من شعرية الانزياح إلى انزياح الشعرية

من شعرية الانزياح إلى انزياح الشعرية: "ليس للأرض باب وسأفتحه" لسونيا الفرجاني أنموذجا - القسم الأول - د. شفيع بالزين 1. مدخل: شعرية سونيا الفرجاني بين القصيدة المحرَجة والقراءة المُربَكة: قدم جون كوهين في كتابيه "بنية اللغة الشعرية" و"اللغة العليا" نظرية متكاملة للغة الشعرية ووظيفتها باعتبارها قانونا عاما للانزياحات الشعرية. وبغض النظر

من شعرية الانزياح إلى انزياح الشعرية

من شعرية الانزياح إلى انزياح الشعرية:
"ليس للأرض باب وسأفتحه" لسونيا الفرجاني أنموذجا
- القسم الأول -

د. شفيع بالزين

 

 

 

 

1. مدخل: شعرية سونيا الفرجاني بين القصيدة المحرَجة والقراءة المُربَكة:
قدم جون كوهين في كتابيه "بنية اللغة الشعرية" و"اللغة العليا" نظرية متكاملة للغة الشعرية ووظيفتها باعتبارها قانونا عاما للانزياحات الشعرية. وبغض النظر عن مدى تماسك هذه النظرية والمآخذ العديدة عليها، فإن بعض التجارب الشعرية المعاصرة تطرح علينا صعوبات وتحديات إذا ما أردنا أن نتناول شعريتها من منظور شعرية الانزياح كما حددها جون كوهين. وذلك لأن هذه التجارب لا تخالف نظرية الانزياح أكثر مما تتوافق معها وربما تسلك في ابتناء شعريتها مسلكا مضادا لها. ولعل تجربة الشاعرة التونسية المعاصرة سونيا الفرجاني من التجارب الشعرية التي تربك شعرية الانزياح وإن استجابت لها ففي حدود ضيقة. فقد تبدو لنا نصوصها كتابة شعرية بالنظر إلى وقفاتها وإيقاعاتها وانزياحاتها المتعددة، ولكنها مع ذلك ليست بالكتابة الشعرية التي يمكن للقارئ أن يطمئن إلى شعريتها. وفي المقابل تبدو هذه النصوص كتابة نثرية بالنظر إلى استرسالها وسرديتها ووضوحها، ولكنها مع ذلك ليست بالكتابة النثرية التي يمكن للقارئ أن يوقن بنثريتها. وليس الأمر بمستغرب من شاعرة ترفض إخضاع نصوصها للقوالب الجاهزة والأنماط المعهودة وهي التي تقول عن قصيدتها إنها "قصيدة استكشافية لا تحتاج مخططا أو قالبا جاهزا. هي امتداد لتقاليد معينة ولكن تتجاوزها لدروب غير مألوفة ولمسارب شائكة".
ولئن كان شعر سونيا الفرجاني عامة وديوانها الأخير خاصة "ليس للأرض باب وسأفتحه"- موضوع قراءتنا- لا يخلو ككل شعر من الانزياحات التي تجعله يستجيب لبنية اللغة الشعرية ووظيفتها وفق تصور كوهين، ويتوافق تبعا لذلك مع أهم محددات الحداثة أو المعاصرة الشعرية- وهي تعميق الانزياح وتكثيفه- فإن في هذا الشعر سمات بل "انزياحات" لا تتوافق مع نظرية كوهين الشعرية بما يسبب إرباكا للنظرية. وإذا كان التعامل مع المستوى الأول من شعر سونيا الفرجاني- أي السمات المتوافقة مع نظرية الانزياح- لا يطرح صعوبات كبرى فإن التعامل مع المستوى الثاني من شعرها أي السمات غير المتوافقة مع النظرية من شأنه أن يعسّر عملية القراءة، خاصة أن هذه الشاعرة ترفض ضوابط النظم وموسيقى الشعر العمودي والحر وتدفع الشعر إلى الاقتراب من النثر، وتحرص في الآن نفسه على اعتبار ما تكتبه داخلا في خانة الشعر ونمط القصيدة خارجا عن خانة النثر والنثرية.

 

 

 


