رواية عمارة يعقوبيان ثنائيات الواقع والمتخيّل   أبو طالب محمد

رواية عمارة يعقوبيان ثنائيات الواقع والمتخيّل   أبو طالب محمد ظفرت عمارة يعقوبيان للروائي علاء الأسواني بشهرة واسعة في فضاء السرد الروائي الاجتماعي الحديث حتى تجول فضاؤها في حقول فنية أخرى، حيث تحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني، مما أعطى متنها السردي قابلية حضور مستمر في المشهد السردي، وبجانب هذا طبعت الرواية في ثمانية طبعات متتالية مما يدل على قبولها وسط المهتمين من القرَّاء بمختلف مستوياتهم. يضاف لهذا كتب عنها ما يقارب الثمانون دراسة نقدية. يدل اسم الرواية على الاسم الحقيقي لعمارة يعقوبيان الحاضرة في شارع طلعت حرب، وقد بُنيت في عهد المليونير هافوب يعقوبيان الذي كان عميداً للجالية الأرمنية في مصر في العام 1934م. تتوسط هذه العمارة القاهرة وبقيت شاهدة على التاريخ الاجتماعي المصري الحديث في الخمسين سنة الأخيرة 1952-2000م،

رواية عمارة يعقوبيان ثنائيات الواقع والمتخيّل   أبو طالب محمد

رواية عمارة يعقوبيان
ثنائيات الواقع والمتخيّل

  أبو طالب محمد


ظفرت عمارة يعقوبيان للروائي علاء الأسواني بشهرة واسعة في فضاء السرد الروائي الاجتماعي الحديث حتى تجول فضاؤها في حقول فنية أخرى، حيث تحولت إلى فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني، مما أعطى متنها السردي قابلية حضور مستمر في المشهد السردي، وبجانب هذا طبعت الرواية في ثمانية طبعات متتالية مما يدل على قبولها وسط المهتمين من القرَّاء بمختلف مستوياتهم. يضاف لهذا كتب عنها ما يقارب الثمانون دراسة نقدية.
يدل اسم الرواية على الاسم الحقيقي لعمارة يعقوبيان الحاضرة في شارع طلعت حرب، وقد بُنيت في عهد المليونير هافوب يعقوبيان الذي كان عميداً للجالية الأرمنية في مصر في العام 1934م. تتوسط هذه العمارة القاهرة وبقيت شاهدة على التاريخ الاجتماعي المصري الحديث في الخمسين سنة الأخيرة 1952-2000م، وتشخص الرواية تشخصياً صادقاً للأحداث التي حدثت حقيقة في مصر. وتتطرق الرواية إلى التحوَّلات الكثيرة والمتتابعة التي شهدها المجتمع المصري، إضافةً إلى وقوفها على تغير الأفكار والسلوكيات تحديداً ما بعد حركة الانفتاحات الحديثة في المجتمع المصري.
بسطت الرواية على مسرح أحداثها نماذج واقعية ومتخيلة لشخصيات تمثل الدافع الأساس في تحريك مستويات الحدث السردي، بمعنى أن شخصياتها الواقعية والمتخلية لعبت أدواراً بطولية مختلفة في دقة تفاصيلها الاجتماعية، مثلت روابط اجتماعية متداخلة وهي عبارة عن روابط ثنائية تشكل علاقات اجتماعية تحمل تفاصيل الحياة الخاصة والعامة معاً.
لعبت الشخصيات روابط اجتماعية فيما بينها وهي روابط ثنائية تشكلت عبر العلاقات الاجتماعية وما يربطها من أواصر مصالح خاصة. حيث نلاحظ بطل الرواية أو الشخصية المحورية التي تتمركز حولها ثيمات السرد كشفت أفعال الشخصيات الأخرى وما تفعله من أفعال سالبة صوب الاقتصاد والمجتمع، بهذا سجلت الرواية من خلال شخصية بطلها ((زكي الدسوقي)) ما وقع في المجتمع المصري بكل سلبياته في الخمسين سنة الماضية وما ظهر فيها من فساد وإنحلال ورشوة وابتراز، وفي أحايين كثيرة تشير الرواية إلى شخصيات واقعية عاصرت تلك الفترة.
