السودان في رسائل و مدونات      SNR

السودان في رسائل و مدونات      SNR يناير 1918 - يناير 2018 الدكتور أجمد الصادق أحمد منذ صدور العدد الأول لدورية "السودان في رسائل و مدونات"، كما اقترح الراحل عبدالله الطيب ل Sudan Notes and Records  ، أو مثلما يشار اليها في متون البحث SNR، كان من الممكن أن تحتفل بالعيد المئوي لولا توقفها عن الصدور في 2005.

السودان في رسائل و مدونات      SNR

السودان في رسائل و مدونات      SNR

يناير 1918 - يناير 2018

 

الدكتور أجمد الصادق أحمد

 

منذ صدور العدد الأول لدورية "السودان في رسائل و مدونات"، كما اقترح الراحل عبدالله الطيب ل Sudan Notes and Records  ، أو مثلما يشار اليها في متون البحث SNR، كان من الممكن أن تحتفل بالعيد المئوي لولا توقفها عن الصدور في 2005.

صدر العدد الاول من المجلد الأول في يناير 1918 و قد تصدرته كلمة السير ريقنالد ونجت أو ونجت باشا كما عرف في الأدبيات لاحقاً- حاكم عام السودان (1900-1916)، و الذي بدأ تصديره " ... كانت سعادتي غامرة بصدور هذه الدورية العلمية المحكّمة و لتنوع موضوعاتها خاصة و قد أن السودان "ارض خصبة" متخمة بأساطير و حكايات خاصة لدي المجموعات الاثنية غير العربية و غير المسلمة نسبة لأهميتها الأنثروبولوجية و ذلك ... لمزيد من الفهم لهذه الشعوب و معرفة مجموعة القيم و الأخلاق السائدة و هذه بدورها مهمة جدا بالنسبة لمن يدير شؤون تلك الشعوب".

واظبت هيئة التحرير علي اصدار العدد تلو الاَخر و حققت نجاحاً منقطع النظير، و لأكثر من ثمانية عقود، وسط الدوائر العلمية في أطراف العالم خاصة و لأنها و لأسباب تاريخية و موضوعية قد اعتمدت اللغة الانجليزية و التي ظلت دائرة التواصل بها تتسع حتي يومنا هذا.

 

أفتتح المشهد بخمس مقالات حققت الحلم الكولونيالي الذي أشار اليه مهندس الكولونيالية البريطانية ونجت باشا من تحقّق السياسة التي تحقّق رغائبه الكولونيالية  بزيادة معرفتهم بالشعوب التي اَلت للامبراطورية.

اللدراسة الأولي حول تاريخ السودان القديم كتبها رايزنر، الذي شاعت كشوفاته الاّثارية و كتبه حول العصور الحجرية في السودان و لم يتوقف عن نبش تاريخ السودان و له في هذا المنبر، لاحقاً، عدداً من الدراسات.  أعقب ذلك كتابة ل سي أتش ستيقاند عن حاستي البصر و الشم عند عند الحيوانات. ثم دراسة باكرة موجزة عن الساقية في دنقلا كتبها نيكولس.

أما الدراسة  المهمة في ظننا في سياق تدشين المجلة، فقد وقعها المستعرب هيليلسون الدي طالما أولي اهتماماً خاصاً  لعريبية أهل السودان بكل لهجاتها و صيغها الهجين و أختلاطها باللغات المحلية لدرجة تمظهرت بها في الالفاظ و التراكيب و الأصوات العربية مختلطة مع اللغات السودانية. 

اهتم في أول مقال له ينشر هنا، و هو الذي حظي بنصيب الأسد في الكتابة في ذات الأفق التي أولت عناية خاصة للّسان السوداني العربي المبين - عن عربية أهل السودان التي اتسعت- بكل هذياناتها- لعناصر من اللغات المحلية- القبلية كما جاء في الأثر الكولونيالي- و تجدر الاشارة هنا الي انه ورد في البيبلوقرافيا التي اعدها الراحل النصري (1982) عن السودان في رسائل و مدونات، أن هليلسون هذا أخذ نصيب الأسد بعدد الدراسات التي كتبها و التي تمحورت كلها حول اللسان السوداني و ما أفصح عنه من ذات و هوية و ذاكرة و تاريخ.

