عتبات النص و تحرير الذات في رواية "آماليا"

عتبات النص و تحرير الذات في رواية "آماليا" للكاتبة مناهل فتحي دكتورة.. مواهب ابراهيم اتناول رواية (آماليا ) للكاتبة والشاعرة (مناهل فتحي ) وهي روائية وشاعرة سودانية من مواليد مدينة عطبرة ، بدأت الكتابة في عمر مبكر

عتبات النص و تحرير الذات في رواية

عتبات النص و تحرير الذات في رواية "آماليا"
     للكاتبة مناهل فتحي

دكتورة.. مواهب ابراهيم  

         

 

 

 


 اتناول  رواية (آماليا ) للكاتبة والشاعرة (مناهل فتحي ) وهي روائية وشاعرة سودانية من مواليد مدينة عطبرة ،  بدأت الكتابة في عمر مبكر، ثم ارتقت سلم الرواية بروايتها الأولى ( آماليا ) ثم (شيكونغونيا )، والقصة القصيرة بمجموعة (نهر يختنق ) صاحبة خمس قصائد ضمن ( أجمل عشرين قصيدة نسائية في السودان ) الكتاب الصادر عن المركز الثقافي العالمي بالخرطوم 2003 م ، لها مشاركات عديدة بالمهرجانات داخل وخارج السودان ، لها ديوان شعر(أوجاع النساء ) و (كأنه هو ) ، نشرت قصائدها  في الصحف السودانية وبعض الصحف والمجلات الخليجية . حازت هذه الرواية التي نحن بصدد مناقشتها  (آماليا) على جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها رقم (21)في العام 2018م- بالمركز الثالث.
أولا :الأدب النسوي أو النسائي:
لقد كان لحضور الرواية النسوية الأثر البارز في الساحة الأدبية في الوطن العربي عموما ً حيث إزداد الاهتمام بهذا الـأدب النسوي في النصف الثاني من القرن العشرين ، ويعود ذلك لحضور بعض الحركات النسوية المؤثرة التي جعلت المرأة موضوعاً للمساومة بين الثقافة الذكورية والحركة الاجتماعية  التي أفرزت مطالب كثيرة عن حقوقها ومكانتها ودورها كفاعل اجتماعي وثقافي،  مما أدى إلى تبلور مجموعة من الاتجاهات تبنت قضية المرأة على الصعيد الاجتماعي والسياسي والثقافي. جاء التعبير النسوي في الرواية والقصة وحقول إبداعية أخرى ، ردا على ذلك الإقصاء الذكوري في استخدام المرأة الكتابة كوسيلة لإثبات الوجود وردا للاعتبار النفسي الذي فرضه عليها الرجل ؛ لم يكن الأدب يوما من الايام وقفا على الرجل دون النساء  غير أن أديبا ما سواء أكان رجلا أم امرأة سيكون أقدر من غيره على تصوير جوانب من الحياة بحكم معرفته الحميمة والخاصة بها. فقد عرفت مسيرة الأدب أديبات لهن إنتاج مميز وأسهمت المرأة في مجال السياسة والولاية والقضاء والقصة والتعليم والرواية والشعر والنثر وكل مجالات الحياة . و النساء هن القاصات الأوليات في التاريخ من خلال قصص الأمهات والجدات مما أكسب المجتمع الفكرة الأولى عن عنصر النثر والأفكار الأولى عن الحب والشجاعة والتضحية، ومنذ ألف ليلة وليلة فقد برهنت شهرزاد أن لكل من الرجال والنساء تأثير القصة ومدى فاعلية السرد فيها فقد تمكنت شهرزاد من انقاذ بنات جنسها من هذا العنف الجسدي.  لكن مازال الجدل قائما بين الأدباء والدارسين حول طبيعة الأدب النسوي،  وهل هو الأدب الذي تكتبه المرأة وحدها ؟ أم يجور أن  يحتسب الأدب الذي يتبنى التعبير عن هموم المرأة أدبا نسائيا حتى وإن كان الذي يكتبه أو يبتدعه من الكتاب الذكور ؟ أم تتسع الدائرة لتشمل - فضلا عن ذلك-  الأدب الذي يتوجه به  كاتبه إلى المرأة باعتبارها قارئة للأدب، تتلقاه وتتفاعل معه ، وتتجاوب لما فيه من الأفكار والأساليب الجمالية والفنية ؟
وقد عرّفت  / ماري ايجلتون الأدب النسوي :   هو الأدب الذي يسعى للكشف عن الجانب الذاتي الخاص في المرأة بعيدا عن تلك الجوانب التي اهتم بها الأدب لعصور طويلة خلت" (خليل:2007م،ص3) وقيل هو ( الأدب الذي يكشف بوضوح عن اهتمامات المرأة بذاتها ) وقالت هيلين سيكسوس:   ( هو أدب ذو لغة خاصة هي لغة المرأة التي اكتسبتها منذ الطفولة) . (نفس المرجع والصفحة ).

