الروائية السودانية ملكة الفاضل

الروائية السودانية ملكة الفاضل *الابداع الحقيقي لا يخضع للقيود *وصف الروائية السودانية بالضعف تعميم مخل ووقوع في شرك التصنيف *البشرية تتفق في انعدام اليقين الخرطوم - كليك توبرس- محمد نجيب محمد علي – عامر محمد احمد الروائية السودانية ملكة الفاضل لها وجود فاعل في الساحة الثقافية والكتابة الأدبية.. وتعد من الأديبات اللائي وضعن بصمة واضحة في مجالي الرواية والترجمة كما انها من الأصوات السردية التي استطاعت أن تملأ روايتها الأولى "الجدران القاسية"

الروائية السودانية ملكة الفاضل

الروائية السودانية ملكة الفاضل
*الابداع الحقيقي لا يخضع للقيود
*وصف الروائية السودانية بالضعف تعميم مخل ووقوع في شرك التصنيف
*البشرية تتفق في انعدام اليقين
الخرطوم - كليك توبرس- محمد نجيب محمد علي – عامر محمد احمد

 

 

 


الروائية السودانية ملكة الفاضل لها وجود فاعل في الساحة الثقافية والكتابة الأدبية.. وتعد من الأديبات اللائي وضعن بصمة واضحة في مجالي الرواية والترجمة كما انها من الأصوات السردية التي استطاعت أن تملأ روايتها الأولى "الجدران القاسية" ساحة المرأة الساردة بلونية مختلفة عن الكتابة النسوية السودانية.. كما ان لها مساهمات في المجال الثقافي والندوات والمشاركة في المنتديات الثقافية.. وملكة الفاضل تخرجت في كلية التربية جامعة الخرطوم ونالت الماجستير من المعهد الاسلامي للترجمة.. التقتها "الوطن" وكان هذا الحوار..
- روايتك "الجدران القاسية" يصفها النقاد بأنها من الروايات النادرة في تجربة السجون موقع الخيال من الواقع؟
-فيها من الواقع الكثير والكثير من الخيال. كل الشخصيات بكل ملامحها من وحي الخيال بينما الأحداث يرتبط العديد منها بالواقع. مشاهد التقطتها من هنا وهناك. مشهد المعتقل الذي يجبر على شرب الماء من علبة صلصة قديمة حادة الحواف. تعليق عزة لزوجها عن قسوة قلع الأظافر بعد أن مرت بتجربة مشابهة وهي في مطبخها. الحبس في ثلاجة كبيرة والحبو على شظايا الزجاج المكسور كلها من الواقع.
- تضنمت الرواية مشاهد تعذيب؟
مثال إطفاء أعقاب السجائر على أجساد المعتقلين وهي عقاب جسماني شائع في المعتقلات في مختلف أنحاء العالم. بدأت كتابة الرواية ومن قبلها نظمت قصيدة "يمة" بعد أن قرأت وشاهدت صورة أحد ضحايا المعتقلات السياسية التي جعلت منه معاقا وهو في ريعان الشباب وأوج صحته وعافيته. لم تكن الجدران القاسية رد فعل لممارسات نظام بعينه ولكنها في اعتقادي تعبيراً عن قناعة مني بأنه لا يحق لأي كائن إلحاق الأذى الجسدي أو المعنوي بإنسان أخر.× هل لك تجربة في السجون؟
- بعد قراءة الرواية اتصل بي أحد الأخوة من ضحايا المعتقلات السياسية وقال لي " كأنك عشت تجربة الاعتقال من قبل" . بالطبع لم يحدث ذلك لي ولكنه حدث لآخرين من حولي وغيرهم.- الأصوات النسائية الروائية قليلة العدد .. لماذا؟
ظروف متعددة منها المتعلق بمعضلة النشر والطباعة والإمكانيات  التي تقف حائلا دون ظهور الكثير من الأعمال المبدعة رواية أو غيرها وأيضا هناك تعقيدات الحياة اليومية ومتطلباتها التي تجعل مواصلة الكتابة في رواية ما نوعا من الترف صعب المنال. هناك أيضا عامل الإحجام الذي يمنع العديدات من الخروج بإبداعهن على الملأ. صديقة لي كانت  تكتب شعرا لو وجد طريقه للناس لتعرف العالم على شاعرة تفيض أشعارها عذوبة وسلاسة. ولكن عالم الرواية في الآونة الأخيرة شهد العديد من الأعمال لروائيات مثابرات.

