مسرحية نداء النقارة

مسرحية نداء النقارة قِراءة في ضوء النقد المكاني في توضيح المنهج: النقد المكاني هو جزءٌ من النقد الثقافي، ويؤسس قراءته على أرضية النّص ثم يختبرها بآليات ومفاهيم تاريخية، اجتماعية، وثقافية، ويدرس خطاب العملية الفنية وحدودها ومقارنتها وتداخلاتها مع بنية الجماعات العرقية، في ضوء ذلك يكون المسعى النقدي لهذه المحاولة منصباً على عرض مسرحية "نداء النقارة" ويحدد في متن الورقة مفردات المنهج والاشتغال عليها. وهي تشكل عمادهما معاً (المنهج والمسرحية)، والمسرحية من تأليف وإخراج ربيع يوسف الحسن- تقديم الورشة الجوالة، ورابطة الآداب- بورتسودان.

مسرحية نداء النقارة

مسرحية نداء النقارة
قِراءة في ضوء النقد المكاني

في توضيح المنهج:
النقد المكاني هو جزءٌ من النقد الثقافي، ويؤسس قراءته على أرضية النّص ثم يختبرها بآليات ومفاهيم تاريخية، اجتماعية، وثقافية، ويدرس خطاب العملية الفنية وحدودها ومقارنتها وتداخلاتها مع بنية الجماعات العرقية، في ضوء ذلك يكون المسعى النقدي لهذه المحاولة منصباً على عرض مسرحية "نداء النقارة" ويحدد في متن الورقة مفردات المنهج والاشتغال عليها. وهي تشكل عمادهما معاً (المنهج والمسرحية)، والمسرحية من تأليف وإخراج ربيع يوسف الحسن- تقديم الورشة الجوالة، ورابطة الآداب- بورتسودان.
ينتج المكان فرضيات لا حدّ لها في صياغة الكثير من مفردات حياتنا اليومية، فالأمكنة شأنها شأن الناس، منهم من يكون حاكماً مستبداً، ومنهم من يكون رعية وإنساناً عادياً. ومنهم من يكون (بين بين)، والصراع بين الأمكنة كالصراع بين البشر، ولك أن تستدل من العلاقة بين الأمكنة، والملوك والأسياد، والأمراء،والإقطاعين، ورجال الدين، لتجدأن العلاقة بينهم علاقة قوية، ولنا في (الملك لير) نموذجاً حياً عندما قسَّم مملكته بين بناته، ثم طُرد منها ليهيم على وجهه في شوارع المملكة، متخلياً حتى عن ملابسه، عارياً من ملكوت السلطتين الجغرافيا الروحية والسلطة، متوحداً مع رعايا مملكته، متحسسا معاناتهم:
((يا أيها البؤساء العراة، حيثما كنتم، يا من تتحملون لسعات هذه الإعصار التي لا ترحم كيف تستطيع رؤوسكم المكشوفة بلا سقوف وأجوافكم الخاوية، وثيابكم الرثه ذات الثقوب كالنوافذ.. أن تحميكم من مثل هذه الفصول...إلخ))
هيمن هذا التكوين على الجغرافيا الروحية للناس، وهو الأساس الذي شكل أدب القرن التاسع عشر وربطته مع تطور المجتمعات الإنسانية، أصبحت الجغرافيا الروحية أكثر جذرية بالمعالجات الثقافية لقضايا الإنسان التي تمت عبر استغلال الأمكنة. تمتلك الأمكنة الروحية حضورها الاجتماعي الواعي بإشكاليات التاريخ، والسياسة، والمجتمع باعتبارهم قضايا ناجمة عن التحوَّلات الفكرية، ويدرس المنهج المكاني معالجة الأمكنة مع الناس أو العكس. ولست هنا معنيُ بتاريخ العلاقة بين الناس والمكان، بقدر ما معنيُ بالدور الروحي والمعرفي الذي يصنعه المكان نقدياً في العمل الإبداعي. 
برزت هذه الأهمية مع مرحلة ما بعد الحداثة وتوظيفها الجغرافي للأمكنة المعرفية كما يقول ليفي شتراوس: ((الجغرافيا آخر قلاع المعرفة)).