بنى المؤلف سرديته الاجتماعية على ثنائيات لشخصيات متخيلة وواقعية، مثل شخصية ((بثينة)) المتخيلة ارتبط نشاطها اليومي بشخصيات واقعية جسدها كل من ((طلال)) و((زكي الدسوقي)) في أدوار متبانية من الممارسات الجنسية، وهي فتاة كادحة تكافح وتعمل لأجل الاستلاء على القليل من الأوراق النقدية تطفي بها متطلباتها الشخصية ومستلزمات أسرتها وتمارس أسوأ أنواع الفساد وتعتلي قمة الهرم الرأسمالي الذي لازم حياتها في العديد من مجريات الأحداث السردية، وهنا أراد المؤلف أن يُشرّح عبر شخصية ((بثينة)) الوضع الاجتماعي الواقع تحت خط الفقر، مما جعلها مطيّة وطمعاً لشهوات الكثيرين من الرجال.
ويبرز بجانب هذا شخصية ((حاتم رشيد)) في ثنائية ثانية مع شخصية ((عبده)) حيث يعمل حاتم مديراً لتحرير صحيفة تصدر باللغة الفرنسية، ويعاني منذ طفولته الباكرة من عقد نفسية تجعله يعيش جملة من الصراعات النفسية، وهي عقدة ناتجة عن عدم التربية السوية من جانب والديه. فيقرر البحث عن ذاته وعمن يعطيه حنان الأبوين خصوصاً أنه افتقدهما منذ نعومة أظافره. مما ظهرت لديه ميولاً جنسية مع أبناء جنسه والعديد من الإنحرافات الأخلاقية حتى كبرت معه رويداً رويدا.
أسس المؤلف عبر شخصية ((حاتم)) إلى لغة تخاطب مشتركة بين الشواذ من الشخصيات الأخرى، وهي لغة حصرية تمكنهم من التفاهم وسط الناس بطريقة لا يفهمها سواهم، فالشاذ السلبي يسمونه ((كوديان)) ويطلقون عليه اسماً مؤنثاً يعرف به وسطهم مثل سعاد وأنجي وفاطمة... الخ، والشاذ الإيجابي يسمونه ((برغل)) وإذا كان رجلاً جاهلاً وبسيطاً يسمونه أيضاً ((برغل ناشف))، والممارسة الشاذة يسمونها (وصلة)، وهم يتعرفون إلى بعضهم بعضاً ويتبادلون حواراً سرياً بواسطة حركات الأيدي فإذا ضغط أحدهم على يد الأخر وداعب بأصبعه معصمه أثناء المصافحة فمعنى ذلك أنه يشتهيه وإذا قرَّب الشاذ بين إصبعي اليدين وحركهما أثناء الحديث فمعنى ذلك دعوة محدثة إلى وصلة، وإذا أشار إلى قلبه بأصبع واحد فهو يقصد أن رفيقه قد ملك عليه قلبه وهكذا.. وهنا شخصّ المؤلف في سرديته عوالم المثلين في المجتمع الذي قصده وهو تشخيص لا تخلو منه الكثير من المجتمعات باعتباره ممارسة غير سوية نتجت عن خلل تربوي وما شابه ذلك.