 

 

 


× هل المجتمع يضع قيوده على المرأة فينعكس ذلك على إبداعها؟
-لا أسميها قيودا فالإبداع الحقيقي لا يخضع للقيود خاصة في زمن الأسافير هذا. ولكن أساليب الإبداع تختلف وتتنوع وما يراه البعض تحرجا أو حذرا في كتابات هذه الشخصية أو تلك قد يكون هو الأسلوب الذي يناسبها. إذا وضعت القيود أيا كانت  فلن يكون الأمر كما يتوهم البعض بأنه ليس  ثمة مجال لإبداع حقيقي .
× المتغيرات في الساحة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا ظهرت جليا في روايتك الأخيرة؟
"-في مكان ما" ولدت في زمان اندياح المعلومة. المعلومات تتهافت عليك من كل مكان: الصحف  والإذاعة والقنوات الفضائية  والنت بفروعها المختلفة من فيس بوك وواتساب وتويتر وغيرها من بيوت (السوشيال ميديا) و قوقل ومخازن معلوماته الثرة وغيرها من مصادر جعلت اطلاعنا على المتغيرات أسهل منه عندما كان الاعتماد على التلفاز والراديو والصحف والمجلات التي تصلك بعد وقت من الحدث وكما تزايدت وسائل نقل المعلومة تتزايد وتيرة الأحداث وتتدافع لتصلك مسببة ما يشبه الصدمات لك وللكثيرين في شتى أنحاء المعمورة. بعض مشاهد الرواية رأيتها على القنوات الفضائية.
× الانفجار الروائي هناك من هو ضده ومن هو معه؟  هل صمت الأجناس الأخرى تعبيراً لصالح الروائي أم ضده؟
-الأجناس الأخرى لا أعتقد أنها تمر بحقبة صمت.  لن تسكت القصيدة ولن تنزوي القصة القصيرة ولن تتقزم المقالة فلكل منها روادها ومريديها وما تعبر عنه رواية طويلة قد تختصره قصيدة أو قصة قصيرة وفي كل الأحوال يكون هناك جمهور يتفاعل معها كأنها الإبداع كله.

 

 