 

 

 


 فقد أثار مصطلح الكتابة النسوية العديد من التساؤلات المفاهيمية والاصطلاحية في الأوساط الثقافية ،بوصفه مصطلحا جديدا لافتا للنظر، ذا طبيعة جمالية تنبعث من خصوصية حياة المرأة الذاتية وعلاقاتها الاجتماعية ،حيث خرجت المرأة انطلاقا من هذا المصطلح من عصر الحريم المحجوب إلى عصر القلم ناشدة الحرية .  والسؤال الذي يطرح نفسه هل يوجد فعلا أدب مميز يحمل سمات الرجولة ؟ يقابله أدب آخر يصدر عن المرأة يحمل مميزات الأنثى ، تتجلى فيه خصائص الأنوثة على مستوى معنى ومبنى الموضوعات المطروقة ؟؟؟؟؟؟؟
أما عن حركة الأبداع النسوي  في السودان فهنالك الكثير من الكاتبات السودانيات اللاتي لا يمكن تجاوز تجاربهن التي واكبت المستجدات في الساحة الأدبية والثقافية العربية  مثل ملكة الدار محمد التي نشرت روايتها (الفراغ العريض ) 1970م، وهي تشبه رواية السيرة الذاتية ثم كتابات سلمى الشيخ سلامة والاستاذة زينب بليل والاستاذة بثينة خضر وملكة الفاضل ،وآن الصافي ،وسارة  الجاك  وغيرهن ممن عطرن الساحة الأدبية بروائعهن الأدبية.
جاءت رواية "آماليا " لمناهل فتحي كنموذج رائع للكتابة النسوية أو النسائية ،أو الأنثوية الحداثية  في الأدب السوداني الذي يزخر بكثير من التجارب الرائدة . حيث نبع اهتمامنا بدراسة العتبات النصية في الرواية، وذلك لأنها تشكل أهمية عظمى في قراءة النص والكشف عن مفاتنه ودلالاته الجمالية، وهذه العتبات تخلق لدى المتلقي انفعالات ورغبات تدفعه إلى الولوج إلى أعماق النص.   وتعرف العتبات "  بالنص الموازي أو التناص وهي عبارة عن كل الإشارات والعبارات التي تغلف النص من الخارج والداخل .
عتبات النص ومداخل الفصول:
والنقطة الأولى التي تنطلق منها دراستنا للرواية  هي العنوان : باعتباره نصا موازيا فهو سلطة النص وهو الذي يمهد اللقاء الأول بين القارئ والنص  ، وكانه نقطة الافتراق  حيث صار هو أخر أعمال الكاتب ، وأول أعمال القارئ ( القذامي 2006 ، 265 ).
ومنه تبدأ عملية التفكيك والتأويل في المقاربة , جاء عنوان الرواية باسم (آماليا ) العنوان الجاذب الذي يثير تساؤلات القارئ ، فالعنوان له صلة وثيقة بمضمون الرواية وكما رأينا ذلك  حيث يحيلنا مباشرة إلى الشخصية المحورية التي تدور حولها أحداث الرواية ، "أنا أبحث عن "آماليا" امرأة هجين تندس بين المستحيل والممكن في حياد وتعلن تناصها مع أحلامي ،حد تطابق النقاط التي ليست على الحروف" (الرواية-107)   وآماليا:  هو الاسم الذي أطلقه خالد عبد الحق على زوجته (غفران ) ويعبر به  عن حبه واعجابه بها قال خالد عبد الحق  ( لم أكلم غفران أبدا عن نتاليا ولم تسألني  لماذا يروق لي أن اناديها آماليا  الاسم الذي اعتمدته لتوقيع أعمالها المنشورة على الفيس بوك ) وفي مقطع آخر من الرواية على لسان غفران  :  (تسلم أياديك ملولتي هكذا هو يحب أن يناديني بأسماء ليس لها علاقة باسمي ناداني بآماليا  لسنوات ثم ملولتي الذي هو اسم الدلع لآماليا لا يهم فقد أحببت هذا الاسم أو بالأحرى أحببت إنه يدللني ) ( الرواية من 176 ) .
وغير ذلك جاء الفصل العشرون من الرواية بعنوان "آماليا " فالعنوان يحكي كثيرا من تفاصيل المتن ويشرحه.
