رسالة إلى أمي

رسالة إلى أمي حميد الرقيمي... اليمن   ، هأنذا أصحو مبكراً بعد أن نمت ساعة واحدة فقط، كان أذان الفجر يسحبني من سريري إلى سجادتي الحمراء التي عليها تخشع كل تقاسيم روحي، هذه المرة وحدي في الحجر المنزلي، أبتهل بتضرع للرحمن مرسلاً الكثير من الدعوات الصادقة من أجل البشرية كلها، تحدثنا نهار أمس كثيراً، وكنت أراكِ بين الحين والآخر تحاولين معانقتي ، وهذا الأمر لم يكن يمر بسهولة على قلبي، ليتني أستطيع فعل ذلك يا أمي ، لقد مرت الكثير من السنوات، أعرف هذا جيداً، الكثير من الظروف والمناسبات ، أيضاً هذا الأمر ينخر في ذهني، ولكننّا بقينا معاً

رسالة إلى أمي

رسالة إلى أمي

حميد الرقيمي... اليمن 

 ، هأنذا أصحو مبكراً بعد أن نمت ساعة واحدة فقط، كان أذان الفجر يسحبني من سريري إلى سجادتي الحمراء التي عليها تخشع كل تقاسيم روحي، هذه المرة وحدي في الحجر المنزلي، أبتهل بتضرع للرحمن مرسلاً الكثير من الدعوات الصادقة من أجل البشرية كلها، تحدثنا نهار أمس كثيراً، وكنت أراكِ بين الحين والآخر تحاولين معانقتي ، وهذا الأمر لم يكن يمر بسهولة على قلبي، ليتني أستطيع فعل ذلك يا أمي ، لقد مرت الكثير من السنوات، أعرف هذا جيداً، الكثير من الظروف والمناسبات ، أيضاً هذا الأمر ينخر في ذهني، ولكننّا بقينا معاً أكثر قرباً وأشد إلتصاقاً، اليوم يقال بأن العالم يحتفل بعيد الأم ، لكِ أن تتخيلِ هذا السيناريو العجيب يا أمي، جانبٌ من أرواحنا تتراكم عليه توجسات الكورونا وقلق تلاشى البشرية، والجانب الآخر يفتّش عن نفسه في الإحتفال بهذا اليوم ، بينما أنا مختلف جداً، في الجانب الأول ستجديني قوياً عتيداً لا أخشى شيء، لكنني في الوقت نفسه شديد الحساسية على شعبٍ لم يعش لحظة واحدة وهو الآن على شفرات هذا الفيروس يتقافز دونما علم منه أو دراية، وفي الجانب الآخر يا عزيزتي أنا كافرٌ بكل تفاصيله، وسبق وقلت لكِ هذا ، لا يمكن أن يحدد العالم بوصلة بقعتنا المقدّسة بيومٍ واحد نعود إليها ونذهب، إنني محاطٌ بكِ دون سواكِ، كل زفرة أضعها على صدر هذه الحياة تحملكِ ومعكِ ذكريات لا يمكن نسيانها، منذ سنوات وأنا أحارب لهدفين ، أقاتل بصلابة لأمرين، الوطن وأنتِ، في سلامة الوطن سأجدكِ، وفي عناقكِ سأجدني، وبين ذلك وذاك أخوض كل معارك الدنيا دون توقف، الوطن يا أمي ، جنّة الإنسان على هذه الأرض، لا شيء يعطيني قيمة الإنتماء ونعمة الوجودة وعظمة الشعور بالذات أكثر من وطني ، ولا يمكن لأي أمر سوي سليم البصيرة والفطرة أن يغفو لحظة حاجة وطنه إليه، لهذا الأمر تركت كل شيء خلفي وهرعت مع الأبطال، لم أكن أفكر بالهوّة العميقة التي ستقف بيننا ، ولكنني الآن في الطرف الآخر أعيش لهذين الهدفين، وسأصل ذات لحظة فارقة، وستصل كل جموع الشعب وأحلامه، وهذا إيماننا الكبير يا أمي ، يجعلنا أكثر قوة وأشد صلابة، قبل قليل كنت أتحدث مع صديقٍ طيب، وفجأة وجدتني أفكر بكعك اللذيذ، هذه اللحظة تعاودني بين الحين والآخر ، ولكنّها الآن ملّحة بطريقة غير عادية، عاطفياً تأثر صديقي  وتحوّل إلى شيخٍ لطيف، يمطرني بالدعوات ويحثني على الصبر، وجدت في مواساته هذه شفقة صادقة، ولكنني هربت منها، شكرته بلطف وعدت إليكِ، حقاً يا أمي أشتقت للكعك ، لم أكل كعكاً طيباً منذ مدة طويلة، أتذكر كيف كنت أنزعج كثيراً من تزاحم قطعها على المائدة وكنت أرفض بشدة تناولها وسط إصرارك على ذلك ، والآن ما أشقاني يا أمي، ما أشد حسرتي على تلك اللحظات الفردوسية، قال لي صديقي سيأتي الفرج بعد الضيق وهذه حتمية، هل تعرفين معنى حتمية يا أمي؟ دعكِ من هذا إذاً ، قد تتسائلي كثيراً عن هروبي من ردي على صديقي ، ولكنني سأحتفظ به لكِ وحدكِ، عندما نلتقي من جديد ، ونكون على مائدة طيبة وهانئة، أنا بخير وقوي، أقول لكِ هذا دون أية مغالطات عاطفية، بخير، إلا من وجع الفقد يا أمي، وهذا لا يمكن تجاوزه البتة حتى نلتقي، ولا شك في ذلك، كونوا بخير جميعكم.