوقوف على ما تخلفها من مشكلات وتفرضها  من اختيارات.
والذي يبدو لنا من  النظر إلى العولمة أنها ظاهرة جديدة، وهي ليست كذلك، إذ انها كانت قائمة منذ قرون خلت، وما طريق الحرير Silk Road إلا مثال على حركة التجارة والبضائع بين الصين و أوربا. وكلما حدث من قفزات بعدئذ انما كانت بسبب التكنلوجيا وسرعة الاتصالات وتطور وسائل السفر والنقل.(6)
فإن وضعنا في الاعتبار أن العولمة صيغة متقدمة للتفاعل ونمو الأواصر الإنسانية فمن البديهي أن تنقل وتفعل الثقافة في فضاء العولمة بسبب انتقال الأفكار والقيم والمعاني حول العالم لما يؤدي إلى توسيع العلاقات الاجتماعية والتثاقف والإقبال المشترك للثقافات على مصادر المعلومات ولعمليات التبادل الفكري والاجتماعي، وهي المعالم التي تبلور العولمة الثقافية Cultural Globalization.(7)
وإذا كان مختلف الدعاوي والأفكار تحد العولمة بتفسيرات وتوصيفات ينم عن بعدها التوحيدي والتماثلي ، فإن فحص المفاهيم المتصلة بهذا الجانب من سمات العولمة وبالأخص ما يتعلق بالثقافة أمر حيوي لاستكشاف حقائق العولمة ومسارها الفعلي والتثبت من مغزاها ودورها وتقدير آثارها.
فالثقافة بحكم أنها تنظيم جمعي للفكر، تعبير عن القيم والمثل والمعايير الأخلاقية في أطر رمزية بحيث تتجلى على مدى كبير ومتباين ولانهائي.(8)
لذا فإن البحث في العلاقة بين العولمة والثقافة، من شأنه أن يمدنا بمؤشرات لا غنى عنها لوضع فرضيات العولمة على أرضية النظر الواقعي وتحسس انعكاسات عصر العولمة على الثقافة الإنسانية المشتركة والتأثيرات المتبادلة بينهما.
العولمة والسياق الثقافي المعاصر
لعل التاريخ هو غير منبئ لنا عما تتركه المنعطفات والمصاعب من ندوب أو تخدشات في أشكال وبيئة المعرفة وكذا ما يتمخض عنها من صيغ طارفة تعود بالنفع إلى البشرية وأدواتها في شق طريق المستقبل.
فمع أجواء الثورة الصناعية والتنوير العقلي في القرن الثامن عشر ، نشرت التفاؤلية اشرعتها في التقدم، وتلتها الثورات الاجتماعية والسياسية وطرحت ثمارها المقطوفة قبل نضوجها، أسئلة التقدم والاستقرار والمفاضلات بين التغيير والنظام.
وكان ذلك هو أساس التفكير العلمي الاجتماعي الذي خطه سان سيمون Saint Simon (1760 -1825) بالتبشير  بالمجتمع الصناعي واختفاء الوجود الإقطاعي والدعوي إلى التغيير في التنظيم الاجتماعي والثورة العامة وتقدم الطبقة الصناعية لأنها الأكثر أهمية بين جميع الطبقات.(9) وتبعه أوغست كونت August Comte (1798 - 1857) الذي وضع أسس علم الاجتماع. وتلاحقت دورة النزعات لإعادة الاعتبار للرومانسية بعد سيطرة أفكار الأنوار* العقلية وما ساقته على طريق الثورة ودروب الصراع الاجتماعي والحروب الخارجية. وترك حراك تلك المرحلة حصيلة وأفره من الأفكار والتجارب أغنت التراث الإنساني السياسي والفلسفي بمبادئ المساواة والإخاء والعدالة والحرية.
ويدلنا ما تقدم عن قوة الأفكار الخلاصية التي ترتبط بالمفاصل والمحطات الكبرى و تمثل روح الاندفاع والاقلاع، وما يلازمها أيضاً من هزات وصدمات وتوقفات تؤذن بوصول الركب إلى خاتمة المطاف. غير أن التاريخ يكاد يكرر نفسه بلا انقطاع مع نذر يسير من الاعتبار بحكمته واستيعاب دروسه الغنية.
ومهما يكن فأن زمان الثورة العلمية التكنلوجية وبيئة العولمة، لا تختلف في مخرجاته التوصيفيه أو التفسيرية أو الاستشرافية عن جدل الإنسان مع واقعة رفضاً أو قبولاً أو شكاً في مجرياته وهو يتلمس لاستمزاج الاحوال والاهتداء إلى كنهها. 
وتكاثرت الأفكار والآراء جرياً وراء تشخيص حالة العولمة وطابعها العام وجذورها وبحثاً عن آثارها، وربما لم يُسال مداد من قبل كما جرى بحثاً عن العولمة من فرط  الدهشة أو الاعجاب والتعلق، أو من فرط القلق والمخاوف أمام شدة الوقائع والخشية من زحف العولمة ومضاعفاتها.
لكن الذي استوقف المتابعين بدرجة لافتة هو انبعاث نظريتين قديمتين في تمثل الوضع التاريخي، وان لبسنا لبوساً جديداً في استقبال العولمة المعاصرة، اذ راثا أن  ذلك الإهاب جدير بهذه الظاهرة التي اخترقت مناحي الحياة وافصحت عن حضورها الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي والعلمي والتقاني.
فعندما تطالعنا تلك الثنائية والتقابل أي النظرة الطوبائيه والأيديولوجية في إبراز ما جادت به قراءة عصر العولمة، يردد لسان الحال: ما اشبه الليلة بالبارحه.
فقد تقمص "خطاب النصر" الليبرالي طوباوية  المنظور الخلاصي ونهاية التاريخ بعد أن فرغ الانسان من مواجهة مشاكله الكبرى فأصبح قطاره على طريق الحركة في اتجاه واحد لهذا المسار، فإن عرباته تصل إلى المدينة بطرق لا تختلف عن بعضها الا في توقيت وصولها إلى الدمقراطيه الليبراليه بعد رحلتها الطويلة في نهاية التاريخ.(10)
وعلى كثرة موضوعاته الايديولوجية، فان مرامي "فوكوياما" الطوباوية من شأنها أن توجه سردياتة وخلاصاتها إلى آفاقها المستقبلية الطوباوية بمنطق ما بعد التاريخ.
