رواية عطبرة للكاتب الحسن محمد سعيد سؤال التنوع.. أجوبة المكان. *عامر محمد أحمد حسين.

رواية عطبرة للكاتب الحسن محمد سعيد سؤال التنوع.. أجوبة المكان. *عامر محمد أحمد حسين.

رواية عطبرة للكاتب الحسن محمد سعيد
سؤال التنوع.. أجوبة المكان.
*عامر محمد أحمد حسين. 
توطئة..
ألا ترى معي كيف تاخذ الكتابة السردية ,عند الروائي الحسن محمد سعيد صفة الاستشراف لماهو قادم دون أن تعلنه.وأن تقرأ للحسن محمد سعيد فأنت تقرأ المختلف عن السائد ،والمألوف, وتنظر إلى المتجاوز. يأتي هذا الصوت السردي العميق، من بعيد ينبه القاريء ،والكاتب ،كيفية الكتابة، وتجسير مسافة  تلاقي بين نص ومتلقي ،دون هرولة او بطء بهدوء ورزانة، ومعرفة. .إنها الواقعية المشتبكة في رهان لايخيب  مع النص المثقف، بزاوية نظر شاملة ،ومكتملة سردياً وفنياً ولغوياً. الحكاية داخل الحكاية_ والأصوات المتعددة مع ثقافة مكانية، تنظر لما هو مختلف، بأعتباره إضافة ثقافية ومعنوية لمجتمع حضاري، يتطابق شعور افراده الخاص مع احاسيس الغريب الوافد ،وينكرون ذواتهم عند الملمات. لكتابات الحسن محمد سعيد،طابع خاص ونكهة معرفية وخطوات نص  تتميز بأنها ترسم ضمن السردية الواقعية ،دوائر حية تقود إلى دوائر نشطة , ومتيقظة، معلنة عن وعي مكاني، وثقافي وسياسي . والمكان الاجتماعي والثقافي، في أبعاده المرتبطة بسلطة المجتمع والسلطة السياسية لاينسى ابداً التنوير ،وأسئلة المجتمع, عن ماهو مأزوم ويساهم في تعميق الأزمة وطنية كانت أم مجتمعية ،وأستبداد تترسخ جذوره، مع طول بقاء الجرح المفتوح..وتنطلق كتابته من معرفة وبصيرة باصرة تنفذ نحو اعماق المجتمع.والروائي "الحسن"،يقدم لنا عصارة تجاربه مع تخييل سردي نواته واقع نعيشه ،وعوالم خفية نكتشفها من ورقة إلى أخرى وهنا تتجلى محاولات الانسان البسيط لملمة جراحاته خوف المستقبل والراهن ، وتبعثر اوارق عمره في محطات أحلامه المؤودة،وواقعه التعيس، مكتمل الصورة في البؤس، جراء عنت الانظمة المستبدة. يستند الراوي على ثقافة ،ومعرفة مكانية، وينفلت عن حصار الذاتية بوضع الذات في موضع الضمير والراوي العليم .قد يقول قائل: هل يرسم السارد صورة سيرية لغلاف الذات ؟ ولكن الأجابة  للكاتب غير ذلك كما أنها   ليست بالبعيدة عن ذلك بأعتبار ان كل ابداع خيال به من سيرة الكاتب لمحة او بصمة . وما تجده يعرفك بأن الرواية "عطبرة" كمتخيل سردي، وعالم فني يجب أن يكون خالياً من حضور الروائي ومرتكز على حضوره، يتجلى الابداع هكذا عندما يمتلك صاحبه ناصيته ويحاور مع القارئ اشرعة الخلود في سفينة تمر عليها اجيال وأجيال.
*عطبرة.. سيرة.. ومدينة..