ما أجمله ذلك الكولونيالي- اليهودي- البديع في اولي دراساته هنا حينما كتب عن ما أسماه الأغاني الشعبية و تحديداً ما يتنغني به الأطفال و الصبية:

 

              يا طالع الشجرة

              جيب لي معاك بقرة

              تحلب تعشيني

و كذلك            

و يا المرفعين تعال أُكل كريت

 

الي اّخر مما تغني به الأطفال و الصبية         

يبدو اهتمامه واضحاً بالتراث الذي حملته عربية أهل السودان وهناً علي وهن حينٌ من الدهر، كيف لا و هو أوّل من نبّه لكتاب الطبقات للفقير محمد النور ود ضيف الله و أكثر من ذلك هو الذي لفت نظر الشيخ الجليل بابكر بدري لقوة الأمثال السودانية و ضرورة جمعها و و تحقيقها و نشرها و قد أورد الكثير منها في كتابيه المنشوران 1922 و 1927. "نصوص عربية سودانية" و "مفردات عربية السودان"، و قد تزامن صدور الأول مع كتاب الشيخ عبدالله عبدالرحمن الضرير "العربية في السودان". أضف الي ذلك ما أورده في كتبه من حكايات و حكم و أمثال الشيخ فرح ود تكتوك سوار المشبوك، فقد كان له قصب السبق في سردية الشيخ فرح و تراثه. الحديث يطول و يتشعّب بل و يتعقد عن حضور هليلسون و تنوع و تعدّد كتاباته في هذا المنبر.

المقال الأخير كتبه أحد رموز الكتابة الكولونالية ألا و هو السير هارولد ماكمايكل حول بعض ملامح الثقافة النوبية في دارفور، و تجدر الاشارة هنا الي أن مشروعه عن "عرب السودان" قد بدأ في هذا المنبر و انتهي بمؤلفه المعروف بنفس العنوان و الذي صدرت طبعته الأولي –في مجلدين عام 1922 و الذي ترجم لاحقا للغة العربية.  بعد بضعة اشارات مثيرة لأصل الكنوز و اختلاطهم مع النوبة جنوبي أسوان و هجرة بني ربيعة و زعمه لتركهم لغتهم العربية و اندغامهم في اللغة و الثقافة النوبيتين، زعم بانتهاء مملكة دنقلا و بداية سيطرة جهينة- مجموعة اعراب قحطانيون من جهة الحجاز- و انتهي الي عرض مفصّل للوضع في شمال و جنوب دارفور و من بعد ذلك كيف تسربت بضعة عناصر من لغة و ثقافة النوبين و استوطنت فيه بحكم طول مدة التواصل فيما بين المجموعات الدارفورية و مال كل ذلك و تمظهره في العناصر النوبية من عادات و تقاليد و ألفاظ و تراكيب وسط المجموعات الاثنية المختلفة في دار فور.

 

جاءت كلمة هيئة التحريرفي الصفحات الأخيرة: بعد الاشادة بالسيد ونجت باشا لدعمه و تشجيعه لمشروع المجلة و كتابته للتصدير المشار اليه، أشاروا لصعوبات واجهتهم في طباعتها في بريطانيا نسبة لظروف ما بعد الحرب العالمية الاولي الا أنهم استطاعوا طباعتها في القاهرة بمساعدة كريمة من البعثة الفرنسية. علي أن أهم ما جاء في كلمتهم توضيحهم بلغة صارمة لمستقبل المجلة و من سيكتب فيها؟ و من سيستكتب؟ و ذلك وفقاً للسياسات التي اختطوها لها من ضرورة الاهتمام بالتراث السوداني بكل جوانبه من تاريخية و اَثارية و فلكلور و نظم حكم و ادارة.

قبل الختام، شمل العدد عرضاً وافياً لمعظم ما جاء في دوريات عالمية من بحوث و دراسات تمحورت كلها حول السودان. اَخر عرض كان بحثاً علمياً حول أنواع الفراشات في جبال النوبة.

 

في الختام شمل العدد عددا من الرسائل: اولها من مديرية النيل الأزرق و هي من أطرف الوثائق التي زعم أنها وجدت في جيب محمد أحمد الصادق أحد أعوان ود حبوبة و الذي أتهم بقتل المستر مونكريف. و لا أدري ما السبب الذي وردت به هذه الوثيقة، هذا ان أعتبرت هذه (البخرة) وثيقة؟؟. رسالة ثانية من مديرية الخرطوم هذه المرة حول عناصر للتراث المسيحي في بعض المناطق الحضرية علي الرغم من انتهاء المسيحية نهائيا قبل أكثر من أربعة عقود ذاك الوقت، كما زعم الكاتب، حينما انتهت مملكتي سوبا و علوة.

