الروائي والقاص السوداني عيسى الحلو لـ "كليك توبرس":

الروائي والقاص السوداني عيسى الحلو لـ "كليك توبرس": الرواية تسعى لاستيعاب فوضي العالم... الخرطوم – كليك توبرس- عامر محمد أحمد خمسون عاماً ظل الروائي والقاص السوداني عيسى الحلو حاضراً في المشهد الثقافي ومساهماً بالكتابة الروائية والقصصية والعمل في الصحافة الثقافية..

الروائي والقاص السوداني عيسى الحلو لـ

الروائي والقاص السوداني عيسى الحلو لـ "كليك توبرس":
الرواية تسعى لاستيعاب فوضي العالم...

الخرطوم – كليك توبرس- عامر محمد أحمد

 

 

 

 


خمسون عاماً ظل الروائي والقاص السوداني عيسى الحلو حاضراً في المشهد الثقافي ومساهماً بالكتابة الروائية والقصصية والعمل في الصحافة الثقافية.. وعيسى الحلو يعد من الرواد الأوائل في كتابة الرواية والقصة كما أنه يحتفظ بقالب سردي يخصه وقد برع في الكتابة السردية التي لا تحدها القوالب الجاهزة.. ويقول الحلو أنه توجد في الساحة الثقافية العربية والسودانية أزمة تفكير وأن الخروج منها يرتبط بالنضوج ومحاولة استيعاب متغيرات العالم المتسارعة التي لها تأثيراتها على الحياة الثقافية والاجتماعية.. ..

 

 

 


× هل سؤال الريف والمدينة لا زال مطروحاً في الكتابة؟
-هناك تحولات كثيرة مرت بها الحياة الاجتماعية السودانية والعربية, ما بين مجتمع المدينة ومجتمع الريف, التحول في حد ذاته حدث له تشويه اصاب الموروث الثقافي والاجتماعي ولم تعد المدينة مدينة ولا الريف ريفاً, وهذه الحالة التغيرية في سيرورة من حالة أولى الى حالة ثانية ثم الحالة الصفرية لذلك تجد هذا التشويه ومع رياح العولمة لم تعد الحالة في خطوط منتظمة متأرجحة متبعثرة. لذلك تجد هذه المجتمعات في صراعات بين العولمة والحداثة ومطلوباتها والساكن والراكد في قاع ذاكرتها عن ماضيها ومقارنة الحاضر بهذا الماضي.
× حالة انعدام وزن في قراءة المتغيرات؟
-حالة غياب ثقة في حاضرها واستحضار للماضي بأنه كل التمدن والرقي والأخلاق المكتملة والنبالة, وينعكس هذا الخطاب في كل تجلياته على كل المستويات, وهذه الحالة مرت بها كل الشعوب والأمم ولكن ايقاف عجلة الزمن عليها, يشير صراحة الى "التخلف".

 

 

 


× نوع التخلف؟
-يرتبط بالنضوح واقامة متاريس في خطوط منتظمة تستدعى الحداثة والتحديث بعقل منفتح, عقل به الجراءة على استيعاب زمنه والمساهمة فيه وتقديم نفسه للعالم عبر الثقافة الناضجة والفكر المستنير والوعي بالمتغيرات داخل  اطار الأسرة الكونية. بعيداً عن التبرير والتعليل وإضفاء المشروعية على الموروث كله باعتباره طوق النجاة ولا نجاة بعده.
× أزمة ثقافة؟
-أزمة تفكير, مرتبطة بأزمات نعيشها ونراها, ولا نعمل من أجل تغييرها غير "التفرج" والتصفيق وتشجيع اللعبة الحلوة. هناك أزمات تحتاج لفعل منفتح ورؤية متكاملة وإعادة سؤال الآخر, ونظرتنا اليه ونظرته الينا..
× أنت كاتب مدينة. يقول النقاد؟
-التنشئة والسفر مبكراً الى بيئة مدينية ولا أميل للكتابة عن الريف, إلا من خلال النظر الى التحولات من الريف الى المدينة.
× الكتابة الريفية؟
-العودة الى الجذور, العودة الى البراءة هكذا يتحدثون عنها, وأعتقد أنها كتابة "ساهلة" وأحياناً "فطيرة" ومحدودة اذا ارتبطت "بالتذكر" وعميقة اذا ارتبطت بقضايا ناضجة ومصيرية. والكتابة ليست نقلاً للواقع, كشف وسؤال الواقع والقول بأن الكتابة عن ما تعرف غير صحيح, الكتابة عن مالا تعرف كي تعرفه وتتعرف من خلاله على مالا تراه إلا من خلال عدسة الخيال.