وضمن هذا السياق الجدلي بين المسايرة والمغايرة قصدنا من مقاربتنا لديوان "ليس للأرض باب وسأفتحه" أن تكون رصدا لشعرية الانزياحات في مرحلة أولى واستجلاء لانزياحات الشعرية في مرحلة ثانية، وصولا إلى تبين خصوصية تجربة سونيا الفرجاني الشعرية القائمة في نظرنا على هذا التوتر أو التجاذب الجدلي بين المؤالفة والمنافرة، وعلى ضوء هذا التجاذب سيتسنى لنا أن ننزل ديوانها الأخير هذا ضمن سيرورة إبداعية تقوم على تطور مطرد من الشعرية إلى النثرية بالتخلي تدريجيا عن الغنائية والإيقاعية والنزوع نحو السردية. كما تقوم على تطور مطرد من الوضوح والانسجام نحو الغموض والتنافر. فكلما تقدمت الشاعرة في تجربتها الشعرية ازدادت "قصائدها" إمعانا في المنافرة الدلالية والانقطاع والغموض وإيغالا في الإبهام واللامعقول. وإذا استعملنا مفهوم الانزياح بالمعنى الذي استعمله كوهين قلنا إن شعر الفرجاني تطور في اتجاه مزيد من الانزياحات في المستويين الكمي (الكثافة) والنوعي (عمق المنافرة) معا، وتطور بالتالي- حسب نظرية كوهين أيضا- نحو مزيد من الحداثة والمعاصرة. فهل يكون هذا الاتجاه تحقيقا لهدف الشعر الأسمى: الشعر "المطلق" أو "الخالص" بعبارة فاليري أو "السمو" و"اللغة العليا" بعبارة كوهين نفسه أم يكون نقضا له وارتدادا في اتجاه ما قبل الشعر أو ما بعده، في اتجاه زمن النثر؟
2. شعرية الانزياح:
إن النظر في شعرية الانزياح مرده إلى أن هذا الديوان مهما نزع نحو مخالفة قوانين الشعرية التي ضبطها كوهين وحاول ابتناء شعريته خارج إطار هذه القوانين فإنه من غير الممكن أن يخلو كليا من الانزياحات باعتبارها قانونا عاما بانيا للشعرية وظاهرة شاملة تمس مختلف جوانب القصيدة ومستوياتها اللغوية وباعتبارها الطريقة الحتمية والوحيدة التي ينبغي للشاعر اعتمادها إذا كان يرغب في جعل اللغة تقول ما لا تقوله اللغة النثرية، ويكفي أن نحذف الانزياح أو نقلصه في أية صيغة لغوية لينتفي الشعر. وما يؤكد ذلك انتفاء القصائد الخالية تماما من الانزياحات دون فقدان شعريتها أو على الأقل تقلصها إلى أدنى مستويات الشعرية بل أكثر من ذلك ثبت تطور الشعر خطيا باتجاه تكثيف الانزياحات وتعميقها حتى بلغت لدى الرمزيين درجة قصوى من الكثافة والعمق أوقعتها في الغموض والإبهام.
لا يمكن للنص إذن وفق هذه النظرية أن يحقق شعريته دون انزياحات- مهما قلت وتقلصت- ولا أن يلامس حداثته دون تكثيف الانزياحات وتعميق المنافرة اللغوية في مستويات مختلفة. وإذا كان الأمر كذلك فإنه يعني أن ديوان "ليس للأرض باب وسأفتحه" يستمد شعريته أو جانبا من شعريته على الأقل مما يحتويه من انزياحات ويحقق حداثته على قدر تكثيف الانزياحات وتعميقها. ومع أننا سنبين لاحقا- في قراءتنا لهذا الديوان- حدود هذا الطرح وإمكان تأسس الشعر دون أن تكون الانزياحات أساس شعريته وحداثته بل أكثر من ذلك يمكن أن تتأسس الشعرية والحداثة في اتجاه مضاد ومخالف لشعرية الانزياح، مع ذلك، فإن لهذا الطرح وجاهته وإمكان انطباقه على هذا الديوان الذي لا يمكن أن ننكر أنه بنى جانبا مهما من شعريته وأسس وجها من وجوه حداثته على ما حققه من انزياحات بلغت أحيانا من الكثافة والعمق والتعمد ما يؤكد ما ذهب إليه كوهين من كون الانزياح ضروريا وحتميا ليتحقق الشعر ومن كون الشعر يتطور خطيا نحو مزيد من الانزياحات تكثيفا وتعميقا وتقصدا. وتتجلى هذه الانزياحات الشعرية في مختلف المستويات اللغوية التي حددها كوهين وهي:
1.2. المستوى الصوتي أو الإيقاعي:  
رغم أن الشاعرة في هذا الديوان نزعت إلى التقليص من الانزياحات الصوتية فإننا نلحظ اشتغالها على مظهرين أساسيين منها هما الوقفة والقافية/الجناس. أما الوقفة في الشعر فإما أن تكون وقفة عروضية (تراعي الوزن فقط) وإما أن تكون وقفة تركيبية-دلالية (تراعي التركيب-المعنى فقط) وإما أن تكون وقفة تامة عروضية دلالية معا (تراعي الوزن والتركيب- المعنى معا). ويرى كوهين أن التعارض بين الوزن والتركيب مرتبط بجوهر الشعر نفسه فيُجري الشاعر الوقفة حيث يرفضها المعنى والتركيب أو يتخلى عن الوقفة حيث يطلبها المعنى والتركيب.
ومع أن سونيا الفرجاني لم تعتمد في ديوانها أي شكل من أشكال الوزن أو النظم فكانت أقرب إلى قصيدة النثر أو جاءت في غير العمودي والحر حسب تسمية منصف الوهايبي فإن الشاعرة لم تتخل عن نظام الوقفة العروضية وتعمدت أن تكون الأسطر أو الجمل الشعرية متشكلة على نحو الوقفة المميزة للسطور الشعرية في قصيدة التفعيلة حيث تعمدت في أغلب السطور أن تحدث اختلافا واختلالا بين الوقفة "السطرية" (التي عوضت الوقفة العروضية) والوقفة التركيبية- المعنوية. ورغم أن الشاعرة ليست مضطرة لمراعاة أية قواعد نظمية أو عروضية لتحررها منها فإنها تتعمد غالبا تفكيك التركيب ومخالفة قواعد الخطاب العادي بإجراء الوقفة حيث يرفضها التركيب والمعنى والتخلي عنها حيث يتطلبانها. ولذلك تقل حالات الوقفة التامة التي تتطابق فيها نهاية السطر مع التركيب و/أو الدلالة. وأكثر الحالات هي التي تُجري فيها الشاعرة الوقفة حيث يرفضها المعنى والتركيب فتخل بهما وتحدث انقطاعا أو تفككا في الجملة النحوية في سبيل المحافظة على الجملة الشعرية وتمييزها عن الجملة النثرية. ولنا في المثالين التاليين ما يدل على انزياح الوقفة:   
 (1) تلك الخرافة
      لا تصلح لسدّ باب موارب
(2) جسدي، أيّها المتوقّف صوب فانوس باهت لا تحترم إشارات
     المرور
    يشترك المثالان في تعمد الشاعرة- رغم تحررها من ضرورات الوزن والقافية- إحداث تعارض بين الجملة الشعرية (السطر) والجملة النحوية حيث لا تتوافق نهاية السطر (الشعري) مع نهاية الجملة أو تمام التركيب والمعنى، فتجري الوقفة في نهاية السطر حيث يرفضها التركيب والمعنى: في المثال الأول قطعت الشاعرة بين مكوني الجملة الاسمية: المسند إليه (سطر 1) والمسند (سطر 2) ووزعتهما على سطرين منفصلين. وفي المثال الثاني جمعت الشاعرة بين حالتي الوقفة غير التامة فأجرت- في الحالة الأولى- الوقفة حيث يرفضها المعنى والتركيب إذ جمعت في سطر واحد بين ثلاث جمل (جملتي نداء وجملة النهي) وتخلت- في الحالة الثانية- عن الوقفة حيث يطلبها المعنى والتركيب إذ قطعت في نهاية السطر بين المضاف إليه والمضاف رغم كونهما مكونين شديدي التلازم ولا يقبلان الانفصال. وهذا يعني أن الشاعرة في المثال الأخير لم تتعمد إحداث انزياح في الوقفة وتعارض بين الوقفتين فحسب بل أمعنت في مخالفة نظام الوقف في النثر وإحداث انفصام عميق بين النظامين رغم نزوعها إلى التخلي عن كل أشكال النظم وجعل القصيدة تقترب أكثر من الشكل النثري لو لا هذا الانزياح المتعمد والمكثف للوقفة "السطرية".

 

 

 


