باولا فتاة القطار 

باولا فتاة القطار  سيف الدين حسن بابكر : (  أنت لا تعرفها ولكنها تعرفك) ….! You don’t know her, but she knows you هذه العبارة في غلاف الكتاب ظلت راسخة برأسي لأعوام ثلاثة ..... جلست بجواري ملتصقة بي داخل عربة القطار المتجه شمالاً ....  جاء لوداعها فتى وسيم وهمس في أذنها بكلمات غير مسموعة لسواهما ..

باولا فتاة القطار 

باولا فتاة القطار 

سيف الدين حسن بابكر :

(  أنت لا تعرفها ولكنها تعرفك) ….!

You don’t know her, but she knows you

هذه العبارة في غلاف الكتاب ظلت راسخة برأسي لأعوام ثلاثة .....
جلست بجواري ملتصقة بي داخل عربة القطار المتجه شمالاً ....  جاء لوداعها فتى وسيم وهمس في أذنها بكلمات غير مسموعة لسواهما ...
تقاسم رجل بدين وزوجته التي لا تقل عنه بدانة ، تقاسما الكنبة قبالتنا .. كان ثرثاراً وقابضآ على مفاصل الحديث طيلة الطريق من الخرطوم إلى مدينتي .

عندما هبطنا في محطة القطار الأخيرة …….. إقتربت مني “فتاة القطار”.. كنتُ أحس برغبتها في التحدث معي … تحادثنا قليلاً ريثما أحصل على عربة أجرة تقلني لوجهتي ... جرأتها أدهشتني ورغبتها في أن تعرف كنهي أكثر وأكثر ... إحتفظت برقم هاتفي وكذلك نفس الشيء من قبلي … 

قصيدة “بريفير” تقتحم ذاكرتي بعد كل هذه الأعوام الطوال :

أذكرك باربرا
أنت التي لا أعرفها
وأنت التي لا تعرفينني
أذكُرك
أذكرك على أية حال في ذلك اليوم
ولا أنسى
رجلاً لاذ بدهليز محتمياً به
وصاح بإسمك
باربرا  …

بعدما يزيد على الشهر بقليل قامت بزيارة معرض لأعمالي الفنية برفقة صديقة لها ، الحضور كان كبيراً من النسوة والرجال على حدٍ سواء .. تبادلنا عناقاً مؤجلاً من شهر مضى ولكن على قصره فقد كان حاراً دافئاً وعيونها تترجم ما تنطق به دواخلها …
مازالت تجهل عني كل شيء ولكن إندفاع مشاعرها نحوي تحس بصدقها ورغبتها في تواصل ممتد ....

إجتزأت واحتازت لنفسها جزءاً من روحي…! 
أحادثها هاتفياً كل ما كان ذلك ممكناً … والدها يعود من غربة إمتدت لسنين طويلة ووالدتها أعياها العمل والكفاح لإعالة الأسرة.

طائرتي تهبط بأرض الكنانة… دلفتُ إلى دور النشر منذ أول يوم لوصولي   …

 “فتاة القطار” …..
 The Girl on the Train “لباولا هوكينز” النسخة الإنجليزية كانت قابعة داخل  
فترينة خصصت للكتب
 الحديثة ....

الرسالة وصلت إلتقطها في حينها وما هي إلا لحظات وصار الكتاب ملتصقاً على صدري قريباً من قلبي ...

“باولا” لا أعرف شيئاً كثيراً عنها سوى أنها لمعت كصحفية في مسقط رأسها زمبابوي قبل أن تختطفها دور النشر الإنجليزية وبقيت مقيمة وسطهم منذ ذلك الحين .

صورة الرواية أودعتها لهاتفي النقال وأرسلتها لفتاتي .. قلت لها بأنها الرواية الأولى لباولا بعد أن أخذتها الصحافة لخمسة عشر عاماً تباعاً ..

شيءٌ ما يربطني بتلك الرواية ، أحس بأنها مرسلة لها ولي ... ولكن فجأة تحادثني “فتاة القطار” وأنا ما زلت عالقاً بأرض الكنانة بأنها شكلاً ستصير في عصمة رجل لا يجد قبولاً قاطعاً أو رفضاً لديها ..

عند أوبتي كانت كل المراسم قد إكتملت ولم يتبقى في نافذة هاتفها عندي سوى صورة حادة الأبعاد بألوانها القوية السوداء لكتابين متجاورين يشكوان اليتم والصمت أحدهما باللغة العربية والآخر باللغة الإنجليزية يماثلان رحلة بالقطار تجاور فيها رجل وامرأة ...

سألتها عن كنه قرينها..؟ أجابتني بنبرات واضحة : 
(إنه إسكوت … Scott) !!
إسكوت من يا أنت ؟
إنه إسكوت ، زوج ميجان السابق التي صرعها عشيقها توم هل نسيت؟ لقد أوردت ذلك باولا هوكينز .. فقمت بالسعي إليه متعاطفة مع مأساته فحدث تجاذباً بيننا تلاشت فيه المسافات وتعانقت أرواحنا  !!

صمتُ بعد ذلك وحككت ذقني التي نبتت عليها شعيرات بيضاء صلبة جافة وأنا أتمتم : ..... ميجان مدفونة هناك تحت شجرة بتولا فضية ناحية سكة القطار القديمة .. شاهد قبرها كومة من الحجارة الصغيرة.. لا أحد يزعجها الآن ، فقط أصوات طيور العقعق وأصوات القطارات السريعة العابرة ، وهي تعد من داخل قبرها : 
“واحد للأسى، اثنان للفرحة، ثلاثة لفتاة فمها مليء بالدم”.