يجسد ((طه)) ابن حارس البواب الثنائية الثالثة وكان حلمه أن يلتحق بكلية الشرطة ويحقق غاياته المتمناه، وبدوره لعب ثنائيات عِدَّة مع شخصيات أخرى حيث نجده شغوف العاطفة بالفتاة ((بثينة))، وتتركه لأنه سلك طريقاً معتدلياً ينافي طريقها ولأنه زاهداً ومترفعاً عن حياة الزخم الرأسمالي، وتربطه أيضاً علاقات وثيقة الصلة مع ((خالد والشيخ شاكر)) وهما من تنظيم الأخوان المسلمين، ثم يتأثر بأفكاهما وينضم إلى تنظيمهما. وينظمون معاً صفوفهم للجهاد، بإعتبارهم جماعة دينية تمارس نشاطها السياسي ضد سياسات الحكم السائد يوم ذاك، ويشتد صراعهم مع السلطة بتنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية، ومن ثم يقع (طه) فريسة في قبضة الأمن ويعتقل ويعذب ويغتصب وبعد إطلاق سراحه يذهب مع ((الشيخ شاكر)) إمام مسجد أنس بن مالك إلى مقابلة ((الشيخ بلال)) قائد الجماعة والمسئول عن معسكر الجهاديين، حيث هناك يعدوا أنفسهم للقتال والتفجيرات ضد من يخالف تنظيمهم، وفي المعسكر يطلب ((شيخ شاكر)) أن يتزوج من الأرملة ((رضوي)) التي توفى زوجها في إحدى الهجمات التي شنت ضده داخل منزله. وتتوطد علاقة ((طه)) ((برضوي)) ويتزوجا، وضع المؤلف أنماطاً سردية متعددة مهرت واقع حياته بالمزيد من العقبات نجد المؤلف هنا أدخل في لغته السردية خطاباً مكتوباً لرئيس الشرطة يبلغه فيه بعدم قبوله في كلية الشرطة سيادة الرئيس في ويقول:
((لقد تعبت واجتهدت حتى حصلت على مجموع 89 أدبي و استطعت بفضل من الله أن أنجح في كل اختبارات الالتحاق بكلية الشرطة فهل من العدل يا سيادة الرئيس أن أحرّم من الالتحاق بالشرطة لمجرد أن أبي رجل شريف وفقير ويعمل حارس عقار... الخ)).
عكس هذا الخطاب حياة أبناء الطبقات الفقيرة وحرمانها من التعليم في ظل نظام حاكم يفرّق بين الأرستقراطي والفقير. وهو خطاب يوضح مردود تمايز بين الطبقات الاجتماعي في المجتمع المصري، مما دعا بعض أبناء الأسر الفقيرة أن تذهب في طرق غير مستقيمة مثل الفتاة ((بثينة)) وانقيادها وراء شهواتها، والبعض منهم يذهب في طريق خواتيمه التضحية بالنفس مثل (طه وخالد) وغيرهما.
وتتمحور الثنائية الرابعة حول شخصية ((الحاج عزام)) وزوجته ((سعاد)) التي يرتبط بها صدفةً ويطلب منها الزواج بشرط أن لا تنجب منه على الإطلاق لأنه يريد أن يحافظ على مكانته الاجتماعية وسط مجتمعه بحكم أنه مرشحاً إلى قيادة مجلس الشعب ومن جانب آخر أن رفض الإنجاب موقف يدل على قدوم ابن يرثه، وتتفجر عبر هذه الثنائية العديد من الخلافات والصراعات بينه وبين زوجته نسبة لمخالفتها للشرط مع حلول آلام المخاض. ويطلب منها أن تتخلص من الحمل بواسطة الأجهاض لأن حملها يقلب عليه حياته رأساً على عقب، وترفض (سعاد) ذلك بحجة منطقية أن الإجهاض حرام شرعاً بعد أكتمال الجنين في بطن أمه ويصر هو على هذا الأمر حتى يواصلا حياتهما الزوجية في الخفاء، ومن هنا يلجأ ((الحاج عزام)) إلى حيلة يرى أنها طريق تخلص من الجنين ويذهب بها إلى المستشفى ويتفق مع الأطباء بأن زوجته تواجه نزيفاً حاداً يجب التخلص منه. بهذه الحيلة تتم عملية الإجهاض وتكتشف ذلك وتنفجر الخلافات بينهما ويقرر هو طلاقها وإعطاؤها حقوقها كاملة دون نقصان.
