كوني جدّة و اصمتي..

كوني جدّة و اصمتي.. اسيا رحاحلية.. الجزائر  " عشرون عاما يا كتاب الهوى و ما زلت في الصفحة الأولى".  قالها نزار.  لو أنّ امرأة كتبتها لرُميت بالفجور، و جاز فيها تقطيع أصابعها و رميها فوق قمم الجبال للنسور الجائعة.   ذات مساء جميل صدحت الست “خدني في حنانك خدني.. عن الوجود و ابعدني”. فتندّر عليها الشيخ كشك: “امرأة في الستين تقول خدنى فى حنانك خدنى؟.. يا شيخة ربنا ياخدك”. 

كوني جدّة و اصمتي..

كوني جدّة و اصمتي..

اسيا رحاحلية.. الجزائر 

" عشرون عاما يا كتاب الهوى و ما زلت في الصفحة الأولى". 
قالها نزار.
 لو أنّ امرأة كتبتها لرُميت بالفجور، و جاز فيها تقطيع أصابعها و رميها فوق قمم الجبال للنسور الجائعة.
  ذات مساء جميل صدحت الست “خدني في حنانك خدني.. عن الوجود و ابعدني”.
فتندّر عليها الشيخ كشك: “امرأة في الستين تقول خدنى فى حنانك خدنى؟.. يا شيخة ربنا ياخدك”. 
و أخذها ربنا، و أخذه أيضا. ( لا يمكنني سوى الجنة أن أرجو لهما الجنة)
طبعا لا يجوز لامرأة في الستين أو الخمسين ! 
ما الذي يجوز لامرأة في الخمسين سوى تحضير المخلّل و المعجون و الاهتمام بالأحفاد؟!
يفترض بامرأة في الخمسين أن تجمع أحلامها في سلة واحدة و تعلّقها خلف باب المطبخ ، ثم تفتح النافذة و تسرّح العصفور الوحيد المتبقي لديها في قفص الأمنيات. لا يجب أن  تحاول الركض خلف فراشات الحلم بل عليها التركيز على  كيفية الزحف نحو كهف الستين بطريقة لا تدمي ركبتيها.
يفترض بامرأة في الخمسين أن لا تكون أنا.
امرأة في الخمسين، عليها أن تتعلّم كيف تخنق النكتة و تطفئ وهج الضحكة، أن تعلن الحكمة و الهدوء و الرزانة. أن تتشّح بالوقار . طبعا لا تطلي أظافرها، و لا تظلّل أجفانها بالألوان، و  تنسى الكعب العالي و تنسى اختراعا اسمه أحمر الشفاه. ترتدي من الثياب عباءة واسعة سوداء، أما حقيبة يدها الصغيرة البراقة الملوّنة فلتتخلّص منها، و تستبدلها بحقيبة كبيرة، يستحسن أن تكون من قماش و بلون باهت، ستحتاجها لتحمل دواء الضغط و السكري و رضاعة الحفيد !.
على امرأة في الخمسين أن تنام باكرا،و تكتفي من التلفزيون بمشاهدة البرامج الدينية خاصة فتاوى شمس الدين الجزائري و أفلام الكارتون.
 " عندما يكبر الأولاد ستجدين الوقت لنفسك" .
هل هناك أمّ لم تسمع هذه الأغنية؟
 و يكبر الأولاد و تحاول الخمسينية الالتفات لنفسها فتجد أنّها محاطة  بالأحفاد و يكون عليها أن تتشكّل لكي تتلاءم مع الدور، دور الجدّة، هذا إذا لم تكن مستعدة له تبعا لشخصيتها و مزاجها و ظروفها.. تتشكّل يوما بعد يوم إلى أن  تقترب بشكل مثالي من صورة الجدّة  في حكاية " ذات الرداء الأحمر" !
حدّثتني صديقة أنّ ابنتها، و هي تطرق الباب لكي تترك الرضيعة لديها و تذهب إلى العمل، قالت لها "لهذا خلقت الجدّات ". 
" هكذا إذا؟ من الغد خذي ابنتك لروضة الأطفال ! " قالت الصديقة.
طبعا لا البنت فعلت و لا الجدة كانت ستوافق.
لحظة غضب عابرة فقط.
عندما وصل صديقاتي خبر قدوم حفيدي ، قالت لي إحداهن" صديقتنا فلانة قالت لي أخبري آسيا أن تتوقّف عن صبغ شعرها. لقد أصبحت جدة".
  قالتها مازحة، طبعا.
الغريب أنّي فعلا لم أعد أطيق صبغ شعري و فجأة أصبحت أحب اللون الرمادي !
ماذا يعني أن تكوني جدة؟ سُئلت.
لا شيء سوى مزيد من الحب.
الآن و قد انتهيت من كتابة هذا النص، قرّرت أن أترك جانبا كل الكتب و أقرأ " امرأة في الخمسين"  لهيفاء بيطار.