اسامة رقيعة ل(كليك توبرس)
اسامة رقيعة ل(كليك توبرس) _الكتابة محاولة للنقر على جدران الحياة بحثا عن الدهشة والخير _القانون غير بعيد عن الادب الان تشكلت مفاهيم جديدة في جميع مناحي الحياة _الجنس قدسيته في سريته واذا تكشف دون حاجة اصبح امره مبتذلا لا ينهض بفنية النص الأدبي _النقد كسول ولا يسعى الي التنقيب الحر والاستكشاف حوار : محمد نجيب محمد علي
اسامة رقيعة ل(كليك توبرس)
_الكتابة محاولة للنقر على جدران الحياة بحثا عن الدهشة والخير
_القانون غير بعيد عن الادب
الان تشكلت مفاهيم جديدة في جميع مناحي الحياة
_الجنس قدسيته في سريته واذا تكشف دون حاجة اصبح امره مبتذلا لا ينهض بفنية النص الأدبي
_النقد كسول ولا يسعى الي التنقيب الحر والاستكشاف
حوار : محمد نجيب محمد علي
يعد اسامة رقيعة من الاصوات الجديدة المميزة في كتابة القصة والرواية وقد صدرت له العديد من الاعمال التي وجدت حظها من القراءة والمتابعة من كبار النقاد داخل السودان وخارجه. من هذه الإصدارات ( ذكريات مدام س) عام ٢٠٠٠.و( أحداث منتصف النهار) و ( زهور البلاستيك) عام ٢٠٠٣. و( عبقرية لوتاه) ٢٠٠٥. و (خواطر وترحال) ٢٠١٠.و(اللحن المفقود) ٢٠١٣.و( الوتر الضائع ) ٢٠١٥ وأخيرا روايتي (مامباسوداء) و(الخروج من التابوت) عام ٢٠١٩..بجانب ذلك له العديد من المؤلفات فى مجال تخصصه في القانون والتي تعتبر من المراجع المهمة. وهو مدير القطاع الثقافي لمجلس الخبراء والعلماء السودانيين في الخارج.
التقيت به في حوار تناول العديد من قضايا الكتابة والراهن الثقافي وكانت هذه الحصيلة :
1/ نبدأ بملامح من السيرة الذاتية .. وبماذا يشى إسم رقيعة ؟
بورتسودان مدينتي التي ولدت بها من أبوين وصلا إليها من قرية طيبة الخواض غرب شندي ، ودرست هناك الابتدائية والمتوسطة والثانوية ثم التحقت بكلية القانون جامعة الخرطوم ، ولان الحياة معاش فقد سافرت الى دبي بعد فترة قصيرة من العمل القانوني بالخرطوم ، أصدرت كتبي القانونية في مرحلة باكرة من عملي المهني بالخرطوم ، وربما كان ذاك يعود لحالة الزهد والشعور بقصر الحياة ، تلك التى ظلت تلازم طفولتي وصباي وجزءا كبير من شبابي، وأظنها هي الحالة ذاتها التى دفعتني حين بلوغها أقصى حالات توهجها لكي أكتب في المجال الأدبي والروائي كحال زهور البلاستيك ، أحداث منتصف النهار ، ذكريات مدام س ، الوتر الضائع ، مامبا سوداء ، واللحن المفقود ، ثم خواطر وترحال في أدب الرحلات، وعبقرية سعيد لوتاه (في السير والتراجم)، والكثير من مقالات الرأي في القانون والاقتصاد والفكر تلك التى نشرت في الملحق الاقتصادي لصحيفة الخليج الاماراتية وجميع ذلك في ظني كان حالة من حالات الحوار مع الوجود ، وبحثا عن آفاق رحبة للذهن والروح بعيدا عن فوضى الحياة المادية .