لكن "فوكوباما" يعود أدراجه محاولا إزالة ما خلفته أطروحته عن نهاية التاريخ ويقول: "وكما نبه نقاد مفهوم نهاية التاريخ الأكثر إدراكاً، فان التاريخ لا يمكن أن ينتهي دون نهاية العلوم والتكنلوجيا الحديثة. نحن لسنا فقط بعيدين عن نهاية العلم، بل يبدو أننا قد وضعنا على الطرف المدبب لواحدة من أخطر مراحل التقدم في العلم والتكنلوجيا في التاريخ تعد البيوتكنلوجيا والتفهم العلمي الأكبر للمخ البشري بأن تكون لها نتائج سياسية غاية في الأهمية، فهما سوياً يعيدان فتح احتمالات للهندسة الاجتماعية تخلت عنها المجتمعات بتكنلوجيا القرن العشرين"(11)
وتأتي تصورات "صمويل هنتنجتون" مختلفة عن سابقه ، إذ يؤكد على حقائق الصراع  والتوافق في الوضع الدولي . ونراه يرسم أيديولوجية الصدام بين المكونات الثقافية التي تتخطى المشكلات التي حركت الأوضاع العالمية في الماضي، لتصبح حرباً مكشوفة بين الحضارات التي تفصلها بالأساس جدران العقائد والديانات والكيانات المختلفة، وتتبلور بين الغرب والإسلام والغرب والكوتفوشوتية، فالثقة الزائدة بالنفس التي يبديانها وتأكيد ذاتهما ازاء الغرب مصدرها النمو الاقتصادي الاسيوي والتعبئة الاجتماعية والنمو السكاني الإسلامي.(12)
فمنذ البداية تفترق النظرة الطوباوية التي توهمت النفوذ المطلق للهيمنة عن النظرة الأيديولوجية التي تفرعت عن رؤية الصراع واستمراره على ركائز استقطاب حضاري مبانيه للمصالح الأيديولوجية والاقتصادية وتشق عصا الطاعة والخضوع التي توحي به آراء فوكوياما  في الامتثال لواقع العولمة وشروطها.
فغياب الغريم الأيديولوجي قد أحل عالم الواحدية الطوباوي وهذا مشهد ينطوي على نفي تام لآليات عالم الصراع التقليدي بين الغرب وخصومه، بينما يُدخل "هنتنجتون" الخصوصيات في حراك النظام الدولي ويضع رداً يراه واقعياً ضد الآحاديه الطوباوية من معطيات العمق المتنوع للوجود الثقافي أو العالم كما هو على الطبيعة.
وربما أتت وجهات النظر المتعارضة كأحد نتائج تفخيم الأمور تحت الأضواء المبهرة للأحداث الدراماتيكية في نهاية العقد التاسع من القرن العشرين وتلاحق مفاجآت انهيار عالم القطبية الثنائية، التي غطت على ما وراء المسرح بفعل الأشواق والآمال في عالم متعاف.
فقد كانت نضارة تكريس مفاهيم العولمة في وكب المتغيرات تجسم " القرية  الكونية" وعولمة رأس المال والانتاج، وتلهج بتنميط البشرية في اطار هوية سياسية واقتصادية وثقافية واحدة وهو ما سمى على أثر تصوير مباهج العولمة بوهم "الانسجام" وانصهار مختلف الاقتصادات الوطنية والإقليمية في نظام اقتصاد عالمي موحد.
وبدأ الرد يرد تباعاً على إظهار العولمة وكأنها من قبيل الحتميات الاقتصادية والتكنلوجية الشبيه بالأحداث الطبيعية. فبالعكس كانت العولمة نتاج سياسات لعبت فيها الإرادة السياسية والمقاصد دورها في التخطيط والتنفيذ، من سن القوانين الليبرالية إلى الغاء الحواجز وانتهاء بتوقيع إتفاقية منظمة التجارة العالمية(الجات) وغيرها.(13)
وأخذت مدلولات العولمة التي كانت شائعة في فروع معرفية أخرى كالعلاقات التجارية الدولية، تتحور أو تتوسع تبعاً لتفسيرات ترى أن الكثير من المشكلات المعاصرة لا يمكن دراستها بشكل وافٍ وملائم على مستوى الدول الوطنية، وأن النظام العالمي أصبح قائماً على الممارسات عبر القومية المتصلة بالعلاقات الدولية ، فتعمل على مدارات ثلاثة هي الاقتصاد والسياسة والفكر الثقافي، حتى يصبح نظاماً قائماً بذاته ولا يكون مجرد رديف للرأسمالية العالمية على الرغم من هيمنة قوى الرأسمالية عليه، بل أن مؤسسات الطبقة الرأسمالية المتعدية للقوميات هي صيغتها المميزة.(14)
والذي لا صراء فيه أن الفكر الثقافي للنظام العالمي تتلخص في الحث على الاستهلاك وإقناع الناس بالاستهلاك أكثر من حاجتهم البيولوجية الواسعة وذلك للإسهام في تراكم رأس المال والتأكيد على استدامة النظام الرأسمالي وبقائه إلى الابد.

المعلوماتية والثقافة في عصر العولمة:
أياً كانت العولمة والنمذجه المعرفية لرسم خريطة إدراكية لها، وأياً كانت فاعلية الإرادة الإنسانية في توجيهها قصدياً فان العولمة ظاهرة موضوعية، إذ لا توجد الظواهر التاريخية من عدم أو تنشأ من فراغ. لذا فمن الطبيعي أن تتفاوت رؤيتها للمتابعين كامتداد للنظام الدولي القديم أو كمرحلة انتقالية لعصر غير معلوم، أو كتمهيد لتعددية مرتقبة.(15)
ويجوز مع ذلك النظر إلى العولمة كحقبة تاريخية جاءت عقب سياسة الوفاق وعلى أثر انهيار الحل الوسط الليبرالي بين رأس المال والعمل مما فتح الطريق أمام حرية التجارة في سياق العولمة.
فضلاً عما ذكر، فالعولمة تمتاز كعصر انتشرت فيه عمليات الإنتاج و التصنيع، وتم فيه اعادة صياغة لتقسيم العمل الدولي، وتحقق فيه تفاعل ضخم في اقتصاديات الدول كدليل على التقارب بين النظم السياسية.
على أن النظرة التي ترى في العولمة تعبيراً عن الانتقال الحاسم من الرأسمالية الصناعية إلى عصر ما بعد الصناعة، تتخطى تعريف العولمة بأنها حقبة تاريخية، وتركز على أن الزمن لا معنى له لأن تكنلوجيا الاتصالات قد أدت إلى تلاحم الشبكات المختلفة وضغطت على الفضاءات السياسية بين الدول وتقليص المسافات بينها.
كما إن النزوع إلى توصيف العولمة بحسانها ثورة تكنلوجية واجتماعية، يستمد مبرراته من التحول في طابع ومكونات المشروع وهي: الأرض والعمل ورأس المال، إلى صناعة السلع الثقافية التي تقدم على المعرفة التي تعد أهم مدخلات المشروع الصناعي المعاصر.(16)
فالثورة المعلوماتية هي ثورة تكنلوجية وقد حلت محل الثورة الصناعية والتي كانت تميز بين المنتجين المباشرين وبين من يديرون عمليات الانتاج. فإنتاج المعلومات قد أحدث تقسيماً جديداً للعمل، وأسقط التمييز بين من يفكرون في سياق عملية الانتاج والمستفيدين من عملية التفكير.
