المفكر المغربي الدكتور سعيد بنكراد لكليك توبرس : كثيرون يكتبون الرواية.. قليلون من يعرفها حقيقة

المفكر المغربي الدكتور سعيد بنكراد لكليك توبرس : كثيرون يكتبون الرواية.. قليلون من يعرفها حقيقة. * السيميائيات تهتم بالتفاصيل وفي التفاصيل يرقد الشيطان . * الصورة الذهنية ترتبط بالفصل بين الإدراك والتمثل. والإدراك يقتضي وجود شئ ما والتمثل استبعاد الشئ. . * الشعراء الجيدون قليلون . * قرأت ثلاثية نجيب محفوظ وكان النص يكبر معى وعندما شاهدت البطل كمال، أصابني الإحباط.

المفكر المغربي الدكتور سعيد بنكراد لكليك توبرس : كثيرون يكتبون الرواية.. قليلون من يعرفها حقيقة

المفكر المغربي الدكتور سعيد بنكراد لكليك توبرس : كثيرون يكتبون الرواية.. قليلون من يعرفها حقيقة.
* السيميائيات تهتم بالتفاصيل وفي التفاصيل يرقد الشيطان .
* الصورة الذهنية ترتبط بالفصل بين الإدراك والتمثل. والإدراك يقتضي وجود شئ ما والتمثل استبعاد الشئ. .
* الشعراء الجيدون قليلون .
* قرأت ثلاثية نجيب محفوظ وكان النص يكبر معى وعندما شاهدت البطل كمال، أصابني الإحباط.

الدكتور سعيد بنكراد، مفكر ومترجم وأستاذ جامعي مغربي .  ويعد أحد أبرز  وجوه الفكر والثقافة المغربية والعربية.  وقد رفد المكتبة العربية بالعديد من الدراسات وفي مجملها، تحكي عن مفكر موسوعة في معرفته ومستنير. اصدر بنكراد كتب تتوفر على معرفة عالية القيمة منها،( العربية رهانات التدريج. ). سيميائيات النص:مراتب المعنى، ضفاف الأمان، الاختلاف.( بين اللفظ والصورة تعددية الحقائق وفرجة الممكن.) (السيميائيات السردية.) ( استراتيجيات التواصل الإشهاري.) ( سيميائيات -الصورة الاشهارية. )السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها. )سيرورات التأويل : من الهرموسية إلى السيميائيات. وهج المعاني، (سيميائيات الأنساق الثقافية.) وفي  الترجمة، آليات الكتابة السردية -اومبيرتو ايكو.  تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي -ميشال فوكو. التأويل بين السيميائيات والتفكيكية -اومبيرتو ايكو. ويحمل بنكراد دكتوراه السلك الثالث جامعة السوربون. ودكتوراه الدولة في السيميائيات -كلية الآداب جامعة مولاي إسماعيل مكناس.  ويعمل استاذا جامعيا بكلية الأداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط. التقينا به أبان مشاركته في الندوة العلمية المصاحبة للفعاليات الختامية لجائزة الطيب صالح هذا العام. وعقب اللقاء الصورة التي رسخت في أذهاننا :ما أجمل التواضع عندما يقترن بالعلم.
الخرطوم -كليك توبرس -عامر محمد أحمد -محمد نجيب محمد علي.  

 

 


 
*لم يعد تعريف الأدب كما كان في السابق، تعريفات كثيرة تجعل مدلول الكلمة مختلف من تعريف لآخر، التعريف المفتوح ساهم في إدخال أنماط كتابة من الصعب نسبتها للأدب ولكنها تنسب إليه؟
*من أصعب الأنواع في مجال الفكر أن نقدم تعريفا ما، سواء أن تعلق بالأشياء أو الظواهر، أو حتي القطاعات الفكرية التي نشتغل بها، ولكن مع ذلك سأترك جانبا هذه التعريفات القديمة عن الأدب. ويمكن أن نرده بسبب  (جنسنته)إلى فن من فنون القول التي تتعلق بإيداع النصوص، تتطور على هامش اللغة النفعية  الموجهة أساسا، لتسمية أشياء أو بتدبير شكل فني، فالنصوص لها قواعد ، في جملة هذه القواعد،  أنها  يجب  أن  تكون مقصولة عن الابحاءات الإبداعية المباشرة إنها تبنى في المتخيل، تبني في منطقة تكفف فيها مجموعة القيم التي يعيش بها الناس دون أن يدركوا ذلك.

