مروان علي

مروان علي و"الطريق إلى البيت " محمد العربي.... تونس في إحدى محاضرات بورخيس وتحديدا محاضرته "لغز الشعر" والتي حاول فيها تعريف الشعر على أنه عاطفة ومتعة بالأساس.يحدثنا بورخيس عن القس بيركلي الذي تصور أن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها

مروان علي

مروان علي
                                           و"الطريق  إلى البيت "

محمد العربي.... تونس

 

 

في إحدى محاضرات بورخيس وتحديدا محاضرته "لغز الشعر" والتي حاول فيها تعريف الشعر على أنه عاطفة ومتعة بالأساس.يحدثنا بورخيس عن القس بيركلي الذي تصور أن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها- فالتفاحة بذاتها لا طعم لها- وليس الطعم في فم من يأكلها،وإنما في التواصل بين الإثنين.والشيء نفسه ينطبق على الشعر، وعلى كتاب " الطريق إلى البيت" للشاعر السوري مروان علي،الكتاب  الشعري الصادر عن دار المتوسط في 88 صفحة.
ولد مروان علي عام 1968 في قرية كرصور على أطراف مدينة القامشلي شمال شرق سوريا. وهو يقيم اليوم بين هولندا وألمانيا. ترجمت أعماله إلى الكردية والتركية والألمانية والإيطالية والإنجليزية والهولندية والفرنسية.نذكر منها :ماء البارحة- دار الغاوون بيروت 2009، غريب...لا شيء عنك في ويكلكس- دار مسعى ،المنامة 2016، لكي تصبح كرديا في خمسة أيام، دار المتوسط – ميلانو 2019 . وله أكثر من ديوان شعري قيد الطبع.
في هذا الكتاب الشعري الذي يتضمن 55 قصيدة في 4 أبواب يكمن الشعر في التواصل بين فم الشاعر المغترب عن بلده وسوريا التفاحة التي لم تعد صالحة للقضم.بلد الشاعر الذي تهُدم بيوته وتخربه الحرب.
_ في البحث عن المكان الضائع
قبل أن يفتتح الشاعر نصوصه في بابها الأول، يستهل المجموعة بتصدير هو أشبه بمفتاح للدخول،"كتبتُ القصيدة الأولى على الجدران الطينية، تحت شمس أيلول،وتركتها هناك في كرصور،كي لا يقول لي أحدٌ_لم تترك شيئا خلفكَ، لأهلك. وذهبت بعيدا."
منذ الوهلة الأولى، تبدو لنا النصوص وكأنها سيرة ذاتية ،إذ يعود بنا الشاعر إلى طفولته التي تركها خلفه قبل أن يغادر قريته كرصور.هي عودة إلى الينابيع الأولى "حصان جدي".نصوص تبحث عن الفردوس المفقود.مازال الشاعر يعرف الطريق إلى البيت"أعرف الطريق جيدا مثل حصان جدي،مثل أحلام جدتي."يعرف الطريق لكنه لا يصل، الشعر وحده هو الذي يصل.
إنها الحياة في كرصور التي يحاول  مروان علي تصويرها والبحث عنها في ألبوم العائلة.ذكرياته التي مازالت تعيش هناك وتلمع كمقص ألماني تحت شمس كرصور.يقول الشاعر في نص بعنوان "بيانو"
في كرصور،فكرت طويلا، في اقتناء بيانو، كي أعزف ضوء القمر لأمي ، وهي تمشط شعر أختي الصغيرة."
إنها رحلة بحث عن المكان الضائع :البيوت الطينية،الشوارع والاشجار، الحديقة العامة،مدرسة الكرامة، المرأة المجهولة ربما هي مرلين مونرو ، ربما هي شمس البارودي، ربما هي هوليا أوفشار.... والتلميذ الذي مازال يركض نحو المدرسة ولا يصل.الأب الذي يدخن ويتأمل حقول القمح.
نصوص تصور عوالم الشاعر الضائعة، حين كانت الحياة جميلة.كرصور، القامشلي،عامودا، حلب، دمشق،سائقى تاكسي الوحدة،الكرديات في عيد النيروز، العاطلين عن العمل في شوارع قدور بك، أشجار التين وحقول البطيخ الأحمر" كانت الحياة جميلة قبل أن تتحول إلى ذئب أبيض." قبل أن يكبر، وقبل أن يلوّح لكرصور من أعلى نقطة من أمستردام ولا يرى شيئا.