إن هذه المعطيات سواء بإيقاعاتها أو نتائجها قد أدت إلى هبوط الأبعاد السياسية والاجتماعية والثقافية التي تعكس أزمة في مجال الحداثة الغربية. وقد أبرز "فيليب انجلهارت" الباحث الفرنسي أن تلك الأزمة هي بسبب الشعارات الرنانة حول حرية السوق والتجارة وانتقال رؤوس الأموال والخصخصة وتقليص سيادة الدولة وسحبها من مجال الرعاية الاجتماعية وإعلاء شأن الربحية على كل القيم الثقافية والاجتماعية.(17)
ومع نهاية القرن العشرين ظهرت صورة جديدة للرأسمالية تميزت بشدة الاندفاع نحو بلوغ أهدافها، وذات طابع كوني وتتصف بالمرونة. غير أن تلك الصورة مجابهه بالحركات الاجتماعية التي تتمحور حول شبكة التشكيلات التنظيمية المبنية على الاستخدام الواسع لوسائل الاتصال والتي تمثل الذات وهي تمارس تأكيد هويتها في ظل المتغيرات البنيوية التي تحيط بها.
ومن خلال هذه الديناميكية الأساسية لعصر المعلومات تبرز هذه التشكيلات التي تكون بؤرتها الهويات الأولية الأثنية والدينية والأقليمية أو القومية المضادة، وجدلية العلاقات الاجتماعية والتجديد التكنلوجي وأنماط الانتاج والتنمية.
ويعزى تغلغل الاقتصاد الجديد إلى استخدام نفس تكنلوجيا المعلومات في مجالات أعمال مختلفة من حيث سياقاتها التاريخية. كما أن فضاء التدفقات أو الشبكة الكونية المترابطة تعمل على إعادة تأطير المنظمات الاجتماعية لنفسها. فالأسواق المالية على سبيل المثال هي الحدث المركزي في الاقتصاد الجديد الذي يتبعه باقي أوجه الأنشطة الاقتصادية.(18)
ويثير موضوع فضاء التدفقات مسألة كون الناس يتواجدون في العالم الواقعي أي في المكان الذي يعيشون فيه بينما مجتمع المعلومات العالمي يجري في مسار الافتراضية الواقعية real virtuality  مما يجعل الناس يفقدون إحساسهم بذواتهم ويعملون على استعادة هوياتهم من خلال صياغات أخرى.
ومن هذا المورد تأتي قضية علاقة الثقافة بتكنلوجيا المعلومات والاتصالات وقضية الهوية الثقافية. فهناك مخاوف حول احتمال قضاء تكنلوجيا المعلومات على التنوع الثقافي كما حدث لسابقتها التكنولوجيا الصناعة التي كادت ان تقضي على التنوع البيولوجي.
فقد همشت الثقافة في ظل عولمة متمركزة اقتصادياً ولا تشغلها الثقافة بقدر كونها أداة لهذا الاقتصاد بهدف تطويع الأسواق حتى تتقبل سلعها الثقافية.(19)
إن هذه الظواهر الملازمة للتحولات الاقتصادية الجارية في الحقل الاجتماعي إنما تقع داخل نظام الانتاج. فالثقافة عند هذه المرحلة تتناسب مع الأنماط الجديدة من الاستهلاك المستندة بدورها إلى وسائل الاتصال والاعلام، وتمثل ثقافتها بالذات لأنها حصيلة التمايزات الثقافية والنظام الرمزي المتصف بعدم الملموسية، والتحولات في التراتب الاجتماعي.
ويعيد بعض الدراسين الاجتماعيين مظاهر ما بعد الحداثة في مجالات الفن والأدب والاجتماع إلى الرؤي المتنوعة لحقيقة اجتماعية واحدة فيفترضون مركزاً يضفي المعني على المواقع المترابطة فيما بينها، فيما يغيب التفسير التوحيدي للعام الاجتماعي مقابل التبعثر والفوضى، وما ينشأ من حلول الفرديات محل الكليات. عندئذ لا يكون الفاعل الاجتماعي مؤثراً على محيطه الاجتماعي فيلجأ إلى التمركز على ذاته، فيظهر البأس والعجز عند الناس وتتفشى الفوضى، فلا يوجد نظام مرجعي كما لا يعود هناك اتصال بين الأفراد سوى الاتصال المعلوماتي.(20)
وفي هذا السياق يمثل "انترنت الأشياء" قدرة الناس والأشياء على التفاعل عن بعد وفي أي وقت واشتغال الأجهزة والادوات الالكترونية باتصالها البيني دون الاعتماد على البشر. ويتخطى النظام تواصل الأشخاص المباشر مع أجهزتهم ويتيح لهم التحرر من المكان ويقدم لهم خدمات عن بعد، إلا أنه يقترن بوجود محاذير تواجه الأفراد وكذلك شبكة الاتصال وأجهزتها، كالخروج عن السيطرة، والعبث بهذه الأدوات والأشياء واختراق خصوصيات المستفيدين مثل أغراضهم وبياناتهم المختلفة واستخدامها في أمور إجرامية ، وربما يتطور الأمر إلى تشييئ الإنسان أو تسليعه بنفس الطريقة في توظيف الأنظمة الرقمية.(21)
الثقافي والاجتماعي في المجال الافتراضي:
إن هذه النقاط وغيرها تعيدنا إلى جانب آخر من مناقشة قدراتنا الإبداعية في مجتمع المعرفة، فازدهار تكنلوجيا المعلومات والاتصالات الاليكترونية والاعلام والخدمات المالية  بحكم أنها تمدنا بما هو جاهز ، ترخي من قبضتنا على خيالنا. فهذه المعلومات التي نحن بحاجة إليها تكفينا للقيام بخطوات منطقته لكنها لا تمكننا من الاختيار بين خطوات متكافئة منطقياً فنحن نحتاج إلى درجة من الحذق والنشاط في تحدي هذه المعلومات بأن نكون مبدعين وقادرين على مجادلتها وإعطاء الأولوية للأفكار والتعبير الشخصي.(22)
ويستدل من واقع الثقافة الرقمية أنه تتم قراءة إشكاليات التواصل الاجتماعي الإنساني والنتائج المترتبة على استبدال التناظرية بأخرى رقمية لأن ما هو تناظري إنما يستند إلى فكرة أن الأشياء متصلة ببعضها بينما كل شيء في العالم الرقمي منفصل.
فالساعات ذات العقارب تقوم على اتصال أجزاء الساعة وتستند إلى أن الوقت مستمر بينما نجد الساعات الرقمية تعطينا قراءة للوقت في لحظات منفصلة ومستقلة. فاللحظة لا تظهر بأن لها علاقة بلحظة أخرى ذلك أن الأنظمة الرقمية لا تستخدم العلامات التمثيلية analogical signs المتغيرة باستمرار وإنما تستخدم تراكيب ثنائية من اللآحاد والأصفار التي يمكن تخزينها ونقلها.