 

 


*هناك تعريفات جديدة تظهر في دنيا الأدب وتكاد تاخذه نحوها، مع إغفال أي قاعدة لتعريف، مسميات متعددة، قد تصل إلى أبعاد الخيال وموقعه من كتابات ارتبطت به ولاقيمة لها دونه؟
*مجرد ماتذكر هذه التعريفات البسيطة من البعض، وهل هناك علاقة بين الأنواع، ولكن أنواع صافية وغيرها، فإن هذا أمر يدعو  إلى نقاش طويل.

 


*الخيال؟
*يبدو لي أن التعريف الأول أو ماقلته قد يتضمن فكرة الخيال، لأنه عندما تفصل الكلمة عن محددها المرجعي، بمعنى تلقي بهآ في منطقة أخري، جزء كبير من ذاكرتها، جزء من شحنة درايتها، يبني من  منطقة تخيليية بمعنى أنك من خلال أدب، توسع ذاكرة الكون، تفصله عن المعطي المباشر عن مايحدد الكائن، ككائن من أجل الوجود إلى كائن من أجل المعنى، المعنى لايبنى على مستوى الإحالة المرجعية ولكن على مستوى بناء عوالم داخل الخيال وعندما أقول الخيال ماذا أعني به!
*ماذا تعني به؟
*استحداث علاقات جديدة بين الأشياء، بين الدوائر، بين الكائنات، هذا هو الخيال بمعناه ولأنه له علاقات فيزيائية وعلاقات منطقية في العالم، لا أستطيع أن اقول بأنني ساطير من هنا إلى هناك، ولكنني على مستوى اللغة يمكن أن اقول "طرت فرحا "والاحالة الأولى أنا مشدود إلى مرجعية محددة. وفي الحالة الثانية، (لا ) أنا اتجاوز محدوديتي، كأنا تتحقق، لكي أبني لنفسي عالما والجأ إلى الخيال لكي أستعيد حريتي التي فقدتها، وأنا أمشي في الأرض. كلما حاولنا أن نبني أو نفصل اللغة عن محدداتها المباشرة المرجعية، كلما حاولنا أن نفعل ذلك، أستطعنا أن نبنى شيئا آخر، غير موجه للإبلاغ المباشر  ولكن موجها  إلى  خلق متعة عند المتلقي.

 

 


*أحيانا تكون الصورة زائفة؟
بالتأكيد، أنا أتحدث الآن في العموم، ولست أمام الفصل بين الرديء والجيد. لا، هذا موضوع آخر، ولكن المبدأ العام الذي يحكم العملية الإبداعية، عملية الكتابة في حد ذاتها، مثلا هناك الكثير من يكتبون الرواية،ولكن القليل من يعرف الرواية حقيقة.
*في ورقتك التي قدمتها في المؤتمر العلمي المصاحب للفعاليات الختامية لجائزة الطيب صالح بعنوان "الافتراضي بديلا عن الواقع في زمن العولمة "ذكرت "أن الرغبة هي المنتجة للصورة "؟
*الرغبة هي منتجة للصورة بمعنى عندما يميزون ما بين الحاجة و ما بين الرغبة ، فإذا كنت أنا الآن أشعر بالجوع، هذه حاجة مباشرة، يمكن أن تتحقق، بأن آكل هذا، ولكن يمكن أن تؤجل، إذا أجلت، إذا رجعت إلى الخلف، معناها تحولت إلى رغبة، عندما تتحول إلى رغبة، تخلق سلسلة من الصور على مستوى البناء الذهني، بمعنى أنه  مابين أن تخلق سلسلة استيهامات تبني استنادا على حاجات فعلية ولكنها لم تتحقق أو تحققت بصورة ما.

 


