السودان ../ أو ما يَدين به الشمال للجنوب ! /

السودان ../ أو ما يَدين به الشمال للجنوب ! / اسيا رحاحلية.. الجزائر  حين بدأت أكتب و بدأت أدرك معنى السهر و الأرق اللذيذ بسببك من وخز الكلمات و أتذوّق طعم الليل حين ينيره الحرف كتبتُ : " بعد نصف قرن من الزمن اكتشفت الليل ".

السودان ../ أو ما يَدين به الشمال للجنوب ! /

السودان ../ أو ما يَدين به الشمال للجنوب ! /

اسيا رحاحلية.. الجزائر 

حين بدأت أكتب و بدأت أدرك معنى السهر و الأرق اللذيذ بسببك من وخز الكلمات و أتذوّق طعم الليل حين ينيره الحرف كتبتُ : " بعد نصف قرن من الزمن اكتشفت الليل "..
و ها أنا بعد نصف قرن من الزمن أكتشف السودان ..
الليل و السودان ؟ ليس للعلاقة بين اللفظتين إحالة إلى سمرة البشرة .. ذلك ليس قصدي ، قصدي دهشة اكتشاف السودان كمن يصاب بالذهول و الفرحة معا و هو يكتشف الليل لأول مرّة .. الليل بسحره و سرّه و غموضه و جلاله و عظمته و هيبته وتلألؤ نجومه و ربما أيضا بما له من فضل على النهار / على رأي الروائي الجزائري ياسمينة خضراء في عنوان مؤلفه " ما يدين به النهار لليل " ./
و كذلك السودان ../ ما يَدين به الشمال للجنوب ! /
في الحقيقة ،و حتى هذا اليوم لم يكن أبدا للبلد الشقيق السودان في مخيّلتي صورة واضحة و لو إلى حد ما ، مثل ما هي صور بقية البلدان العربية التي في الجوار و التي نقتسم معها التاريخ و الحضارة و الدين و اللغة و كثير من الأمور ..
رأيت السودان دائما بلدا بعيدا ، بعيدا جدا ، كأنه يقع في جزيرة نائية في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية .
لا أحتفظ في ذاكرتي من أيام المدرسة عن السودان سوى بكونها أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة .. فقط / طبعا قبل التقسيم / .. أذكر أننا ، في المقرر المدرسي غي التاريخ و الجغرافيا ، درسنا اليابان و الصين و الهند و طبعا أمريكا و بريطانيا و فرنسا لكني لا أذكر بتاتا أننا تناولنا في المدرسة السودان كدولة مجاورة ، أو ربما كان مرورا سريعا باهتا لم يعلق في ذاكرة إنسانة مثلي نهمة للمعرفة ، و لم يحدث بتاتا أن مررت في دراستي الثانوية مثلا و في المقرر الدراسي بنص لأديب أو مفكر أو شاعر سوداني و لا حتى للطيب صالح الذي ملأ الدنيا و شغل الناس ..و حتى هذا العملاق و برغم كوني مولعة بالقراءة ، ألاحق الكتب و أقتني المجلات على صعوبة توفّرها في تلك الفترة / السبعينيات و الثمانينيات / إلا أن مؤلّفاته لم تقع بين يدي ، على عكس مؤلفات أدباء مصر و لبنان و تونس على سبيل المثال ، و لم أسعد بقراءة " موسم الهجرة نحو الشمال " إلا منذ سنتين أو ثلاث فقط .
منذ مدّة أعتبرها قصيرة جدا في عمر قراءاتي ، بدأت أكتشف الكتاّب سودانيين ..بعضهم في منتديات أدبية مثل الصديق الرائع عبد المنعم حسن محمود من مجلة البعيد الالكترونية المتميّزة ، ثم توالت الأسماء متلألئة ، مبهرة .. أمير تاج السر ، روضة الحاج ، النور أحمد علي ، الذي لا أرتوي من قراءة " كتابات النور اللحمر " .. و غيرهم من الأسماء التي أكتشفها يوميا على النت و في مجلة " البعيد " المتميّزة ..
يا الله ! حتى الأسماء و الألقاب فيها كثير من السحر ..
وبكل صدق و دون أدنى مجاملة لم أقرأ لكاتب سوداني إلا وانبهرت بجمال باللغة وعمق الفكرة وقوة البيان ..ثراء لغوي مدهش ، فن في تناول القلم ، أصالة في التعبير ، عبقرية في اختيار اللفظة ، خيال مجنّح ، صور بديعة ، سحر أراه يخرج من بين السطور و كأنّ أدباء و كتاب السودان يغرفون من معين لا أعرفه و ينهلون من بئر لم يعثر عليها أحد بعد..
كم أشعر بالأسف و أنا أرى ما خسرته و ما تسرّب من بين أصابع فكري و خيالي كل السنين الماضية و لم تتغذّ عليه ذائقتي الأدبية، و لا تفتأ التساؤلات تشغل رأسي من المسئول عن الضبابية التي تغلّف أدب السودان ، من المسئول عن تغييب المشهد الثقافي و الفكري و الأدبي في السودان ، من المسئول عن عزلة مبدعيه و مفكّريه و أدبائه و شعرائه ؟ لمَ لم يكن هناك احتكاك ثقافي و أدبي فعلي بين السودان و الجزائر؟ هل مرد ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي و الأزمات التي مر بها السودان ؟ هل الأمر مدبّر له من طرف مغرضين أو أشباه المبدعين ؟ أم أنّه قدر الأدباء السودانيين الذي هو قدر الأدباء العرب عموما في أنهم لا يظهرون و لا يُحتفى بهم إلا إذا هاجروا إلى الغرب ثم قدموا إلينا من هناك ..و على رأي المثني إبراهيم بحر " لو كان الطيب صالح مقيما في السودان أو أيّ من البلدان العربية و لم يذهب الي الغرب لكان لا يزال في محطة البدايات ولن تبارح شهرته قرية كرمكول أو الخرطوم كحد أقصي . "
لكم تشعرني بالإحباط هذه الفكرة !
أردت بهذه الكلمات أن أعبّر عن إعجابي بأدب السودان ..تأخّرت كثيرا أعرف ، و فاتني من الجمال الكثير و لكن أن تتأخّر أفضل من ألا تخطو أبدا نحو السحر .
و معذرة على هذه الكلمة القاصرة في حق السودان أدبا و كتابة .
آسيا رحاحليه
الجزائر