فالمكالمة الهاتفية على سبيل المثال يتم ترميزها لسلسلة من الأحاد والأصفار و ترسل كمعلومات ثنائية يعاد استقبالها وتفسيرها على الطرف الآخر.(23)
على أن هذه الأجهزة الرقمية قد أصبحت أدوات فعالة في ربط الناس ببعضهم، في الوقت الذي تزيد فيه من الفردانية وإضعاف الشعور بالانتماء للجماعة ورأي " روبرت بوتنام" "Robert Putnam" ان الثقافة الامريكية تنحو في هذه الاجواء نحو مؤانسة اجتماعية اقل. وأشار إلى أن كثيراً من المناسبات والفعاليات الاجتماعية قد بدأت تختفي من المشهد والحياة الاجتماعية، لان الناس يختارون الاختلاء واللعب بمفردهم مما يعني أنهم يفقدون رأس المال الاجتماعي أو عامل الثقة ببعضهم وهو أمر ضروري للمجتمعات الديمقراطية.(24)
ومثل هذه الظواهر انما تطرح الاسئلة عما أن كانت الاشباعات التي يحصل عليها الناس من خلال عضويتهم في المجتمعات الافتراضية قادرة على سد احتياجاتهم من التفاعل الاجتماعي.
وفي هذا المحيط الذي تنتشر فيه وسائل  الاتصال الحديثة، يتشكل عالم آخر وسلطة جديده داخل البيت الذي أصبح يحفل بأذواق وعادات وقيم ولغة ونماذج من السلوك تمثل تراجع سلطة الوالدين والمجتمع. ومن شأن هذا النفوذ أن يخلق حالة من الانقسام بين الآباء والأبناء إذ أن لكل طرف تفكيره وطريقة تعبيره واهتماماته الخاصة.(25)
وجدير بالتنويه أن نظرية الحضور الاجتماعي Social presence  تشير إلى أن الوسط الاتصالي  يوفر الشعور بالحضور الاجتماعي بناء على دراسة الاتصالات وعلم النفس، فهو حضور تكنلوجي يتم بين المشاركين وآلية التواصل الالكتروني وبين الذات. وتؤكد هذه النظرية على أن الاستجابات والتصرفات الاجتماعية للمشاركين هي مسألة قدرات تكنلوجية سواء من حيث قدرة التصميم التكنلوجي وكفاءته في أصله على التمثيل الاجتماعي أو قدرة المستخدمين وكفاءتهم في استخدام التكنلوجيا.(26)
العولمة في منظور الواحدية والتعددية:
إذا كانت هذه المعالم قد انطبعت بها حقائق المجتمعات المعولمة وأفرادها، فإن الوعي الاجتماعي العام قد تحفز للرد على النزعة القدرية التي تحركت فيها فرضيات العولمة المتمثلة في خضوع المجتمعات لقوى الدفع الاقتصادية الحتمية نحو الديمقراطية الليبرالية.
ومما لا ريب فيه فأن هناك تصدياً يصطلح بالعولمة المضادة  deglobalization وهي تصورات من أجل اقتصاد عالمي جديد وكبح جماح التبادل الحر وتعزيز البعد الحمائي بالعودة إلى اقتصاد معقلاً وأكثر محلية وتجسير الفجوة الاقتصادية بين الشمال والجنوب، وقد لخص عالم الاجتماع الفلبيني والدن بيلو Walden Bello هذا الاتجاه كقراءة غير غريبة للمشهد.(27)
ويرجع السبب في مناوأة العولمة إلى آثار اقتصاد السوق على الدول النامية والأوضاع الثقافية وتحدي الفكرة التي ترى أن النمو الاقتصادي هو هدف أسمى. وفي هذا المنحى تطرح أسئلة كثيرة عن القيم النهائية في حياتنا وكيف يمكن بلوغها وتحقيقها كأهداف  بالإضافة إلى مشكلات توطيد حقوق الافراد وتعزيز المجتمعات وتحديد خياراتها الجامعة.(28)
لذا فان معطيات التنوع الثقافي التي تفرض عديد المشكلات للدولة القومية منها تيار التعددية الثقافية Multiculturalism الذي يأتي مزيجاً من المطالبة بالحقوق الثقافية لمختلف الجماعات المهمشة والاقليات، ورمزاً لسياسة المساواة، وكذا تأكيداً للذوات والتنوع واعترافاً بها وتأسيساً على المعايير والقيم الثقافية وتعبيراتها المختلفة اللغوية والإثنية والقومية والدينية.(29)
ويرى التعدد الثقافي أنه ينطلق من الاعتراف بالمواطنة المتعددة الهويات وأهمية ربط المواطنة بالخصوصية وليس فقط بالكونية كما هي سمة المواطنة في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن الصادر عام 1789. وبمثل هذه المقاربات يعمل بعض المفكرين على إيجاد أرضية مشتركة بين دعوى الكونية والانسانية وبين دعوى الخصوصية والمحلية التي تميز الأقليات. و تجد مثل هذه المحاولات اعتراضات ذات مرجعية ليبرالية، ذلك لأن الحقوق الخاصة والدائمة في تقديرها تنتهك مبدأ المساواة بين المواطنين فالفكر الليبرالي التقليدي لم يناقش مسألة الأقليات إلا أن بعض الدول الليبرالية قد وضعت لها معالجات وسياسات محددة، وصلت في كندا إلى وضع قانون التعدد الثقافي عام 1988، و بما يتفق وقيم الليبرالية في الحرية الفردية والمساواة.(30)


وجهة التخطيط الثقافي وأبعاده العالمية:
تحيلنا الموضوعات الآنفة إلى قضايا أبعد مدى نحو الصورة الكسموبوليتانيه والحكومة العالمية التي يفترض أن تكون حاضنة للحضارات الكبرى التي يهمها أن تنعكس قيمها ومعتقداتها في السياسة العامة.
ومشروع في هذا المستوى يفرض على الاقل حالتين معقولتين أولاهما انبثاق ثقافة عالمية مشتركة تلتهم الفوارق الثقافية القائمة. ويفترض هذا الاحتمال أن يقوم على نزعة السوق الاستهلاكية الواسعة وهو سنياريو "عالم ماك" Mac World والذي يتحول كل شيء فيه لسوق تبضع أمريكي عملاق. أما الأخرى فهي نمط من الثقافة المخصخصة بالجملة. فعلى الرغم من أن كل مجموعة اينما  كانت تسعى من أجل تمكين قيمها الثقافية فان الدولة في هذه الحالة سوف تهتم بكل المجموعات بلا استثناء وتولى أهمية لكل منها، وهو السيناريو الارجح. ولكن حتى يتم ذلك سوق تكون هناك انقسامات بين من يرغبون في رؤية خصوصياتهم لا سيما الدينية والذين يؤكدون على أن سياسة الدولة ينبغي أن تتأسس على قيمهم الثقافية.(31)
ولا يندرج  أمر هذه التوقعات في باب التخمين بقدر أنها تعبر عن تفاوت المنظورات التي ترى في الأرضية الثقافية موطأ هزازاً تحت أقدام العولمة أو أنها ساحة المعارك الكبرى. ولعل هذه الخاصة التي تلمسها المفكرون هي أن باينت بين  التقديرات حول طبيعة العولمة، إذ يقول بعضهم بانتصار السوق العالمية واندحار الايديولوجيا القومية كما عند هوبسباوم، وانتصار الليبرالية كما عند فوكوياما، والتصور الصراعي الثقافي في مجريات العولمة عند هنتنجتون.