× المجتمع العربي يمر بمنعطف كبير على كل المستويات، موقع الربيع العربي من الكتابة السردية العربية؟
-البشرية ككل تمر بمنعطف خطير. الهم عربيا أو أفريقيا أو غيره هو ذات الهم، وإن تغيرت أشكاله فهي تتفق كلها في انعدام اليقين.  قبل سنوات ونحن نتابع من القنوات الفضائية مشاهد ربيع العرب ونحلق بأجنحة التفاؤل والتطلع إلى آفاق رحبة ومشرقة الرؤى من كان يصدق أنه سيمر بحالة من البلبلة والتشتت كالتي يمر بها الآن؟ نحن نعيش مرحلة  خيبات الأمل المتتالية وننظر بأعيننا مشاهد رعب تلاحقك  حتى وان غطيت عينيك وأدرت وجهك للناحية الأخرى . هذا زمان الآلام العظيمة التي ستتمخض حتما عن أعمال عظيمة.
× رواية الجدران القاسية أشاد بها النقاد وقالوا بأنها دخلت دهاليز الأمن في عهد نميري فهل تعرضت لمصادرة أو مضايقة في عهد صدورها؟
-صدرت الرواية في القاهرة عام 1999 ووزعت في معارض الكتاب داخل وخارج السودان.  تناولتها بالنقد والتحليل العديد من الصحف السودانية وأيضا منابر النقاش في العديد من المنتديات. كان هناك نوع من الحذر والتخوف في فترة جمعها قبل الطباعة ولكنها وجدت طريقها للنشر في القاهرة والتوزيع منها. الحقيقة لم أتعرض لمضايقة أو تتعرض الرواية للمصادرة. الجدران القاسية طرحت عدة أسئلة تتناول قسوة الفعل وتبحث عن ظروفه ومسبباته. أقصد التعذيب الجسدي والنفسي كيف ولماذا يحدث ما وراء الجدران. كل هذا العنف؟ ولماذا؟ أسئلة حاولت أن أغوص بها في غياهب الممارسة وأرجو أن أكون قد وفقت مع العلم بأنها لم تحدد دهاليز الأمن في عهد نميري فقط وإنما في كل العهود .
× بمن تأثرت في كتابة الرواية وأنت من أهل الأنجلوفونية؟
-من الصعب تحديد بمن تأثرت. كل الروايات التي تتناول تجارب إنسانية مختلفة بعين الواقع تجذبني وتظل بعض شخصياتها وأحداثها ومشاهدها عالقة بالذاكرة. شخصية الأمير الكبير في( الحرب والسلام) الذي يظل موقفك منها يغلب عليه النفور تجعلك تنحاز لها في نهايات الرواية وتجعلك تراه في شخوص العديدين ممن يمروا عليك في الواقع المعاش.
- هل انعكست تلك القراءة على كتابتك؟
هنالك مثال رواية (ذهب مع الريح) تعكس ما فعلته الحرب الأهلية في أمريكا بأناس عاديين  فالحرب والسلام لتولستوي تعكس ما فعلته حروب روسيا ونابليون بالأشخاص العاديين في روسيا. رواية كوخ العم توم كانت معركة قائمة بذاتها ضد نظام العبودية في أمريكا ويرى الكثيرون بأنها قد دقت نواقيس الخطر وعجلت بالحرب بين الشمال والجنوب ثم التغيير. (وداعا للسلاح) لهيمنجواي  وروايات تشارلز ديكنز وغيرها من الروايات الغربية كلها أثرت في بشكل أو بأخر خاصة وأنها تشكل بدايات افتتاني بعالم الرواية .
× بما أنك مترجمة فهل الترجمة موهبة أم إجادة لغات فقط؟
-أحسب أنه لا بد من مقدرة خاصة أو موهبة أو ما يسميه البعض بتطويع النص وعجنه وتحويله إلى نص بلغة أخرى أمرا ممكنا. إجادة لغتي المصدر والهدف وحدها لا تكفي فلا بد من معرفة كافية بتقنيات الترجمة ولابد من إلمام كاف بثقافات وأساليب وتقاليد شعوب اللغة الأخرى حتى لا يحدث الانزلاق في منحدر الترجمة الخطأ.   وفهم النص المراد ترجمته فهما كاملا لا بد منه حتى تكون الترجمة صحيحة. وفهم النص ليس أمرا ميسورا في كل الأحوال خاصة في ترجمة النصوص الأدبية التي يكتنف معانيها الكثير من الغموض. اجادة اللغات لا بد منها ولكنها ليست كل شيء.

 

 