والعتبة الثانية:  بعد العنوان هي الاستهلال حيث جاء فيها  (حين لا تحب المكان غادره فأنت لست شجرة ) ( الرواية  ص2 ) من كلمة جيم رون"،  وهي دعوة للتحرر والانطلاق في الفضاءات الرحبة .
العتبة الثالثة : وهي الاهداء الذي لا يأتي اعتباطا بل يكون مدروسا  وموجها للذات المقصودة مباشرة وذلك من خلال اختيار العبارات والكلمات فقد جاء الاهداء موجها إلى ثلاثة :
 أولا:  إلى(  الكلاب وقد غادرت المدن)  وهي جزء من  قصيدة وردت في متن النص :
(الكلاب تركوا البشر  .....   غادروا المدن   ........    بحثا عن أصدقاء جدد .... في ظلمات الغابات  ) الرواية -195) .ختمت بها الكاتبة روايتها  وهي كذلك تدعو للانعتاق والتحرر .
ثانيا :  إلى ( خنفساء كاباكوف) : وهي عبارة عن لوحة علقتها الكاتبة على جدار مكتبها بالمجلة التي تعمل بها، واللوحة عبارة عن خنفساء ضخمة ملونة تشبثت بورقة خضراء رسمها الفنان الروسي ( ايليا كابا كوف )  وكتب تحتها أبيات من الشعر الروسي، وهي تحكي عن بطل صغير وجد خنفساء لامعة ، حاول وضعها في الصندوق الذي  يجمع فيه الخنافس ولكنها قفزت من يديه، و قالت له إن هذا آخر مكان يمكنني أن أكون فيه ، فاللوحة تدعو للحرية والانعتاق والعدل تدعو للرقة والجمال والتحدي.
ثالثا :  إلى( كل الكائنات  ماعدا الشجر) هو إهداء لكل المتحررين المتمردين على كل القيود.  فواضح إن  عتبة الاهداء جاء بعبارات مكثفة وقصيرة تدعو إلى الحرية والانعتاق والتحرر من كل القيود- قيود الرجل الذي يفرض سلطته على المرأة ، قيود المجتمع وأعرافه التي تكبل حرية المرأة باسم الشرف والعيب-  وتدعو إلى الانطلاق في فضاءات الحياة.  ، ويبدو واضحا تمرد الكاتبة على كل القيود والسلاسل التي تحاول فرض سلطتها عليها فهي ترنو إلى فضاءات رحبة وجميلة.
مداخل الأقسام والفصول باعتبارها عتبات :  قسمت الرواية إلى ثلاثة وعشرون فصلا ، تحت  عنوان  كل فصل من فصول الرواية وضعت أقوال افتتاحية مقتبسة من مقولات لمشاهير من الأدباء والشعراء العرب و العالميين والسودانيين أمثال الملكة فيكتوريا ،وليو تولستوي ، نجيب محفوظ ، محمود درويش ، الفيتوري ، جيفارا ، غاندي ، لوركا ، ابن عربي والحلاج وغيرهم .
بعض الأمثلة لعناوين  الفصول :  البتراء والاستهلال يقول (الجميع ينضج إلا أنا ) الملكة فكتوريا – الفصل الثاني جاء بعنوان :  بين دفتي الجرح والاقتباس (يجب أن تنهضي من فراشك في ساعة مبكرة وأن تقولي لنفسك كلما استيقظت ،أنا على خير ما يرام،أنا قوية سعيدة)- ليو تولستوي ، الفصل الثالث :  المشتاقة إليه والاقتباس ( لم يعد للقلب من همّ يحمله منذ دفن في التراب أعز ما كان يملكه) – نجيب محفوظ ، وهنا تحكي عن شوقها إلى والدها الذي مات وتركها في عمر مبكر.  الفصل الرابع بعنوان :  شاي ثقيل والاقتباس (ترانا هل نحتاج إلى وطن جديد أم تراه وطننا من يحتاج إلى شعب جديد) –محمود درويش-  ، وجاء الفصل الخامس بعنوان : الرحمتات والاقتباس ( الدموع لا تسترد المفقودين ولا الضائعين، ولا تجترح المعجزات. كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقا صغيرا، يتسع لأبوين، يبحثان عن طفلهما المفقود)-جيفارا ،  والدرويش، الأرملة ، المحموم، من أجل ثديها، العاشقة، الخنفساء،  ...  