وتلك البحوث قد أمنت على قياس التطورات بمسطرة الدراسات السياسية والتاريخية وجعلت نقطتها المركزية وخط شروعها الغالب مع اختفاء الدور الثقافي، فيما تتضافر الدراسات الثقافية المعاصرة لتجاوز فصل ما هو ثقافي عن ما هو اجتماعي وسياسي، ويرى ويل كيمليكا Will Kymlicka أحد أبرز المنظرين للتعددية الثقافية أن الخيار في العالم الواقعي للديمقراطية الليبرالية ليس بين القومية والتعددية الثقافية بل بين السياسات المرتبطة بالحاجات العملية لبناء الدول القومية والمطالب الثابتة بشكل مساو للتكيف مع التنوع.(32)
على أن هذا التوجه التعددي يواجه بنقد ليبرالي مقابل حجته أن القيم الليبرالية تتعارض مع التعددية الجماعية، وأن مفاهيم التعددية الثقافية قد تمهد لظهور التفسيرات العرقية للتاريخ  وأن ربط مشكلات المجتمع بالمسألة الثقافية ليس أمراً دقيقاً وان التعددية الثقافية ترتكز على سياسة الاختلاف وتكون على حساب التضامن، بل أن بعضهم يشبه انصارها بميلهم أن يكونوا مثل طيور العقعق الفكرية أي أنهم ينجذبون مثل تلك الطيور إلى ما هو لامع وجذاب دون أن يشغلوا أنفسهم بكيفية توافق افكارهم.(33)
وتعطي تأملات واقع الحاضر المعاش مداخل لتداول ما تواجهه نزعة العالمية من حصار ، لأن الأفكار العامة التي نادت بحمل مشعل العقل والتقدم وإحلال السلم أخذت تتضاءل وتخيب الآمال فضلاً عما بدأ من اعراض العولمة العملية .
فالعالم الذي يحدث ثورة في الإدراكات تتحول فيه الوحدة إلى البحث في التنوع المرتكز إلى المكان ويعاد السعي للكشف عن المعرفة التقليدية وتحفيز البحث عن المناطق المظلمة حيث يعيش الخاص والغريب والمدهش، أما الشعور بالشك فقد أدى إلى الاحساس بأن الكرة الأرضية ليست فضاء متجانساً بل غير متصل ويعج بالاختلافات مع تعدد الأماكن.
ويتحدث "فولغانج ماكس" في بحث له عن عالم واحد أن العمل من أجل عالم متنوع ومتماسك في نفس الوقت يتحقق بالحوار الحضاري وضبط النفس واعادة صورة المجتمع الصالح الموجود في كل ثقافة. وفي هذا الخصوص ترد فكرة المحلية الكوزمويوليتانية بأفق أن تعيش الأماكن كثافتها وعمقها، ويصبح العالم الواحد فكرة تنظيمية خاصة بالعمل المحلي وليس مشروعاً للتخطيط الكوني.(34)
وعلى كل فإن الثقافة كأبداع جمعي تنشأ وتتطور وتبقى في محل جغرافي، فنجدها وقد تم توزيعها والتعريف بها على أساس الموضع الذي تتخذه، لكنها أحياناً تصنف وتأخذ صفتها على أساس تاريخي زمني بالتحقيب أو بربطها بعصورها.(35)
فتموضع التفافات يسبق قيام الدولة كأساليب حياة وكوجود ذي كيان وخصائص، فتكون لها هويات قبل وطنية. لكن حضورها الاكثر عمومية انما يكون بانضوائها ضمن دول وطنية.. ومع ذلك فان تحليل الأمم يرتبط بالنظر إليها كوحدات سياسية واقتصادية، واخذ وضوح المدلول الثقافي يبرز منذ ثمانينات القرن العشرين.
غير أن التعلق بالخصائص المحلية لا يعود إلى مجرد التشبث بالمكان و الثقافة والأبعاد الاجتماعية وإنما قد يكون بدوافع ذات صلة بالرأي والموقف الفكري. فالليبراليون مثلاً يفضلون اللامركزية لأنها تضعف من سيطرة الدولة بينما الثقافويون المحليون يميلون إلى التمركز وما يعبر عن تقاليدهم وتأكيد خصوصيتهم.(36)
كما أن العوامل الثقافية التي تكسب الجماعة شخصيتها تكون احياناً من السمات التي يغلب عليها المكونات المادية دون وحدة اللغة والكثير من الخصائص الاخرى كما كان حال هنود أميركا الشمالية قبل الاستيطان الاوربي. فقد كان هناك نحو واحد وثلاثين مجتمعاً هندياً لكل منها اسمه القبلي ولغته وثقافته الخاصة مع خصائص مشتركة في نوعية السكن ومادة الملابس، ومزاولة الصيد وصناعة الجلود واساليب الزخرفة ونظم الحرب، لذا أطلق الانثريولوجيون على أساليب حياتهم اسماً عاماً هو ثقافة السهول.
فالنزوع نحو المحلية كما أشرنا هو حالة ليست جديدة على المجتمع السياسي من الناحية التاريخية والانثريولوجية، أما الإنسان فيخلق بيئته الثانية التي هي الثقافة كصنيعة إنسانية وينشئها للتعامل مع الطبيعة أو بيئة الأولية.(37)
غير إن المؤثرات قد تأتي عليها بمتغيرات من شأنها أن تضاعف من التصورات عن الذات والآخر، وتزيدها المرويات مع الزمن الذي يعمل على مراكمة الصور النمطية عن التراتب والتمايز.
وهكذا فان رؤية العالم والآخر تتطور مع تطور الصلات الثقافية. فالحداثة والعولمة قد تسوق خلافات  في ظل سيطرة نموذج ثقافي على آخر كما هو الحال للعالم الاسلامي. فقد كان يتمركز في نطاق دار الاسلام ونطاقه القيمي والذي كان يصوغ صورة رغبويه في النظر للآخر والتحلق حول الذات. لكن المجال أصبح ممهداً أكثر من الماضي للتفاهم و التواصل بما وفرته أدوات الاتصال والاحتكاك فضلا عما أدى بدوره إلى انبعاث مفاهيم سجالية وسلبية عن الإصلاح والهوية والخصوصية وإثارة المخاوف الموروثة ورهاب الأغيار.(38)
العولمة الثقافية والعولمة المزدوجة:
المحنا فيما أشرنا إليه لجدلية الاتصال والانفصال على منوال التلازم والارتباط العضوي بين العلم والتكنولوجيا بمفاعليها الحضارية وآثارها المباشرة، وبين الحساسية المحلية والأبعاد الجغرافية، ومتوالية وضع ورفع الحواجز المكانية أمام انسياب العولمة على المدى الثقافي وبما أسفر عن آلية مزدوجة من التمدد والانكماش ، حتى أن " بطرس غالي" الأمين الاسبق للأمم المتحدة قد قال في وصف حالة العالم:(( إن كوكبنا يخضع لضغط تفرزه قوتان عظميتان متضادتان، إنهما العولمة والتفكك)).(39) 
فالعالم الذي يتعرض إلى هذه المؤثرات الضخمة لابد وأن ينوء بأثقال الانبساط والانقباض والتمطيط والتذرر.