*أحيانا الصورة الذهنية التي ترسمها في خيالك تأتي  عكس ماتخيلت وقد تصل إلى مرحلة أبعادها عن الصورة القديمة لها في خيالك؟
*أعطيك مثال، إذا حاولت أن أقرن بين شيئين، بين قراءتك لرواية، أنت تقرأ رواية افتراضا، أنا دائما أعطى هذا المثال  (نجيب محفوظ )  انا قرات ثلاثية محفوظ، قرأتها مرارا وتكرارا، بل اكثر من ذلك كنت "أكبر  " مع النص، والنص كان يكبر معي عندما شاهدت الممثل  الذي يجسد شخصية  (كمال عبدالجواد )شعرت بنوع من الخيبة، لأن النص كان مفتوحا، كان كل مرة يمنحني واجهات متعددة، أما الفيلم فرض على صورة، هذه الصورة هي الصورة البصرية التي لاتستنسخ، ولكنها تعيد بناء مايمكن للعين أن تأتي به.
*صورة ذهنية؟
الصورة الذهنية يربطونها عادة استنادا إلى الفصل ، مابين مانسميه الإدراك ومانسميه التمثل. الإدراك يقتضي وجود شئ ما، هنا والآن، أراه بالعين. التمثل على عكس من ذلك يقتضي استبعاد الشئ، فأنا أقف أمام جبل شئ ولكن استحضر الجبل شئ آخر. أنا أمام الجبل محاصر، العين لاتستطيع فكاكا من الشئ الذي تنظر إليه، ولكن عندما استحضرهم، استحضر الانفعالات وجدان اللحظة التي وقفت فيها، الأشياء التي لم تكن موجودة ولكن فقط اضافتها الذاكرة من عندها لكي تخلق مزيدا من المتعة.

 


*في ورقتك وضعت الافتراضي بين الواقعي والمتخيل؟
*نعم وضعت الافتراضي بين الواقعي والمتخيل، وحاولت أن أفصل  مابين الافتراضي ومابين المتخيل.
والمتخيل هو فضاء تخزن فيه كل الرغبات، كل الأحكام، كل الاستيهامات. وأنت شاعر عندما تكتب شعرا وتخلق علاقات جديدة. والافتراضي يحاول أن يوهمك بأنك أمام الواقع، وعندما تدخل ترى الصورة، ترى الغابة والطرق، ترى الناس وأشياء كثيرة وكأن العالم استنسخ أو وضع أمامك، ومايسمونه في اللغة العربية "أفقي "ويعنى فضاء أفقي فقد الأبعاد و استوعب ضمن زمنية حاضرية أو الزمن الحاضر أو اللحظة الأبدية، وكأن الزمن الذي كان سلسلة من تراكمات لحظات انفصل وتحول إلى "كومة" لايتحدد إلا من خلال اللحظة التي تعاش في الفضاء الافتراضي. أنت عندك صورة  وأنا كنت في الندوة أعطيت مثالا، ونحن صغار كنا نتعرف على العالم شيئا فشيئا، كانت الأم أو الوالد، يشدنا من اليد ويضعنا أمام البحر، أمام الغابة،  الكلب  والبقرة وغيرها، الآن طفل عمره ثلاثة سنوات أو أربعة، يرى مارأيناه نحن في اربعين سنة أو خمسين

 


*هذا الكم الهائل من الصور   يتسبب في مشكلة لهذا الطفل؟
*المشكلة أن تفاعله مع العالم الخارجي انتهي، لأن الصورة تأتيه، تحضر أمامه في حين من قبل كنا نحن نذهب إلى الأشياء.
*ألا يؤدي هذا الكم الهائل من الصور إلى تنشئة صحيحة وصحية للطفل؟
*بل خطأ كبير، وأنا متشائم جدا في هذا الأمر، والمثال كانت الأم تخرج من المنزل لأن أبنها يلعب الكرة وتأخر دخوله المنزل، الآن العكس تماما، الأم تشد أبنها من اليد وتخرجه خارج المنزل لكي يلعب في الشارع، العكس تماما لانري العالم بالعين المجردة لانستمتع به.
*هل سيصل الإنسان إلى عزلة؟
*في الندوة قلت كلمة، لقد حرمنا النت من أن نكون وحدنا، حين اوهمنا أننا لن نكون وحدنا. أن تكون وحدك ليس شئ خطأ، بالعكس الآن نحن  (متصلون)مع الآخر، هو لايراني وأنا لا أراه، نعتقد أننا جميعا ولكن وحدنا، أنت تتحدث مع عشرين من قارات ولكن جالس لوحدك، ماتقوله ليس حقيقة، والوجه الذي كان اليفا أمامك، الذي كان يمنحك دفئا مباشرا  اختفى.