أما أسم رقيعة فهو لقب لجدي المباشر، وسببه كما حدثني به والدى رحمة الله ، هو أن أباه حينما ولد فرحت به أمه فرحا كبيرا ، وفي فرحها ذاك كانت تلاعبه وهو في مهده ثم تناغيه على نحو ما تفعل الامهات الحنونات، وحينما شب طفلها يافعا وتأكدت من كونه هو ابنها الوحيد ، حيث أنها لم تنجب قبله ولا بعده ، صارت تناديه بعبارة ( ولدي البيرقعني وينجدني) وهي تعني انه من سيصلح شأنها حينما يكبر وأنه من سيأخذ بيدها عندما تكبر هي كذلك . وقد جاء في المعجم : رَقَّعَ أَحْوالَهُ : أَصْلَحَها ، ورَقَّعَهُ البناءَ ونحوه : دَعَمَه . وهكذا شب جدي في القرية كما ظنت به أمه بارا بها ، مفيدا لمن حوله ، يساعد المحتاج ويعين من يطلب معونته ، وقد كان محدثا بارعا وراويا مجيدا ذا حكمة ، ربما إكتسبها من تعلمه للقران ومحادثته للناس وتواصله معهم ومساعدته لهم فسار عليه لقب "رقيعة" ، وحتى الان يعرف أبناؤه بأولاد رقيعة أو الرقيعاب وموطنهم حوش الخضر بقرية طيبة الخواض غرب شندي بمحلية المتمة ولكنهم كانو قد انتقلوا لاحقا في زمن سابق للعمل بالتجارة في مدينة بورتسودان وتنوعوا في مجال الاقمشة ، والمساند وأدوات البناء والملح الطبيعي وغيره وقد حسنت سمعتهم وسط التجار وتقلدوا مناصبهم في الغرف التجارية واتحادات التجار ، غير أن جل ابنائهم وبناتهم لم يسيروا في مجال التجارة بل تنوعت بهم الاعمال كحالنا نحن فمنذ أن تقاعد والدنا رحمة الله عليه عن العمل التجاري في سوق بورتسودان الكبير لم نسلك نحن أبناءه الذكور مجال التجارة بل أخذتنا الوظيفة وتفرع بنا الاغتراب ، فأخونا الكبير عبد الماجد لازال يعمل مسؤلا محاسبيا بالمملكة العربية السعودية ، وأنا مستشارا قانونيا للشركات العائلية بدبي ، ومعتصم أصغرنا حاليا هو أختصاصي الطب الباطني بالمملكة المتحدة (بريطانيا) .
2/ لماذا تكتب ؟
الكتابة عندي كما ولو أنها حالة بحث دائم عن وجود حر ، وربما هي محاولة للنقر على جدران الحياة تنقيبا عن دهشة مستحقة وخير باق ، الكتابة عمل مرهق ولكن بها حالة من الأنس الروحي خاصة حينما تنجح في تصور عالم مواز جميل ، أو ترسم أحلاما ممكنة ومستحقة ، و كذلك حين يستغرقك الأحساس بانك كأئن نافع ومفيد وانك أضافة للحياة لا خصما معاندا لها .
3/كيف توفق بيت البحث العلمي القانوني والأدب ؟
القانون هو مهنتي وقد أحببته لأنه غير بعيد عن الأدب ، ودوما أقول أن الاداة واحدة والغاية كذلك ، فالكلمة في القانون ننصر بها المظوم ، ونحافظ بها على الحقوق ، وفي الادب نسعى بذات الكلمة من أجل استحضار الجمال في حياة الناس ، ولعلك توافقني في أن نصرة المظلوم جمال، والمحافظة على الحقوق جمال، وعلى ذات الحال يتقاطع الأدب مع المهن الأخرى كالطب، والهندسة، والاقتصاد، فالحياة هي نتاج تقاطعات ذكية بين الجمال الماديّ والجمال المعنويّ، وبين الفعل والنفع، وبين العمل والهواية .
4/ذكريات مدام س روايتك الأولى .. كتبت على لسان إمرأة .. النقاد يرون ان الرواية النسوية هي الاكثر تعبيرا عن ذات المرأة.. كيف كانت هذه التجربة وما رأي النقاد فيها ؟
"ذكريات مدام س" فكرتها فرضت نفسها على في مرحلة باكرة جدا من العمر ، ثم ألحت علي، فكتبتها ولم أسال لم جاءت بصوت امرأة تتحدث عن الحب والحياة ، ولكن ظهر لي ذلك لاحقا حينما كتب البعض عن هذه الرواية الصغيرة ، ومن بينهم المستشارة أماني عثمان حينما كتبت في صحيفة الديمقراطي السودانية قائلة في ختام مقال لها عن جندرة النصوص : " أدهشني الراوئي السوداني أسامة رقيعة في إحدى رواياته الصادرة والموسومة " ذكريات مدام س" لقد أبدع "رقيعة" في تلك الرواية التى كتبها في قالب ذكريات لفتاة ما قد تكون أي فتاة وهي "س" على النحو المطلق الذي يدل على أية فتاة، وفي الرواية رسم "رقيعة " لوحة إبداعية حتى ظننا أنه متخفٍ تحت ظل تلك السيدة المجهولة "س" لشدة قربه منا ومن أحلامنا نحن النساء ومن طموحاتنا، كانت أحداث الرواية تظهر لنا ثم تمتزج، فنراه مرة أنه هو (أي رقيعة)، ثم أخرى نرى فيه أنفسنا، ففيها نستشعر حالة الطفلة جوانا ثم فتيات يافعات ثم متزوجات ثم أمهات، لقد تدرج بنا "رقيعة "في الحب بخطى أنيقة وواثقة حتى استقرت أقدمنا مع روحه هناك في القمة، وملأ روحنا حبا بتلك الرواية حتى فاض وتناثر على (جميعنا) فأحببنا مدام "س" وأحببنا الكاتب أسامة رقيعة وأحببنا الحياة وكذلك أنفسنا .
