‎من شتات الكلام

‎من شتات الكلام  زينب الأعوج... الجزائر  ‎كأني أراني على قمة الجبل المنسي، ألم ما تشتت من الألواح وأحرف النور المنكسرة، أجوب الكهوف والمغارات، ألم شتات الكلام وما نسيه جدي من حبق وريحان وأعواد قصب وصلصال، بعدما لملم دمه والتحف خرقته واجتاز الأبواب

‎من شتات الكلام

‎من شتات الكلام

 زينب الأعوج... الجزائر 

 

 

 

 

 

‎كأني أراني على قمة الجبل المنسي، ألم ما تشتت من الألواح وأحرف النور المنكسرة، أجوب الكهوف والمغارات، ألم شتات الكلام وما نسيه جدي من حبق وريحان وأعواد قصب وصلصال، بعدما لملم دمه والتحف خرقته واجتاز الأبواب الموصدة بابا بابا وشرع الصدر للفيافي والسراب، ربما حينها صادف أبا در يسف الرمل الجارح ويتلو بعض ما تذكره من آيات في طية من طيات القلب، ربما صادف هاجر تفلق حجر الصبر، أو الحلاج يغرس آخر الأزهار على قبره المنسي ويفرش آخر الكلام في صفحة الدم.
‎هنا يفصح دمي عن جوعه عن ناره عن سره، يردد همس الرحيل الأول، يتلو ما تيسر من الجرح وما شاخ من الكلام في هزيع العمر، يقرأ طالعه في كف مثقوبة تسرب منها الرمل والنور والحلم والأحرف الموعودة للتهجي وحفظ أسرار الأولين.
‎لماذا أجوع إلى هذا الحد للفرح والجنون؟؟
‎أنكمش في دمي، وأنا أسمع هتافات من مروا على معابر الخوف والقلق وحواف الموت المحتوم، وهم يصدحون في انتظار من يعيرهم قليلا من العمر لما تيسر من الفجائع القادمة: 
‎أيها العالم، لماذا أصبحت قبرا مفتوحا كفكي وحش خرافي؟؟؟ ولماذا أصبحت مرا أكثر من الزقام؟؟؟ ولماذا أصبحت تابوتا ضيقا أكثر من اللازم؟؟؟ 
‎أيا أمة تأكل أبناءها كالقطط المفجوعة. 
‎وأيا أمة تغرف من دم أبنائها كمن يغرف طعاما شهيا ومرقا دسما.
‎الآن والآن، ألا يحق لنا أن نشك في "أنك خير أمة أخرجت للناس". ربما أخطأنا التأويل. لم يعد يهمنا إن ضيقت أبواب الجنة أو شرعت أبواب الجحيم، فتجار الموت هم هم لم يتغيروا ولم يتزحزحوا من أمكنتهم. هم أنفسهم، من حكام وسلاطين ومساحي الجوخ وأحذية أصحاب النياشين ومن نصبهم على العرش،لم ولن يكفوا عن جرح دمنا، والمتاجرة بأحلامنا.
‎دون صدى، يصرخ آخر من أقصى وأقسى منفى قبل رحيله الأخير"ماذا تركتم لنيرون أيها الطغاة يا أعداء الإنسان وأعداء الحياة"
‎تعالوا ولو لحظة نراجع تاريخنا وتواريخ ولادتنا وولادة ما سمي بأوطاننا، تعالوا نقف قليلا عند صفحات هزائمنا المتكررة، تعالوا نحاور ولو قليلا ثوراتنا المغدورة، وهل حقا تحقق يوما ما أنشدناه صغارا بحماس، "بلاد العرب أوطاني؟؟؟ موطني موطني؟؟؟ وعليك مني السلام يا أرض أجدادي"؟؟؟
‎هنا الصراط المستقيم، بأية حيلة وبأية قدرة ستجتازونه، لقد تحول نهرا من دماء ونطف وأرحام محروقة. هنا عرّش غيكم وطمعكم وجشعكم، وأنتم تلاحقون حتى أنفاسنا المرهقة والمستعصية. تتاجرون بالله وبأسمائه الحسنى. أنتم، أيها السماسرة الجدد، يا من تبيعون أنفاسنا قطرة قطرة بالمزاد.
‎تعالوا، واجهوا عيوننا وقلوبنا ونبضنا. تعالوا، ننصب المرآة على حواف حدودنا الوهمية ونرى انعكاساتها الحقيقية على واقعنا المزيف أو القريب جدا جدا من الزيف. أصبحنا نمر سريعا ونمضي وكأن الحياة ليست لنا والحلم ليس لنا والحب ليس لنا والعشق ليس لنا. لا فجر لنا ولا وشوشة عصافير. لا شروق ولا غروب لنا. ولا أناشيد يخطفها حمام زاجل. 
‎من حقي الآن إذن أن أطالب بدم أجدادي من هابيل إلى آخر السلالات الساقطة ظلما أو حقا عند بوابات أوطاننا المتهاوية. أنا الآن جاهزة للثأر لكل جداتي من حواء إلى آخر امرأة سحلت ورجمت وشنقت. أنا الآن جاهزة لأقتلع عيون كل من عبثوا بأجنتي.. كل أجنتي