وغيرها إلى نهاية الرواية . وعادة ما ينطوي الاقتباس والاستشهاد المثبت في فضاء ما قبل النص على دلالات متميزة تضفي بريقا خاصا وهيبة استثنائية على الكلمات والأفكار التي تكتنف المقول فالأسئلة التي يضمرها النص المستشهد به عادة ما تشي بحساسية فنية وفكرية( اشهبون – 2009م،174) ونظرا للوظيفة الفكرية والفنية التي تقوم بها النصوص الافتتاحية  في مداخل الفصول فإن الروائي يذهب إلى عمله الابداعي في خضمها فيلجا إلى المقتطفات الشعرية أو النصوص الشاعرية لتثبيت هذا التوجه وتدعيمه قصد تقريب المسار الفني للراوي من القارئ المفترض (المرجع السابق نفسه )  .
  ومن أطرف الاقتباسات حين ذهبت الكاتبة لتجريب طريقة الاقتباس الذاتي الداخلي والمقصود به الاقتباس من خطاب لإحدى الشخصيات في الرواية   وجعله كنص افتتاحي تحت عناوين الفصول وذلك مثل ما جاء تحت فصل ( من أجل ثديها ) والقول مسند إلى خالد عبد الحق وهو الشخصية المحورية في الرواية حيث يقول (المرأة التي لا تفقد جمالها لا تطالب بحقوقها ) (الرواية - 70)  .
وجاء الاقتباس الأخير باسم الروائية نفسها حيث ورد في الفصل الأخير  من الرواية الذي جاء بعنوان:
 ( الكلاب تركوا البشر) قولها ( إن كان انتظار الأمور السيئة مؤلما فانتظار الأشياء الجميلة أكثر إيلاما لأن احتمال أن لا تجيئ يبقى  قائما لا يدحضه إلا قدومها) (الرواية - 189) جاء الاقتباس هكذا وتحته اسم الكاتبة : مناهل فتحي .
هذه فقط نماذج  لبعض الاقتباسات التي جاءت بمثابة عتبات وما يميزها إن الاقتباس الأول جاء لبعض الشخصيات في الرواية،  والآخر للكاتبة نفسها ؛ لقد صارت هذه الأستشهادات في بداية الفصول بمثابة العرف السائد سرديا في الرواية الحداثية بوجه الخصوص، حيث صار جزءا حيويا من استراتيجياتها الابداعية لغرض استمالة القارئ واستدراجه ، وسلطة غير مباشرة لتوجيه قراءة القارئ ، وتنبيهه الى عينة المقروء ، وقيمة المهيبة لاحقا) (اشهبون: 2009م، 175).
 رصدت الرواية العديد من القضايا التي تعاني منها بعض الفئات في المجتمع وخاصة المرأة وذلك بأسلوب أدبي شيّق ،وفيه كثير من الجرأة ، حيث استطاعت الكاتبة أن تبوح بما يختلج في نفسها من قضايا حساسة تؤرق كل امرأة ، وتقيد حريتها بفرض سلطة المجتمع الذكوري والعرف عليها .
ومن أهم القضايا التي ناقشتها الرواية ، والموضوعات التي تناولتها الكاتبة ،ختان الإناث وما يترتب علية من مشاكل جسدية ونفسية تؤثر في الأنثى، وهي من العادات القديمة التي كانت سائدة في وقت سابق ، ولا زالت تمارس في بعض المناطق الريفية ، فهو انتهاك حقيقي لجسد الأنثى ، فجاء صوت الساردة ينطلق من الأعماق يبحث عن الخلاص من هذا التعدي والانتهاك  ، وكأن جسد الأنثى هو الذي يتكلم بوجع عن هذه المأساة ( حاولت عمتي ليلى إنقاذي من هذه المجزرة لكنها تلقت تعنيفا شديدا من حبوبة فاطمة التي لم تكتف بي ضحية  لهذا القداس القلبي ، بل أكدت أن الكلام الفاضي الذي يذاع عن حملات محاربة ختان البنات لن يزعزعها عن العادات والتقاليد التي تحافظ على البنات وعلى شرفها)  ( الرواية- 80)
وغير ذلك من العادات والتقاليد ،والأعراف السودانية  الأخرى مثل الشلوخ  ، ودق الشفاه والعادات التي تصاحب المآتم والافراح ،  مثل رقص العروسة ، الدخان والرحمتات وبعض طقوس الطرق الصوفية ، والزار كنوع من أنواع العلاج الروحي .