تقع رواية عطبرة في "١١٨" من القطع الصغير وقياسات الحجم تقول برواية صغيرة وملحمة سردية بمقياس الخطاب،والتاريخ الاجتماعي والانساق الثقافية، ورموز الحكاية في استطالتها وتعددها صوتياً ،في رسم مشهد  مدينة عمالية الطابع، وبؤرة للتساكن، والتصالح، ومحبة الآخر.وارتباط كل ذلك ببنى التحديث في سودان مابعد الاستعمار ومابعد الكولونيالية، في مجتمعات العالم الثالث .وحضور التخلف التنموي وصراعات الدولة الوطنية، وهشاشة الجغرافية السياسية وانعكاساتها على الأوطان. ثمة تداخلات عديدة ومتداخلة بين ذاكرة المدينة ،وذاكرة السارد وصوت الغريب أو الغريبة.إذ أن المهاجرة، والنازحة الإثيوبية ،كمثال لقبول  هذا المجتمع الصغير ،وحيويته تجدها كنازحة وهاربة ولاجئة ،ترسم صورة سردية لإزدواجية النظرة الأخلاقية ،وفق قيم المجتمع الشرقي المتجذرة في البيئة السودانية .ومقدرة السارد في الوصول إلى موقفها وموقعها مقابل الاستبداد في وطنها وفي موطن جديد فرضت عليها الحياة أن تعيش على بيع الجسد والحفاظ على اخلاق فارسة. تمثل هذه النقطة في دوائر سرد الرواية نقطة مفصلية لتبيان مايتسبب فيه الاضطراب السياسي، والديكتاتورية. وإذا نظرنا إلى مظاهر التفسخ والانحلال حسب تقييم المجتمع والأفراد في مجتمع به تماسات بين مختلف الفئات ،وتداخل المدينة والريف، فإن وصف السارد المتخيل لمجتمعه بعد أوبته من هجرة ، يشير إلى بيئة اجتماعية منفتحة بعيدة عن الترف، وتعيش على فقه السترة__ ومع ذلك تقف ضد الظلم شاهرة سيف الدفاع عن الحقوق، ومابين الحقيقة والخيال ،يتصل جوهر سؤال السارد في إطار شامل  لمآلات وطن وسيرة بسطاء جمعت بينهم الحياة ،ولم تفرقهم الفوارق الاجتماعية.ولحظة جوهرية في لجوء مطارد سياسي إلى لاجئة في بيئة لم يكتشفها من قبل...
سؤال التنوع..
يقول دكتور شكرى عزيز الماضي في كتابه" أنماط الرواية العربية الجديدة " إن تشكيل الرواية الحديثة القائم على الربط بين الظواهر وتفسيرها فنياً واستناده إلى مبدأ العلية والنمو العضوي والتماسك ومبدا الإيهام .يعني أن العالم على درجة من الوضوح والفهم وأن ظواهره ( على الرغم من تباعدها وتنافرها وتفككها وارتباكها وفوضويتها) يمكن أن تخضع للفهم والربط والتفسير والتعليل أو يجب أن تخضع لذلك. كما يعني أن أسئلة الواقع وتحدياته وازماته المنوعة يمكن مجابهتها والاجابة عنها ، أو يجب أن يحدث ذلك بكلمة أخرى إن مهمة الفن الروائى هنا تكمن في إثارة الأسئلة والإجابة عن أسئلة أخرى "١ .وفي كتابه ( صدى الذاكرة__ دراسة في جماليات المكان السردي) يقول محمد إسماعيل اللباني" لانتجاوز الحقيقة لوقلنا أن السرد ممارسة للتماسك أمام إنهيار العالم من حولنا إنه رغبة في الإمساك باللحظة الزمنية منعكسة على المكان إنه الممارسة التي نحفظ بها ذاكرتنا أمام انزياحات الزمن المتتابعة ، الانزياحات التي لاتتوقف في خارج الذات " عبر الذاكرة" لتحقيق درجة من التماسك امام متغيرات العالم من حولها ، تأتى عناصر السرد الأخرى ( الشخصيات _ الحبكة_ الصراع_ الحدث _ الوصف_ اللغة _ الحوار) كعناصر مكملة ومساعدة لتحقيق الهدف النهائي من الممارسة السردية وهى رصد مسارات الذاكرة لتحقيق التواصل الخارجي ، وهو التواصل الذي تندرج مستوياته بين الإمكانية والاستحالة إلا أن حالة الذهن تبقى هى الأقوى في قدرة الفرد على الممارسة السردية في التعامل مع الذاكرة__ويضيف اللٌباني"ففي مدونة السرد الزمني الأولى ،مدونة القرن العشرين بأمتياز مدونة البحث عن الزمن المفقود لمارسيل بروست،نجد أن الزمان الذي يخترق آلاف صفحاتها بعذوبة وبقسوة وصمود وبسيولة وبقوة وضعف ووهن وتحكم ماهو إلا ظهور مساعد ومعادل موضوعي للمستبد الاعظم: المكان.إن المكان الذي يشهد طفولة بروست، وتنفتح فيه ابتهاجاته الأولى هو الذي سيتحكم في الزمان ،سيتحكم في بروست الزماني ، ويظهره لنا في صراعه مع لحظات الزمن وكأن مدونته السردية العظيمة هي حوارية دائمة مع الزمن ومخاتلاته ،بينما هي في الواقع الفعلي في الواقع المتخفي ،في واقع الوعي المختبئ بين الإنسان والمكان.إن صراع بروست في الزمن المفقود ، ماهو إلا صراع وحوار وسعي لرصد جمود المكان وتحويله إلى سيولة ذهنية إنه بحث عن الخلاص المكاني من خلال فن سردي يرصد تحكم المكان في انفسنا ، ويعاين قدرته الهائلة على التحكم فينا ، وفي السيطرة على تلافيف عقولنا وشعورنا ، يتزاوج المكان مع الزمن ويظل ثابتاً قوياً متمكناً من وضعه ،ويأتي عليه الزمان ماراً مروراً خفيفاً متوارياً مذعوراً ،يتألف وعينا من تلك اللحظات التي تزاوج فيها المكان مع الزمان ، لكننا  نظل دائما  في حالة بحث عن هذا الزمن المفقود" ٢..