والواقع انا أؤمن بأن المرأة هي الاكثر أحساسا بالحياة ، ويكفي أن أبونا آدم ما شعر بنعيم الجنة الا بعد ان خلقت له حواء ، فهي من تحس بالحياة اكثر عنا وهي من تمنحنا الذائقة لكي نشعر بالحياة ذاتها أيضا وربما لذلك استلفت صوتها .
5/ العالم العربي الان يفارق عصر تكاد تكون فيه القضايا قد استنفدت الحلول الممكنة بعبارة أخرى إن عالمنا العربي أمام مشكلات جديدة اجتماعية ومعرفية وأدبية وبالتالى يحتاج إلى أدب جديد تكتبه أقلام جديدة تعالج هذه القضايا. ففى رأيك كيف ستكون ملامح هذا الأدب؟
حتى قبل عشرة سنوات كانت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية في كل العالم تسير ببطء فلا نستطيع تبين اشكالاتنا العربية على نحو دقيق، أما الآن فقد استبان حجم الفارق، وتشكلت مفاهيم جديدة في جميع مناحي الحياة من حولنا، كل ذلك سينعكس على طرائق المعالجات والتناول بالضرورة، منذ فترة طويلة كنت أسال ما فائدة كل هذا العدد الكبير من الإصدارات الجديدة والكتب والروايات والمجلات الثقافية ومعارض الكتب في حين أن إنسانيتنا لا تزال في مأزق، قديما كنت أتصور أن الأديب هو نصف نبي، وربما هو أحد التصورات التي دفعتني للكتابة، على أية حال فإن صوت المثقف في عالمنا العربي يجب أن يكون عاليا، نقيا ومتجردا من الأهواء الشخصية، لقد جاء في المعاجم القول: ثقَّف الشيءَ أي أقام المُعوَجَّ منه وسوّاه، ثقَّف الإنسان يعني أدّبه وهذبه وعَلَّمه، وثقَّف المعوجَّ يعني سوّاه وقوَّمه ،وثقَّف الأخلاق بمعنى أصلح السلوك والآداب، ومُثَقِّفُ الأَجْيَالِ يعني مُهَذِّبُهَا، مُعَلِّمُهَا، مُرَبِّيهَا، فهل ياترى كل هذه الشروحات تسند تصوراتي القديمة للأديب أم أنني كنت مخطئا، في العصر القادم نحتاج الى أقلام الأنبياء .
7/ الكتابة فى عالمنا العربي تحتاج الى نقاد من ذوي الوزن الثقيل المعرفة الاكاديمية وقدرات التذوق الجمالى الحداثوي كيف ترى هذا المشهد؟
كنت قد كتبت بعض المقالات، و شاركت بورقة في ندوة أدبية أقيمت سابقا بمعرض بيروت الدولي للكتاب ولازلت عند رؤيتي، فالنصّ الإبداعي عبارة عن كميةَ دلالاتٍ كامنة، تظهر بالقراءة، وفي القراءة يَحْضُرُ القارئُ العاديّ العموميّ والقارئ المختصّ وهو الناقد، ليكونا معا عيننا الثالثة التي نرى بها نصوصنا، غير أن الناقد المختص له دور مهم في إنماء الإبداع وازدهاره لأنه يكشف كوامن النصوص وكذلك هناتها ومحاسنها وعليه يقع عبء مسؤولية تطوير الذائقة الفنية لدى عموم القراء، والمتلقين، وحتى الكتاب أنفسهم، وإذا عدنا للمشهد العربي فإنه يوجد به الكثير من النقاد "ذوي الوزن الثقيل" كما أسميتهم، وهم لازالوا يناضلون من أجل دورهم المنشود ولكن هناك أمورا أخرى كثيرة تجعل حركتهم بسيطة ودورهم ذا تأثير محدود، فعلى سبيل المثال جميعنا في العالم العربي مشغولون حتى الثمالة بالمعايش ، إن اضمحلال الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي يؤثر كثيرا، ليس فقط على الحركة النقدية، بل على عموم الحراك الإبداعي، أنا أتمنى أن تكون هناك منح تفرغ تمنح من الدول للنقاد والمبدعين، فالحركة الفكرية والإبداعية والفنية تنهض بقيمة المجتمع والاقتصاد وهي أيضا جزء من الأمن الاجتماعي العام لماذا لا يكون لها بند في موازنة الدولة كشأن الأمن والدفاع والتنقيب عن البترول.