تناولت الكاتبة كل هذه الطقوس عن طريق الوصف كوسيلة لا يصال رسالتها التي من خلالها توضح أن المرأة تعاني واقعا قاسيا يضغط بقوالبه وسلاسله الحديدية على بعض مجريات حياتها ، والسؤال هنا هل  استطاعت الكاتبة عبر هذا الطرح الجريء إيصال رسالتها ؟؟؟      
 وتناولت الساردة كل ذلك بلغة شعرية عالية، باحترافية عالية وتمكن من أدواتها، وقد عمدت في تصوير المشاهد السردية إلى أسلوب التكثيف في المعنى والتركيز على اللغة الشعرية و قوة المجاز وكثرة الدلالات ومن ذلك : (كم أنتي رائعة يا حبيبتي ، وأنتي تحتويني بكل انتصاراتي وهزائمي ، نفوري وإقبالي ، جنوني وحكمتي ،زنوجتي وعروبتي ، أحبك) (الرواية- 69).
ومن أهم التقنيات التي استخدمتها  الكاتبة هي تقنية إبطاء السرد عن طريق الحذف ( حيث تسهم طريقة الحذف في تسريع وتيرة السرد عن طريق القاء الزمن الميت في القصة والقفز بالأحداث إلى الامام بأقل إشارة او بدونها ) ( حسن بحراوي :ب،ت، 156) وهو يشكل أ قصى سرعة ممكنة يركبها السرد وتتمثل في تخطية للحظات حكائيه بأكملها دون الإشارة لما حدث فيها ، وكأنها ليست جزء من المتن الحكائي (أبو الطيب –1993م،138) فقد سكت الكاتبة  عن الكثير من التفاصيل مثل خطوبة وزواج غفران فجأة ظهرت في أول يوم لها من الزواج بدون ذكر أي تفاصيل سابقة " كانت ليلتنا شموعا لكن فجرنا دموع، حاولت حقنها أو تجفيفها دون جدوي ..... لم اسمع من قبل بعروس تبكي في صباحية زواجها ممن تحب؟ ...أخبرتني إنها تذكرت ما حكاه لها والدها "كمال البدوي" عن ردة فعله يوم ولدت له بنت في مجتمع يحفل بالذكور" (الرواية-103) . وكذلك تذكر أحداثا مرت قبل سنوات تعود إليها (عشرون عاما وأنا أمني نفسي بعودته وأجدد الأمل بعد كل خيبة ) ( الرواية - 23).  حيث تسرع الحكي وتتجاوز كل تلك الأحداث السابقة .
كذلك تميزت الرواية بتعدد الأصوات والرواة فكل شخصية تناولت جانب السرد وتحكى عن أناتها وأول ما بدأ السرد بغفران  الشخصية المحورية في الرواية ، حيث استرجاع كثير من الأحداث المؤلمة في فترة طفولتها ، تحكيها بنفسها ، حيث أخذت تتحدث عن مشاكلها وما تعاني ( لماذا أقاوم وحدي والجميع يتحالفون ضدي ، ما هذه الحرب المباغتة التي لا تترك مجالا لكر ولا فرّ)  (الرواية -8 ) وفي الفصل الثاني  كذلك استمرت غفران  في السرد والحكي بصيغة الأنا عن والدها وما يدور في بيوت العزاء ( بيت البكاء) من طقوس مستخدمة كذلك ضمير الأنا ( مات أبي في بلد لم تؤمن يوما بأن العزاء يجب أن ينتهي بانتهاء مراسم الدفن )( الرواية  -31 ) ويتنوع الرواة في الرواية و يأتي الفصل السادس بعنوان "الدرويش "  الذي جاء بصوت والدها كمال البدوي ،حيث حكى تفاصيل زواجه،  وجاء فصل "الأرملة " بصوت والدتها "ثريا الفاتح"  وبعض الأصوات الأخرى مثل "طارق الحرامي" وهكذا، ...  ثم جاء ت أغلب الفصول بصوت "خالد عبد الحق"  الشخصية المحورية في الرواية الذي تحكم  في مجريات السرد إلى نهاية الرواية . فقد منحت الكاتبة لشخصياتها الحرية في تناوب  الحكي والتعبير عن أناتها .