 

 

 


× الكتابة سؤال؟
-الكتابة سؤال للواقع لتكتشفه.
× غياب النقد؟
-النقد, تم ترسيمه على أشياء محددة وقوالب معروفة سلفاً, وتقليدية في القراءة, وإتفاق وشبه اتفاق, بأنه هكذا النقد وما عداه إضاعة للوقت, وهذا لعب في المضمون لا يكلفك ذلك ضرائباً كثيرة" ولا تخسر "وبصريح العبارة "مالك ومال الدوشة وخسارة الأصدقاء" وهذا الورق "ماشي" والناس لا تتحدث إلا بهذه الكيفية.
× هل قرأ النقد رواية الورد وكوابيس الليل؟
-قد لا تتوافق مع السائد في القراءة وهذه معضلة كبيرة تحتاج لإعادة النظر في موقع وموقف النقد من الإنفجار الروائي الكبير الذي نراه حالياً. سؤال النقد عن الكم والكيف, ضروري, وسؤال عن ما وصلت اليه الكتابة كذلك, وسؤال غياب النقد على مفهوم الحضور, يظل سؤالاً معلقاً بانتظار الاجابة.
× الحضور والغياب؟
-اذا خلصنا بأن الغياب "محير" جداً فإن سؤال الحضور يرتبط بالقيمة الفنية والجمالية التي يقدمها هذا الحضور لمشهد الكتابة, وأين الخلق والابداع والاكتشاف والمغامرة من الحالة التكرارية وتقليدية التناول وتشييد الخطابات على طراز واحد قديم دون النظر الى ما وصل اليه سؤال النقد.
 × التجريب الكثير في كتابة عيسى الحلو الى ماذا يرمز؟
-بعيداً عن ما يرمز اليه, أنا بطبعي لا أميل للقوالب الجامدة, وفي بحثي عن التجديد لا أضع أمامي عقبات, بأن هذا لا يروق لهؤلاء أو يرفضه أولئك, والتجريب مدعاة للتعرف واستدعاء للمعرفة والاكتشاف والتجاوز, وفعل الدهشة عند القاريء أهم من قول هذا أو رفض ذاك والمنصات التقليدية في الكتابة في طريقها للاضمحلال, يبقى التجريب كطريق للكشف والتحفيز للخيال لإرتياد آفاق بعيدة لا تحكمها قيود.

 

 

 


