كشف عذرية
كشف عذرية نفيسة زين العابدين تظاهر بتأمل ذرات الغبار السابحة في خيوط ضوء الشمس المتسللة عبر النافذة الزجاجية الشفافة في ذلك المقصف الهادئ وفي حقيقته كان يبحث في عقله وذاكرته عن كل المواقف التي وصف نفسه فيها بالشجاعة ويهتف في دواخله باسم رجولته ويستنفر كل مبادئه الصالحة والطالحة، وظنونه الحسنة والسيئة، محتشدا شجاعته لينطق بجملة واحدة يستجمع قبلها تركيزه ويعاني كي لا تفوته قراءة ملامح وجه خطيبته الحسناء، وردة فعلها حينما تسمع ما سيقوله. فرك عينيه يتخلص من تأثير أشعة الشمس التي جعلت كل الأشياء في عينيه تبدو ظلالا قاتمة. عاد إليه توازنه وظهرت ملامح الوجه الجميل الذي يجلس قبالته قلقة متسائلة. ضغط على أصابع يديه المتوترتين وهو يجمل قبح ما سيقول بافتراض النوايا الحسنة. تململت الفتاة في جلستها وهي تنتظر الأمر الهام الذي طلب لقاءها لأجل أن يخبرها به. ضاق من تردده ونظرة الانتظار في عينيها.. همس بصوت مهزوز:
كشف عذرية
نفيسة زين العابدين
تظاهر بتأمل ذرات الغبار السابحة في خيوط ضوء الشمس المتسللة عبر النافذة الزجاجية الشفافة في ذلك المقصف الهادئ وفي حقيقته كان يبحث في عقله وذاكرته عن كل المواقف التي وصف نفسه فيها بالشجاعة ويهتف في دواخله باسم رجولته ويستنفر كل مبادئه الصالحة والطالحة، وظنونه الحسنة والسيئة، محتشدا شجاعته لينطق بجملة واحدة يستجمع قبلها تركيزه ويعاني كي لا تفوته قراءة ملامح وجه خطيبته الحسناء، وردة فعلها حينما تسمع ما سيقوله. فرك عينيه يتخلص من تأثير أشعة الشمس التي جعلت كل الأشياء في عينيه تبدو ظلالا قاتمة. عاد إليه توازنه وظهرت ملامح الوجه الجميل الذي يجلس قبالته قلقة متسائلة. ضغط على أصابع يديه المتوترتين وهو يجمل قبح ما سيقول بافتراض النوايا الحسنة. تململت الفتاة في جلستها وهي تنتظر الأمر الهام الذي طلب لقاءها لأجل أن يخبرها به. ضاق من تردده ونظرة الانتظار في عينيها.. همس بصوت مهزوز:
- ستذهبين معي للطبيب كي تجري كشف العذرية.
جفلت، ثم ارتجفت، ثم شعرت بقشعريرة في جلدها وأن مكان يده الممسكة بمعصمها تنبت أشواكا صغيرة تؤلمها. بحثت عن دموعها فلم تجدها. عيناها جافتان، حلقها جاف، يباس وجفاف أصاب حتى مشاعرها، والأشواك الصغيرة على جلدها تنبت أكثر وتتمدد أكثر وتوخزها بقسوة.. ويعود صوته لأذنيها بجملة جديدة:
- أنا لا أشك بك.
ثم يعود ويقول في خجل:
- بلى.. أنا أشك بكل جنس النساء.
ثم يبرر:
- لك أن ترفضي، لكن هذا شرطي لإتمام زواجي منك، أو من أي فتاة كانت.
اختبرت قدرة أناملها المتعرقة على الحركة رغم برودة المكان، وخلعت خاتم الخطبة من بنصرها، وألقت به على الطاولة قائلة بصوت مخنوق:
- أنت دون شك شخص مريض.
ثم تابعت وقد شعرت ببعض الراحة حينما ظهر حزن عميق على ملامحه:
- هل من اختبار أتبين به عذريتك كذكر؟
سؤالها أيقظ اشمئزازه من نفسه ومن مجتمع كامل يتهمه في أعماقه بقلة الشرف وفساد الأخلاق. نهضت، تأملها وهي تبتعد بخطوات رغم سرعتها تبدو مرتبكة وغاضبة. لم تكن لديه أي رغبة باللحاق بها أو الاعتذار لها. لوهلة بدت له كواحدة من فتيات عديدات فرطن في عرضهن وما زلن يرتدين قناع الفضيلة. مرت على ذاكرته أشكال وألوان وأجساد لإناث من أعمار مختلفة. آنسات وعازبات ومتزوجات، كلهن تركن في حياته صورا خدشت ثقته بأن تكون هناك أنثي بكر لم تلوث براءتها بعد. وحتى حينما ظن أنه قد عثر عليها انتابته الشكوك من جديد. يعتبر نفسه رجلا سيئ الظن دوما بنوايا الآخرين لكنه يدعى النزاهة رغم ذلك. كان يعتزم إخبارها عن كل نزواته وصولاته وجولاته مع الجنس الآخر دون أن يتوقع منها أن تخبره شيئا عن ماضيها، ولا يريد أن يعرف من ذاك الماضي سوي أنه سيكون الرجل الأول في حياتها بشهادة طبية. شعر بالحزن عليها. حتى وإن كانت نظيفة وطاهرة فإنه لن يقتنع لأن في أعماقه قد نحت رجل مشوه لا يأتمن أي أنثي على عرضه ما لم يـتأكد أولا. هو دوما يشعر بالراحة حينما يقدم له الآخرون دليلا على حسن نواياهم، وهذا ما كان يريده منها. دليل على أنها بكر عذراء. رفع عينيه عن تأمل خاتمها الذهبي الصغير الملقي على الطاولة وألقي بنظرة سريعة على كوب عصير البرتقال خاصتها والذي كان على حاله لم تمسه شفتاها حتى. أشعل سيجارة ثم رفع يده للنادل طالبا فاتورة مشروباته. وبينما كان مشغولا بمراقبة المارة في الشارع من النافذة الزجاجية أخبره النادل بأن إحداهن قد قامت بدفع حسابه. وأشار إلى ركن قريب في المكان. فتاة تجلس وحيدة، رفعت يدها تحييه ثم غمزت له مبتسمة، نهض وجلس قبالتها ليشكرها وليرد إليها ما دفعته معتذرا أنه لا يقبل أن يدفع الغرباء عنه. أعادت إليه نقوده، وبحركة دلال أخبرته أنهما يمكن أن يتعارفا وذلك ليس صعبا. أخبرته باسمها، ثم اعترفت له أنها كانت تراقبه هو ورفيقته على الطاولة، وإن فتاته تبدو وكأنها قد هجرته، ثم سألته بفضول عن السبب. نظر إليها بخبث وهو يجيبها أنه سألها أن كانت ستقبل بالارتباط برجل يتمسك بكشف العذرية كشرط أساسي للزواج.. ضحكت باستخفاف وهي تبادله نظراته الخبيثة واصفة إياه بأنه رجل ساذج، ضحل، ضيق الأفق ورجعي التفكير. ضحك قائلا بصوت خافت يحمل دلالات ومؤثرات يعرف مداها جيدا على مستمعيه: (تظلمينني كثيرا) وبرقت عيناه وهو يتأمل مفاتنها المطلة من بين ملابسها الجريئة والنظرة المثيرة القابعة خلف عينيها المرتديتين لونا مصطنعا، وفي أعماقه كان يشعر بالأسف على التي رحلت عنه معترفا لنفسه أنه رجل سيئ النوايا، رجل مزدوج المعايير، لكنه معذور