 


_كان هذا الحب شاقا
في الباب الثاني من المجموعة يتكرر الحفر و البحث مرة اخرى، لكن هذه المرة عن الحب الضائع، الحب القديم "الأزهار الصغيرة في أطراف تنورتكِ القصيرة، من أثر لمسة قديمة فوق الركبة بقليل".
هي حالة اشتباك مع علاقة قديمة ،وربما صارت مستحيلة.وما هو الشعر سوى كونه اشتباك مع المستحيل،" الحب، تلك الطعنة الخفيفة التي لا نشعر بها،لكنك ستجد بقعة من الدم على قميصك الأبيض، حين تتأمل شحوبكَ في المرآة."
يسترجع الشاعر في القصائد حبه القديم "بعد هذه السنوات، لقد كان هذا الحب البعيد شاقا ومؤلما، ترك أحجارا كبيرة وكثيرة في هذا القلب الصغير، كلما تذكرتكِ ، تألمتُ، لقد كان هذا الحبّ جميلا وشاقا.إنها الفقد والخسارة  يحفرنان في قلب الشاعر " المسألة ليست صعبة جدا، كما تصورنا، فقط لم نحسب الأعراض الجانبية لهذه الكلمة ، وداعا".
لولا قبور الأصدقاء
ينتقل بنا مروان علي إلى تصوير الحرب التي افقدته الأصدقاء والأحبة، الأهل والبيت."أخاف من هذه الكلمة، الحرب، وأحاول أن أبتعد عنها في قصائدي،فأنا شاعر جبان وأحبُّ الحياة".
لكن رائحة سوريا التي تسقط كدمعة وتظهر وتختفي كزهرة تسدعى من الشاعر نصوصا عن الحرب."سنتقاسم الحرب، أنت تدفن الأصدقاء، وأنا أبكي عليهم."
يأخذنا الشاعر داخل هذه النصوص فتشعر وكأنك تتابع سيرة شعرية يتلبس فيها السرد بالشعر ويلتبس فيها الحاضر بالماضي. وحتي حينما تنتهي الحرب لن يعثر الشاعر عن البيت". الحرب تأكل كل شيء، الأرض والبشر، تحت شجرة التوت، لن نجد غير الطلقات الفارغة وعصافير ميتة بمناقير من حديد".

سيرة ناقصة
هي سيرة الشاعر، أحلامه وهواجسه وأمنياته .فلم يحلم  يوما بركوب الطائرات ، انتظر أن تنبت له أجنحة ليطير فوق سوريا ويتأمل البيوت ويتأكد من زرقة السماء.هي سيرة ناقصة حين لا نجد ما نعود إليه ، لا البيت ولا الأصدقاء ولا الحب ولا الوطن.وحين يكون بيننا وبين الحياة سوء تفاهم ودائما ما يكون بين الشاعر والحياة سوء تفاهم " لم تكن الحياة وديعة، ولم نكن وحوشا،نستطيع أن نبرر كل ذلك، مجرد سوء تفاهم".

" الطريق إلى البيت " رحلة تفجع وخسارات من أول نص تركه مروان علي على الجدران الطينية في قريته كرصور إلى سؤاله في النص الأخير "كيف وصلنا إلى هنا، ونحن لا نعرف من الطرق غير الطريق إلى البيت".
نصوص شعرية أو سيرة الشاعر تكتب المسافة لا الطريق. المسافة التي تفصلنا عن ذواتنا .المسافة التي نردمها بالجثث و الخسارات، ولا يرمم جراحنا سوى الشعر الذي وحده هو الذي يصل. هو الذي يعرف الطريق الى البيت.


محمد العربي
كاتب تونسي