× التجربة الطويلة في الكتابة والمداومة عليها؟
-قد أكون محظوظاً في الاستمرارية ولكن هناك عدة أسباب منها الانتباه لما طرأ من متغيرات, ممارسة العمل الصحفي قد يكون لعب دوراً ولكن يظل الاستعداد الدافع الأكبر للكاتب للتجديد والاستمرارية.
× هناك من يقول بأن "الحلو" لم يقرأ نقدياً؟
-لا أعتقد ذلك, كانت هناك قراءات متعددة من نقاد لهم وجودهم في الساحة, لكن الميل للتجريب قد لا يتوافق مع "مزاج" بعض النقاد ولا يلزم الناقد أن يكتب عن كل ما ينشر. وهناك فرضيات موجودة في الساحة الثقافية السودانية من قوالب جاهزة ومعيارية بأن القصة الجيدة هكذا وكذلك الرواية والقصيدة قد تحد من مهمة الناقد وتجعلها صعبة عسيرة جداً.
× أزمة نقد؟
-قد تكون كذلك وأنا لا أحبذ مفهوم الأزمة ومحاولة وضع مقياس محدد لقراءة هذه الاشكالية والأزمة لها أبعادها الثقافية والاجتماعية والجمالية في الرؤية ومنزلة الكتابة عموماً داخل الإطار الثقافي العام.
× الرواية الغربية شهدت تطوراً كبيراً وقد ساهمت "الجوائز" في إظهار أسماء جديدة ورؤية وخطاب سردي مختلف؟
-هذا التطور جزء من حركة العالم وتقلبات الحياة والانفتاح الكبير المتمثل في روح العولمة والحياة الجديدة وشبكات التواصل ومناخ جديد مفتوح للتعبير والكتابة بحرية أكثر ولكن هناك عقبات كثيرة أمام هذه الرواية حتى تجد موقعها داخل حركة سرد العالم.
 × الناقد المغربي الدكتور سعيد "يقطين" في مقال مؤخراً أعاب على كتاب الرواية الاهتمام بالحجم وعدد الصفحات أكثر من الاهتمام بالمضمون وسماها "الرواية السمينة"؟
- الاهتمام بالحجم قد يكون له أسباب بأن الرواية تصل الى الملحمة بالحجم وهذا مفهوم خاطيء تماماً, الرواية الجيدة, تتمثل عن درامنا تتفاعل من البداية وتصل الى النهاية والمسألة ترتبط بالحكاية ومعالجتها وهل الايقاع السردي يجعلك تصل الى "600" صفحة مثلاً. أعتقد بأن الرواية لا تعتمد على عدد الصفحات في مرورها الى القاريء بل تعتمد على كيفية توظيف السرد والحكاية والخطاب والفكرة هذا ما يحدد حجمها.
× كيف السبيل الى ذلك؟
-اذا قال السرد, كل ما أراد قوله, فإن أي اضافة هي إضاعة لوقت القاريء فيما لا فائدة منه, هذا لا ينفي أن الملاحم السردية لها موقعها في ذهن القاريء المثقف ولكن الاضافة الواثقة والناضجة هي المقياس الحقيقي لجودة العمل الروائي.
× الرواية احتلت مقام الشعر؟
-لتعقيدات الحياة وتشابكاتها والشعر مقامه محفوظ ولا زال فاعلاً ومتفاعلاً ومتجدداً, الشعر "الهتافي" أعتقد أن سوقه تأخرت أو لإنعدام الاهتمام بالسياسة من أجيال عديدة في الساحة الدور الكبير في كساد نوع محدد من الشعر. العصر أصبح "معقد" جداً. والرواية حالياً ديوان العرب والعصر ايقاعه حاد جداً والانسان المعاصر يبحث عن ذاته من خلال سرده عن نفسه ومجتمعه وواقعه "المعيش" حتى يجد نفسه, ولا تستوعب كل هذه الحياة إلا الرواية. والآن في العالم هناك من يسعى دراسة كيفية كتابة الرواية تماماً مثل ذهاب المرء لمدرسة لتعلم قيادة السيارة.
× أنواع الرواية؟
-متعددة بتعدد رؤية الكتاب الكاتب هناك روايات تسعى لتخليص الذات مما تعانيه بالكتابة عنها, وهناك رواية الكاتب المحترف, تطرح أسئلة وهي صاحبة مستوى جيد ومعقول.
× الرواية السودانية ما الذي ينقصها؟
-الرواية السودانية والرواية العربية, ينقصها أن الرواية بصورتها الحالية تراث غربي أوروبي ورغم محاولات تجذيرها في البيئة الغربية القديمة إلا أن الصحيح أنها فن غربي, طوره الغرب ووضع قواعده, ومهمة الروائي السوداني والعربي خلف مساحة جديدة للرؤية للكشف, والكتابة معتمدة على الميراث والقواعد التي تم وضعها من خلال نماذج سابقة وأمامك أن تتفق معها أو تتجاوزها.
× هل تؤثر المشافهة على الرواية وتحد من انطلاقها "عالمياً"؟
-المشافهة والحكي الشفاهي بلا شك يحدان من انطلاق الرواية الى آفاق أرحب في الرؤية والشكل, لكن هذا لا ينفي الآن في الساحة العربية والسودانية "كم" كبير, والوصول الى "الكيف" يحتاج صبر والابتعاد عن التقليدية على مستوى الشكل والمضمون.
× موقع القصة القصيرة في العالم؟
-احتوت الرواية في داخلها القصة القصيرة كما احتوت الشعر, والسينما كفن سابع كانت قد دخلت فيها كل الفنون. والرواية تشتمل حالياً على القصة القصيرة والشعر والتشكيل والصورة وكل أجناس الابداع المختلفة.
× القصة القصيرة, هذا زمن توهجها, "عصر السرعة" وهي تأخذ إطار زمني قصير؟
-لم تعد القصة القصيرة تستطيع استيعاب تعقيدات حياة الانسان المعاصر, وتشابكاتها. حجمها "القصة القصيرة" أصغر من المأساة.
× هل الكتاب الحاليين في الساحة لديهم مشاريع ثقافية وفكرية؟
-أستطيع أن أحكم على كبار الكتاب أمثال د. منصور خالد والطيب صالح ومحمد المكي ابراهيم والتشكيلي الراحل شبرين والراحل الدكتور محمد عبدالحي والمستقبل كفيل للبقية بتجديد هذه  المشاريع ما تم انجازه فيها. ومن الفنانين الموسيقار عثمان حسين والمطرب ابراهيم عوض.
× أسباب غياب المشاريع عند الكتاب؟
-الحالة الحضارية سابقاً كانت أقرب من الموقف الفكري الرصين وتعضدها بالبيئة الثقافية والداعمة للمشروع الفكري أو الفني الذي يستحق أن يستمر ويؤثر في حركة النهوض والتقدم. الآن هناك حالة ابتعاد عن حالة الرصانة. حتى العالم يسعى الى الشعبوية والانحدار وإنتهاء العولمة والحالة الحضارية الراهنة بائسة جداً.
× ما الذي يستوعب فوضى هذا العالم؟
-الرواية وهي حالة حضارية تسعى لاستيعاب هذا العالم.
× ألا يهزمها الواقع؟
-لا أتوقع أن تكتب رواية في قيمة الجريمة والعقاب ديستوفسكي أو الأحمر والأسود "استندال" أو روايات نجيب محفوظ أو موسم الهجرة الى الشمال الطيب صالح أو ديكنز والرواية تستطيع هزيمة الواقع, بلغة جديدة ورؤية جديدة تستوعب هذه "الفوضى" التي يعيشها العالم.