الفتاة والذئب الشاعر

الفتاة والذئب الشاعر حسن إمامي – المغرب صافحت كلامه. تعلقت باندهاش عطش بمعسول صوره. ابنة الربيع. تنتمي لألوانه وزهوره، و لتبرعم وروده. وهبها هذا الفصل صدرية خضراء، ضفرتها وردة لفؤادها. داعبتها كأذني أرنب يشاكس أحلامها. تختزن سيرتها صفحات الصباحات الجميلة، والخرجات الفريدة. تلتقط الفتاة أبهى الباقات و تهبها مرصِّعة بها بتلات ربيعها العمري.

الفتاة والذئب الشاعر

الفتاة والذئب الشاعر

حسن إمامي – المغرب

 

 

 

 

 

صافحت كلامه. تعلقت باندهاش عطش بمعسول صوره. ابنة الربيع. تنتمي لألوانه وزهوره، و لتبرعم وروده. وهبها هذا الفصل صدرية خضراء، ضفرتها وردة لفؤادها. داعبتها كأذني أرنب يشاكس أحلامها. تختزن سيرتها صفحات الصباحات الجميلة، والخرجات الفريدة. تلتقط الفتاة أبهى الباقات و تهبها مرصِّعة بها بتلات ربيعها العمري.

بدا شاعرا أنيقا. اختار أجمل صوره وأفتنها. يمتلك في دولابه الافتراضي دزينة، بل أكثر منها. يترجم بها شخصياته المسرحية التي يتبادل بها و معها أدواره. مرة كالإمام، مرة كالضحية فوق المذبح، وأخرى كالفارس المغوار المخلّص لطفولة بريئة من أنياب متلاعبة بلعابها في رقصتها الدائرية حول لوحة فزع تترجمها ملامح الصبيان.

هذه المرة، اختار أن يكون شاعرا. اطّلع على صفحتها الزرقاء، و ما تحبّه من أغاني وما تتذوقه من قراءات. ما تكونه أسماء المعجبة بهم وبهن… تفنّن في تسريحة شعره، وشاربه الذي كشف عن شبق شفته العليا. ضحكت هي لمشهدها، لكنها لم تعلم سحر الاختطاف الذي سرق من دواخلها ما به سيتمكن من استلابها وتدويخها به.

استعار من مظهر الشباب لباس الموضة وشال الريح الجنوبية ونظارات بلون السماء. زادها الاندهاش الغرائبي في ضحكات متجددة خصوصا مع حركات يده في تلوينة رقص أسطوري أخّاذ.

استطاع الشاعر أن يحررها من قفصها الخفي. ربما لم تدرِ هي، من صنعه، وما دورُه، وكيف سيَّجَها شجرة متبرعمة من كل تلصص أو اشتهاء. علِم كيف سيدخل لجنان الفؤاد، وما تجنّبه من حراسة مسبوقة خوفا على فاكهتها.
وجاءت لحظة المراد. أخذت أقنعة التحول من فيح عطرٍ إلى دمع يسحق النواة. مِن حمَل إلى ذئب؟ نعم. سيرافع الذئب دفاعا عن خصاله ووفائه وصراحته. سيقول: ليَ الغاب وقانونه. عادل في الانتماء له. أكون أو لا أكون. لكم مدنكم التي تصنّعتم داخلها، و أصبحتم بفضلها خير نموذج للمكر والخداع…
أما الفتاة، فقد تضرعت و توسلت. حينما همّتْ أنياب الذئب لنهشها، كانت أحشاء فؤادها قد تمزّقت، بكارة روحها قد تهتكتْ. لحظة رعب سجلت موتها المتجدد في الحياة. لم تعِ قطُّ حكاية الدم المهرق على سروال الدخلة أو بركان التفجر من مهبل الغواية. على باب المسلخ رافعت. ربما عبّرت و قالت. ربما باحت. ربما أسمعتْ:
بادلتُك الحب قيمة بين العبارات و الجمل. شاركتُك صور الخيال التي أتغنى بها. هو حلْمي الذي عرّيته عن دثاره أمامك ومعك، و أدخلتك فيه لترى سحره السري. لكنك لن تفهم قصدي. أنا طفلة بريئة من لعابك و فهمك و بريق أنيابك. زهرة خارج غابة تصورك. جئتني ملاكا، فكنت مريَمَك العذراء. ما تراه من نهدين تصفهمها بالرمانتين، وشفتين تجعلهما في استدارة خاتم من برتقالتين، وما تراقصه قياسا من جِيد بدا عندك قصب خيزران، و قدٍّ في وقفة مُهر أو مهر لتوقيع رسالة حبٍّ خالد، وصوت سُقي وسَقى ليلتين وخمرتين ـ على الأقل ـ ، وكما تروي، كان هذا وذاك شرف لي، وطموحا لغدي و حقا لخيالي لكي يحلّق بجناحين. لكن سمائي وجسدي وقدرتي دون مائدة اشتهائك. أنا فاكهة قبل الأوان. أنا ربيع آت لعصفور لم يولد في الآن. ربما هو في تبرعمه بجوار الجنان. أنا طفلتك، فكيف أصبح وجبة غريزتك؟

وكذلك كان. روى الذئب في محصول الكلام بين شاعر تلبّس بجلده داخل المدينة وجعل اسمه شعيرة لقلبه وتزيّن بأحلى فستان يليق بخيال فتاة لاعبت خيالها فأهرق دمها واستباح أحلامها.