عماد المنهج ونداء النقارة:
تحدد مفردات المنهج الأتي:
أولاً: حدّا الخطاب ويتضمن محوريين:
ارتكز نداء النقارة على بكائية الحادثة التاريخية الشهيرة عن مقتل الحسين وتضارب الأنباء عن مقتله، وعن إعطاء الحسن الخلافة إلى معاوية بن يزيد، ومكاتبته له أن يتولى الخلافة بدلاً منه.
أحداث بكائية ميدان اعتصام القيادة العامة وماسبقها من انتهاكات.


صورت مشهدية المسرحية في الاستهلال الحد الثاني من الخطاب بتضمنيات حالة الحزن والحروب الفوضوية ورحلة النزوح، وهي حادثة مكانية توضح أمرين: الأمر الأول مقتل الحسين، وهنا الحسين كما ورد في مصادر التاريخ تعددت الروايات حول مقتله وتشير المسرحية إلى ذات الروايات وتحددبأن أولاد الرواويس هم من فعلوا ذلك، وتورد رواية تاريخية أنه مات مسموماً من قبل زوجته، ورواية ثانية أثارت جدلاً كبيراً بين المؤرخين والإخباريين وتدرج هنا: (بلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية، وأرسل إليه المكاتبات يدعونه فيها إلى البيعة، وذلك لأن أهل العراق لا يريدون يزيد ولا أباه، ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر، أنهم يردون علياً وأولاده، وبلغت المكاتبات حتى وصلت (الحسين) وأرسل (الحسين) ابن عمه (مسلم بن عقيل) ليعرف الحقائق فلما وصل (عقيل) الكوفة عرف أن الناس يريدون الحسين، فبايعه الناس على ذلك في دار (هاني بن عروة)، ولما بلغ الأمر (يزيد بن معاوية) في الشام أرسل إليه (عبيد الله بن زياد) والي البصرة ليعالج هذه القضية، ويمنع أهل الكوفة من الخروج عليه مع الحسين ولم يأمر بقتله. فدخل (عبيد الله) وأخذ يتحرى الأمر ويسأل حتى علم دار (هاني) هي قصر (مسلم بن عقيل) وفيها تتم المبايعة، فخرج (عقيل) على (عبيد الله) وحاصر قصره بأربعة الآف من مؤيديه، فقام فيهم (عبيد الله وخوفهم بجيش الشام فانصرفوا عنه حتى لم يتبق منهم إلا ثلاثون رجلاً، وقبض على (عقيل) وحده ليس معه أحد، وأمر عبيد الله بن زياد بقتله، فطلب (مسلم بن عقيل) أن يرسل رسالة إلى الحسين فأذن له، وكتب إليه قائلاً:
((أرجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة فإن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لكاذب رأي)).
ثم قتل عقيل يوم عرفة، وخرج الحسين من مكة إلى الشام قاصداً يزيد فلقيته الخيول بكربلاء فنزل يناشدهم الله والإسلام أن يختاروا إحدى ثلاثة:
أن يسيروه إلى أمير المؤمنين (يزيد) فيضع يده في يده ولا يجب قتله، أو أن ينصرف يزيد من حيث جاء، أو يلحق بالمسلمين حتى يتوفاه الله.
واصل (الحسين أنطلاقه إلى (يزيد) فلما دنا منهم ظنوا أنه جاء ليقاتلهم لكنه حياهم وسلم عليهم، دارت المعركة بنيهم وقتل (الحسين) على يد رجل يدعى (شمر)، وهي قصة مقتل (الحسين) كما تردد ذكرها في نمط بكائئ في المسرحية كثيراً. أصبح (الحسين) حاضراً بدعوته للسلام وحاضراً فعلياً كحالة تجلي في شخصية (شبو) طيلة فترة المسرحية، وخطابه موجه نحو السلام وشخصية (شبو) نفسه أقرب في خطابها إلى شخصية (الحسين) وعُلم في تاريخه أنه رجل لا يحب الحروب مما جعله معطياً الخلافة إلى (يزيد) ألبست المسرحية شخصية (شبو) ملمح ديني أقرب إلى شخصيتي (الحسين) في مواقفه نحو السلم، وأقرب إلى شخصية (الحنين) في رواية عرس الزين دعوته نحو السلم أيضاً.