*الفصل الأول. 
يذخر النص الروائى عند" الحسن محمد سعيد" بما يمكن تسميته بمفتاح وهو عند النقاد انتقال من المعنى إلى الإحالة،وتساهم مثل هذه النصوص في تثيقف القارئ بالاضافة للمتعة ،وهي حالة كتابة سردية لايتقنها إلا قلائل ويبدو في ساحة الكتابة السردية السودانية الراهن أسماء شابة تضيف لعصر السردية العربية في بدايات القرن العشرين أعمار جديدة إذ لايواكبون عصرهم بل يكتبون بالفطرة دون احتراف وهي ظاهرة تجدها في بلادنا العربية يعيد البعض حيوات سابقة ويقلدونها ،يجهلون ابجديات الكتابة ولايعرفون طرائق جديدة ويسعون للخلود أن تخضع للماضي وتعيده فأنت تعيش في غير زمانك..وينفلت نص الحسن محمد سعيد من هذه الكتابات، ويختط لنفسه طريقة مختلفة وهو يكتب بخبرة وحيوية ،وثقافة، ومعرفة بالسرد واللغة .
*عتبات النص.
الإسم العلم : عطبرة  .يشير إلى مكان محدد__مدينة عمالية أحتضنت السكة حديد ورفعت لواء التنوير والتحديث. أسست في ربوعها أول نقابة عمالية، مدونة للتاريخ السياسي والاجتماعي وواحة للنضال .مدينة وميناء وصورة ناصعة لسودان العلم، والتكافل والثورية الوطنية..المكان يمتاز بحيوية، وثقافة عالية، ووعي وطني، واستنارة.الزمن السردي كفيل بطي صفحة التخلف والاستبداد، والاستعداد للتضحية في كل الازمنة- استعمار__ استبداد عسكري__ قيادة الثورات الشعبية من أجل التغيير.
الإهداء: الى والدي_ كانا نموذجاً للتسامح وقبول الآخرين على علاتهم برضى وطيب خاطر_عاشا حياتهم ببساطة هذه الأرض..
التسامح _ قبول الآخر __ الحياة الرضية والبساطة .كلها عناوين لعنوان المكان _ الرواية..ومصطلح التنوع بقبول الآخر.
* التنوع: 
يقول المفكر  والمؤرخ البريطاني الراحل" إريك هوبزباوم" في كتابه"  عصر الثورة ..أوروبا ١٧٨٩/١٨٤٨" في إعلان حقوق الإنسان والمواطنين الشهير الصادر العام١٧٩٨ وكانت هذه الوثيقة بمثابة بيان ضد التراتبية التي سادت تجمع النبلاء ذوي الامتيازات ، ولكنه لم يكن تحبيذاً لقيام مجتمع ديمقراطي تسوده المساواة إذ تعلن مادته الأولى  "يولد الناس ويعيشون أحراراً متساوين في ظل القانون " غير أنها تنص على وجود التمايزات الاجتماعية " إذا  كان ذلك في خدمة للنفع العام"  والملكية الخاصة حق طبيعي ،مقدس ،أصيل لايمكن إنتهاكه ، والناس متساوون أمام القانون ، والمهن مفتوحة لجميع المواهب على قدم المساواة" ٣.
في اللغة: تنوع _ في الأحياء: حدوث فروق بين الأشخاص والجماعات والعروق بتأثير عوامل مختلفة.
"تنوع الشئ : صار أنواعاً.
تنوع الشئ: تحرك وتمايل.
في الأصطلاح: التنوع الثقافي يعكس  جزءاً  من التراث المشترك للإنسانية، والعديد من الدول والمنظمات، تناضل من خلال العمل للحفاظ على الثقافات الموجودة وتعزيزها ، والحوار بين الثقافات والتفاهم واحترام الآخر _ يجب أن يكون لكل فرد هوية ثقافية ويتجلى المعنى في تنوع اللغة والفن والموسيقى والمعتقدات والبنية الاجتماعية..ويكبيديا "
المدينة_المكان..
يرى دكتور الزواوي بغورة  " المؤكد تاريخياً ومعرفياً هو أن التنوير والثورة قد عرفا تحولات تاريخية أساسية .واصبح من المؤكد أن باريس ليست إلا عاصمة من بين عواصم التنوير والثورة. إن الثورة الفرنسية تميزت بل تفردت بخطابها الذي عبر عنه بيانها الخاص بحقوق الإنسان والمواطن وبتحويل السلطة المرئية الممثلة في الملك والعاهل إلى سلطة الأمة اللامرئية  التي تمنح الشرعية او ترفعها "٤.