 


*عزلة كاملة أو تحجر المشاعر الإنسانية بين الناس؟
*أخطر من ذلك، نحن نختار أصدقائنا  على الفيسبوك، عندما يغضبك شخص أو يزعجك تقصيه من (حسابك)الحياة عكس ذلك، جارك أو صديقك، يؤثر فيك تكرهه أمامك، نحن على الفيسبوك  (نصفي الواقع ). الفكرة الثانية أيضأ على الفيسبوك، أنا أكتب نصا واستمتع بهذا النص، واضعه في الفيسبوك وانتظر!  إذا لم تأتيني  (لايكات)سأشعر بالغضب والحزن.
*تأثير الصورة في خلق وعي زائف للإنسان؟
*اعود بكم إلى  (الإشهار ) أو ماتقولونه بالإعلان، إعلانات أو إشهار عندنا كله مبني على صور مزيفة، كل الصور التي تبني في مستوى الإشهار هي صور المقصود منها تحويل لرغبة بحيث إن المنتج الصورة التي تراها في الواقع ليست سوى ممر نحو عالم آخر أو رغبات أخري، فكل الصور هي صور مزيفة. نجد المصور  (توسكاني)من شركة  (بنتون) وهي شركة كبيرة ايطالية للثياب الجاهزة، كان يقول (مانعرضه عليكم هو صور فقط، أما البضائع فهي في المخازن )فنحن إذن لانشتري بضائع، نشتري صور عندما نشاهد صورة نعتقد أن المنتج هو هذا! وكل المبررات البعدية والتي تبدو لك عقلانية هي في واقع الأمر محاولة لإقناع نفسك أنك أنت من قرر شراء هذا المنتج وليس الصورة التي كانت معلقة هناك.
*على ماذا يقوم مبدأ الإشهار أو الإعلان؟
*يقوم على مبدأ اساس هو تعطيل عمل الفكر ولكي يأتي يجب أن أقود المستهلك إلى السوق يشتري ولكي اقوده اقوده وانجح في أن اضعه في السوق يجب أن اعطل آلية التفكير عنده بالموسيقى والصورة التي تتحكم في الانفعالات، أما المفاهيم في اللغة فهي مفاهيم.
*مشهد النقد الأدبي المغربي؟
*لازالت هناك حركة نقدية تواكب الأعمال التي تصدر، ربما ليس بالشكل المطلوب عموما.
*الشعر المغربي؟
*قد أكون لم أهتم كثيرا بالشعر، اهتممت بالفكر والسرد والصورة إلى غيره، ولكن كما في المغرب والوطن العربي كله، الشعراء الجيدون دائما قليلون. المغرب فيه شعراء  (جيدون) وهناك متوسطون،  وناشئون يحاولون أن يكتبوا تجربة ما.
*السيميائيات-( علم الإشارة اوعلم العلامات أو علم الدلالة ) في الوطن العربى؟
*صعب جدا الحديث عن سيميائيات في الوطن العربى، وكنت في الجلسة الفكرية ضمن فعاليات ختام جائزة الطيب صالح ذكرت بأننى اهتم بالتفاصيل. السيميائيات تهتم بالتفاصيل ودقائق الأمور، نحن في العالم العربي من افريقيته إلى آسيته، ميالون إلى الأحكام العامة، مثل قضايا الأمة والفكر وكذا وكذا. الإنسان يجب أن يعرف من سلسلة المبدأ الذي يعتنقه او يظهره، ولا إلى قناعة بها تفاصيل حياته اليومية. وفى التفاصيل يرقد الشيطان، هذا الشيطان هو ماتهتم به السيميائيات.
*الطيب صالح، شئ آخر، الطيب صالح كانت روايته موسم الهجرة إلى الشمال ولا أدري ماذا حدث في العالم العربي ،  كانت  مقررة في الجامعة المغربية  وانا لازلت احفظ مقاطع من هذه الرواية البديعة وكان عندنا في الذاكرة المغربية طيبان، الطيب صالح و البروفيسور عبدالله الطيب، انا لم أدرس عليه ولكن الأساتذة والطلبة ترك لديهم أثرا لم يتركه أستاذا غيره. 
*محمد الفيتوري؟ 
* لازلت أذكر اليوم كأنه الأمس، وكان قبل 6سنوات أو اكثر  أقامت  مدينة صغيرة اسمها (تمارة ) حفل لتكريم الفيتوري، وكان مريضا جدا رحمه الله، وجلس وأخذت الكلمة وتحدثت عن الفيتوري وصرخ صرخة لن أنساها أبدا. وتوفي ودفن في المغرب الذي أحبه.
* زيارة  السودان؟
*كنت مترددا واقول لكم السبب،  الرحلة طويلة. وأنا سعيد بهذه الزيارة سعادة لاتوصف، جاري في العمارة سوداني، ودائما أقول أن الشعب السوداني من أطيب الشعوب ولي أصدقاء سودانيين وبين المغرب والسودان وشائج وعلاقات قديمة ومحبة.