ويمضي الكاتب في تشكيل ثنائيته الخامسة بين ((الحاج عزام)) و((أبو حميدة)) وترجح ثنائيتهما إلى تشابهما في نواحٍ كثيرة فقد نشأ ((أبو حميدة))، مثل ((الحاج عزام)) عاملاً بسيطاً في ميناء بورسعيد ثم تضخمت ثروته في أقل من عشرين عاماً ليصبح من أكبر المليونيرات في مصر. حيث يتنافسا في انتخابات قصر النيل وفي هذا الصدد يلجأ ((الحاج عزام)) إلى حيل كثيرة تمكنه من اجتياز فوزه بالانتخابات مثل إغراه لضعفاء الناس بالقليل من المال والهدايا، واستعان في هذا الأسلوب بشخصية ((كمال الغولي)) الشخصية المؤهلة للسمسرة وأساليب الخداع مما جعله أن يطرح أساليبه الخداعية ((للحاج عزام)) بشرط أن يدفع إليه مبلغاً مالياً يضمن له فوزه على ((أبو حميدة)) ويوافق على شرطه وتكتمل الخطة ويكتسح ((الحاج عزام)) فوزه على قصر النيل.
شرَّح المؤلف بناءً على هذه الثنائيات علاقات مجتمع يعقوبيان بكل الطرق والأساليب الخادعة في استمرار وقائع حياة الحراك المجتمعي وصعود أقل الناس شأناً وأنهيار أصحاب الطبقات الأرستقراطية حيث لم يبق لهم إلا اجترار الماضي، بهذا سجلت الرواية وقائع المجتمع المصري عبر شخصيات متخيلة وواقعية شكلت تناغماً، وانسجاماً مع متخيلات سردية أخرى شملت الأمكنة، وما نتج عنها من شخصيات وليدة لحظة تظهر فجأة، وتختفي بمبررات وتترك أثرها على باقي الشخصيات الثابتة. 
التزم المؤلف في محكيات سرديته على أسلوب الراوي العليم الذي كان يدرك أدق تفاصيل الحياة للشخصيات بماضيها وجذورها وأفعال حياتها اليومية وحتى في استدعاء لحظات المحكيات الداخلية الخاصة بالشخصيات نجد الراوي يقدم الشخصية ساردة بدلاً منه، أي تبوح بما يحاط حولها من عقبات وما يختلج في دواخلها من مشكلات إلى انحراف أفعالها مثل محكية ((زكي الدسوقي)) عن ماضيه وذكرياته مع النساء، ومثل محكية ((حامد رشيد)) عن والديه وحرمانه منهما مما جعله يمارس فعل الرذائل مع أبناء جنسه، ومثل محكية ((طه)) في لحظة قراره بقتل ضابط الأمن حيث تبادرت إلى ذهنه مجموعة من الأحداث الماضية بدءاً من حرمانه من الدخول في كلية الشرطة وعلاقته مع بثينة وذكرياته في المعتقل وما واجهه من تعذيب. جميع هذه الذكريات دفعته لقتل الضابط والانتقام منه. ويستمر الراوي في كشف وقائع الحياة الاجتماعية بكل ما طوته من ممارسات مدعمة حالة الفساد والانحلال الأخلاقي الذي واجهه المجتمع السردي بصورة رامزة إلى واقعين ((متخيّل وواقعي)). بجانب هذا فتح الراوي محكيات السرد بطرق على الأبنية المكانية حيث بسرد خطبة إمام مسجد أنس بن مالك التي يدفع بها الشباب للجهاد بقوله:
((أيها الأخوة، لقد جئنا اليوم لنوقف قتل المسلمين... الخ))
ومن ثم ينتقل الراوي إلى أمكنة البارات ويبوح بما يحدث فيها من أفعال فحش قاصداً أن يجعل الشخصية الملتزمة أخلاقياً أن تقارب بين أفعال الناس في هذا العصر الإنفتاحي الذي عنته الرواية وشهدت عليه عمارة يعقوبيان في الخمسين سنة الماضية.