وأما القافية والجناس فيمثلان في نظر كوهين شكلين متشابهين من أشكال الانزياح الصوتي فكلاهما يقلب الموازاة الصوتية الدلالية من خلال الجمع بين المماثلة الصوتية والمخالفة الدلالية ويبقى الاختلاف محصورا في موقع كل واحد منهما حيث يحقق الجناس داخل البيت ما تحققه القافية في آخر البيت. ولذلك يعتبر كوهين أن القافية والجناس عائقان في الخطاب النثري يسعى إلى تلافيهما بينما يبحث عنهما الشعر. فالشاعر يسعى إلى الحد من الاختلاف بواسطة الجناس والقافية كما لو كان الهدف خلط ما يجب تمييزه. ومع أن سونيا الفرجاني تخلت عن مقومات النظم الشعري بأشكاله الصوتية المختلفة وعملت على تقليص حضوره إلى أدنى الدرجات فإنها لم تتخل كليا عن هذا النوع من الانزياح فلا تخلو قصائدها من حضور صور القافية والجناس. أم القافية فمن صورها ما يلي:
(1) وأرى شعرها الطويل
      لا أتسلق
      لا أحلّق،
     أكتفي باللون الضئيل،
     وأعود وحدي لأجمع الأقفال   
(2) أنا الآن أنتظر
     أنظر
     أو أقطر
إن التجانس الصوتي في مستوى القافية بين "الطويل" و"الضئيل" و"الأقفال"، وبين "أتسلق" و"أحلق" (م1)، وبين "أنتظر" و"أنظر" و"أقطر" (2م) يوحي بوجود تعالق معنوي أو معجمي بين الكلمات المتباينة دلاليا غالبا. ولا يختلف الأمر كثيرا في صور انزياح الجناس إلا من حيث الموقع. ومن صوره ما يلي:
(1) والمصباح لا يتاح لكائنات الصباح
(2) الحقيقة، حديقة لا نستطيع البقاء فيها
(3) هاجر أهله فجأة، صوْب غيب
إن المجانسة الصوتية بين المفردات في هذه الأمثلة مقصودة ومطلوبة صوتيا على نحو لافت بين "المصباح" و"يتاح" و"الصباح" (م1)، وبين "الحقيقة" و"حديقة" (م2)، وبين "صوْب" و"غيب" (م3)، لأنها توحي بوجود تعالق معنوي والحال أن المجانسة الصوتية تقابلها مفارقة أو مباينة دلالية ومعجمية بين المفردات المتجانسة. وهو ما ينشأ عنه تعارض بين الخطاب النثري الذي يحرص على المخالفة الصوتية والدلالية والخطاب الشعري الذي يبحث عن المجانسة الصوتية الموحية بالمؤالفة المعنوية رغم المخالفة الدلالية.  ومع أن الشاعرة تخلت عن مقومات النظم الشعري بأشكاله الصوتية المختلفة وعملت على تقليص حضوره إلى أدنى الدرجات فإنها- كما لاحظناه في الوقفة ونلاحظه هنا في القافية والجناس- لم تتخل كليا عن هذا النوع من الانزياح الصوتي إذ لا تخلو قصائدها من حضور صور القافية والجناس. بل إنها تتعمد في الجناس- شأنه شأن الوقفة- البحث عن الألفاظ المتجانسة صوتيا وصياغتها والمؤالفة بينها في السياق وتكثيفها على نحو لافت إن لم يكن مفتعلا أو متكلفا أحيانا رغم نزوعها إلى التخلي عن كل أشكال النظم وجعل القصيدة أقرب إلى الشكل النثري.
2.2. المستوى التركيبي:
    تتعدد صور الانزياح التركيبي ومن أبرز الأشكال التي رصدها كوهين ونجد لها حضورا وتجليا في الديوان الانزياحات التركيبية التالية:
- الانزياح التركيبي المتولد عن عدم الملاءمة النحوية/الدلالية:
يرى كوهين أن الشعر خطاب ناقص النحوية أي خطاب يقوم على المنافرة الدلالية والتركيبية بين طرفي الإسناد خلافا للنثر الذي يحرص على الملاءمة الإسنادية تركيبا ودلالة. ولا يعني ذلك أن الجملة الشعرية مختلة نحويا أو تركيبيا وإنما يعني أن نحوية الإسناد في الشعر منقوصة من خلال اللاملاءمة الدلالية بين طرفي الإسناد أو المركب النعتي حيث تُسنَد صفات أو أفعال غير ملائمة. ومن أمثلة المنافرة الإسنادية في الديوان:
(1) كان القمر قليل نبض
(2) داخلي فنادق ونزل حزينةٌ
(3) الحقيقة حديقة لا نستطيع البقاء فيها
(4) وتأكل اللّون كاملا
(5) فمي عش محشوّ بالنجوم
(6) أذكر كان الليل أصفر
(7) غيابك الأصفر
(8) تسقط الطرقات في الضحكات
(9) الكتابة ضحكتي الطاعنة في السنّ
    إن ما يولّد المنافرة الإسنادية في هذه الأمثلة باعتبارها صورة من صور الانزياح، هو إسناد صفات أو أفعال أو أحوال إلى المسند إليه لا تتلاءم معه. وتتجلى هذه المنافرة الإسنادية في مظاهر متعددة:
- إسناد خصائص الكائن الحي إلى غير الحي أو الجامد مثل إسناد النبض للقمر (م 1)
- إسناد الحالات والمشاعر الإنسانية إلى غير الإنسان (الجماد- الحيوان- المجرد) مثل إسناد الحزن إلى الفنادق والنزل (م 2) والضحك إلى الطرقات (م 7) أو إلى الكتابة (م 8) أو عكس ذلك إسناد خصائص غير إنسانية (حيوانية..) إلى الإنسان مثل إسناد العش إلى فم الإنسان (م 5).
- إسناد عناصر متناهية الكبر إلى عناصر متناهية الصغر مثل إسناد النجوم إلى العش والعش إلى الفم (م5).
- إسناد المحسوس والحي إلى غير المحسوس أو المجرد (التجسيم- الإحياء) مثل إسناد الحديقة إلى الحقيقة (تحويل المجرد مكانا) (م 3) والشيخوخة إلى الضحكة (تحويل المجرد كائنا حيا) (م 8).
- إسناد صفة جديدة إلى المسند إليه لا تتلاءم مع الصفة التي تلازم طبيعيا مثل إسناد اللون الأصفر إلى الليل المعروف بالسواد (م 6) أو إسناد اللون إلى ما لا يلون (المجرد) (م 7)
    وما يؤكد تعمد إحداث تنافر إسنادي- دلالي- إضافة إلى هذه الصور المختلفة من الانزياحات- أن الشاعرة اعتمدت من الأدوات الشعرية البانية للانزياح الإسنادي أكثرها تحقيقا للمنافرة وتعميقا للالتباس الإسنادي الدلالي وذلك بالتكثيف من الاستعارة والمجاز والاقتصار من التشبيه على أقربه إلى الاستعارة وأكثر الأنواع تذويبا للمسافة بين طرفي الصورة أو الإسناد وهو التشبيه البليغ الذي تحذف منه أداة التشبيه ووجه الشبه ويكتفى فيه بركني التشبيه ولذلك فإن هذا الأسلوب لا تعتبره البلاغة الغربية تشبيها (comparaison) بل استعارة (métaphore).
- الانزياح التركيبي المتولد عن الإطناب أو الحشو:
مثلما يتحقق الانزياح التركيبي عن طريق اللانحوية الدلالية أو عدم الملاءمة يتحقق كذلك عن طريق الإطناب والحشو في الحالات التي لا يؤدي فيها الإسناد أو النعت (أو المعطوف أو المضاف او التمييز...) وظيفة الإخبار أو الوصف أو التحديد. ومن أمثلته في الديوان:
(1) أرى وجهي مدوّرا كالأرض
(2) ولا تستيقظ من غفوتك متثائبا أو متثاقلا  
(3) داخلي فنادق ونزل حزينةٌ  
(4) دعوه في حفرته، أو كتلته، أو طبقته
(5) لي زمن أعيشه على مائدة مستديرة
(6) لكن التاكسي صفراء
يبدو نعت الوجه بالمدور وتشبيهه بالأرض (م 1) وعطف "متثاقل" على "متثائب" (م 2) وعطف "نزل" على "فنادق" (م 3) وعطف "طبقته" على "كتلته" (م 4) ونعت المائدة بمستديرة (م 5) وإسناد صفة صفراء إلى التاكسي (م 6) ضربا من الحشو أو الإطناب الذي لا يضيف معلومة ولا يفيد المعنى شيئا عدا التأكيد والتوسع في الوصف. ويكمن الانزياح الشعري هنا في كونه انزياحا بالزيادة فكأن التركيب النعتي (أو الإضافي أو العطفي...) لا ينهض بوظيفته (الإخبار- الوصف- التحديد...) حتى يحقق نحويته التامة. وهذه المفارقة بين الزيادة في التركيب وعدم الزيادة في المعنى (الإطناب- الحشو) ينفر منها النثر أو يتجنبها أما الشعر فيبدو أنه يتعمدها ويطلبها وأحيانا يكثر منها كما لاحظناه في هذه الأمثلة وغيرها كثير في الديوان ولا يكاد يخلو منه شعر مهما كان اتجاهه أو مهما حاول الإيجاز والتكثيف وتجنب الإطناب والحشو. فهذا الانزياح يبدو من طبيعة الخطاب الشعري ومنبعا من منابع شعريته في نظر كوهين يحضر في التجارب الشعرية بدرجات متفاوتة ولكنه لا يستغنى عنه كليا حتى في قصيدة النثر وغيرها من الأشكال الشعرية القريبة من النثرية حيث من المفروض أن "نثريتها" تقتضي منها تجنب الإطناب والحشو ما أمكنها ذلك. وتواتر الإطناب أو الحشو بكثرة في قصائد هذا الديوان رغم كونها نزّاعة إلى النثر هدّامة للنظم يؤكد اعتبار هذه الظاهرة صورة من صور الانزياح الشعري وبالتالي طريقة من طرق بناء اللغة الشعرية بغض النظر عن موقف الشاعرة منها واتجاهها الشعري أو أسلوبها في إبداع قصائدها.    
- الانزياح التركيبي المتولد عن الانقطاع:
الوصل (الاستئناف- العطف) يكون أسلوبا شعريّا إذا أدى إلى قطع الاسترسال أو كسـر العلاقات المنطقيّة وإحداث المفاجأة بالجمع بين سياقين أو سجلّين مختلفين. وقد لاحظ كوهين أن الشعر يتطور ويتجه نحو مزيد من انزياح الوصل أي مزيد من الانقطاع. فالشعر الكلاسيكي نموذج الشعر المنسجم حيث يحافظ على الوصل النحوي ويربط بين الكلمات المنسجمة منطقيا ومعنويا ثم مع الشعر الرومنطيقي بدأ الشعراء باستعمال الانقطاع وتكسير الخطاب الشعري ولو بطريقة ملطفة ومع الرمزيين حقق الشعر قفزة هائلة نحو إلغاء الحدود وتعميق الانقطاع والفصل.
ومن أمثلة انزياح الوصل أي الانقطاع المقطع التالي من قصيدة "الأفعى الخائفة":
الأفعى خائفة... تضع رأسها بين فخذي ديك مريض
وتحاول أن تنام
الجدة... عادت من جنازتها
وجلست بلا خوف... تسرح ضفيرتها
في غرفة الحمام حوض واسع
فيه نملة مذعورة... يحاصرها طفل الخامسة... بمقبض فرشاة
أسنان
عند الجارة... الوقت ضيق
لا يكفيها لجمع العشب عشاء لقطيع الخرفان
فوق السطح... قشرة طلاء قديم
يكاد يسقطها الخريف
فتلصقها حمامة جاعت فتداعت إلى الحائط
مكنسة واقفة تحت شجرة ليمون في الفناء
حولها عناكب تخيط أحوال روحي
    تعمدت الشاعرة في هذا المقطع الشعري إحداث انقطاع تركيبي ودلالي بين السطور أي بين الجمل السردية أو الوصفية، فلا روابط لفظية (حروف استئناف) تصل بين السطور/المقاطع التالية: الأفعى.../ الجدة.../ في غرفة الحمام.../ عند الجارة.../ فوق السطح.../ مكنسة... وتزيد الشاعرة انزياح الانقطاع تعميقا بعدم الاقتصار على الانقطاع التركيبي بالاستغناء عن أدوات الاستئناف وتجاوزت ذلك إلى الانقطاع الدلالي بالجمع في سياق القصيدة بين أحداث ومشاهد لا يربط بينها رابط معنوي أو منطقي. فما الذي يجمع معنويا أو منطقيا بين الأفعى الخائفة والجدة العائدة من الجنازة والنملة المذعورة وطفل الخامسة والجارة الجامعة للعشب وقشرة الطلاء فوق السطح والحمامة الجائعة والمكنسة الواقفة والعناكب التي تخيط أحوال الروح؟ لا شيء يجمع هذه العناصر والأحداث والمشاهد على الأقل في المستوى المنطقي والدلالي المباشر عدا إمعان الشاعرة في إحداث انزياح الانقطاع وكسر الروابط اللغوية والمنطقية التي تهيمن على اللغة النثرية. ولا شك في أن هذا الانقطاع الذي يجعل الوحدة التركيبية والدلالية مفقودة على المستوى السطحي أو المفهومي للخطاب يستعيد انسجامه ووحدته ودلالته في المستوى الإيحائي والعاطفي- كما سنبين ذلك في العنصر الموالي- غير أن القراءة الأولى للنص تصطدم لا محالة بهذا الانقطاع الذي يحدث ارتباكا في الإدراك والفهم ويدفع القارئ إلى تجاوز المستوى السطحي-المنطقي للبحث عن الدلالة الضائعة والوحدة المفقودة في مستوى آخر: مستوى إيحائي أو عاطفي لا يتوصل إليه إلا باستراتيجية تأويلية وبتغيير نمط الإدراك واستبداله بنمط قراءة مختلف يتماشى مع نمطي التركيب والدلالة الشعريين باعتبارهما انزياحا عن نمطي التركيب والدلالة النثريين. ومع أن الشاعرة تدرك بحسها الشعري أن اللغة والدلالة الشعريتين تتأسسان على هذا الاتجاه المعاكس لنظام اللغة النثرية فإنها تحاول في القسم الثاني من القصيدة أن تخفف من هذا الانقطاع الذي قد يكون حاجزا دون "فهم" القصيدة وذلك بإحداث اتصال بعد انقطاع ووصل بعد فصل من خلال جمع العناصر المبعثرة والمكونات المنقطعة في شكل ثنائيات موصولة تركيبيا ومعنويا على النحو التالي:
ترتعب الأفعى والجدة
الغرفة والستارة
الطفل والنملة
العشب والجارة
السطح والقشرة
الخريف والنملة
الفناء والمكنسة
الخيط والعناكب
ويرتعب قلبي في قفص من عظم ولحم
تبدو الشاعرة هنا- خلافا للقسم الأول- حريصة على تحقيق الربط أو الوصل بين الجمل والعناصر التي كانت منقطعة تركيبيا باستعمال الواو عطفا واستئنافا ودلاليا باشتراك جميع العناصر بما فيها قلب الشاعرة في إسناد فعل "يرتعب" إليها فتكون كلها من الناحية التركيبية فواعل لفعل واحد ومن الناحية المعنوية مشتركة في حالة واحدة هي "الارتعاب".