 هنالك بعض النقاط التي يجب أن نقف عندها قليلا ، وهي : تناولت الكاتبة كثيرا من الموضوعات مما جعلها تتشتت في مسيرة السرد كثيرا ، وكذلك كان هنالك عدد كبير من الشخصيات التي لم تخدم قضية  السرد بشيء مثل شخصية"  طارق وسارة وإبراهيم وحسام"  بل قد منحت الكاتبة هذه الشخصيات مساحة وافرة في النص مما اصابته بالترهل،  وكان يمكن الاستغناء عن هذه الشخصيات والفصول التي تناولتها مثل فصل (الحرامي161-163) والفصل الثاني (كلاس اوف كلانس 181-183)  دون أن يتأثر مجرى السرد.  ولعل الساردة لجأت لذلك  لربط تجارة الأعضاء البشرية  ،بنشاط خالد عبد الحق ، وكان يمكن أن تصل لهذه النقطة عبر سطر واحد أو تداعى من قبل "خالد عبد الحق " .
إن الكاتبة مناهل فتحي لم تركز طرحها فقط على المرأة فقد تجاوزت ذلك إلى الحديث عن بعض الممارسات السيئة في المجتمع مثل تهريب وبيع أعضاء البشر وقد بسطت ذلك  من خلال الشراكة التي كانت قائمة بين " خالد عبد الحق"  في مستشفى "غود هيلث"  ود.التاج .
  لم تهتم الكاتبة بشخصياتها ذلك الاهتمام الذي يجعل الكاتب يبكي حين يفقد بطل روايته أو أحد شخوص الرواية ، و لم تخلق بينها تلك الألفة التي تكون عادة بين الكاتب وبطلة الرواية فهي حاملة أفكارها واطروحتها التي تدافع عنهما وها هي غفران التي تقول : ( أنا التي لم التفت لعبارات الهيام في شوارع المدينة المكتظة بالهائمين ،أنا التي قيدت يدي صالح الشقي ببقايا حبل الغسيل حين امتدتا للمس ورودي في أول تفتحها،  أنا صاحبة المواقف الجريئة والمنشورات المنددة بتحرشات الازدحام وتجاوزت الحواس أنا الناشطة في جمعيات نبذ العنف ضد المرأة أنا الموثقة لكل حادث اغتصاب بلغت المحاكم) (الرواية -91) فقد ظهرت غفران شخصية قوية في بداية الرواية  تدافع عن كثير من قضايا المرأة ومشاكلها ، بعنفوان الأنثى  وتمردها ، فهي الصامدة القوية ذات المواقف المتميزة ،المحبة للجمال والتحرر من قيود التقاليد والعادات السيئة ،   ولكن الكاتبة لم ترد لها أن تصمد  وتواصل بذات القوة ،فقد بدأت  شخصيتها تتلاشى شيئا فشيئا  حتى لم يصبح لها حضور حتى نهاية الرواية .  كذلك نهاية الشخصية المحورية الثانية خالد عبد الحق الذي  مات منتحرا فهي نهاية ضعيفة وصادمة جدا للمتلقيين  لا تتناسب مع شخصية " دكتور خالد  عبد الحق " الذكية النابغة التي كان من الممكن أن تغير مجريات السرد بكل قوة وحزم.
ومما تقدم يمكن القول بأن الرواية كنص أدبي ونص نثري حداثي ومعاصر ،يحمل في طياته هم الراهن،  ، ومشاكل المجتمع فهي تستطيع أن تعبر عنه، وظهر ذلك من خلال الذوات والأنوات التي تموج بها الرواية فلكل ذات وأنا حكايتها المستقلة ومعاناتها الخاصة .
كانت هذه بعض الوقفات عند رواية" آماليا"  للكاتبة  مناهل فتحي التي قدمت نموذجا رائعا للكتابة النسوية في السودان ، وفي تقديرنا  أن الكاتبة  قد تمكنت من رصد أزقة المرأة، وحواريها الداخلية ،وكشفت بعض عوالمها المتقلبة ، لأن الرواية لا يمكن أن تكون نسوية لمجرد أن كاتبتها امرأة، بل لابد للرواية التي تحمل صفة النسوية ،أن تكون معنية بصورة جزئية أو كلية بطرح قضية المرأة الجنسوي ،أو الجندري.وبما أن هذه هي الرواية الأولى للكاتبة فنتنبأ لها بمستقبل باهر في مجال السرد العربي.