المكان_عطبراوي.
ينسب شخص الى مدينة محددة قد لاتتذكر سوى إسمها المنسوب وكم من مدن لها في التاريخ ،عام تأسيسها أو  غيره  إلا إن عطبرة تقرأ في لوحها النضال، والسكة الحديد، والثورة والعطبراوي كعلم تجده في الفن "حسن خليفة" ودعوة للغريب بالخروج من البلد..فباريس مدينة النور والقاهرة قاهرة المعز..الأبيض:عروس الرمال ..عطبرة مدينة الحديد والنار ، والنضال وقاهرة الاستبداد ، شهدت بداية النهضة في دخول القطار وبداية التواصل بين ارجاء الوطن الكبير .انعكس الحضور بتنوعه البشري ،في صورة السودان الحديث..المكان في رواية عطبرة وسرديتها ارتبط بالنضال ،والتنوير، والتحديث  وتنوع مصادر المعرفة، وتعدد الخطاب والألسن يمنح الفضاء المشترك للغة المحكي ،خاصية  حوار سردي منفتح على الذات والآخر، والعالم. ثمة في ظني عاملان لعبا دورا كبيرا في هذه الرواية .العامل الأول مدنية مدينة عطبرة في رسوخ حياة المدينة الميناء ،والاحتكاك بحضارات متنقلة تأتي وتذهب داخل سردية الحياة.العامل الثاني: قابلية المجتمع للإندماج وحيويته وثقافته المكانية وجذره التاريخي الحضاري الضارب في اعماق التاريخ والأرض. "بعد سنوات طويلة من الغربة جئت السودان والشوق يستبد بي ويستغرقني __ الحنين كان يحملني إلى السودان قبل الطائرة،وقد رسم لي من بقايا ذكريات حملتها معي في غربتي وعشت عليها،فاخذت تتشكل في خيالات اصبحت واحدة في منامي وصحوي _عندما وطئت قدمي أرض المطار صافحتني الوجوه السمراء والسوداء المغبشة وحرارة الجو مع سموم يشعل الدوامات الهوائية اللافحة هنا وهناك__هي حالة اعرفها جيدا ولم تفارق مخيلتي على الأطلاق،ولكني افتقدت فيمن جاء لأستقبال الطائرة تلك الابتسامة واريحية الترحاب _اناس تظهر عليهم مظاهر الوظيفة العامة والمسؤولية والجدية التي في غير مكانها في حين ان الموقف لايتحمل غير الابتسامة الودودة" رواية عطبرة ص ١٨_١٩"  هذا المشهد في حركة المسافر العائد من الغربة في تفاصيله الصغيرة يحكي عن متغيرات في المدينة، الوجوه هي نفسها التي تركها العائد قبل هجرته، ولكن الإختلاف يرتبط بسلطة سياسية لم يختبرها الراوي قبل هجرته " تذكرت في هذه اللحظات يوم مغادرتي في هجرتي الطويلة قبل سنوات كثيرة خلت كيف كان وداع المسئولين لنا ونحن في طريقنا إلى الطائرة حيث لم تمنعهم الوظيفة العامة ولا المسؤولية من ان يذوبوا مشاعر إنسانية لاتنال من هيبتهم ولاتمس مركزهم او تقلل من احترامهم وإنما على العكس من ذلك كله إذ اضفت عليهم جلالاً ووقاراً واحتراماً لهم وللمراكز التي يشغلونها__رواية عطبرة ص ١٩" 


*الانسنة:
يشتعل الخطاب في رواية" عطبرة "بأسئلة تتعدد بلا اجوبة حول الزمن السردي للحالة العامة للمدينة، في ظل ما اصابها في غياب الراوي، وحضورة بين الفراغ الاجتماعي الراهن وبهاء الصورة واكتمالها سابقاً ،زمانان مختلفان ،ولايلتقيان الإ في الذاكرة وصوت السارد "واصلت زحفي حتى وصلت إلى شباك ضابط الجوازات وقد بلغ مني التعب مبلغه__اخذ الضابط ينظر الي محدقاً كانه يتفحص مجرماً ثم ينظر إلى الصورة ثم يعيد الكرة مرات ومرات _اخذ جوازي وخرج تاركاً مكانه  دون ان ينادي على من يحل مكانه .غاب فترة وانا والناس من خلفي ننتظر فتعاظم ضيقنا ..وسمعت همهمات من طفحت روحه بغضب لم يعد قادرا على السيطرة..لابد انه يلعنني ويلعن الضابط واليوم الاغبر__ولكن انا ماذنبي_فترة كانها الدهر ونحن في الانتظار الممل ..وفيما انا في هذه الحالة من الخوف والتوتر ،تأخذني الظنون إلى اماكن بعيدة مجهولة ثم تعود بي وقد تقطعت انفاسي في لهاث راكض ،ظهر ضابط الجوازات في الطرف الآخر من الصالة وهو يحمل جوازي بيمناه ويخبط به في اعلى ركبته اليمنى كلما تحرك..وظل على هذا المنوال إلى ان وصل الينا ودخل كبينته وجذب الباب خلفه بطريقة احدثت دوياً تنبه على إثرها كل من كان غافلاً ..ولم ينظر اليٌ  أو يتحدث معي أو يسألني أي سؤال وإنما شرع في وضع خاتمه على صفحة يبدو أنه اختارها بعناية ثم سلمني جوازي__رواية عطبرة ص٢١--٢٢" ..هذه المحطة الأولى في مشوار العودة ،ونقطة الابتداء ،المدينة العاصمة _مربط الاستبداد في مشهدية تسلط السلطة ،والمفارقة في مشهد مغادرة الوطن وترحاب من سبق على اريكة المسؤولية، والعودة حيث صورة المستبد في الاستقبال، وبينهما شوق العائد..يرسم الروائي الحسن محمد سعيد،ملامح وطن تبدأ معاناته كلما زارته سلطة بليل بهيم ،واعلنت بيانها الأول المشؤوم..
