الروائي ابراهيم اسحق في حوار مفتوح (2/2)

الروائي ابراهيم اسحق في حوار مفتوح (2/2) _المهدية صنعت قلب الهوية في السودان _لم أكن الرجل المناسب في إدارة اتحاد الكتاب السودانيين! _ونسة "الفيس بوك" أصبحت أفضل من قراءة نص قصصي _لا أحب أن أرى نموذج أحلام مستنغامي وغادة السمان في كتابات بنات السودان _"أخبار البنت مكايا" كان يمكن أن تكون عنصراً مساعداً لكي لا يحدث الانفصال ولكن!! _الكاتب لا يمكن أن يكتب أشياء جيدة اذا لم يقرأ أشياء جيدة _نحن "ناس التخوم العربية" وليس لدينا وزن عند اخواننا العرب  حاوره/ محمد نجيب محمد علي

الروائي ابراهيم اسحق في حوار مفتوح (2/2)

الروائي ابراهيم اسحق في حوار مفتوح (2/2)


_المهدية صنعت قلب الهوية في السودان


_لم أكن الرجل المناسب في إدارة اتحاد الكتاب السودانيين!


_ونسة "الفيس بوك" أصبحت أفضل من قراءة نص قصصي


_لا أحب أن أرى نموذج أحلام مستنغامي وغادة السمان في كتابات بنات السودان


_"أخبار البنت مكايا" كان يمكن أن تكون عنصراً مساعداً لكي لا يحدث الانفصال ولكن!!


_الكاتب لا يمكن أن يكتب أشياء جيدة اذا لم يقرأ أشياء جيدة


_نحن "ناس التخوم العربية" وليس لدينا وزن عند اخواننا العرب


 حاوره/ محمد نجيب محمد علي

 

 

 

 

 


أذكر أنني حاورت أستاذي ابراهيم اسحق للمرة الأولى حين كنت طالباً بمدرسة محمد حسين الثانوية عام 1973 لصحيفتي المدرسية.. كان هو أستاذنا للغة الانجليزية.. وحينها كانت قد صدرت له رواية "حدث في القرية" و"أعمال الليل والبلدة".. ربما لم يكن حوارنا ليتجاوز سؤال التلميذ لأستاذه! وفرح الشعر في بداياته بحوار أستاذه الروائي الكبير..! وهأنذا.. بعد كل هذا الزمان الذي مضى.. أجلس بذات فرحي الأول.. وبرؤى مختلفة.. ومحاور عديدة وقراءة جديدة لكاتب ضخم.. أعطى ولا يزال.. ولا تزال الأسئلة تنقب في زوايا الإجابات.. في كاتب.. نحتاج لزمن طويل سيأتي لنقرأه كما يجب..
في يقيني أن أستاذي الروائي القاص ابراهيم اسحق لم نقرأه بعد.. بما يستحق.. ولم نسوق له بالقدر الذي يكفي ليعلم العالم أن في السودان أدباء كبار لا يقلوا شأواً عن أدباء جائزة نوبل.. ولكن!!

 

 

 

 


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(×) أستاذ ابراهيم.. لماذا لا نجد لك كتابات عن الوسط العروبي؟
(=) والله.. أنا لست من أنصار العروبية.. وما يهمني هو الانسان..
(×) ماذا تعني؟
(=) المفهوم العروبي مفهوم عرقي.. لا يقود الناس لجدوى, ولكن العربية جزء منا, والعربية ليست العروبية, وأنا لا أكتب عن العروبية ورغم ذلك تجدي أشدت بما كتبه عبدالرحمن منيف وجبرا وكنفاني في "رجال في الشمس".. أما الأدب لم أطلع عليه هو صور شبيهة بالأدب الفرنسي..
(×) يقولون ان ابراهيم اسحق محسوب على اليمين الثقافي؟
(=) وأنا قد لا أجيز هذا القول على طول الوقت, وأريد أن أقوله أن هذا التقسيم "اليسار واليمين" مصطلح سياسي, ولا يجوز أو يصح تحويله الى مصطلح ثقافي..
(×) وملامحك الانصارية أستاذ ابراهيم ألا تغيب عنك؟
(=) دعني أقول لك أنني جئت من بيئة معينة تشربت بروح المهدية, وحين جئت الى امدرمان وجدت أن المهدية موجودة في الثقافة, وهذا شيء طبيعي, وأنا لدي صداقات كثيرة مع اليساريين, حتى أنني ترأست اتحاد الكتاب الذي يتهمونه باليسارية..