وضح الحدّ الثاني في خطاب المسرحية ميدان الاعتصام وحوادثه الشهيرة عند مطلع الفجر، والحسين وعقيل أشارت بعض الروايات أنهما قتلا فجراً، وتوضح المسرحية مقتل الحسين إنه صلى الفجر حاضراً، وكان صائماً، هنا صبّت المسرحية الأمكنة الروحية المرتبطة بالشر واسقطتها على سياق معاصر ضاربة جذوره في التاريخ السياسي، إذن استفادت العناصر الفنية للمسرحية من بكائية تاريخية ومن دعوة تحررية ناشد بها ميدان الاعتصام صوب التحوَّل الديمقراطي، مما حدا بخطاب المسرحية أن يتزامن مع الأطرواحات الحاضرة وتعقيداتها، وصارت جغرافيا المسرحية مجسَّدة للجانب الجغرافي الروحي في فضائين تاريخي ومعاصر.
ثانياً:حدّا المكان الفني للمسرحية:
حدّ مكاني ذاتي مرتبطٌ بالجغرافية الروحية، وهو حدّ فني داخلي فرضته تكونيات العرض الفنية. واستبصر عبر حقائق في السياق التاريخي، والاجتماعي والسياسي وضمنهم في محمول الشخصيات لمقتل الحسين وفض الاعتصام، وفي تنوعات أساليب الحوار بين الحكي الواقعي والحكايات المتداولة حول المقتل والثأر وتجسيد الصراعات المحتدمة بين المؤدين، إن الحدّ المكاني وضع هوية اجتماعية ذات مضمونين تاريخي وحديث.
الحدّ المكاني الممتد فضائياً خارج حدود (نداء النقارة)، امتد حتى شمل صراعات الشرق الأخيرة 2018 بناءً على الطبيعة الصحراوية في المشهدية الفنية المادية، واستدعاء تنقلات أحداث التاريخ إلى الواقع عبر لغة موحدة ومصحوبة بأسلوب سرد مروي.
ثالثاً: المألفة/ التآلف:
مثل ثبات المكان (الطبيعة الصحراوية) في المسرحية علاقة تآلف مع الممثلين إلى رؤية مؤتلفة في مكونات مختلفة، أي أعطتهم ثقافة اجتماعية تمثلت في المعتقد الشعبي في الحوار الأتي: (شويتين اللبن الأبيض بقى أحمر)، (حرّم ما فكته إلا التزمت ليها بالثأر) وشمل أيضاً إيقاعات نداء النقارة مفهومين ثقافيين ارتبطا بإعلان الحرب، والانتصار، وتمت عملية المألفة في المسرحية بثلاث مستويات:
توطين المكان كثقافة اجتماعية وضحت علاقة الشخصيات الحميمية كما ذكر عن يوم السماية ودعوة  (شمو) كملمح ديني.
توحيد آليات المنطوق اللغوي الاجتماعي ألف بينهم ثقافة عامة أصبح تنظيمها متقارباً رغماً عن تعدد حدوث أحداثيات القتل والجرائم في الكثير من مناطق السودان، التزمت المسرحية بمنطوق لغة واحدة، ونتج هذا عن انطلاق مصدرها من حادثة الحسين وفض الاعتصام والحادثتان هدفهما الوحدة.