*الرحلة والشوق..
" وصلت موقف الباصات ودلني بعض الناس على الشركة ذات العربات الجديدة والممتازة (إنها كالطائرة ) قال أحدهم فذهبت إليها وعندما سألت عن تذكرة علمت ان التذاكر (خلصت) فأنتابني ضيق من حظي العاثر .أتجه بصري نحو نداءات بعض "كماسرة" الباصات الأخرى الأقل جدة وجودة (فأنا لا ارغب في التأخير وحنيني إلى عطبرة صار ماردأً ياخذ بتلابيب نفسي__رواية عطبرة .ص ٢٩".. متابعة الراوي مسارات الامكنة ووصوله من محطة إلى أخرى يرتبط بالغياب الطويل،ومشاهد حياتية تتميز بتفاصيل صغيرة يغفل عنها بعض السراد في ظل هرولة شديدة نحو رص اللغة كبديل مضمون يخفي ضعف السرد، ولكن المفارقة ان كل الروايات العظيمة في تفاصيل سردها خيوط صغيرة منتظمة يتابعها القارئ ويجد فيها مع المتعة صورة مجتمع يعيش فيه وتغيب عنه تفاصيله، وهنا تاتي مقدرة السرد في إظهار مالم يلحظه القارئ وابداع نص متكامل وممتع ويساهم في المعرفة..
*ابعاد اجتماعية..
..وترى دكتورة "هويدا صالح "في كتابها" الهامش الاجتماعي في الأدب__قراءة سوسيو ثقافية " دراسة الأدب عبر التحليل السوسيولوجي الذي يتيح تتبع شروط إنتاج هذا الادب،وإعادة إنتاجه في الأنساق المجتمعية فالأدب والاديب تحديداً لايكون بمعزل عن الفعاليات والظواهر والحركيات التي تعتمل في رحاب المجتمع ،بل يوجد في كثير من الأحيان على خط التماس معها ،فليس هناك من ادب منفصل عن شروط المجتمع الذي يتأسس فيه " (٥). ومن شروط هذه السردية التي تظهر عدم انفصالها عن المجتمع ماكان من حضور المراة _الشقيقة عند الأوبة من السفر وتفاصيل المغترب وهداياه..والحاجة ست البنات واعتقاداتها وقيمها التي حملتها معها عند زيارتها لأبنها في مهجره."ومن هو الذي لايعرف(سيدي الحسن) او لايؤمن به؟ هذه المفاهبم التي تربت عليها وكونت جزءا كبيرا من موروثها ومعتقداتها القائمة على التصالح، والتسامح __هل يمكن ان تلغى وتشطب بمثل هذه البساطة التي تصادر تراكم قناعات هي والوجود شئ واحد" "هرعت إلى الحاجة ست البنات وحضنتني بحرارة وحنان ولسانها يلهج بأحلى الكلام وأعذبه..فأرتحت على صدرها وخياشيمي مليئة بتلك الرائحة العاطرة ذات الأثر المسكن لأي توتر نفسي ..هذه السيدة جميلة في كل شئ مميزة وفريدة ذات طعم خاص بها فتمنيت ان أنام على صدرها الحاني كطفل عاد إلى حضن امه بعد ان تاه عنها طويلاً"..رواية عطبرة ص٤٥"
*مشاهد..
"محطة السكة حديد هي كما ألفتها منذ سنوات طويلة ولكنها خاوية من القطارات"
"الورش والعمال بقايا حياة كانت حافلة..المرفق الشريان صار ضحية حكام آخر الزمان..يتحول الجبروت الى معاداة مدينة؟!"