 

 

 


(×) هل تشرح لنا أكثر أستاذ ابراهيم؟
(=) أنا لا أستطيع أن أعبر إلا عن الذاتية التي تركتها المهدية, فالاستعمار فشل على مدى خمسين عاماً أن يغير في غرب السودان.. وحين أذهب الى هناك أجلس بينهم وأقرأ "راتب المهدي", وهذه البيئة في اعتقادي بيئة محافظة.. وذلك أفضل من أن نقول أنها يمين أو يسار.. وهنالك دون شك بيئة حداثية بدأت في الخرطوم ومدني مثلاً من الأربعينيات.. ولكنها لم تستبعد البيئة المحافظة التي جاءت من الريف.. فالبيئة المحافظة التي غرزتا المهدية تتجدد تلقائياً ولكنها لا تنزوي..
(×) اذاً أنت تؤسس لما يجمع ما بين الثوابت والحداثة؟
(=) أنا أرى أن اليسارية أخذت "ضربة كبيرة" بعد 1991 والمحافظة عليها مثلاً أصبحت مشكلة, ولقد حاول اليساريون أن يدخلوا في الحداثوية, والحداثوية نفسها مشكلة.. لها مشاكلها التي لم تحلها بعد, وفي اعتقادي أن الفكر في السودان يتجدد بأن نأخذ من الأفكار والقوالب الفكرية القادمة من "بره" دون أن ننخدع بثوابتها.. ويمكن هنا أن نعطيها شكلاً جديداً.. وهذا ما يجعلها تعيش وتتطور من خلال مفاهيم بيئتنا المحافظة.. وثوابتنا.. فنحن ندين تطرفاتها..
(×) اذاً دعني أسألك كيف ينظر الأستاذ ابراهيم اسحق للمهدية الآن؟
(=) اعتقد ان المهدية حقبة صنعت قلب الهوية في السودان, ولكن لا يمكننا استعادتها بحذافيرها, هي مجرد مرحلة, مرحلة تجديد في ثوابت استيعاب السودانيين لتدينهم, والمفترض الآن أن نجتث منها التطرف وأن نضيف لها ما تحقق ثقافياً في العالم من أفكار اذا كانت هذه الأفكار جاءت من اليسار أو من الحداثيون أو من أي جهة, نحن في مرحلة علينا أن لا ننسى المهدية في ثوابتها وعلينا أن لا نتلبس الحداثوية كاملة..
(×) وكان الأستاذ ابراهيم اسحق رئيساً لاتحاد الكتاب, ترى لماذا لم تسع وأنت في ذلك الموقع لتوحيد الكيان الثقافي؟
(=) أنا قدمت مقترحاً, وطلبت من الاتحادات بأن يجمعوا انفسهم في اتحاد واحد, وهذه المناشدة قلتها من أول لقاء صحفي بعد أن صرت رئيساً لاتحاد الكتاب, ولكن الاتحادات الثلاث كل منهن أصر على موقفه, وكل قال بأن أفكاره لا تتفق مع أقكار الآخر, وأنا اعتقد أنه ربما كانت هناك جهات معينة في ادارة العمل الثقافي في البلد تشعر بأن ديمومة الحال على وضعه قد يكون مفيداً بنفس مستوى الشقاق الكائن.. وللحق أقول لك أنني لم أكن الرجل النماسب في ادارة اتحاد الكتاب!

 

 

 


(×) كيف ذلك يا أستاذ؟
(=) اتحاد الكتاب يدمغه الناس بصفة معينة لا تزال معه حتى اليوم,
(×) وماذا يقول ابراهيم اسحق؟
(=) أنا أعتقد أن هنالك انشقاق كثير في اتحاد الكتاب, انشقاق بين الناس, وأرى عدم الانضباطية وعدم التزام أعضاء اتحاد الكتاب أنفسهم بمبادئه..
(×) هل تشرح لنا أكثر؟
(=) أقول لك منذ سنة 2006 الى اليوم صدرت ثلاثة أعداد فقط من مجلة كرامة, وبالرغم من أن أداء الاتحاد في المؤتمرات يكون جيداً إلا ان الأنشطة الثقافية في دار الاتحاد لا يمكن قياسها مطلقاً "براشد دياب" ولا "بأروقة" ولا "بعبدالكريم ميرغني" ولا حتى بمعهد "عبدالله الطيب" فهو من ناحية الأنشطة الثقافية ضعيف جداً.. وأما عن تمثيله في المؤتمرات الخارجية يكاد يكون منعدماً.. والمشكلة من الدعم, أتفق.. فاذا جاءهم دعم من "بلاد بره" سيكون في مواجهة الاتهام مثلما حدث لمركز الخاتم عدلان وغيره..!
(×) اذاً أنت لم تكن راض عن توليك لرئاسة اتحاد الكتاب؟
(=) اعتقد انني نفدت بجلدي من اتحاد الكتاب في ظرف سنة واحدة, والحمد لله ولا أقول انني غير مؤهل لرئاسته..

