خارج المتاهة/ محمد عتيق حول *بيان بعض الإعلاميين السودانيين*
خارج المتاهة/ محمد عتيق
حول
*بيان بعض الإعلاميين السودانيين*
_______________________________
نفرٌ كريمٌ من الإعلاميين والكتاب الصحفيين السودانيين من خارج وداخل القطر أصدروا الأسبوع الماضي بياناً مؤيداً للاتفاق الإطاري .. ألاخوة الصحفيين الذين أصدروا ذلك البيان كلهم محل التقدير والإحترام ، فيهم من نعرف معرفةً شخصية وبينهم أصدقاء أعزاء.. وحسب ما ورد فيه أنه ليس مجرد بيان تأييد ولكنه قرارٌ بالتوقيع على الإتفاق الإطاري بصفاتهم الشخصية
*".... نعلن بأننا قد قررنا وبمحض إرادتنا الحرة وانطلاقاً من مرئياتنا للراهن السياسي ، وبصفاتنا الشخصية لا الاعتبارية ، التوقيع على الإتفاق الإطاري المجاز يوم ٥ ديسمبر ٢٠٢٢..."* (إذا كان الإتفاق يقضي بامكانية توقيع الأفراد عليه) ...
وامتلأ البيان بالتأكيد المتواتر على أن التوقيع عليه لم يكن موقفاً إنتهازياً ، *"... بمثل هذه القناعات ، وبفهمنا لمشاركتنا ودورنا في تجويد نصوص الإتفاق ، فإن توقيعنا ينفي عنا تهمة أننا صرنا أتباعاً أو(صحبة راكب) لمن صاغوه أو أننا نأتي لطاولة التوقيع تلبيةً لضغوطات وهمية ، أو بحثاً عن مكاسب ذاتية....."*
أهم أسباب هذا الموقف ، وكما جاء في البيان ، أن الإتفاق الإطاري :
- يحتوي على مباديء أساسية تتسق مع أهداف وشعارات ثورة ديسمبر ..
- لأنه يأتي في غياب أي برنامج بديل مُشَكِّلاً ضرورة موضوعية لوقف الدمار الزاحف ..
- وأن من أهم سبل ضمان الإلتزام بالاتفاق وتحسين شروط تنفيذه : *"تفاعل الديمقراطيين المبدئيين ، سواء بوجودهم في هياكل الحكم أو في المؤسسات الإعلامية ، فينهضون بواجبهم في كشف الحقائق وإبطال حملات التشويه والتضليل والتخوين التي تشنها الفلول وبقية قوى الثورة المضادة منتهزةً التَشَقُّق في معسكر الثورة وتفشِّي بورصات المزايدات.."*
هذا التَشَقُّق في معسكر الثورة هو جوهر الأزمة وعُقدتها الأساسية ...
بالعودة إلى الوراء ، إلى تجاربنا القريبة ، نجد أن "الانحياز لثورة الشعب" ، ورغم أنه كشعار هو الموقف الحق افتراضاً ، ولكنه عملياً (حيلةٌ) خضع لها سوار الدهب (مثلاً) عام ١٩٨٥ لحماية "إخوانه المسلمين" من ناحية ، ولإيقاف الثورة في حدود التغيير الشكلي للحكم من ناحيةٍ أخرى ، فما الذي يمنع أهم أركان النظام الساقط من أن يقوموا بهذا الدور بتكتيكات مختلفة بهدف التحايل والافلات وبالخضوع الظاهري لمتطلبات التقدم بالثورة ؟
فالأسئلة المشروعة مثل : من هم ؟ من أين أتوا ؟ ما هي علاقتهم بالثورة وما هو دورهم فيها ؟ ...إلخ ، هي التساؤلات التي ساهمت في *تَشَقُّق معسكر الثورة*، وهذا التشقق ، ورغم أن بعض أسبابه يعود إلى الضعف الضارب أطناب القوى السياسية ، هو مفتاح الحل التاريخي للأزمة : أن تتوحد قوى الثورة ، القوى التي تحمَّلت أعباء المواجهة وسدَّدت أثمانها تشريداً واعتقالاً وتعذيباً واستشهاداً منذ عام ١٩٨٩ وإلى سقوط النظام ، وليست القوى التي هي جزء من النظام الساقط أو كانت على تحالف معه حتى لحظة السقوط ، ليست بقايا لجنته الأَمْنِيَّة وصناعته (الجنجويد) (البرهان وحميدتي) وقد كانا على رأس السلطة ولا زالا ، وهما في *بورصات المزايدات* الموجودان مع حلفاء النظام إلى أن سقطوا معه ، فكيف سينهض الإعلاميون بواجب *كشف الحقائق وإبطال حملات التشويش والتضليل والتخوين .إلخ*؟ (قوى الثورة المضادة) موجودة بين أطراف الإتفاق الإطاري ممثلةً في قيادة القوات النظامية والجنجويد "البرهان وحميدتي" وفي الذين أسموا أنفسهم ب "قوى الإنتقال"
فإذا كان الدافع لقيادة القوات النظامية والجنجويد من وراء تشبُّثهم بالسلطة وانقلابهم في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ، إذا كان دافعهم الأساس هو حماية أنفسهم من المساءلات القانونية عن جرائم بشعة في دارفور ، في فض الإعتصام ، فإن ذلك الدافع لا زال قائماً ، بل هنالك جرائم جديدة متعلقة بشهداء المواجهات الشبابية للانقلاب منذ وقوعه وحتى الآن ، تنتظرهم ... فكيف لنا أن نمنعهم من الافلات ونحن في حلفٍ معهم ؟ ، كيف لهم ذلك وهم - حسب منطوق الإتفاق الإطاري - سيكونون في مجلس الدفاع الأعلى الذي تشير أغلب التحليلات إلى أنه سيتحول رويداً رويداً إلى مسيطرٍ على كامل المشهد الإنتقالي ومؤسساته إمتداداً للنظام الساقط بشعارات وأسماء جديدة ؟..
