أنانيات العالم الكبرى في مواجهة الكورونا فيروس.
أنانيات العالم الكبرى في مواجهة الكورونا فيروس. واسيني الأعرج ما يثير الانتباه هو مواجهة الصين لفيروس الكورونا الوبائي، وحدها، وحيدة بدون معين، وكأنها استحقت ذلك، وعليها أن تدفع ثمن ما اقترفته يداها، مع أن التحاليل تذهب إلى المزيد من التريث والتأمل. لم تحرك الإنسانية
أنانيات العالم الكبرى
في مواجهة الكورونا فيروس.
واسيني الأعرج
ما يثير الانتباه هو مواجهة الصين لفيروس الكورونا الوبائي، وحدها، وحيدة بدون معين، وكأنها استحقت ذلك، وعليها أن تدفع ثمن ما اقترفته يداها، مع أن التحاليل تذهب إلى المزيد من التريث والتأمل. لم تحرك الإنسانية العظيمة، التي تدافع جيدا عن حقوق الإنسان بمختلف الجمعيات التي تشتغل تحت مجهر القوى العظمى، ولا تعرف كيف تدافع عن حق الإنسان في الحياة قبل الديمقراطية. لم تحرك لا دولة صديقة ولا غيرها، أصبعها الصغير عندما كان الفيروس في بداياته، وكأن الضرر بعيد عنها ولن يصيب إلا الصين وحدها، ويبقى الفيروس حبيشا هناك حيث لا أحد غير الصينيين، وليس هنا، في مطاعمنا، ولباسنا وأكلنا وشربنا وهواتفنا، وأجهزتنا البيتية. كل العيون أصيبت بالعمى الكلي والأنانية الكبيرة. مع الحد الأدني من العقل كان يفرض سلفا النظر للمسألة بوصفها مأساة عالمية تضع الإنسانية في حالة اختبارية الأولى من نوعها، وأن الصين لم تكن غلا نموذجيا مشهديا مفتوحا أمام العالم. أي تناقض هذا؟ في عالم حديث أصبح قرية صغيرة كما يقول شطار السياسة والاقتصاد والتجارة العالمية، ولكن بدون عيون. العالم أصبح حفنة يد تحمل كل شيء، ليس فقط السلع والتبادلات، والمناطق الحرة، والبيع والشراء، ولكن أيضا انتقال الأمراض التي لا تعرف الحدود، وأكثر سرعة من السلع، وهذا ما لم يتنبه له تجار العالم الذين صنعوا حدودهم للاغتناء والمال، ونسوا الباقي. وبدل مد يد المساعدة ليس دفاعا عن الصين ولكن دفاعا عن النفس، تشفى الكثيرون في الصين بوصفها الوحش الاقتصادي الذي قلل من غطرسة القطب الأحادي، وإيران بوصفها الدولة الثانية الأكثر تعرضا للكورونا، في انتشاء كلي، ونسوا بغباوة غير موصوفة أن الفيروس أصبح أقرب لهم من حبل الوريد، وبدل التفكير في المساعدة ماليا على الأقل، مادامت المخابر العربية عاجزة عن كل شيء، حتى الحفاظ على حياة الناس في حدها الأدنى، من الأمراض الفتاكة، والتفكير في إيجاد مصل يحمي من الكورونا أو من تفشيها في مرحلة أولى. واستمر التفكير البدائي والانتقامي لدرجة أن اصبح هو السيد. الغرب مرتاح في عمومه، فهو بعيد عن فيروس خطير ولم يسمع أحد للعلماء عبر العالم، الذين أدركوا منذ اللحظة الأولى أن الآتي سيكون شديد الخطورة، وربما مدمرا للعنصر البشري. فجأة ظهرت حالات خطيرة في إيطاليا، لم تنل حتى حقها الصغير في الأخبار وكأنها حدثا تافها وثانويا. فجأة حدث الانفجار وبدأ الأمر يتفشى بشكل مفجع وبدا كأن إيطاليا تحت غزو قاتل، وعليها أن تحمي نفسها بنفسها بعد أن نسيها الجيران. الكثيرون لاموها عندما