 

 

 


(×) ماذا تعني؟
(=) أرى أنهم أخطأوا في اختيارهم لانسان مبدع في المقام الأول لينشغل بإدارة اتحاد والمفترض أن ينشغل بإبداعه..!!
(×) الا يرى ابراهيم اسحق دوراً لاتحاد الكتاب يستحق الإشادة؟
(=) أقول على مستوى المؤتمر السنوي كان هناك نجاح كبير, أشهد بأن المؤتمر الأخير من أنجح المؤتمرات التي عقدها اتحاد الكتاب..
(×) وفي رأيك ما سبب هذا النجاح؟
(=) بصريح العبارة, القيادة العليا لاتحاد الكتاب قيادة يسارية, لذلك دمغهم الناس بهذا الاتجاه, ونحن من خلال متابعتنا لهذا المؤتمر لا يمكننا أن نقول بهذا الكلام فقط.. سيكون ذلك اجحافاً..
(×) هل تشرح لنا؟
(=) نحن رأينا أن الانصارية كانت موجودة بحيث أن امام الأنصار نفسه قدم ورقة في المؤتمر, والجمهوريون شاركوا بورقتين من أجمل الأوراق بجانب اليساريين الذين لعبوا دوراً كبيراً جداً فيه!!
(×) وغاب الانقاذيون.. أليس كذلك؟
(=) أنا أتأسف جداً على غيابهم.. رغم ان الدكتور غازي صلاح الدين كان حاضراً للمؤتمر ولكنه لم يقدم ورقة, ولم أسمعه معقباً.. واعتقد ان هنالك انقاذيين لديهم هم ثقافي وكان من الممكن جداً أن يشاركوا, 
(×) وكان محور المؤتمر عن الهوية السودانية, دعني أسألك عن التمازج العرقي والثقافي.. من خلال روايتك "أخبار البنت مكايا" والتداخل ما بين القبائل العربية وغير العربية؟
(=) هذا السؤال من همومي الأساسية وحاولته حين كتبت قصتي القصيرة "أسطورة الكلب" في السبعينيات ونشرت.. وحين كتبت "أخبار البنت مكايا" كان لدي حلم جميل بأن تكون هذه الرواية عنصراً مساعداً لكي لا يحدث الانفصال..!
(×) ولم يتحقق الحلم أستاذ ابراهيم اسحق؟
(=) اعتقد ان قراءة الناس لأخبار البنت مكايا كانت ضعيفة, كنت أتخيل أنها يمكن أن تترجم مثلاً  - وهذا لم يحدث, وللأسف لم يقل لي أحد من اخوتنا الجنوبيين الذين انفصلوا أنه قرأ هذه الرواية.. اضافة الى ذلك اعتقد ان هنالك حساسيات عرقية قرأتها قراءة "غلط"..

 

 

 


(×) قراءة غلط.. ماذا تعني؟
(=) في القصص التي كتبها فرانسيس دينق تظهر صورة الجنوبي مهيمنة ومسيطرة.. وفي "أخبار البنت مكايا" هنالك من اعتقدوا انني قدمت صورة سلبية لأن القصة تنطلق من فريق العرب الذين يذهبوا ليخطفوا بنت من الشلك ويعودوا بها ليزيدوا نسلهم الهجين..!
(×) وما قولك في قولهم؟
(=) بالتأكيد أنا لا استطيع أن أكتب من وجهة نظر فرانسيس دينق وهو كاتب جنوبي.. وأنا عدت للنص الحكائي الشعبي الذي أورده عزالدين اسماعيل في الستينيات وقرأته وسمعته وتمعنت فيه كثيراً وكان هدفي أن تكون جسراً بين الشمال والجنوب..
(×) أعود بك أستاذ ابراهيم لما طرح في مؤتمر اتحاد الكتاب الأخير عن الهوية؟
(=) لاحظت لأول مرة يتوقف الناس عن البكاء على اللبن المسكوب بانفصال الجنوب.. وبدأوا في البحث عن ما يمكنهم من جمع ما تبقى.. فأصبحوا يتنادوا بمصطلح "السودانوية".. وهو ما بدأه أحمد الطيب زين العابدين وتبعه عزالدين ساتي, ويقف معه الجمهوريون..
(×) وما رأيك أستاذ ابراهيم؟
(=) اعتقد ان الهوية في الوقت الحاضر – بعد انفصال الجنوب – لم يبق إلا خط الشرق والغرب والشمال الى أن نصل الى جنوب كوستي وأنا من الذين يأملون أن نكون مثل المانيا ونستعيد وحدتنا مرة أخرى.. واعتقد اننا الآن كمرحلة يمكن أن نركز على السودانوية لأنها تعني الخليط من كل الشعوب الذين دخلوا السودان ومنحوه طابعاً متفرداً لعل الحساسيات التي قادت للانفصال تذوب, ومن الحسنات المتبقية ان اسم السودان لا يزال مقترناً باسم دولة الجنوب.. فالدولتين سودانيتين..