 

لم يخل العدد من بضعة اعلانات من جيلاتي أخوان و البنك المصري البريطاني و بنك مصر. سعر العدد ثلاثة قروش و الاشتراك السنوي خمسون قرشا.

 

طالما أن هذا النص (المجلة) أنتج في سياق كولونيالي، بالضرورة أن تصير المجلة و محتوياتها ارثا و تراثا كولونياليا، بالطبع حتي لحظة الفكاك من ربقة المستعمر، و هذة رؤية نقدية من حيث المبدأ و بقراءة سياقية الا أن مراجعة الدورية و ما احتوته، نجدها حملت تراثا سودانيا خالصا (قوميا؟) ستظل أجيال و أجيال تحيل اليه علي أنه منجزا حول هذا السياق الجيوبوليتيكي بالغ التعقيد، بالطبع بعد تقشيره من أوضار سلطة الاستعمار أو باثولوجيا الخطاب الكولونيالي – colonial discourse pathologies - كما يقول الراحل ادوارد سعيد، و هذا لا يعني مطلقا أن المجلة/الدورية قد اعتورها تشوها كولونياليا أو قل لحق بها. و هكذا فان أجزاء كثيرة منها لم تكن سوي حشوا لا علاقة له بالعلم أو المعرفة الانسانية بل و لا السودان و لا أهل السودان.

بذات القدر، تجد مقالات عديدة قد زينت جبين ذكاء تلك المجلة لا تنسي – تجدر الاشارة المهمة هنا الي ما أنجزه الهاشمي من ترجمات عديدة لها و التي صدرت لاحقا في سلسلة بعنوان " السودان بعيون أجنبية". له التحية و التجلة و الاحترام.

 

لا يمكن أن نتجاوز لحظات معرفية مهمة خلال أكثر من ثمانين عاما طلعت و نزلت فيها هذه الدورية. مثلا ما كتبه كيرك (1944) عن الأورطة السودانية في المكسيك- فقد كانت احدي الكتابات البكرة التي أعقبت ما كتبه الأمير عمر طوسون (1933) أو قل لم يسبقها غيره- و تجد كتابات ابراهيم بدري و أكثر من تردد اسمه هو المستعرب هليلسون الذي أشرنا اليه انفا. من أروع ما قرأت كان بحثا رائدا في أحد أعداد 1967للمرحوم الأستاذ نصر الحاج علي، أحد أعمدة التعليم في السودان و الذي صار أول مدير لجامعة الخرطوم، عن مذكرات الشيخ بابكر بدري الموسوم ب "تاريخ حياتي". كتابة ممتعة و رائدة أيضا.

 

من بعد ذلك، لا يمكن للقاريء العادي أو الباحث الا و يتوقف عند المرحوم عبد الله الطيب و سلسلة مقالاته حول تراث النيليين و التي أستلت لاحقا و ترجمها الأستاذ عجيل الي العربية و صدرت في كتاب.

تواتر علي الكتابة الراتبة فيها عدد من السودانييين بداية ب ابراهيم بدري و مرورا ب عبدالله الطيب و نصر الحاج علي و حتي صلاح المازري علي سبيل المثال و ليس الحصر. و لسنوات أعقبت الأستقلال، كانت تصدر عن قصر الحاكم العام و كذلك الجمعية الفلسفية وانتهت بصدورها عن معهد الدراسات الاسيوية و الأفريقية- جامعة الخرطوم.

ما تزال مواد الدورية (خام) تنتظر مزيدا من البحث و المقاربة و ربما تحرير و اعادة طباعتها و اصدارها في حلة جديدة، مثلما حدث من قبل و ما تزال بعض أعداد متفرقة يمكن الحصول عليها في مركز بيع الكتب في معهد الدراسات الاسيوية و الأفريقية، أما المجموعة الكاملة (الطبعات الأولي منها- الأصلية- و أعادة الطبع) فهي متوفرة في هولندا عند دار النشر العريقة بريل- هولندا. علي أن ما هو أهم من كل ذلك رقمنتها حتي تبذل للباحثين في المواقع الالكترونية و ذلك لان تلك الطبعات الورقية التي أشير اليها باهظة الثمن لربما حتي للمؤسسات دع عنك الأفراد.