ولكن العولمة تمر بطفرات ضخمة في عالم الاتصال والمعلوماتية والتحولات في مجال التكنولوجيا المختلفة فضلاً عن تنامي العولمة الاقتصادية التي طبقت استراتيجيات نقلت بموجبها مؤسسات انتاجية قومية إلى مناطق أخرى، وشهد ظهور نظريات اقتصادية ما بعد فوردية Post Fordism كمرحلة جديدة في مراحل تطور النظام الرأسمالي الصناعي والثقافي. واتسمت هذه المرحلة بهيمنة الصورة وانماط الاستهلاك المستحدثة والمبتكرة فقادت إلى إدماج الانتاج الثقافي في الانتاج السلعي ليغدو الأخير مجالاً للصراعات الاجتماعية المحتدمة وتميزت بتزايد دور الأسواق المالية.
فاقتصاد العولمة الذي لا يؤمن بالحدود السياسية والجغرافية بل يؤمن بالانتاج والاستهلاك دفع باتجاه تأسيس تيار جغرافياً ما بعد الحداثة.
وشكل ذلك التحول الابستمولوجي نقلة للجغرافيا من علم طبيعي إلى علم اجتماعي بعد أن كان هذا المجال حكراً على المباحث السوسيولوجية.(40)
وما يفيدنا به هنا الجانب إن تموج العولمة بين عمومياتها وخصوصياتها، يشير إلى الحراك المعرفي إذ أصبحت المعرفة بُعداً انتاجياً رابعاً يضاف إلى الأبعاد التقليدية الثلاثة للانتاج وهي الأرض والعمل ورأس المال.(41)
والذي يهمنا فيما سبق ليس قضايا وسياسات تخطيط الفضاءات والأمكنة وإنما استدراك ما ظل يعد من البداهات الأولية في إطار الثوابت والمتغيرات التي تحيط بواقع العولمة الذي يحمل أشكالاً من التدفقات والتغيرات المضطردة نحو التمدد واكتساب الطابع العالمي بالمزيد من انزياح معطياتها عن أوضاعها المعتادة وفي نفس الوقت ابداء أوجه الصدود والالتفاف حول الذات واعادة انتاج مفاهيم التقليد والاستمرارية وابرازها في وجه التغيير. تلكم سمتان تطبعات المشهد العالمي بصرف النظر عما فيه من شراء التحول والتحديد، وبحيث يؤكد نوعية التفكير الواقعي المنسوبة إلى غاندي" في النظر ((فكر عالمياً واعمل محلياً)) في وضع كفتى ميزان الخصوص والعموم ومعالجة مسائل المحلية والعالمية. (42)
ويرد استمكان موقع الاقليمية من العولمة أمراً ذي أهمية وتحديد تكاملها أو تناقصها. فان كانت الاقليمية حالة دون العالمية ، إلا أنها تندرج ضمن انشطة الدول. ولكن هناك من يضع الاقليمية في حيز التمفصل بين  المحلية والعولمة وتصفها بأنها وسيلة للنظم الرأسمالية في المناورة مع المشكلات التي يترتب عن العولمة، واسلوباً للوصول إلى حلول وسط مع اقتصاد العولمة. وفيما يصنفها "هنتجتون" ضمن الروابط الحضارية والثقافية، يرى "مهاتير محمد"  الزعيم الماليزي أن تكتلات شرق أسيا يمكن النظر إليها كجماعة ثقافية وليس مجرد مجموعة جغرافية.(43)
ويذهب بعض وجهات النظر والتحليلات إلى أن الاقليمية امتداد للعولمة وأحد أوجهها أو إحدى الدرجات في سلم الوصول إلى العولمة ولهذا فأن بعضهم يرى أن الاقليمية لا يمكن فهمها بدون فهم ظاهرة العولمة.(44)
فالعولمة التي لها ثلاثة جوانب هي الشركات متعددة الجنسيات والتقسيم الدولي الجديد للعمل ( الذي بموجبه تجزأ مراحل الانتاج في دول مختلفة وكذا الحال في تجميع السلع والتسويق في أخرى ثالثة) ونمو التمويل في الاطراف. وهذا الجانب يعد شكلاً جديداً متطوراً للعولمة وأصبح الوسيلة الحازقة التي استطاع بها الاقتصاد الرأسمالي أن يحكم سطوته، واصبحت المهمة الرئيسية للشركات المتعددة الجنسية جعل الأسواق ذاتية وعابرة للحدود الوطنية ومستقلة عن الدولة وأراضيها وصارت الواردات والصادرات في الواقع بمثابة تجارة داخلية ضمن كيان قومي.(45)
وتبعاً للثورة الصناعية الثالثة التي تطرح نوعيات جديدة تماماً من السلع غير المألوفة، فان الانتاج الرأسمالي سوف تتخلى للبلاد النامية عن الصناعات العائدة للثورة الصناعية الأولى (المنسوجات والصناعات التعدينية)، وبعض صناعات الثورة الصناعية الثانية (تجميع السيارات والسلع الكهربائية...الخ) وهي صناعة تتميز بكثافة عنصر العمل وتلويث البيئة.(46)
وعليه فان البيئة الإقليمية التي تتشكل في سياق المثول التعددي والذي تقف خلف تحريكه مصالح وتوجهات تعبر عن طبيعة الأوضاع التي صنعتها العولمة ومقتضياتها. ولكن الإقليمية لا تضاهي قوة ما هو محلي في التصدي للعولمة ومقاومة نهجها، كما أن المحلي يفترق عن الإقليمية في طبيعتها وهويتها، على الرغم من أنه يقوى ويضعف بمؤثرات العولمة.(47)
كذا فان المحلية في حقيقتها الخفية تستنبطن ضرورات التوازن بين وجودها الواقعي وحيوية تجربتها وخبرة الاتصال والافادة من إمكاناتها .

العولمة بين جدل المثاقفة الكونية والتمركز:
تدور عجلة التفكير في العولمة على التأويل والمباعدة والمقاربة بين الفعل ورد الفعل المرشحة عن التصورات المتفاوتة وانتزاعها من النظرة الجبرية للعولمة إلى قراءة التاريخ ووعيه ورفض اعتباره سلسلة حوادث وحيدة الأبعاد أو العوبة في يد قدر قاهر.(48)
وتنفتح هذه النافذة على منظور فسيح الفضاء و الذي تغطيه الثقافة في صلتها بمقومات العولمة المعرفية ومكوناتها المادية والفكرية. فالثقافة وأن كانت تعني أسلوب الحياة ومجمل المتراكم من الموروث الشعبي، إلا أنها تتوافق مع خصائص العولمة في فعل الجماعة وتوجهات رسم الوعي التاريخي الاجتماعي.