 

 

 


(×) أعود بك الآن أستاذ ابراهيم.. لأسألك عن المشهد الابداعي؟
(=) اعتقد ان الانصراف عن القراءة هو مفتاح الصورة الثقافية فعدم القراءة ضرب الكثير من الناس الذين انشغلوا بالشاشات "الجوال واللاب توب والتلفزيون", الشعر الذي تقرأه الآن على الملاحق الثقافية ضعيف جداً مقارنة بما كتبه شعراء الستينيات "صلاح احمد ابراهيم ومحمد عبدالحي والنور عثمان أبكر مثلاً" ونفس هذا الضعف ينطبق على النصوص التي تفوز في المسابقات وتطبع.. وأنا شخصياً أتمنى أن تزداد في العدد لأنني أرى أنه كلما زاد الاتجاه الأفقي كثرة من الممكن أن تخرج نصوص جيدة من بينها.. ولكن الجيد لا يزال قليلاً..
(×) دعني أجدد سؤالي عن كتابات الشباب في الرواية؟
(=) اعتقد انه ليس من الممكن للكاتب أن يكتب أشياء جيدة اذا لم يقرأ أشياء جيدة. فليس من الممكن أن تصبح كاتباً لمجرد أن طرأت على ذهنك فكرة وجلست لتكتبها.. ومن الممكن أن يكون شكلها روائي ولكنها ستفتقد للجمالية والمعنى!!
(×) أعيد عليك سؤالي مرة أخرى؟
(=) معظم النصوص التي تصدر الآن من الممكن أن أقول أنها نصوص جمالية لحد ما, ولكن من ناحية التقنية ليس لها بحر.. لأنهم لم يقرأوا .. فمن ناحية المعطي معظمها فقير..
(×) وهل رأيك هذا يشمل الجميع؟
(=) لا.. بالتأكيد لا.. هذا لا يمنع من أن أقول أن لأمير تاج السر نصوصاً ممتازة, وأيضاً المحارب القديم لحسن البكري كان نصاً ممتازاً وكذلك منصور الصويم كتب نصاً ممتازاً.. والمشكلة في اعتقادي أن هنالك من يكتبون فقط لأن لديهم المقدرة في ان يصيغوا صياغة صحيحة. وهكذا يمكننا أن نقرأ في النهاية أعمال كثيرة جداً هي بمستوى ما يكتب في الجرائد..
(×) وهنالك من يقولون – أستاذ ابراهيم – أن هذا زمن السرد وليس زمن الشعر؟
(=) لا.. لا أعتقد, لا تزال روح الاحتفالية لدى الناس كبيرة.. الجمهور الذي يحضر ليالى الاحتفالات كثير جداً.. والشعر الشعبي "قضم" كمية كبيرة جداً من الشعر الفصيح, والشعر الرصين أصبحت منابره قليلة.. ولكن الشعر الشعبي العامي الذي يأتي من البطانة ويتكلم بلغة الدوبيت, لغة حميد والقدال أخذ مكاناً مهماً جداً في الليالي الاحتفالية, اذا كانت هذه الليالي الاحتفالية رسمية أو شعبية..
(×) اذاً هذا زمن الشعر؟
(=) من الممكن أن نقول أن الشعر انشق الى جهتين, وأن الشعر الشعبي العامي أخذ معظم جماهيرية الشعر الرصين..
(×) وقراة السرد؟
(=) انفضوا.. ولا يزالون, وأنا أشك أن 50% ممن يشتروا جريدة بها ملحق ثقافي يمكن أن يطالعوا قصة منشورة فيه, "وونشة الفيس بوك أصبحت أفضل من قراءة نص قصصي"..
(×) وأسألك عن كتابات الأنثى؟
(=) اعتقد أن الصوت الأنثوي لا يزال قليلاً.. وأنا لا أحب أن تخرج لنا أحلام مستنغامي وغادة السمان, هذا النموذج لا أحبه في السودان.. وفي مسابقات جوائز الطيب صالح سبق أن فازت بنات وهذه الكتابات طالما أنها تخلو من روح تمرد "بنات بره" مثل عايدة المهدي فهذا شيء جميل, فلابد من أن تشعر بسودانية الكاتبة السودانية في تجربتها ولغتها وأن لها شيئاً تريد أن تقوله.. وعلى الأقل لن نظل نتكلم عن ملكة الدار محمد وزينب بليل وبثينة خضر مكي فقط وبالتأكيد ستأتي بنات آخريات يقدمن نصوص أفضل..