"الساحة الكبيرة التي كانت مرتعاً للذكر النبوي الشريف والليالي السياسية لحقها تغير الحال كما لحق غيرها..هذه الساحة كانت مدرسة نقابية وسياسية تعلمنا فيها معانى الاستعمار والنقابة والحزب والوطن والنضال والمقاومة..منحتنا القدرة على الحوار وتفسير الوقائع والظواهر..عرفت الساحة" قاسم امين" بقامته الطويلة الفارعة وسحنته الداكنة السمرة وبنطاله الجبردين وصوته العميق الذي يخاطب العقل والفؤاد (ايها المواطنون احيكم اطيب تحية)__رواية عطبرة ص ٥٠_٥١_٥٢".. تمبزت رواية عطبرة بسمات عديدة منها براعة الراوي العليم في رسم شخصيات متخيلة او واقعية نابضة بالحياة ومتفاعلة مع مجتمعها وهي حقيقية في حيثيات ومتخيلة في اخرى وكائنات حية ولم تكن على هامش الحياة وإن لم نتعرف عليها الإ الآن ولكنها جزء من مجتمع مدينة في المتخيل والواقع اسطورة تمشي بين الناس.
*حكاية ابن عوف..
شخصية ابن عوف ،تمثل المفتاح لكشف الذات، والهوية، والوجود وأسئلة التطور على مستوى الفرد، والمجموع، مع الانحياز لقضايا العدالة ،والحرية وهذه السمات كتجسيد للمكان وارتباطه بالابعاد الثقافية والحضارية، لمجتمع يعيش على هامش في عالم متغير إلا ان الإنسان في حيزه المكاني وجغرافية حياته، وسلوكه ظل في حالة اكتمال معرفي وحضاري وغير معني بتخلفه المادي .حضارة نيلية راسخة ومستوعبة، لكل غريب يعيش في ربوعها ،فيحمل سمت ربعها فيصبح جزءا من نص الحياة وإضافة لها."ابن عوف لم يتعلم إلا في خلاوي البلد _عندما استلم العمل منح بدلة المراسلات الرسمية"يونيفورم" وهي من الكاكي عليها علامة السكة حديد من النحاس الأصفر على شريط احمر_جاءنا سعيداً يشع الفرح من عينيه ،أخذ يقص علي حديثاً طويلاً عن المكاتب والموظفين والترتيب والنظافة والاحترام_كان حريصاً على عمله وكل التوجيهات التي تصدر سواء في المواعيد اونظافة بدلته وحسن هندامه__برع ابن عوف بكرة القدم ولعاً شديداً واخذ يتحسن فيها بنفس السرعة التي اخذت لهجته تنعدل إلى لهجة المدينة واسلوبها في الحديث__بدأ اسم ابن عوف يلمع في سماء كرة القدم في عطبرة واخذت شهرته تجوب آفاق المدينة__انتهى الأمر بأبن عوف الالتحاق بأحد اندية الدرجة الأولى وسجل بها كلاعب أساسي. تحسن وضع إبن عوف بفضل كرة القدم،"
*الانتقال ..
تغيرت حياة" ابن عوف" وانتقل للعب في احد اندية الخرطوم الكبيرة.وبعد تجربة قصيرة يعود إلى عطبرة " عودة ابن عوف من هجرته الى العاصمة تركت في أعماقه شيئاً لم يكن قادراً على إدراكه ،إذ اخذ عشقه لكرة القدم يتناقص.ويتحول الاهتمام إلى القراءة والأطلاع .حياة عطبرة الاجتماعية بذرت في نفس ابن عوف شجرة الطموح إلى العلم والمكانة الاجتماعية التي تتجاوز شهرة كرة القدم.قرر ان يجلس لأمتحان الخدمة المدنية بعد ان اعد نفسه إعداداً طيباً وجاداً..السياسة بدأت تشغله وتنال اهتمامه.قبض على ابن عوف في إحدى المظاهرات بعد تجمع عمالي اعلن فيه الإضراب.وصل الخبر إلى ابي (فتأكد) إن ابن عوف اصبح شيوعياً.فالشيوعيون في نظر أبي هم الذين يقودون النقابة وهم الذين يعلنون الإضراب وهم الذين يشعلون المظاهرات"
*الطريق..