وضعت الشمال (ميالانو وغيرها) احترازيا تحت الحجر. وبدا واضحا أن ما قامت به كان مهما على الأقل من أجل إنقاص تمدد الفيروس كما سبق أن فعلت الصين التي سخر منها الإعلام الغربي، وتم مرة أخرى التركيز على النظام الصيني بوصفه نظاما دكتاتوريا، يحرم شعبا ومدينة من 15 مليون من الحياة العامة، يوهان، إذ وضعها تحت الحجر، ليتضح لاحقا أن ذلك كان أفضل حل ممكن، وحافظ على أكبر قدر من حياة الناس. وأصبح الاكتظاظ في مستشفيات إيطاليا مرعبا. وتجاوز الفيروس كل الإرادات الحسنة لدرجة أن نداءات الاستغاثة التي استجابت لها أوروبا بالمزيد من الحصار والطرش والالتفات نحو الذات فقط، لم تصل أحدا. وأغلقت أغلب دول الاتحاد الأوروبي حدودها في وجه إيطاليا، من شدة الغباوة كانت الحدود جغرافية، وكأن الفيروس يحمل جوازا يمنع بموجبه من العبور؟ وعندما طلبت إيطالية الأقنعة الواقية والألبسة وأجهزة التنفس الاصطناعي التي دفعت بنقابة الأطباء إلى الإعلان أنه لم يعد في إمكانها إنقاذ الكل لهذا ستعطي الأولوية للمصابين الأقل عمرا والأقرب إلى الإنقاذ وترك الباقي، لأنها لا تملك حيالهم الشيء الكثير إلا الدعوات وانتظار الموت. فجأة بدا الاتحاد الأوروبي متخلفا كما كل الاتحادات العالمية والعربية، مجرد قواقع فارغة من أية حياة مشتركة، إذ أصبحت كل دولة تفكر في نفسها بأنانية غير مسبوقة، وكأنه لا اتحاد أوروبي ولا تضامن ولا تقاليد اقتصادية وتعاونية مشتركة، ربما كانت فرنسا في هذا السياق، هي البلد الوحيد، على لسان رئيسها، التي رافعت من أجل خطة أوروبية حقيقية لمجابهة المرض وعدم غلق حدودها الجغرافية، بالخصوص تلك المحاذية لإيطاليا. بينما انكفأت النمسا وإيرلندا وبلجيكا وبقية الدول الأوروبية، على نفسها، وتبعتهم أمريكا بحصار قاتل ضد الجميع بتوقيف الطيران من وإلى أوروبا لأنها مركز الفيروس القاتل. مستغلة الوضع الصحي لأوروبا المصابة ليس فقط بفيروس الكورونا، ولكن أيضا بوباء الأنانية، لتذلها من جديد وتنقص من قيمتها، باستثناء بريطانيا. كانت الخطوة الأمريكية هي الخطوة القاتلة التي أظهرت الضعف التضامني الأوروبي القاتل، وبينت أن الغطرسة الأمريكية تجير كل شيء لصالحها بعيدا عن كل تضامن إنساني. وفي الـ 15 مليار المخصصة لمقاومة وباء فيروس الكورونا (الفيروس التاجي) التي سحبتها من الميزانية الفيديرالية، خصصتها لولاياتها المختلفة ولم تظهر أي تعاطف إنساني مع بقية العالم. مرة أخرى مدت الصين يدها إلى إيطاليا بأطباء متخصصين في مقاومة فيروس الكورونا، كانوا في يوهان وذللوا قوة الفيروس حتى أشرف على الامحاء، وبالمعدات الطبية وأجهزة التنفس الاصطناعي التي تحتاجها المستشفيات في حالات الرعاية المشددة. أما العالم العربي، مجرد تابع، أغلق الآخرون الحدود، يغلقونها، أوقفوا الطيران يوقفونه، اعترفت الدول المتقدمة بمخاطر الفيروس الذي يجتاحها، يعترفون ببعض الحالات؟ فهل يعقل؟ عالم يعيش في عمق الموت دون أن يعيه. يعلم الله بالكوارث القادمة؟
واسيني الأعرج
باريس 14-03-2020