فالثقافة تتألف من العناصر الروحية النفسية والمادية التي يكسبها الإنسان من خلال انخراطه في الجماعة لذلك تمتاز بتحديدها لخصوصية الأمم ونظرتها إلى نفسها وإلى غيرها وإلى الكون، وهو في انخراطه ينظر إلى ما ينبغي فعله أو تركه.(49)
ولكن الروابط اللاحمة لها بالعولمة تنفرط بفعل أوجه التخارج التي كثيراً ما استجوبت العولمة وعملت على تقويمها بحثاً في طبيعة الفجوة بين العولمة والثقافة، وما إن كانت العلة في العولمة ودأبها على توظيف كلما يقع في دائرتها لأغراض الهيمنة، أو أنها حالة مصاحبة تلخص حصيلة العولمة المنقوصة التي تمثلها العولمة المنجزة بطبيعتها الانتقائية و دوافع الهيمنة الاقتصادية والسياسية.
أما العولمة الثقافية فيقصد بها ذلك التقارب بين ثقافات الشعوب بما يفضي إلى أذابة الفوارق الحضارية بينها وصهرها حتى تكتسب خصائص مشتركة.
وعلى المستوى العالمي بدت علائمها في الأقرار بحرية الإنسان في الرأي والتعبير والعقيدة والحقوق المدنية والعمل ، وانتشار انواع من السلوك والعادات في الملبس والمأكل والفنون، وتمظهرت بعض جوانبها في اتساع استخدام بعض اللغات في التفاهم والأغراض العلمية والثقافية، وازدياد نفوذ القيم النفعية، مما يعكس إلى حد كبير ثقافة الغرب الرأسمالي.(50)
ومن الواضح أن العولمة وحركة المثاقفة تجريان بأساليب متقاربة. و كما هو رأي "على مزروعي" فأن العولمة قد جاءت نتيجة تفاعل أربعة عناصر هي الدين والتكنولوجيا والاقتصاد والأمبراطورية أي بتضافر التمدد السياسي والاتصال وانتشار العقائد وتبادل المصالح الاقتصادية، وأن الفصل الأخير للعولمة قد كان سبب الاندماج بين الثورة الصناعية وثورة المعلومات وتطور التبادل الدولي، وفي القوة التي توجه العولمة تتمثل هذه العناصر الأربعة بملامحها الراهنة. ونجد العولمة الثقافية وقد شقت طريقها بفعل الاتصال والهجرات الجماعية التي حملت الثقافات إلى أصقاع المعمورة . وهكذا فان اندفاع قوى  العولمة ليس بالامر الجديد خاصة الاقتصادية منها..
وتقول دراسات حديثة بأن تدويل الاقتصاد العالمي قد أخذ يستمد قوته منذ ستينات القرن التاسع عشر وذلك ببدأ تعميم الاقتصاد القائم على التكنولوجيا الصناعية الحديثة، كما أن الاقتصاد المعولم حالياً هو في بعض الاوجه أقل انفتاحاً وتكاملاً مما كان عليه النظام الذي ساد خلال المدة من 1870-1914م.(51)
وترافقت الممارسات الثقافية يزخم النزعة الاستهلاكية. وبدأت هذه الظواهر تنبه بإحلال الوافد العالمي محل أساليب وتقاليد المجتمعات المستقبلة وتوحيدها نمطياً بالسوق والنموذج الغربي الرأسمالي الليبرالي وبما يمس كيانها وشخصيتها الحضارية.
والذي لا مراء فيه بأن هذه الملامح إنما تشي بإضفاء لون محدد على العالم وينطوي على توجهات الغربنة وعولمة الثقافة بحيث تصبح العولمة إفصاحاً عن نمط من التمركز العالمي.(52)
فالأنماط الثقافية في أية حضارة لا بد وأن تستفيد من الممكنات الكامنة في الدوافع والمرامي الإنسانية. وترى روث بندكت Ruth Benedict أن أول متطلب لهذه الأنماط هو الاختيار الذي بدون توافره لا تحقق أي ثقافة وضوحها والافادة من التقنيات والسمات الثقافية.(53)
فثمة ما يرتسم كصورتين للعولمة مختلفتين، الأولى هي عولمة المبادلات مما يخلق في وعينا فهماً عن تشكل عالم موحد خاصة مع وجود المعلومات المتاحة وما توفره من توحيد للممارسات، وصورة أخرى تظهر الشعور بالانتماء وتؤكد على الهوية كما تؤكد فيها الدول والاثنيات على تاريخها وثقافتها ومعتقداتها وعاداتها.
فبينما يتوحد العالم في بعض الجوانب الاقتصادية والمبادلات ، فان الصورة الثانية تؤدي إلى تفكك العالم السياسي كما لاحظ بعض صناع الرأي في أميركا .(54) ويبني ما تقدم تلك الازدواجية التي تؤكد عن التوجهين بين منبسط ومنقبض كما اشرنا، فبرز الانسياب والسيولة المفرطة، وكذلك ما يقابله من انعزالية نحو الذات ولما هو دون عالمي وحتى إلى ما هو دون وطني أيضا. فمنذ انعقاد أول مؤتمر لمناقشة الثقافة والعولمة والذي عقد في ينغ هامبتون بنيويورك عام 1989 ، برزت علامات الاستفهام حول ما أن كانت العولمة قوة لتحقيق التجانس الثقافي أم أن حركة معاكسه تقاومها في ظل اقتصاد عالمي قام على التقسيم الدولي للعمل وثقافة جماهيرية كونية.(55)
والذي يعنينا أن العولمة بحكم ماهيتها الثقافية وترامي مساحتها وتنوع مكوناتها، ذات واقع تعددي إلا أنها تنطوي على وضع تناقضي الطابع. وهذه الحالة اشبه بصدام الثقافة العليا والثقافة المحلية في محيط ما ، وبين سلطة عالمية منتشرة وغير مستقرة وأخرى محدودة ولكنها مستقرة وآمنة.(56) 
ويرى بعض المفكرين بأن هناك التباساً بالأصل في توصيف العولمة، فهناك انعدام في التمييز الواضح بين الميول نحو التدويل والصيغة المغالية لأطروحة العولمة مما يؤدي إلى خلط لاستخدام كلمة واحدة للتعبير عن حالتين مختلفتين، ونموذجين مختلفين للاقتصاد العالمي. فالأول نموذج كوني معولم بالكامل والثاني نظام عالمي مفتوح  و يسوده التبادل بين اقتصادات قومية متمايزة نسبياً، ولابد من ادراك الفوارق بينهما أي بين اقتصاد كوني واقتصاد بين الأمم بنظام علاقات اقتصادية عالمية تزداد سعة وشدة.(57)
ولئن كانت بصمات العولمة واضحة في حياة المجتمعات ولاسيما التكنلوجية منها فضلاً عن المعاملات المالية والتجارية، فان الطريقة الذي تسير فيه العولمة يكشف كونها عولمة منقوصة من حيث ما تضعها من موانع أمام انتقال العمل والملكية الفكرية بشكل خاص.