- الانزياح التركيبي المتولد عن كسر الترتيب النحوي:
للمكونات النحوية في الجملة رتب ومواضع شبه محفوظة لتحقيق الفهم وتجنب اللبس. وهذا الترتيب يحرص النثر على احترامه إلا عند الضرورات- وهي محدودة ومضبوطة- وأما الشعر فيعمد في أكثر الأحيان إلى كسر هذا الترتيب وإحداث القلب أو التقديم والتأخير. وقد نفسر كسر الترتيب بالضرورات الوزنية إذا تعلق الأمر بالشعر الموزون ولكن الظاهرة شائعة أكثر في الشعر المتحرر من النظم كقصيدة النثر. وفي جميع الحالات يذهب كوهين إلى أنه للتحقق من كون القلب انزياحا شعريا لا علاقة له بالوزن يكفي أن نزيل القلب ونعيد إلى عناصر الجملة ترتيبها الأصلي حتى يظهر الفرق بين التعبيرين ونحس ما يفقده النص من شعرية بسبب غياب القلب. ومن أمثلة الانزياح التركيبي المتولد عن القلب في الديوان:
(1) ناقص هذا الفجر
(2) بعيد... بعيد مسقط رأسك
     ومتلفة وسائل نقلي
ومن المؤكد أن هذه الأمثلة لا ترجع شعريتها فقط إلى القلب ولكنها تفقد بالتأكيد شيئا من شعريتها إذا عادت الى ترتيبها الطبيعي على النحو التالي:
هذا الفجر ناقص
 مسقط رأسك بعيد... بعيد
ووسائل نقلي متلفة
ونلاحظ من خلال هذا التغيير أن الكلام بسبب حذف انزياح القلب غادر الشعر إلى النثر أي تحول من الوصف إلى الإخبار ومن التصوير إلى التقرير. ومن هنا نستنتج أن التأثير الأسلوبي يتلاشى حيث يكون الترتيب عاديا وأن القلب يعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها الجناس أو القافية أو القطع أو اللا نحوية...الخ: في اتجاه خلط الوحدات المكونة للجملة وتكسير بنية الرسالة. وهكذا تتحقق الشعرية بالانزياح والعدول عن التركيب المألوف إلى تركيب مختلف أو مفاجئ أو "منحرف" عن الاستعمال المعياري أو المنطقي. وهذا يعني أن المنافرة خاصية شاملة في الشعر لأن الشاعر لا يستعمل تراكيب متواضعا عليها ولا يقول ما يرغب فيه بطريقة مألوفة بل يمارس المنافرة باستمرار ولا يتحقق الشعر إلا بواسطة الانزياح أو الخرق لقواعد اللغة وتراكيبها المطردة. وهذا ما يعنيه بول فاليري ب"لغة داخل اللغة" وما يعنيه جاكبسون ب"نحو الشعر". ويكفي أن نحذف الانزياح أو نقلصه في أية صيغة شعرية لينتفي الشعر.
- انزياح المشيرات أو المبهمات:
يتحقق انزياح المشيرات أو المبهمات (الضمائر- أسماء الإشارة- الظروف...) بخروجها من الإحالة المرجعية إلى اللا تحديد وعدم القدرة على أداء وظيفتها المرجعية لغياب كل مرجع نصـي أو مقامي. إن الشـيء المتحدث عنه في الكلام العادي يكون قابلا للتحديد والتعريف لكن الانزياح يجعله غير قابل للتحديد والتعريف. وفي القصيدة يكون المقام غائبا وغير محدد والكلمات التي يفترض أن تقوم بالتحديد تصبح عاجزة عن القيام بمهمتها. ومن أمثلته في الديوان:
(1) قصيدة "نهد كليوباترا"
(2) هل تأكلين سمكا معي هذا المساء؟
    مات أبوك
    ومات صديقنا الشاعر
    في قصيدة "نهد كليوباترا" تستخدم الشاعرة ضمائر متعددة: المتكلم مفردا (روحي- ناديتُ- وصلتُ...) وجمعا (نخسر- ننتهك...) والمخاطب المؤنث (اهدئي أيتها المرأة) كما تستعمل أسماء إشارة متنوعة (هذا- هنا- تلك...) وظروفا مكانية (هنا...) وزمانية (هذا الصباح- هذا الوقت- ليلا- حين...) وأسماء أماكن (كوخ الساحرة- محل الحلاقة- ساحل جزيرة...) وأشخاصا (المرأة الطائشة- الساحرة- سيدتي- العرافة الصلعاء- كليوباترا...). غير أن هذه المشيرات والمبهمات والأسماء تظل مبهمة لا تشير إلى شيء محدد ولا تعيّن زمانا ولا مكانا ولا شخصا فهي فاقدة لوظيفتها التعيينية بسبب غياب متعمد للمراجع والسياقات التي تمكن من عمل الإحالة وإسناد المراجع خلافا للاستعمال العادي في الكلام النثري. هذا الغموض الذي يلف الضمائر والأزمنة والأمكنة والأشخاص نلاحظه كذلك في المثال (2) حيث يفقد ضميرا المتكلم (أنا) والمخاطب (أنت) والأشخاص المتحدث عنهم (الأب- الشاعر) والظرف الزماني (هذا المساء) كل تحديد وتعيين بسبب غياب المرجع أو السياق اللذين تحيل عليهما هذه المفردات مما يجعل القارئ عاجزا عن فهمها فهما مرجعيا وسياقيا. وكأن هذا الغياب متعمد غايته شحن الكائنات والأشياء التي تملأ العالم الشعري بالغموض واللا تحديد. حيث تشير الظروف الزمانية إلى كل الأزمنة والمكانية إلى كل الأمكنة والضمائر والأسماء إلى كل الأشخاص وهكذا يتحول الوجود إلى جوهر والنسبي إلى مطلق.
3.2. المستوى الدلالي: الاستعارة
يذهب كوهين إلى أن الاستعارة (الصورة الشعرية) انزياح يحصل على المستوى الجدولي أو الاستبدالي أي الدلالي خلافا للانزياحات الأخرى التي تحصل على المستوى التركيبي ويرى كذلك أن الاستعارة هي غاية الانزياحات الأخرى. إلا أن الاستعارة الشعرية ليست مجرد تغيّر في المعنى وإنما هي تغيّر في نمط المعنى باعتبارها انتقالا من المعنى المنطقي أو المفهومي إلى المعنى الانفعالي أو العاطفي. إن الاستعارة تقطع العلاقة المألوفة بين الدال والمدلول لإرساء علاقة جديدة بين الدال ومدلول ثان لتحقق الانتقال من الدلالة المطابِقة أو المفهومية (أي النثرية) إلى الدلالة الإيحائية أو الانفعالية (أي الدلالة الشعرية). ونظرا إلى كثرة الانزياحات الاستعارية في هذا الديوان- وفي الشعر عامة- نكتفي بشواهد منتخبة بطريقة اعتباطية للاستدلال على أهمية الانزياح الدلالي الذي تحدثه الاستعارات داخل اللغة الشعرية ودوره في بناء شعرية الديوان وتكثيف لغته الإيحائية العاطفية بفضل التحول من المفهوم إلى الصورة ومن الدلالة المنطقية إلى الدلالة الرمزية والعاطفية:
الصباح ملح ضحكتي
ليل أخضر
غيابك الأصفر
ساق قلبي مكسورة
إن عبارات "ملح" (1) و"أخضر" (2) و"الأصفر" (3) و"ساق" و"مكسورة" (4) لها مدلولات أولى (دلالة المواضعة أو دلالة مفهومية) وهي:
(1) مادة بيضاء يملح بها الطعام
(2) ملون بالخضرة  
(3) ملون بالصفرة
(4) عضو المشي- مصاب بعطب يمنعه من المشي.
ومدلولات ثانية (مدلولات إيحائية أو مجازية) وهي:
مضحك
منعش
محزن
جريح
في هذه الأمثلة- شأن التراكيب الاستعارية عامة- يتم إقصاء أو تعطيل الدلالة الأولى (لأنها غير مطابقة أو ملائمة) وبعث الدلالة الثانية (لأنها ملائمة ومقصودة). وهذا يعني أن الشاعرة غيّرت صورة المعنى أو عبرت عن المعنى بالصورة. ويقوم التعبير بالصورة على مبدأ "نفي النفي" فألفاظ "مضحك" و"منعش" و"محزن" و"جريح" تنتمي إلى جداول لغوية تقوم على الترادف والتضاد إذ هناك إمكان الإبدال والتعويض: (مضحك/مبك- منعش/مريح- محزن/مفرح- جريح/مصاب/سليم/معافى...) لكن ألفاظ "ملح"- "أخضر"- "أصفر"- "ساق""مكسورة"... لا تقبل الترادف ولا التضاد وبالتالي لا تقبل الإبدال أو التغيير وهذا يعني أن محور التوزيع في الشعر يرفض محور الاختيار (الإبدال). ونفي النفي أو عدم قابلية الاستبدال هو الذي يولد "الغموض" الشعري. والملاحظ في الديوان أن أغلب استعاراته من النوع الوجداني أو الإيحائي أي غير قابلة للتعليل والتبرير والتفسير لأنها تتسم بغموض العلاقة وغياب التشابه وفي غياب المشابهة الموضوعية تبرز المشابهة الذاتية أو المدلول الانفعالي أي الشعري. فاللون تصبح له دلالة انفعالية مثل الحزن أو الفرح كما يمكن أن توحي به الأمثلة السابقة على النحو التالي:
(1) الصباح يمنح الضحكة مذاقا جميلا أو مشاعر رائقة
(2) ما يمنحه الليل من أحاسيس جميلة لما يوحي به من رطوبة وخصوبة وهدوء...
(3) ما يسببه الغياب من إحساس بالذبول والفراغ والحزن
(4) القلب مجروح ومعوق وعاجز عن النبض وكونه مصدرا للعواطف الإيجابية والإنسانية (الحب- التفاؤل- الفرح...).
نخلص من ذلك إلى أن الشعر لا يعتم إلا الرسالة ذات الدلالة المطابقة ونعثر في المستوى الإيحائي على مبدأ التوازي الذي تم خرقه في مستوى الدلالة المطابقة. إن "الحقيقة العاطفية" تأتي لأجل تصحيح الخطأ المفهومي أو "الحقيقة التصورية".  ولكن مع ذلك يبقى السؤال المطروح: لماذا الانتقال من الدلالة المطابقة إلى الدلالة الإيحائية؟
تفعل الشاعرة ذلك لإحداث التأثير النفسـي والعاطفي ولن تجد الصورة طريقها إلى هذه الغاية إلا إذا غيرت المعنى ليس في المحتوى بل في شكل المعنى أي غيرت التصور إلى صورة والمعقول إلى محسوس. في التجربة الشعرية تقول الشاعرة الأشياء كما تحسها وتراها ولذلك يجب التمييز بين نمطين من التجربة أحدهما محايد والثاني مكثف، الأول تصوري والثاني تأثري.
4.2. مستوى الوظيفة الشعرية:
    نخلص مما سبق تناوله أن الشعر في جوهره وفق نظرية كوهين انزياح شامل يتجلى في مختلف الصور والمستويات اللغوية التي تعمل داخل النص الشعري على خرق قانون اللغة العادية أو النثرية ومضادتها. غير أن الانزياح حتى يكون شعريا ليس مجرد خطأ وإن كان متعمدا أو نقض سلبي للغة النثرية فهذا هو المظهر السلبي للانزياح وإنما هو نقض وسلب من أجل البناء الإيجابي. فالانزياح خطأ يقبل تصحيحه الخاص وهدم للغة النثرية باعتبارها لغة مفهومية وسلبية من أجل بناء لغة شعرية باعتبارها لغة إيحائية وعاطفية وإيجابية مطلقة. ولكي تحقق اللغة الشعرية إيجابيتها يتعدى الانزياح خرق اللغة العادية صوتيا ولفظيا وتركيبيا ودلاليا إلى تحقيق الوظيفة الشعرية من خلال ثلاثة مظاهر أسلوبية أو وظائف فرعية هي الترديدية والإيحائية أو التأثيرية والشمولية.
-  الوظيفة الترديدية:
     تنزع اللغة الشعرية- خلافا للغة النثرية- نحو التكرار والإطناب: تكرار الدوال والمدلولات معا تحقيقا للغنائية المنافية للإخبارية. فالشعر يقول ويردد ما يقول ويطلب الترديد ويتقصده حيث يتجنبه النثر. ومع نزوع قصائد الديوان نحو السردية والتصويرية فإنها لا تكاد تخلو من بعض مظاهر التكرار والإطناب ومن أمثلتها دالا ومدلولا:
*ترديد الدال:
(1) يتخذ شوقي لك
شكل الهمزة على ألف أبد
شكل التكوّم أو شكل الالتواء التام
شكل الوجع في أشد الفتوة التي يفيض بها العمر
(2) قبلني خارج البيت
خارج المألوف
خارج الوقت
خارج تقويم هذا العام
* ترديد المدلول:
(3) ثم رميت الخضرة للراعي
لا أعثر على شيء
أتعثر بعظامي
فتمسكني اللغة كسور منخفض
أرى العالم هابطا
وأرى شعرها الطويل
لا أتسلق
لا أحلق
(4) ثم ركضت
ركضت خفت من الرفوف المتساقطة
[...]
خفت أن يخترق حلمي معك خيط الإبرة القصير
[...]
خفت من النمر المرقط يركض في جسدي
    تجمع هذه الأمثلة بين تكرار الدال وترديد المدلول. ففي المثال (1) تم تكرار كلمة "شكل" وترديد مدلول الجلوس في "التكوم" و"الالتواء" والمدلول الزمني في "الفتوة" و"العمر". وفي المثال (2) تم تكرار عبارة "خارج" وترديد المدلول المكاني في "المألوف" والبيت" والمدلول الزمني في "العام" و"الوقت". وفي المثال (3) لا نجد تكرارا لدال معين بل نجد ترديدا لمدلول الارتفاع والانخفاض أو الصعود والهبوط في "رميت" و"أتعثر" و"تمسكني" و"سور" و"منخفض" و"هابط" و"الطويل" و"أتسلق" و"أحلق". والمثال (4) قام على تكرار عبارتي "ركضت" وخفت".
وإذا كانت هذه الأمثلة كسائر نصوص الديوان تدل على أن اللغة الشعرية تشتغل في اتجاه مخالف للنثر حين تطلب التكرار والإطناب والترديد حيث يرفضها النثر ويتجنبها فإن السؤال يُطرح حول وظيفة التكرار في الشعر: لمَ تطلب الشاعرة التكرار وتبحث عن الإطناب- وهي النزاعة إلى النثرية والسردية- حيث يتجنبه النثر؟ هل تفعل ذلك لمجرد مخالفة النثر وكسر بنيته اللغوية؟ وهل يقتضي الانزياح عن النثر الوقوع في التكرار والإطناب؟