8/الرواية وصلت إلي إنتشار غير عادي وهنالك من يقولون بالإنفجار الروائي كمجذوب عيدروس هل يساهم ذلك في وضعها داخل إطار معرفي يساهم في النهضة الأدبية في العالم ؟
صحيح قد بلغ انتشار الرواية مبلغا كبيرا، ولكنه دون حد الانفجار، الإنفجار مرحلة إنعكاسية سلبية على المنفجر وما حوله، لكن الكثرة قد تثير التساؤل، هل الكثرة أتت لأن الرواية تمتلك رحابة احتضان أحلام الناس وآمالهم وآلامهم، فكل إنسان له حكاية في خياله يريد أن يحكيها ويوثقها، ولكن كما قلت من قبل فإن الإبداع ليس في أن يحكي الإنسان حكايته فحسب وإنما الإبداع في أن يُقنع بها، وإذا نظرنا إلى الانتشار في مجمله من زاوية انه حكاوى وتجارب مخيلة انسانية توثق ويتبادلها البشر فانها لا شك ستساهم بشكل أو آخر في دعم خبرة الإنسان عن أخيه الإنسان ولكن يظهر تحدي النهضة الأدبية في إبداع طرائق الحكي وتطويرها، وإني أرى أن التغيرات التي تكتنف العالم الآن من تسارع في الزمن وسرعة في التواصل والاتصال وتلقي المعلومة ستنعكس قريبا على طرائق كتابة الرواية وعلى جدلية مكوناتها.
9/قال عيسى الحلو أن الطيب صالح لو لم يكتب عنه رجاء النقاش ولم تترجم أعماله لما عرفه أحد ... هل تتفق معه في هذا الرأي؟
لماذا يجد الأديب خارج السودان رواجا أكثر. هل ذلك بسبب النشر أم الإعلام؟
لقد صدق عيسى الحلو، كأن السبب هو طبع التواضع المعروف به المجتمع السوداني، إن المجتمع السوداني كثيرا ما لا يتصور أن الدهشة تنبع من عنده، وأن العبقرية قد رضعها أبناؤه مع حليب الأمهات، هولا يلتفت إلى ذاته إلا بعد أن يراها لدى الآخرين، كثيرا ما نسمع الأُسر تتحدث بتعجب عن أبنائها الذين أبدعوا أو برزوا في مجالات العلم في مجتمعات أخرى قائلين "والله ما مصدقين ده كله يطلع منك أنت" والحقيقة نحن محتاجون أولا إلى أن نؤمن بأنفسنا، وثانيا إلى أن لا نكتفي بالتفكير الفردي في الشأن الثقافي وإنما علينا ننتقل إلى التفكير الجماعي فيه، وعلى صعيد آخر أدعو الإعلام العربي إلى أن يتخلى عن جفائه الواضح للداخل السوداني، فالتزاور بين الأشقاء واجب قومي.
10/أراك تتحفظ كثيرا فى حوارات سابقة معك حول الاقتراب من المسكوت عنه خاصة منه الجنس، لماذا؟
قد يأتي حديثي عنه في مقتضى الحاجة والضرورة الأدبية، ولكني لا اتخذه مقصدا مباشرا للحديث، الجنس من أنبل الأنشطة الإنسانية وأرقاها لأنه هو أيضا المعبر الذي تتولد به الحياة والحب، أنا أرى قدسيته في سريته، وإذا تكشف دون حاجة أو مقتضى أو ضرورة أصبح أمرا مبتذلا لا يسهم كثيرا في ترقية الذائقة العامة، ولا ينهض حتّى بفنيّة النص الأدبيّ .
11/كيف تختار عناوين رواياتك .هل اختيار العنوان يأتي قبل أم بعد . وهل يعتبر العنوان هو العتبة الأولى للنص ؟
الأغلب عندي أن يتولد الاسم ويفرض نفسه علي في السياقات الأولى لكتابتي للنص وأحيانا قبل البدء في الكتابة، ومن النادر أن يكون ذلك بعد كتابة النص، لأن الاسم بالفعل هو العتبة الأولى للنص وقد يمتزج بوحي الفكرة ذاتها وقد يلوح لها من بعيد، بل قل: الاسم هو أفق من آفاق فهم النص الأدبيّ.