جعلت الشخصيات المكان ضمن السياق اليومي المألوف أي قربته وأزاحوا عنه كياناته التي وضعته فيها من قبل (الإشكاليات التي أحدثها النظام البائد، وفرضه لشخصيات تنوب عن الصلح) أدخلت الشخصيات في المنظومة الأدائية الأمكنة الاجتماعية الجديدة التي انتجوها. هذه المستويات ألفت فضاء لغة وبناء شخصيات أكثر شعبية وثقافة، وهي مستمدة من الأحداث الناجمة في بئيات السودان المختلفة وتداخلت مع المنظومة الآيديولوجية بصورة أوسع أصبحت المسرحية متخلصة من القيود الآيديولوجية السياسية بالدور الذي التفت حوله الشخصيات وحددت كيانها لمقتالة الناس الهناك، أي وحدوا لحظات التآلف الاجتماعي والعيش في ظل نمط ثقافي جامع بإيقاعات النقارة في المشاهدالمتداخلة مما استدرجوا القاتل بالصلح كدليل إثبات لجريمته.
رابعاً التفضيَّ: 
هو إحداث تغيير في النمط وحدث في المسرحية هذا الأسلوب بتغير الأداء التمثيلي إلى حكي أصبحوا فيه رواة تتبعوا سيرة شخصية (الحسين) في انتقالاته وتحوًّلاته ودوره في المجتمع، وهو تتبع ناتج عن انتقالات الأفعال في التاريخ والواقع المعاصر، هذه التغييرات قيدت الحركة بمفهوم تناوبي محدود بموارد المكان(الشخصيات) وكسرها لمساحة الزمن- انتقال إلى الماضي وعودة إلى الحاضر. ساد في المسرحية تلاقي اجتماعي جعل السيرة مفضأة ومستوعبة بقدر أكبر من التحوَّلات الرمزية للحسين من شخصية إلى وطن.
خامساً الموضعة في المسرحية: 
هي الفضاء الذي ينظم محتوى الحوار ويحدد توجهاته ونتائجه، وهي جزء من بنيته الفنية ووجودها مرتهن بالتاريخ السياسي.
وخصائصها في المسرحية:
حددت نداء النقارة قضيتها وفق تمركز المراحل التاريخية، داخل هذه المراحل واجه الخطاب قضايا (صلح، اقتتال) (حزن- رقص على إيقاع نقارة).
شملت ظاهرة موضعة المسرحية قابلية لاستضافة استراتيجيات قضايا آخر شملت مواضع جديدة مثل تحالف المختلفين (المؤدين)، وكونوا عناصر مشتركة اتخذت استراتيجية شاملة ضمنت تقسيم الورثة وتعليم أبناء حسين، والإشارة إلى مؤتمرات التعليم التي عقدت- هنا إذا صحت المقارنة في موسم الهجرة- عندما انتقد محجوب مؤتمرات الحكومة عن التعليم وقال لهم (خليهم يبنوا مدارس أولاً، ويجوا يتحدثوا عن التعليم.
أساليب الحكي في المسرحية هي موضع محاكاة تامة لما حدث تاريخياً وتضمنت أخبار وقعت (مقتل الحسين وفض الاعتصام).


أخلص مما تقدم:
استندت المسرحية إلى مصدر تاريخي حيثياته بكائية مقتل الحسين وأعاد قراءتها للواقع المعاصر.
توحد خطاب الشخصيات صوب التخلص من القيود السياسية التي فرضتها الأنظمة الدكتاتورية وخص النظام البائد (الإنقاذ).
وضح تألف الشخصيات روح المكان ضمن السياق اليومي المأتلف.
حددت إيقاعات النقارة حالتي الحرب والانتصار.
التجسيد البكائي في منظومة الأداء التمثيلي.

إحالة مرجعية:
ميخائيل باختين، جمالية الإبداع اللفظي: ترجمة شكير نصر الدين، دار دال للنشر والتوزيع، سوريا 2011، ص 265.
جيل دولوز وفليكس غتاري، ماهي الفلسفة، ترجمة مطاع صفدي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب 1997.
منيب محمد البوريمي، الفضاء الروائي (الإطار والدلالة)، دار الشؤون الثقافية، بغداد، ص 23.
مقتل الحسين، موسوعة ويكيبديا.
ربيع يوسف الحسن، عرض مسرحية نداء النقارة، المسرح القومي، مهرجان السودان الوطني الدورة الثانية 2019.