أسس المؤلف أيضاً إلى وحدات زمانية بالسنة والشهر واليوم والساعة وبتواقيتها الليلية والنهارية، حيث التوقيت الليلي تدور فيه أحداث الحكي بين سكان العمارة ومرتادي البارات، والحكايات النهارية سخرها إلى ممارسة الرشاوي والصفقات التجارية المبنية على أساليب الغش والخداع، مما مكن الراوي أن يتجول في أمكنة مفتوحة ومغلقة مدركاً تفاصيل ما حدث فيها من ممارسات حياتية بعضها ملتزمة أخلاقياً والبعض الأخر منها منحرفة أخلاقياً، وهي خبرة سردية ناتجة عن ذهنية المؤلف ومعرفته في سبك أسلوب السرد بطريق واقعية عاصر أحداثها، ومتخيلة نسبة إلى البناء المنطقي لمجريات الحكي.
بسط المؤلف خطابه السردي على كافة القضايا السياسية والثقافية التي مرَّت بها مصر في العقد الأخير من القرن العشرين وتزامنه مع حرب الخليج وأصبحت عمارة يعقوبيان التي شيدت في العام 1934م مرآة حقيقية لوقائع الأحداث المتداخلة والمتشابكة في نسيج المجتمع المصري عبر ثنائيات عِدَّة عكست أوجه الفساد المجتمعي الذي هدد الطبقات الاجتماعية بفقيرها وغنيها. وبناءً عليه ضمت الرواية تعدد جنسيات مختلفة من سوريين ويهود ويابانيين وغيرهم إضافةً إلى تعدد لغات السرد.
بجانب الثنائيات المزدوجة وظف المؤلف ما يعرف بالثنائيات المتنافرة التي تجمع بين شخصين يتفقان في بدايات التخطيط لتنفيذ أي فعلِ ما ويختلفان لأمر ما، وتظل الثنائية قائمة في شكلها التنافري بين مُؤيد ومعارض. مثَّل التنافر الذي حدث بين ((بثينة وطه)) في بداية حياتهما تشكلت بينهما متنافرة انتجت لغة عنف، وفي الأخر اختلفا نسبةً إلى إنضمام ((طه)) إلى تنظيم الأخوان المسلمين، لأنها ترى أن ((طه)) لا يصلح أن يكون عشيقاً لها وغير مناسباً أن تواصل معه علاقة تؤمن مستقبلهما ويؤكد هذا التنافر الحوار الأتي:
بثينة: اسمع أقول لك من الأخر حكايتنا خلصت على كده كل واحد يروح من سكة وما فيش داعي نشوف بعض تاتي من فضلك. ثم ابتسمت بغموض وقالت وهي تخطو مبتعدة:
دا أنت حتى بقيت ملتح وملتزم وأنا بلبس قصير وعريان شكلنا ما يليقش على بعض..
دفعهما هذا الخلاف سببان أولهما: معرفة (طه) بعملها مع (طلال)، وطلال هو من فتح عليها أبواب الممارسة الجنسية معه، ومن بعده (زكي الدسوقي) وهما استغلا ضعفها وفقرها مقابل جنيهات بثمن بخس.
ثانيهما: انضمام (طه) إلى تنظيم جماعة الأخوان المسلمين وهو انضمام لا يرضى طموحها المنفتح على حياة الرأسماليين الطفيليين.