تقول دكتورة هويدا صالح في كتابها "الهامش الاجتماعي في الأدب..قراءة سوسيو ثقافية " "اكتسب المكان في الرواية أهمية كبيرة ،ليس لأنه أحد عناصرها الفنية او لأنه المكان الذي تجري فيه الحوادث ،وتتحرك خلاله الشخصيات فحسب ،بل لأنه يتحول في بعض الأعمال المتميزة إلى فضاء يحتوي كل العناصر الروائية ،بما فيها من حوادث وشخصيات ،ومابينها من علاقات ويمنحها المناخ الذي تفعل فيه وتعبر عن وجهة نظرها ،ويكون هو نفسه المساعد على تطوير بناء الرواية،والحامل لرؤية البطل،والممثل لمنظور المؤلف،وبهذه الحالة لايكون المكان مجرد مسرح تنهض عليه الشخصيات والأحداث بقدر مايكون احد أهم مكونات العالم الروائي،وأحد وسائل الروائي ليصيغ رؤيته للعالم (فالمكان ليس عنصراً زائداً في الرواية ،فهو يتخذ.أشكالاً ويتضمن معان عديدة،بل إنه قد يكون في بعض الأحيان هو الهدف من وجود العمل كله) 6.." 
*إيواء..
"ذات مساء جاء ابن عوف  وهو في حالة ذعر ..قال:ان البوليس قبض عليه في زاوية مظلمة وهو متلبس يوزع المنشورات ..فترجاه ان يتركه ولكنه أصر على القبض عليه كانه وجد مطيته لترقية وشريط إضافي..وعندما شعر بأنه لم يعرفه وان بنيته ضعيفة لطمه لطمة ماحقة فأرداه ارضاً بلاحراك وزاد من ذلك وقوع دراجته عليه بقوة على صدره ورأسه فأزداد الأذى ..ربما قد يكون مات وحينما نطق(الموت) ارتعد وغطى وجهه بكلتا يديه قائلاً"يا إلهي مات....رواية عطبرة..ص..٨٦" من هذه النقطة تبدأ مرحلة جديدة في رحلة ابن عوف ،وهي رحلة المكان_الارض_السكة حديد__كرة القدم_الهجرة_العودة__السياسة.. "كنت اظن ان هذه الواقعة ستجعل ابن عوف يرعوي ويكف عن توزيع المنشورات ..لكن ابن عوف هو ابن عوف العنيد إن آمن بشئ يمنحه مستوجبات هذا الإيمان قولاً وعملاً ..فعاد إلى سيرته الأولى..في البداية اكتفى بصياغة المنشورات بأسلوبه الجميل وعباراته الملتهبة وجمله الرنانة التي تفعل في الناس فعل السحر..رواية عطبرة ص٨٨" "في حياتي لم اسمع ابن عوف يتحدث عن النساء،ولم ألتفت إلى هذا السلوك منه الإ في ذلك  اليوم حينما طلب مني أن نذهب إلى الحلة ...وكأني اعايره بطريقة غير مباشرة (لم اكن اعرف انك رجل إلا الآن )فغاظه ضحكي وسخريتي ،فكتم غيظه في نفسه واخذ يدي بشدة وجرني بطريقة فيها كل السباب واللعنات..وماهي إلا لحظات وكنا امام بيت احدى بائعات الهوى في الحلة فأخذ  ابن عوف يخبط على الباب بطريقة فيها نغم راقص من نغمات(دليب) ففتح الباب ،فرأيت بدراً يطل علينا مع ابتسامة كفلقة القمر عندما وجدت ابن عوف امامها وقالت بلهجة حبشية (تفدلو) وهي تسيل رقة وعذوبة...إنها (سهايتو) التي كم وقفت واصدقائى على بابها فلم تفتح الباب ولم ترد بكلمة طيبة..هذه (سهايتو) التي رأيتها وجلست اليها بفضل هذا القروي الذي جاءنا على فطرته القحة في بدائيتها  وسذاجتها فنجح في كل شئ تعلقت همته به .كاد الفضول يقتلني وابن عوف لايشفي غليلي بالرد على أسئلتي الحائرة..كيف تعرف عليها ؟.كان ينظر من طرف عينه كأنه يقرأ مابداخلي_ تركتنا وذهبت لشأن من شؤونها وأخذ ابن عوف يحدثني في أمور كثيرة متفرعة في كرة القدم والسياسة والأدب وانا ساهم ساه عن كل مايقوله"__رواية عطبرة".ويسرد ابن عوف حكايته"كنت اقوم بتوزيع المنشورات فداهمني البوليس ..استطعت الهرب منه مستغلاً سرعتي وطاقتي في التحمل متخذاً الشوارع الخلفية في محاولات الهرب وخلال ركضي فات علي التخلي عن المنشورات التي احملها ولشدة ذعري توقف تفكيري وانا اجرى بلاهدى ،فوجدت هذا المنزل مفتوح الباب وحالي يغني عن سؤالي .. فوجدت هذه السيدة امامي فقلت لها صادقاً: انا هارب من البوليس وكنت اوزع هذه المنشورات...وصمت وقد ايقنت اني هالك..وما ان انتهيت من حديثي وقد لاحظت حالة الخوف التي تكسو وجهي حتى اسرعت إلى اغلاق الباب ثم اخذتني وبسرعة فائقة كمن تدرب على مثل هذه المواقف أخذت تغير هيئتي __رواية عطبرة ص ٩٨"..هذا الموقف الإنساني الذي تحول إلى موقف بطولي يمتد بأمتداد الحالة الذهنية للحدث والوطنية في مقاومة الاستبداد و توافق بين ابن عوف وسهايتو ،"في تلك الاثناء كان البوليس يتتبع خطاي في غير هدى فيدخل البيوت في هذه الشوارع الخلفية،ومن ضمنها دخل بيت سهايتو،ليجدني جالساً معها وفي هذا المكان بالذات....ولحظتها كنت ابن عوف لاعب الكرة__رواية عطبرة..ص ٩٩". وتستمر حكاية ابن عوف وسهايتو "انطلى الموقف على البوليس __رواية عطبرة ص ٩٩"
*حكاية عشق..
