انا ما عدت انا

انا ما عدت انا شامة ميرغني قبل ساعات كنت في العمل بكامل عافيتي.

انا ما عدت انا

انا ما عدت انا

شامة ميرغني


                 
قبل ساعات كنت في العمل بكامل عافيتي.
 شعرت بصعوبة في البلع وانا اتناول وجبتي، ثم داهمني صداع شديد واحساس قاهر بالبرد، تدثرت بكثير من  الاغطية  بلا جدوى، اه  انها هي وهذه  اعراضها ولا شك   
(الموت كان بعيد في حبل الوريد)  تجولت العبارة التي كانت ترددها امي في متاهة الغيبوبة  
أه يا امي هذا هو  الموت يقترب مني و شمعة حياتي تتضاءل ووهج روحي يخبو وهذا السعال اللعين يكاد يثقب حلقي
عندما اغتربت اول مرة  سالتك عن امنيتك قلتي :-
وانت تمارسين حياتك بنشاط:-
- امنيتي في الدنيا زيارة المصطفى  
ليتني حققت لك امنيك من اول راتب
لكني بعد اغتراب ثلاث سنوات عدت لاكمل اجراءات  زواجي من اسماء التي ملت الانتظار   اه يا امي ما هذا الطبل الذي يقرع في رأسي.....
 اه انا لم امت بعد
وانا استعد للسفر اعتذرت لك يا أمي وطلبت منك ان تستعدي للحج في العام المقبل
 لكني اكتشفت ان  اسماء حامل  وبدأت في التجهيز للولادة وكلف الامر اصلاحات في البيت و مصاريف كثيرة ثم   بعد اكثر من عامين سمعت صوت طفلتي التي لم ارها في الهاتف وهي تنادي بابا وتلهفت لرؤيتها واجلت  تحقيق رغبتك للمرة الثالثة  وسافرت  وقلت لك حقك علي يا امي ان شاءالله السنة الجتية  أزورك المصطفى.......
 قلتي لي( ان فضل في العمر باقي) اه يا امي كم هو قصير هذا العمر ....اه يا امي اعي لي .....  ارجوك  ايها الطبيب......  ارجوك اوقف هذا الطبل الذي في دماغي.....
  اه كنت عازم على تحقيق رغبتك في ذلك العام
لكن  اسماء اخبرتني انها حامل للمرة  وبدانا في التجهيز لاستقبال المولود الثاني   تأجلت رغبتك يا امى مرة  اخرى ونحن نستعد لزواج شقيقتي ..
.. لماذا كان عليك  أن تستمري في التضحية يا امي لماذ تأجلت رغباتك ؟؟
 وهذا المرض الذي اجتاح العالم  يؤرجحني بين الحياة  والموت
اتصلت و كانت امي جالسة على حافة السرير بشلوخها المطارق  ووجهها الذي يشع نورا وابتسامتهاالطيبة التي لا تفارق شفتيها  قالت بصوت واهن:-
- تلات سنين ما اشوفك يا كمال ...كتيرة علي ياولدي
وهسع كمان قالوا المرض ده سقط الهاتف من يدي وغرقت  في دموعي ولم اعاود الاتصال.....تبا لي  اي ولد انا !
زاحمت اصوات اطفالي ذاكرتي المحترقة  بفعل الحمى....
- بابا تعالى بابا انا بحبك
 - بابا جيب لي معاك عجلة...
اي اب انا ؟
قبل ايام قالت لي اسماء:- الغلاء صار طاحنا ولم تعد المصروف كافيا.... اتمنى ان تاتي بنفسك لترى
قلت لها انا لن أتي ان لم  يكتمل تعديل البيت
لماذا تبكين أليس هذا اقتراحك ؟
- اطفالك يشتاقون اليك
وامك اشتد عليها الم الركب وما عادت تتحرك ...
ماذا  امي ما عادت تتحرك ؟
 وانا الذي وعدتها بالحج قبل سبعة مواسم ولم افي بوعدي  كم هذا مؤلم.....
 زوجتي وجهها شاحب وتبدو اكبر من عمرها.....
ما فائدة الغربة .........
 أي زوج انا؟
 قد اضعت شبابها فذبلت كوردة في عز الربيع بزواج موقوف التنفيذ.....
اي زوج انا؟
 اكرمني الله بطفلين ولم ار اسنانهم وهي تنبت لم ارهم وهم يتلمسون الخطوة  باقدامهم الصغيرة .لم احطهم بحناني لم  استمتع بابوتي......
 فاي اب انا؟
كم امتلك من البدل الانيقة...و.كم املك  من العطور  وكم  في حسابي من نقود لم تستمتع بها اسرتي......
 اي بشر انا ؟
انا الان في غرفة العزل والموت يرفرف علي  بجناحيه.....
ادرك اننا الان قد تساوينا جميعا في مخاوفنا
 القوي كما الضعيف
 والغني كما الفقير من يحتمي بترسانة من الاسلحة كمن ينام في العراء
 لكنني اقاوم  واتشبث بالحياة
وسأنجو باذن الله
لكنني اذا نجوت لن اكون
 انا هو انا .
         شامة ميرغني