- البعض يرى في الترجمة خيانة للنص  ما رأيك؟
هناك من يرى أن النص المترجم (قصيدة على سبيل المثال) قد يفقد 38% من قيمته عند الترجمة. لا أعرف كيف توصلوا إلى هذه النسبة المئوية لكن هذا يدل على التعقيد في عملية الترجمة ومهما يكن من أمر فلابد من الترجمة ولا بد من توخي الحذر والاجتهاد عند الترجمة فلا يكفي معرفتك باللغة أو الإسراع إلى القاموس، فكلمة واحدة قد يكون لها عدة معان والنص يظل عصيا أو مراوغا إن لم توفيه حقه من البحث والتفكير والحيادية المطلقة لا بد منها حتى لا ترتكب خيانة في حق النص.
- الترجمة في الستينات والسبعينات وجدت رواجا ولكنها الآن غائبة؟
-الترجمة ألان صارت علما  أو حقلا  تجرى فيه الدراسات والبحوث وتقام له الشعب والكليات والمعاهد والدراسات العليا.  أكاديميا كانت الترجمة جزءا من حقول اللغات أو الدراسات المقارنة.  شهد النصف الثاني من القرن السابق ظهور حقل دراسات الترجمة وهو حقل أكاديمي يشهد تطورا هائلا.
- اجتهاد فردي؟
- ربما كانت الترجمة في الماضي يغلب عليها الاجتهادات الفردية. الآن  اختلف الأمر خاصة مع تطور وسائل الاتصالات فقد تكاثرت مجموعات  الترجمة التي تضم في عضويتها مترجمين من مختلف أنحاء العالم ولا يمر يوم إلا ويكون هناك إعلان عن مؤتمر عالمي للترجمة في هذا البلد أو ذاك أو مسابقة يتنادى لها الكثيرون وتثمر العديد من الأعمال المترجمة سواء كانت شعرا أو رواية أو قصة أو غيرها من أشكال الابداع .
× الرواية السودانية التي يرى البعض بأن أضعف حلقاتها هي الرواية النسائية. ترى ما هي أسباب هذا الضعف؟
-لا استطيع الإجابة على هذا السؤال وربما على هذا "البعض" توضيح هذا. أنا أرى فيه إجحافا بحق الروائية السودانية.  فكتابة رواية طويلة ليست بالأمر السهل ومن تضع القلم عند الانتهاء من آخر جملة في روايتها لا يجول بخاطرها أن كل هذا الجهد سيوصم بالضعف.
- لكنه رأي ينتشر؟
- أن هذا التعميم مخل ووقوع في شرك التصنيف إن لم يكن التمييز. قد تكون رواية بعينها وقعت في يد من أطلق هذا الحكم المعمم ورغم تقديري لدوافعه إلا أنني أود أن أشير إلى أن منابر الثقافة في مصر تتناول الآن  بالنقد البناء والإشادة روايات الروائية السودانية بثينة خضر وأن رواية (خيانتئذ) لسارة الجاك حازت على المركز الأول في مسابقة مركز عبد الكريم ميرغني للرواية.
- عملت بالتدريس هل الوظيفة تفيد الكاتب؟
التدريس يتيح لك مجالا أكبر للالتقاء بأعداد لا يستهان بها من الناس منهم أسرة التدريس ومنهم التلاميذ والطلاب ويفتح عينك على تصرفات كثيرة قد تكون خافية عليك. أما المجال نفسه فكثيرا ما أتساءل إن كانت تلك الاشارة التي استعنت بها في بحثي وأنا طالبة في كلية التربية عن جدوى العقاب الجسماني في المدارس والاشارة للفيلسوف البريطاني جون لوك عن إن كان من حق أي إنسان أن يتسبب بالألم الجسدي لإنسان آخر. أو بهذا المعنى. أسائل نفسي إن كانت هذه العبارة تمثل أحد عوامل التحفيز أو التحريض لكتابة روايتي (الجدران القاسية) وهذا السؤال أحسبه تردد كثيرا في مناسبات أخرى وخرجت إحصائيات عن عدد الكتاب أو الشعراء الذين عملوا في التدريس.
- صباح السنهوري تقوم بمشروع تعليم كتابة القصة غير الواقعية في ولايات السودان .. هل كتابة القصة تعلم؟
-لابد من موهبة أو ملكة أو استعداد فطري للكتابة. لكن تعليم كتابة القصة قد يساعد في شحذ هذه الملكة وبناء قدرات الشخص المتلقي. هناك مراكز في الغرب وفي بريطانيا على سبيل المثال تقدم دورات تدريبية في الإبداع الكتابي بشتى أجناسه ومن ضمنه الرواية.وبالتأكيد مثل هذه المشاريع  تفيد كثيرا في توجيه المتلقي ليكون مواكبا لتقنيات الكتابة الحديثة التي قد لا تتوفر إلا  بقراءة العديد من الروايات وهذا قد يكون من الصعوبة بمكان.
- لماذا تكتبين؟
-سؤال صعب ولكن دائما ما أجد نفسي في حالة من القلق والتحفز كأن هناك محرضاً يجعلني أهرع للقلم وأفرغ ما يدور في خاطري كلمات على الورق. الكتابة تظل أمرا محبباً رغم المشقة وعليك التحصن بالصبر حتى تقتنع بضرورة خروج ما تكتبه للناس. مشقة مستمرة تتبع الكتابة وهي هم النشر. ليت الجميع يعمل على تذليل العقبات التي تعترض الكتاب وتتيح لهم فرص الوصول إلى المطابع ودور النشر.