وهناك أيضاً الثنائية المتنافرة بين ((بثينة وملاك اليهودي)) أتفق الأخير معها أن يسلمها مبلغاً يقدر بخمس آلاف جنيه مقابل حصولها على توقيع وهمي من (زكي الدسوقي)، ويسجله في السجل العقاري ثم يخفيه حتى إذا مات (زكي) يُظهر ملاك العقد فلا يجوز طرده من الشقة باعتباره شريكاً تجارياً للمتوفي، من هنا نشأ تفكير (بثينة) حول تغافل (زكي) وأخذ توقيعه بدون أن يشعر، لكن تكتشف أن هذا الأسلوب فيه غدر وخيانة لعلاقتها مع (زكي) وترفض طلب ((ملاك)) وتعتذر له عن تنفيذ المهمة، ويقبل اعتذارها وتظل علاقتهما محفوظة ومفتوحة إلى أن يظهر أسلوب استغلال أخر إذا استدعى الأمر. ويتمظهر فعل التنافر الثنائي بوجه أخر يجسده ((زكي الدسوقي)) وشقيقته ((دولت)) التي تكتشف بأن شقيقها زير نساء حوًّل أملاكهما العقارية إلى أماكن دعارة ونجمت بيهما خلافات حتى بلغا النيابة العامة كي تفصل نقاط الخلاف بينهما.
وتستمر الثنائيات المتنافرة بين شخصيتي ((عبده)) و((حاتم))، حيث أن شخصية (عبده) تمارس الجنس مع (حاتم)، لأنه يهوى هذا الفعل حتى أضحى هاجساً هيمن على حياته. ومن هنا قرر (عبده) أن يتوب ويتخلى عن هذه الممارسة لأنه يرى بأن وفاة ابنه ناتجاً عن ممارسته للجنس مع (حاتم)، وأنفصلا عن بعضهما بعضاً وظلت ذكريات (عبده)، تلاحق (حاتم)، من حين لآخر، وفي آخر التنافرات يظهر الحاج عزام وزوجته سعاد في خلافات مستمرة بعد عيشهما ردحاً من الزمن في كنف حياة زوجية في تنافرٍ وانسجامٍ متلازمين.
وفي ذيل الثنائيات المزدوجة والمتنافرة تأتي في الرواية بسير الشخصيات وهي سير ذاتية تدعم معرفة الرواي بالمزيد من حياة الشخصيات، مثل سيرة ((كمال الغولي)) التي تؤكد أنه نشأ في أسرة فقيرة للغاية من منطقة (شين الكوم)، في محاظفة المنوفية وكان برغم الفقر في غاية الذكاء والطموح حتى حصل على الثانوية العامة عام 1955م بترتيب متقدم على مستوى القطر وانخرط في العمل السياسي بمجرد التحاقه بكلية الحقوق... الخ
وسيرة ((زكي الدسوقي)) بأنه الابن الأصغر لعبد العال باشا الدسوقي، القطب الوفدي المعروف، الذي تولى الوزارة أكثر من مرة وكان من كبار الأثرياء وغيرهم الكثير من السير التي مهرت السرد بطابع معرفة بعوالم الشخصيات. 
تعتبر رواية عمار يعقوبيان من الروايات الاجتماعية التي كتبت في العقد الأخير من القرن العشرين وتظل علاقة بارزة من علاقات السرد الروائي الحديث، لأنها واجهت المجتمع وشرَّحت حراكه اليومي في أنماط سردية مزجت بين الأحداث الواقعية والمتخيلة.
حيث مثَّل المكان في (عمارة يعقوبيان) بؤرة انطلاق لأحداث الرواية، لأن المكان الواقعي المرتكز الفني الذي تأسست عليه مستويات الأبنية السردية، وصار هو بمثابة رحلة بدايات لمشوار كل شخصية سواء كانت متخيّلةً أو واقعية، بهذا دخلت عمارة يعقوبيان فضاء الأدب السردي الاجتماعي بكل ما يحمله من قضايا سياسية، واجتماعية، وثقافية باعتباره شاهد ومدّونٌ وراصدٌ ومعاصراً ومؤرخاً للحراك الاجتماعي الذي تكتمل دورة حياته عبر روابط اجتماعية تجمعها مصالح مشتركة، وهذا هو المبدأ الاجتماعي الذي نهضت عليه رواية عمارة يعقوبيان مما مكنها أن تضع مدونة تاريخية لرحلة مجتمع في الخمسين سنة الأخيرة لحياة المجتمع المصري.