يذهب جون كوهين إلى أن هذه الظاهرة تبدو من وجهة نظر نثرية مجرد تكرار أو إطناب لا طائل من ورائه ففي المستوى التصوري أو المفهومي لا تختلف العناصر المكررة عن بعضها البعض ولا تضيف معنى جديدا أما حين ننتقل من هذا المستوى المفهومي (أي النثري) إلى المستوى الإيحائي أو الانفعالي (أي الشعري) فإن العناصر المتكررة وإن احتفظت بنفس المحتوى تتغير من حيث الكثافة. إن التكرار يؤكد نمو الكثافة فالكلمة المكررة أقوى من الكلمة المفردة. ويحقق التكرار الانزياح من خلال مخالفة اللغة النثرية وتغيير المعنى المكرر أو تكثيفه معا محققا ما يسميه كوهين ب"مجاز الكثافة".  فتكرار دال "الشكل" في المثال (1) هو تعديد لأشكال الشوق وتكثيف له. وتكرار دال "الخارج" في المثال (2) هو تعديد لصور أو هيئات التمرد والخروج عن المألوف وتكثيف لمنحى الحب خارج المألوف. وتكرار مدلول الارتفاع والانخفاض في المثال (3) هو ترديد وتكثيف لتيه المتكلمة وبحثها العبثي والدرامي عن ذاتها داخل عالم متحول غير ثابت. وتكرار داليْ "الركض" و"الخوف" هو ترديد وتكثيف لحالة الهروب-الخوف فبقدر تكرار الدال تزداد حالة الركض-الخوف اشتدادا وتكثيفا.  
إن ظاهرة الترديد أو التكرار في هذا الديوان وفي الشعر عامة لا تفهم إلا بربطها بالوظيفة الشعرية باعتبارها نقيضا للوظيفة النثرية (إخبارية- مفهومية) وهي وظيفة تأثيرية. إن "الرتابة الرائعة" كما يقول بروست تجعل الشعر ينتهك قانون التكرارية فيقول ويكرّر ما يقول لينعش اللغة التي كبحها النثر بل يسمو بها ويحقق وظيفة "الإشجاء" حسب عبارة كوهين. وحين يقول رامبو: "الشعر هو التفكير المغنى" فإننا نفهم لماذا نزع شعر سونيا الفرجاني رغم نثريته وسرديته وتصويريته نحو الترديدية والتكرارية أي الغنائية غير أن قصائد هذا الديوان التي مازلنا نتعامل معها باعتبارها شعرا- أي انزياحا- ليست "تفكيرا مغنى" فحسب بل هي إلى ذلك "تفكير مصور" أو "تفكير إيحائي".  
- الوظيفة الإيحائية:
تنتقل بنا الشاعرة في ديوانها من المعنى المفهومي إلى المعنى الإيحائي حتى يمكن لها إحداث الاستجابة الانفعالية أو العاطفية. وتعد الاستعارة- كما بينا في مستوى الانزياح الدلالي- من أهم الصور الانزياحية المحققة لهذا الانتقال. فالاستعارة الشعرية انتقال من المعنى المفهومي إلى المعنى الإيحائي لتحقيق الاستجابة الانفعالية أو العاطفية. ويكفي أن نعود إلى أمثلة الاستعارة التي ذكرناها سابقا في سياق الانزياح الدلالي حتى ندرك الاختلاف بين المعنيين (المفهومي والإيحائي). وفيما يلي هذه الأمثلة:
الصباح ملح ضحكتي
ليل أخضر
غيابك الأصفر
ساق قلبي مكسورة
ويكفي أن نحول التعبير الشعري- في هذه الأمثلة- إلى تعبير نثري لنلاحظ كيف يفقد التعبير طاقته الإيحائية والانفعالية وذلك على النحو التالي:
الصباح مبعث ضحكتي
ليل منعش
غيابك المحزن
جروح قلبي
وفضلا عن صعوبة "ترجمة" هذه العبارات والتراكيب الاستعارية الإيحائية (الشعرية) واستبدالها بتعابير مفهومية (نثرية)- وهي هنا ليست أكثر من تأويل أو تقريب للمعنى- فإن التعابير "المترجمة" أو المستبدلة هي تعابير نثرية لا تتضمن أية قيمة شعرية (رغم تشابه المعنى أو الصورة). أما التعابير الشعرية فصيغت في صور شعرية لها معان إيحائية تتحقق بالاستجابة العاطفية. إن الشاعرة في هذه الأمثلة لا تصف الضحكة (1) أو الليل (2) أو الغياب (3) أو القلب (4) وصفا موضوعيا حياديا بل تصورها تصويرا إيحائيا (استعاريا) يثير فينا استجالة عاطفية مثل الإيحاءات العاطفية للصباح (السعادة- التفاؤل- الانتعاش...) (1) والليل (السكون- الهدوء- الراحة- الخيال- الإلهام...) (2) والغياب (الفراغ- الوحدة- الحزن- الشوق- الضياع...) (3) والقلب (العذاب- اليأس- الجمود- الألم...) (4).
إن هذه الجمل الشعرية تعطّل المعنى المفهومي وتنزاح عنه إلى معنى إيحائي حيث تتناسب الكلمات على المستوى الإيحائي الذي يضفي عليها نوعا من "المنطق" العاطفي وبهذا تكون اللغة قد غيرت قانونها بالانتقال من قانون اللغة العادية الذي يعتمد على التجربة الخارجية إلى قانون اللغة الشعرية الذي يعتمد على التجربة الذاتية أو العاطفية. فالجملة الشعرية خاطئة موضوعيا ومفهوميا ولكنها صحيحة ذاتيا وعاطفيا.
- الوظيفة الشمولية (اللاتضاد):
مثلما تتحقق الوظيفة الشعرية بالانتقال من اللغة المفهومية إلى اللغة الإيحائية والانفعالية تتحقق كذلك بالانتقال من اللغة الاستبدالية (الجدولية) إلى اللغة الشمولية أو الكلية حيث ترفض الكلمات في سياقاتها الشعرية- خلافا للنثر- الاستبدال نفيا وترادفا وتضادا... فعبارات "ملح" و"أخضر" و"أصفر" و"ساق" في الأمثلة السابقة لا تقبل الترادف ولا التضاد ولا النفي وبالتالي لا تقبل الإبدال أو التغيير وهذا يعني أن محور التوزيع في الشعر يرفض محور الاختيار (الإبدال). ووفق هذا المبدأ مبدأ الشمولية أو الكلية تعمل استراتيجية الانزياح على التحرر من بنية اللغة النثرية القائمة على الفروق وقابلية النفي أو التضاد فتعيد اللغة إلى صورتها الأصلية الإيجابية. فالشعر يشتغل في الاتجاه المقابل لاتجاه اللغة العادية التي قال عنها دي سوسير إنه لا توجد إلا فروق أو اختلافات وأن الكلمة لا تملك هويتها إلا من خلال احتلالها للموقع المقابل لنقيضها. أما اللغة الشعرية فالكلمات عكس ذلك وقد تحررت من مضاداتها ومقابلاتها تجد من جديد هويتها في ذاتها وفي نفس الوقت تجد كليتها الدلالية الموحية والمؤثرة.   
خلاصة القول أن المقومات الثلاثة (الترديد- الإيحاء- الشمول) تتكامل وتتفاعل لتحقيق الوظيفة الشعرية وهي بالأساس وظيفة تأثيرية تستهدف استجابة عاطفية أو انفعالية.  غير أنه من الضـروري أن نعرف خصوصية الانفعال الذي تثيره القصيدة ونميزه عن الانفعال الواقعي: فالانفعال الواقعي (الحزن- الفرح...) تعيشه الذات بينما الانفعال الشعري يُدرَك كصفة للعالم. الأول ذاتي والثاني موضوعي: الانفعال الشعري لا يضاف إلى صورة الشـيء من الخارج بل هو كامن في الصورة باعتبارها "صورة عاطفية".