ففضلاً عن أن تلك الموانع تمثل اخلالاً بمكونات الانسيابية والتدفق، فهي تعبر عن مظهر استبعادي يحمل مضامين ذات معنى ثقافي واجتماعي واقتصادي سالب. ومن جهة أخرى فأن تلك الحواجز انما تزيد من تفاقم مشكلات العلاقة بين الشمال والجنوب ومفاقمة و توسع الفجوة العلمية والتقنية والمعرفية و بينهما و تعمق من اضرار التمييز واحتكار سبل التقدم الأمر الذي ينعكس على جميع أصعدة المصالح المشتركة.
وتسير عمليات تدفق الهجرة في ظروف بالغة الخطورة والتهديد بحثاً عن فرص جديدة. فارتحال المهاجرين كضحايا للأوضاع الطاردة في بلادهم كالحروب والأزمات الاقتصادية والسياسية التي تضع المزيد من العصي في دواليب العلاقات بين الشعوب.
ومع تزايد الفوارق بين الدول الغنية والفقيرة وتدفق أعداد ضخمة من المهاجرين إلى العالم الأول الذي التزم نظرياً بمساعدة اللاجئين وجرى حظر الهجرة من الناحية العملية عدا بعض الدول التي سمحت بها في بلدان محددة. ويبقى هؤلاء المهاجرون تحت الاجراءات الصارمة والشعور بالكراهية الموجهة إلى الأجانب.(58) وفي هذه الاجواء يتصاعد الاحساس بالتهديد الثقافي والاجتماعي كرد فعل للبطالة وربط الارهاب بالمهاجرين والأجانب.(59)
واقترن التركيز على مسائل الهوية بتعالي الموجات الشعبويه المتناغمة مع رفض الدول الاوربية باستقبال المزيد من المهاجرين. فمستوى هذه النزعات صرف الناس عن الخوض في القضايا العامة مما جعلهم يتوجهون نحو الاهتمامات الجانبية السائدة. حتى بات الكثير من القوى الاجتماعية بعيدا عن قضاياه الأساسية و اطلق بعضهم وصفا لهذه الحالة بانها  أصبحت ديمقراطية من دون جماهير(60)
فالخطاب السياسي عند العديد من القوى السياسي ذات الوزن يستخدم لغة مناهضة للأجانب والمختلفين في الدين ، وأصبح العامل الثقافي يتحول إلى عامل إقصاء. وعلى وفق هذا التغير أصبحت ممارسة الشأن السياسي قاصرة عن التحدث بقيم جماعية مشتركة وإنما تفصح عن هويات متعددة بعيدة عن الهوية الجامعة النابعة عن الولاء للوطن والدولة وتتجه إلى التمييز وتبتعد عن المدلول الحداثوي للانضواء في النسق الكلي والتعبير عن ذات المواطن بحسبانه مواطناً.(61)
ومؤسسياً، فإن الحركة الاجتماعية وتعبيراتها السياسية أصبحت تعاني من ضعف الإقبال  على المشاركة والإحجام عن السياسة وتجد في التحام قوى ذات مناشئ غير سياسية للمجال السياسي تعبيراً عن مظاهر هذا الانسحاب من صناديق الاقتراع إلى حركات الاحتجاج أي إلى ديمقراطية العصيان.
 وكل هذا إنما يصب في إنعاش الاتجاهات الفوغائية والشعبوية القائمة على التهييج والإثارة وتجييش المشاعر بالتبسيط والتعصب.(62)
وفي جملتها فان هذه العواقب قد ظلت في محيط النظر لتمركز العولمة الذي ظهر بوجهه المهيمن واعتماد رأس حربتها على منطق القوة والحروب الاستباقية، ودخول العالم في دوامة الارهاب والازمة الاقتصادية.
فإثبات المصاعب الكبيرة التي تواجه نظام العولمة كأيديولوجيا اقتصادية وسياسية  وتوجهات ثقافية لايحتاج إلى دليل . بل أن الوعود البراقة للنظام الدولي منذ تسعينات القرن العشرين تكلفتها الاخفاقات المتوالية في الوضع الدولي  وتكشف الحدود الفعلية للعولمة في نزوعها الكوني ومقدرتها في تشكيل الوعي واتساقه مع خطابها.(63) بل إن مصداقية مراكزها الفاعلية قد اعتراها الضعف في امور جوهرية مثل حرية التجارة ومشكلات التكامل الانتاجي العابر للقوميات ،تلك الامور التي تتكشف تباعاً في توترات في العلاقات الدولية بالعودة للحمائية والحروب التجارية غير المعلنة حرصاً على ضمان الامساك المطلق بمفاتيح إعادة الانتاج في التمويل والتطوير التكنلوجي والتسويق.(64)


الخاتمة:
عرض البحث من خلال اتباع منهج وصفي وتحليلي ونقدي مقارن، إلى سياق الثقافة المعاصرة في ظل العولمة وسياقاتها الاقتصادية والتكنلوجية والثقافية بسبب تعارض التنميط والواحدية معها.
وتكشف ازدواجية واقع العولمة عن طابع التحولات التي انتهت إلى انقلاب على البديهيات التي تنطلق منها العولمة إذ تعارضت مع حرية التبادل والتدفق في المجالات المختلفة، مما أدى إلى الانكفاء وانبعاث الهويات ما قبل الوطنية وسيطرة النزعة الاستهلاكية.
وهذه المعطيات  ترشدنا إلى أهمية توازن الاوضاع الدولية وأهمية المشاركة والتعاون وتنظيم حركة وانتقال العمل والعرض  بلا استئثار مما يحد من التمركز والهيمنة.
وتلك الشروط هي الكفيلة بمثاقفه صحية بين اطياف الحضارة الانسانية وابعاد شبح الهيمنة واختلال واقع العولمة ومشهدها الثقافي بوضع ركائز حوار متحضر.
 الهوامش:
Dr. Nayef R.F.AL Rodhan, Geneva centre for Security Policy, June, 19.2006, pp 1-2.
المرجع السابق ص7.
Wikipedia, Globalization
انظر: د. بكري خليل، الفكر القومي وقضايا التجدد الحضاري، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2004، ص 43-44.
Globalization is the Compression of Time and Space, Nayef Al Rodhan, op.cit, p.9.
https//www.weforum 1/2017.
Wikipedia, Cultural Globalization.
آدم كوبر، الثقافة، التفسير الانثروبولوجي، ترجمة تراجي فتحي، عالم ا