صحيح ، لا أحد يطلب من الإعلاميين والكتاب الصحفيين أن يقفوا على الحياد ، إذ ليس هنالك حيادٌ في الحقيقة ، ولكن أن يكون التركيز ، عند أداء الأدوار الوطنية ، على :
* مفهوم الإنتقال ، وأنه ، عند التنفيذ ، يعني تصفية آثار النظام الساقط وثقافته ومنهوباته ، يعني تحقيق العدالة بمحاسبة كل من أجرم في حق الوطن ، والمواطن بإنجاز العدالة الإنتقالية ، ويعني توطيد السلام خاصةً في دارفور والمنطقتين بصورةٍ مباشرةٍ تُعيد النازحين واللاجئين إلى قراهم وحواكيرهم ثم تعويضهم مادياً ومعنوياً وإعطاء مناطقهم تمييزاً إيجابياً عند وضع الخطط التنموية ..إلخ..إلخ.. وأن يكون ختام الانتقال بعقد "مؤتمر دستوري" يضم كل أهل السودان (احزاب ، نقابات ، منظمات ، قوات نظامية ...إلخ) ، يناقشون فيه أمر السودان برمته ويتفقون على دستور دائم يحتوي ثمار ذلك المؤتمر وعلى رأسها : كيف يُحكم السودان ؟ لا : من يحكمه ؟ ، اضافةً إلى وضع الأسس والإجراءات اللازمة في بناء دولة الرعاية الاجتماعية أساساً لبرنامجٍ وطنيٍّ يتوجه بقوة في الإستثمار البشري المستند على إعادة صياغة العملية التعليمية برمتها وتحقيق مجانيته والزاميته مع مجانية وجودة العلاج والصحة ...ثم صياغة قانون للانتخابات العامة تجري بموجبه وبالاستناد على إحصاءات دقيقة للسكان ومناطقهم ..
ولما كان في الأمر مواجهةً لكل الأزمات ، سواء تلك التي خلقها النظام الساقط أو القائمة أصلاً في هيكل الدولة ، فإن مهام الإنتقال تتطلب وقتاً أطول من العامين ... فبدون مثل تلك الإجراءات ستكون الانتخابات مجرد تكرار لتعبيرات الأزمة الوطنية الشاملة التي أقعدت ببلادنا طويلاً ، لأن الانتخابات ، كنشاط سياسي ، تحتاج لأموال لا تتوفر حالياً إلا لبقايا النظام الساقط وحلفاءه (قوى الانتقال) من ناحية ، ومن ناحيةٍ أخرى لا بد من إطلاق حملات ثقافية وطنية للتحرير من الولاءات الطائفية والقَبَلِيَّة والجهوية ، وللتنوير عموماً وخصوصاً في طريقة الإختيار الانتخابي القائم على أساس البرنامج والجِدِّيَّة وليس على أساس قبيلة المرشح أو طائفته أو.. أو.. غيرها من الولاءات المتخلفة السائدة الآن ..
وإذا كان موقف أغلب قوى الثورة من الإتفاق الإطاري هو نفس موقف "المؤتمر الوطني" ، فلكل طَرَفٍ أسبابه ومنطلقاته ودوافعه ، وهو تشابه لا يلغي ولا يؤجل المعركة الوطنية ، والموقف من الإطاري ومناهضته على طريق الاستقلالية الوطنية التامة بعض تلك المعركة وصفحةٌ من صفحاتها المشرقة ..
مِمَّن نستمد الشرعية ، من الثورة نفسها(شرعية ثورية) أم من الذين امتطوا صهوتها بليل ؟
15.01.2023