يقول الدكتور "محمد برادة" في كتابه"الرواية العربية ورهان التجديد"العنصر الثالث في نقد المحرمات،هو السياسة .وهذه الثيمة أقترنت بظهور الرواية العربية لتعبر عن تطلع عميق إلى التحرر من الاستعمار  ونزوع إلى النهوض وتطوير بنيات المجتمع ومؤسساته .وبعد الاستقلالات ،غدا حضور السياسة في الرواية العربية متصلاً أكثر بأنتقاد الاستبداد والديكتاتورية،راسماً نماذج للمناضلين في سبيل التغيير والديمقراطية" (٧).."لقد جاءت إلى  السودان وهي طفلة في السادسة مع والدتها ..واستقر المقام في القضارف...فجلست في القضارف حتى بلغت العاشرة ثم ارسلتها امها الى كسلا..وصادف ان جاءت شقيقة والدتها إلى كسلا فأصرت على اخذها معها إلى بورتسودان لتعلمها في مدارس كمبوني__وتعلمت في مدارس كمبوني حتى بلغت العشرين  فتخرجت  فيها وهي تجيد اللغة الانجليزية والعربية واتقنت مهنة مسك الدفاتر والطباعة على الآلة .ولحسن حظها وجدت وظيفة في احدى شركات الملاحة__خلال عملها تعرفت على شاب من بني جلدتها يعمل في احدى شركات التبغ ..وكان جل عمله مع شركة الملاحة ،فنشأت بينهما علاقة صداقة ..وشيئاً فشيئاً اخذ هذا الشباب يحدثها عن (ثورة الجياع) وانه عضو فيها ويتبرع لها بالمال وطلب منها ان تعمل مثله فتتبرع بجزء من دخلها (لثورة الجياع) ففعلت"-رواية عطبرة ص.١٠٥". تحفل كتابة الروائي والقاص الحسن محمد سعيد ،بتفاصيل سردية صغيرة تحكي عن سيرة ومسيرة مجتمع ومصائر افراد على هامش الحياة ،كانوا ابطالاً قاوموا التيار والظروف ..ومابين سفر سهايتو إلى روما،والوفاة المأساوية لابن عوف. فإن الرواية نجحت في  مهمة تعيين الصلة بين واقع معاش  بملامحه الواضحة والمتسامحة في مجتمع مدينة عطبرة .في قالب سردي تمتع بثراء الحكاية، وبساطة اللغة، وعمق الفكرة،  وهذا ممايجعل الرواية تتطلب قراءات

اخرى ..


* المراجع:
١/أنماط الرواية العربية الجديدة..د.شكري عزيز الماضي.ص.١٢.كتاب عالم المعرفة_الكويت..سبتمبر٢٠٠٨م.
٢/صدى الذاكرة_ دراسة في جماليات المكان السردي د.محمد اسماعيل اللباني ..ص٢٧_٢٨.دار مدارك للنشر الشركة السودانية للهاتف السيار (زين) طبعة اولى ٢٠١٨م.
٣/عصر الثورة _اوروبا (١٧٨٩م_١٨٤٨م) إريك هوبزباوم .ص١٣٦..ترجمة دكتور فايز الصباغ..مؤسسة ترجمان.مركز دراسات الوحدة العربية.ط اولى ٢٠٠٧م.
٤/مدينة باريس__عالم الفكر .يناير_مارس ٢٠١٠م.دراسة "باريس عاصمة التنوير والثورة_بحث في المعالم الفلسفية والسياسية.د.الزواوي بغورة.ص ٨٤.
٥/ الهامش الاجتماعي في الادب _قراءة سوسيو ثقافية..د.هويدا صالح. ص ١٢٧دار رؤيى للنشر والتوزيع..مصر ٢٠١هم.
٦/الهامش الاجتماعي في الادب.ص١٩٧.مصدر سابق.
٧/الرواية العربية ورهان التجديد.د محمد برادة.ص ٦٤.كتاب دبى الثقافية مايو٢٠١١م.