(×) أستاذ ابراهيم, ترى ماهي علاقتك بالروائيين في العالم العربي؟
(=) ليس لي صداقة إلا مع نبيل سليمان هي "صداقة خفيفة", نحن نكتب عن الكتاب العرب, ولكنهم لا يكتبون عنا, لماذا؟ لأنهم لا يقرأون نصوصنا؟!
(×) لماذا أستاذ ابراهيم؟
(=) هل أقول أننا عجزنا من تسويق كتابنا, أو أن امكانياتنا ضعيفة؟! وهل من المستحيل أن يقع نص لكاتب سوداني في يد أحدهم؟!
(×) هذه أسئلة.. تبحث عن الاجابة أستاذ ابراهيم؟
(=) كل الوفود التي جاءت للخرطوم.. منحناهم كتاباتنا, ولكنهم لم يكتبوا عنا, ودعني أقول لك بصراحة بأننا نحن "ناس التخوم العربية" ليس لدينا وزن عند اخواننا العرب, نحن نقرأ لهم وهم لا يقرأون لنا, نكتب عنهم لا يكتبون عنا, تجربتهم عندنا سياحية, كل من حضروا لجائزة الطيب صالح حين عادوا لبلادهم كتبوا "أيامنا في الخرطوم".. مقال واحد فقط شكر للأمانة العامة للجائزة.. لأنها منحتهم فرصة أن "يركبوا الباخرة" في النيل ويشاهدوا المناظر والمتاحف.. وهذه نظرة سياحية وغير كافية..
(×) هل يمكن أن أقول أنك راض عن تجربتك؟
(=) أنا حامد وشاكر, أن أكون "الزول" الذي أتى من قرية وساعده الله في أن يصل حتى الدراسات العليا وأن تكون لي حوالي "11" كتاب مطبوع جزء منها أكاديمي وبحثي ومقالات.. واعتقد أن مهمتي الأساسية أن أعبر عن بلدي الوسيع, واستميح القاريء أنني حين خاطبت مؤتمر الطيب صالح الأخير كنت واحداً من بين ثلاث سودانيين من ضمن ستة أجانب, كانت تلك لحظة فريدة في حياتي, لأنني كنت أعبر بمستوى البلد, مستوى الثقافة, مستوى فهم الناس لما كتب العالم..
(×) ابراهيم اسحق الآن رهن نفسه للبحث العلمي؟
(=) أكيد.. لماذا؟ أقول لك, معظم الكتاب الذين أعرفهم اهتموا بالبحث الأكاديمي أو البحث الثقافي العام في شبابهم, وحين وصلوا للستينات وما بعدها انشغلوا بالمجال الجديد وأصبحت كتاباتهم الابداعية قليلة..
(×) وكيف نفسر ذلك؟
(=) أولاً لأنني ما عدت أرتاد البيئة التي كانت تمنحني الإلهام بنفس الستوى الذي كنت ارتادها حين كنت شاباً.. وثانياً أنا الآن في الخرطوم, المدينة لأكثر من "40" سنة قضيت منها كم وعشرين سنة مغترباً, لا تزال نظرتي لهذا الواقع نظرة بحثية أكاديمية أكثر منها ابداعية..
(×) هل نفسر أكثر؟
(=) أنا الآن فوق الستين, وأفكر أن أكتب أشياء تكون مسك الختام, لذا فمن الصعوبة أن يكون كل ما أكتبه عمليات ابداعية, ت.س إليوت مثلاً نصوصه الشعرية الجيدة كانت في فترة الشباب ثم بعد ذلك انشغل بالنقد الأدبي, وهنالك غيره, وأنا أسعى لأن لا يكون تعبيري عن هذا العصر ابداعياً فقط ومحلي, لأن الانتماء للعالم يكون انتماء استيعاب وإفصاح عن تجربتك في العالم.. وليس مجرد عابر..!!