خاتمة القسم الأول:
رصدنا في هذا القسم الأول من البحث تجليات شعرية الانزياح في ديوان "ليس للأرض باب وسأفتحه". ولم تكن غايتنا منه أن نستعرض صور الانزياح التي اعتبرها كوهين مميزة للغة الشعرية عن اللغة النثرية ونستدل عليها بشواهد من ديوان سونيا الفرجاني- وإن كان هذا القسم يوحي بذلك ظاهريا- وإنما كانت غايتنا أن نثبت أن قصائد هذا الديوان – وإن بدت هدامة للشعر نزاعة إلى النثر- فإنها تستمد جانبا مهما من شعريتها من أغلب الانزياحات الصوتية والتركيبية والدلالية التي ضبطها كوهين ومن تضافر الخاصية الترديدية والإيحائية والكلية لتحقيق الوظيفة الشعرية. غير أن هذا القسم الأول من البحث لئن كان يثبت- من جهة أولى- نجاعة نظرية كوهين وشمولية القوانين المحققة للشعرية في مستويي البنية والوظيفة وانطباقها حتى على أكثر التجارب الشعرية كسرا للقوانين الشعرية المطردة ونزوعا إلى النثرية- شأن تجربة سونيا الفرجاني في ديوانها هذا- ويؤكد- من جهة ثانية- أن نصوص هذا الديوان شعرية أو على الأقل كتابة ذات طاقة شعرية مكثفة سواء في مستوى بنية اللغة الشعرية أو في مستوى الوظيفة الشعرية، فإنه في النهاية لا يثبت شعرية الديوان أو انتسابه إلى الشعر إلا في حدود معينة: حدود الانزياحات التي أثبتنا وجودها في قصائد الديوان وجدواها ونجاعتها في بناء شعريتها. وتبقى هذه النظرية- على أهميتها وشموليتها- عاجزة عن أن تفسر لنا أمورا عديدة من شأنها أن تربك هذه النظرية وتثبت حدود نجاعتها ومن بينها:
- إذا كان الشعر حريصا في بنيته اللغوية ووظيفته على أن يخالف اللغة النثرية بل أن يكون نزاعا إلى مضادتها ومعارضتها وذلك من خلال تعديد الانزياحات وتعميقها فكيف نفسر نزوع أغلب الشعراء المعاصرين- ومنهم الشاعرة سونيا الفرجاني- نحو التخلي عن العديد من الانزياحات الشعرية- خاصة منها الانزياحات الصوتية أو الإيقاعية- والاقتراب من النثرية والسردية؟ وقد لاحظنا في الديوان غياب بعض الانزياحات أو تقلصها إلى أدنى درجاتها. ففي المستوى الصوتي غاب انزياح النظم أو الوزن والوقفة العروضية وتقلص انزياح القافية والجناس تقلصا ملحوظا. وفي المستوى التركيبي غاب انزياح المنافرة التأليفية وتقلص انزياح الترتيب. وفي المستوى الدلالي تراجعت الانزياحات اللغوية (الاستعارات) وهيمنت انزياحات الأشياء (شعرية الأشياء) التي لم يعترف كوهين بوجودها.
- إذا كانت نظرية كوهين تثبت إلى حد ما أن نصوص الديوان شعرية بما توفرت عليه من انزياحات فإنها لا تمكننا من أن نتبين خصوصية هذه التجربة الشعرية. فالوقوف على هذه الصور الانزياحية يسمح لنا بتمييز لغة الديوان عن اللغة النثرية ولكنه لا يساعدنا على تمييز الديوان عن غيره من دواوين الشاعرة ورصد تطور تجربتها الشعرية فضلا عن كونه لا يمكننا من تمييز تجربتها الشعرية في هذا الديوان أو ما سبقه من مجموعات عن التجارب الشعرية الأخرى خاصة منها المعاصرة لها. فمن الواضح أن هذه التجارب أو المجموعات الشعرية باعتبارها شعرية تتضمن بالضرورة مختلف الانزياحات التي ضبطها كوهين ورصدناها في شعر الديوان. صحيح أن دراسة الانزياحات في ديوان معين مثل ديوان سونيا الفرجاني أو في مجموعات الشاعرة دراسة إحصائية مقارنة- كما فعل كوهين مع مدونة الشعر الفرنسي الحديث- يمكن أن تكشف بعض خصائص هذا الشعر- وقد تبين لنا في ما درسناه من هذا الشعر أنه ينزع إلى تقليص الانزياحات الصوتية والتركيبية وفي المقابل يعمل على تكثيف الانزياحات الدلالية مما يقربه من شعراء قصيدة النثر والنزعة النثرية والسردية في الشعر المعاصر. غير أن التعرف على خصائص تجربة هذه الشاعرة في ديوانها الأخير واستجلاء ملامح كونها الشعري تخييليا وذاتيا ورمزيا ودلاليا لا يمكن أن يتحقق بمجرد رصد الانزياحات وإحصائها كميا ونوعيا.
- أغلب قصائد الديوان تبني شعريتها وجماليتها وفق استراتيجية إبداعية تبدو أنها تشتغل خلافا أو ضدا للاسترايجية الشعرية التي أقام عليها كوهين نظريته وهي الاستراتيجية الانزياحية. فإذا كان الشعر في تصور كوهين يشتغل ويتطور في اتجاه تعميق الانزياح عن النثر فإن شعر سونيا الفرجاني وخاصة في هذا الديوان يشتغل في اتجاه الاقتراب من النثر. وإذا كان الشعر لغة عليا ونزوعا متواصلا نحو التسامي وبلوغ الشعر المطلق فإن شعر هذا الديوان- كما سنبين- نزوع نحو اليومي والعادي بل إنه وفق بعض القراءات مجسم ل"شعرية المبتذل".
إن جميع هذه الإرباكات والاعتراضات من شأنها أن تسوّغ لنا البحث في شعرية الديوان أو على الأقل في جانب أساسي من شعريته خارج نظرية كوهين وبالتالي تسمح لنا بالانتقال من البحث في شعرية الانزياح (الذي خصصنا له القسم الأول) إلى البحث في انزياح الشعرية (الذي نخصص له القسم الثاني وهو ما سيأتي من هذا البحث).

 

المصادر والمراجع
1. المصادر:
- سونيا الفرجاني: ليس للأرض باب وسأفتحه، منشورات زينب، تونس، 2019.
2. المراجع:
- الملائكة (الملائكة): قضايا الشعر المعاصر، منشورات مكتبة النهضة، القاهرة، ط3، 1967،
- النصري (فتحي): التدوير في الشعر الحر محاولة في فهم الظاهرة، موقع ستار تايمز startimes.com بتاريخ 29/ 08/ 2009.
- عمامي (عماد): شعرية المبتذل في قصيدة النثر من خلال نماذج مختارة من الشعر التونسي المعاصر، رسالة ماجستير (مرقون) إشراف منصف الوهايبي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، 2014-2015.
- كوهين (جون):
بنية اللغة الشعرية، تر. محمد الولي ومحمد العمري، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1986.
اللغة العليا، النظرية الشعرية، تر. أحمد درويش، المجلس العلى للثقافة، القاهرة، .1999.
- محمد علي (محمد نجيب) وعامر محمد أحمد: المتمردة خارج الفوضى وخلف الجنون، ضمن قسم "حوارات" على موقع كليك برس clicktopress.com  بتاريخ 22/ 09/ 2020.