12/ روايتك الأخيرة مامبا سوداء كيف تلقاها النقاد ؟
لقد اندهشت أنا من حظ هذه الرواية، لقد وجدت رواجا منذ إعلان الناشر لخبر صدورها، وبعد أن وقعت النسخة الأولى بمعرض الشارقة الدولي للكتاب وصلتني العديد من الكتابات حولها من الخليج والسودان وبيروت وتونس والقاهرة والمغرب ثم منذ أيام قلائل كتب عنها الاستاذ والأديب الكبير عيسى الحلو مقالا نقديا مشجعا إذ ذكر في معرض مقاله أنها روایة تغامر فی کیفیه السرد فی فصلها الافتتاحی حیث تصف لهفه "مقصود" للقاء "ملعوبه" بمشهد سینمائي صور ببراعة، وباستیهامات جمالیة باذخة، ثم ذات البراعة السردیة تتکرر فی مشهد آخر من الرواية وهو مشهد حرئق المستشفی وتصویر "مقصود" وهو یعانی من هذا الحصار القاتل "وبلا أدنى شك أن كل ما كتب عن " مامبا سوداء "من مقالات نقدية وقراءات وتعليقات أمر أسعدني وعلمني غير أنه في ذات الوقت وضع على عاتقي مسؤلية الاجتهاد، خاصة مع انشغالي الوظيفي الإداريّ وثقل الاغتراب على الكاهل .
13/ هل تقرأ للكتاب الشباب فى الخليج وفى السودان وما تعليقك على هذه النصوص؟
بالطبع أنا دائما اقتنص الوقت لكي أتابع وأعلق عبر المنصات المختلفة على نصوص الشباب، يستهويني الكثير منها، وهي نصوص تستشرف مستقبلا أدبيا واعدا لشباب سوف يستوعب التغيرات وقد نشهد تكتيكات سردية جديدة متحررة من القوالب القديمة، أليس هذا هو سمة العصر، ربما هو، وأنا أراه كذلك .
14/ مارأيك فى النقد الروائي الذى يتابع جوائز البوكر وكتارا والعويس والطيب صالح ونجيب محفوظ؟
هو نقد جيد ولكنه كسول لا يسعى الى التنقيب الحر والاستكشاف الذي يؤسس الى حراك ابداعي بالمفهوم الكلي الجمعي، إن وجود الجوائز العربية في مجالات الإبداع أمر محمود، والاعتناء بها ومرافقتها بالنقد واجب، وهو أيضا يساعد على احضار الاعمال الجيدة الى دائرة الضوء ولكن هذا لا يغني عن الحاجة الى نقد أدبي عربي حر يسعى الى الاكتشاف والى تأسيس ملامحه الخاصة، وعلى نحو ما يقول الأديب والنقاد العربي الكبير دكتور عبد الدائم السلامي بأن العالم العربي يحتاج الى نقد حصيف نابع من صميم المكون الثقافي العربي وغير معتمد بكلياته على استجلاب القوالب النقدية الغربية ومحاولة تطبيقها بشكل تعسّفي على المنتوج الإبداعي العربي.
15/أخيرا ما هو الدور الذى يلعبه الروائيون السودانيون فى المهجر العربي والأوروبي والأمريكي فى العالم بوجه عام؟
في عصر الانفتاح ربما تغيرت بعض المفاهيم كالهجرة والاغتراب كحالة من حالات البعد عن الأوطان، ولكن يظل المكان ذا أثر في الوجدان، وتظل ذاكرة الكاتب تكافح اختلاف الأمكنة بالكتابة، وتستحضر من مخزون ذاكرتها القديمة صورا عن الوطن، وكل ذلك يساعد على تجسير العلاقة بين الكاتب المهاجر ووطنه، إن النصوص التي كتبها السودانيون في مهجرهم او اغتراباتهم هي حالة من حالات حضور الذّات الجمعية في فضاء الآخر، إنها ثقافة سودانية وقيم سودانية محمولة في نصوص أدبية لها حضورها الفاعل في العاَلم ولها أيضا قدرة على أن تحكي للآخر حكايتها هي الشخصية، أي حكاية المجتمع السوداني، فهي جهد فني لرسم صورة عن السودان لمن لا يعرفه ولكن هذا الجهد يظل محدود الأثر إنْ لم تهتمّ به الدولة.