التمثيل الثقافي واستراتيجيات الكتابة السردية في رواية حصار الأمكنة لبثينة خضر مكي

التمثيل الثقافي واستراتيجيات الكتابة السردية في رواية حصار الأمكنة لبثينة خضر مكي أ.د. عبد الغفار الحسن محمد/ أستاذ الادب والنقد بجامعة وادي النيل/كلية المعلمين              تعتبر واية حصار الأمكنة الصادرة في العام الماضي 2019م عن مؤسسة المجاز الثقافية، تعتبر لبنة مهمة في المشروع السردي للكاتبة الروائية والقصصية المتميزة الأستاذة بثينة خضر مكي، التي طالما انشغلت في مشروعها السردي بقضايا المرأة والمجتمع السوداني، فهي تحاول مخاطبة الواقع الاجتماعي والثقافي السائد في مجتمعاتنا المحلية وما يحفل به من طقوس

التمثيل الثقافي واستراتيجيات الكتابة السردية في رواية حصار الأمكنة لبثينة خضر مكي

التمثيل الثقافي واستراتيجيات الكتابة السردية في رواية حصار الأمكنة لبثينة خضر مكي
أ.د. عبد الغفار الحسن محمد/ أستاذ الادب والنقد بجامعة وادي النيل/كلية المعلمين

 

 

 

 

 

             تعتبر واية حصار الأمكنة الصادرة في العام الماضي 2019م عن مؤسسة المجاز الثقافية، تعتبر لبنة مهمة في المشروع السردي للكاتبة الروائية والقصصية المتميزة الأستاذة بثينة خضر مكي، التي طالما انشغلت في مشروعها السردي بقضايا المرأة والمجتمع السوداني، فهي تحاول مخاطبة الواقع الاجتماعي والثقافي السائد في مجتمعاتنا المحلية وما يحفل به من طقوس وعادات وتقاليد راسخة، يحتاج نقدها وتفكيكها وخلخلة ما هو غير ملائم منها إلى جهود فنية وسردية تجعل من ذلك ممكنا. من غير أن تدخل في مواجهة مع مجتمعها، أو تعتبر مارقة عنه أو مفارقة له، إذ هي في مشروعها السردي لا تسعى إلى هدم كل ما هو سائد وثابت وقيمي، ولكنها تسعى إلى مقاومة بعض القيم الاجتماعية البالية والتي تضر بالمرأة على وجه الخصوص. فالأستاذة بثينة خضر تعتبر من رائدات الكتابة النسوية في السودان، والتي تنهض لا على قيم النسوية بمفهومها الغربي، بل تسعى على الأقل على أن تعيش المرأة السودانية حياة كريمة وسليمة من غير تحيف وغمط لحقوقها الأساسية في الحياة الحرة والكريمة.

 

 

 


            كما تحاول عبر متخيلها السردي أن تنقد بعض التجارب السياسية والتاريخية بما يتوافق ورؤيتها وأيدولوجيتها، متبعة لتحقيق ذلك استراتيجية في الكتابة السردية لا تفرط فيما هو جمالي وفني، وكل ما يتسق وشروط الكتابة الروائية التي تعتمد في ذلك –شأن كل أدب رفيع- على الإيحاء والكتابة القابلة للتأويل.
                إذ إن الكتابة الروائية الناجحة هي تلك التي تستطيع إدماج الكل الثقافي والتاريخي والأيديولوجي والسياسي فيما هو جمالي والتعبير عنه بلغة إشارية قادرة على الإيحاء وقابلة لتعدد القراءات والتأويل.
            ونود في هذه المقالة قراءة رواية حصار الأمكنة باعتبارها تمثيلا ثقافيا للمجتمع السوداني المحلي الذي خبرته الكاتبة جيدا ويمثل بيئتها التي نشأت فيها (منطقة شندي شمال الخرطوم) ومحاولة تمثيل مجموعة من القيم الاجتماعية والثقافية والدينية بطريقة سردية جديدة وحداثية، اعتمدت على جملة من التقنيات الجديدة في السرد، منها -على سبيل المثال لا الحصر-: تقطيع السرد، وخلخلة الترتيب الزمني للرواية، باستخدام تقنية (الفلاش باك) أو الاسترجاع عن طريق حلم اليقظة أو ما يسمى تيار الوعي، كما اعتمدت  على لغة إشارية ذات حمولة ثقافية قصدت منها الكاتبة الانفتاح على الذاكرة الجمعية للقارئ السوداني الذي تشكل مثل هذه اللغة السودانية المرتبطة بالتراث أو بعض الطقوس الاجتماعية السائدة وعيا يوسع الدلالة، ويفتح النص على وعي القارئ بالتراث، ومدى تعاطفه معه؛ لما يشكله من قيمة نفسية كبيرة.
التمثيل الثقافي ومرجعياته في الرواية:
                    إن دراسة التمثيل الثقافي تمكننا من الاقتراب من العلاقة الملتبسة بين الواقع الملموس الذي تستمد منه الرواية الآثار والعواطف والأنساق وما يؤول إليه من صور ودلالات ورموز لا يمكنها أن تحل محله، أو تفي بجميع أبعاده، لذلك تلقى الرواية في تحققاتها المعاصرة تنأى عن الادعاء بإمكانية تمثيل واقع يوجد خارجها، ولا حتى التعبير عن تجربة داخلية كما لو أنها المرآة التي تكشف لنا طول الطريق ". (1)
      فالرواية باعتبارها جزء من السرديات الكبرى تقوم بوظيفة تمثيلية للمرجعيات الثقافية على اختلافها فلا يمكن في هذا السياق ان يكون التمثيل منقطعا عن مرجعياته الثقافية والعرقية والدينية. (2)
             ويمكننا أن نقول إن رواية حصار الأمكنة اعتمدت في رؤيتها على الإشارة الثقافية عبر ما هو لغوي وما هو متخيل واجتماعي، وما هو تاريخي، وما هو سياسي.
              وتبرز الثيمة الأساسية للرواية في التركيز على مشكلات المرأة في مجتمع الرواية. هذا المجتمع ذو التقاليد الراسخة الدينية والاجتماعية. ذلك المجتمع الذكوري بطبيعته، والذي تقاوم فيه المرأة بطريقة علنية للتعبير عن رغباتها واحتياجاتها، لأنها مقموعة من قبل المجتمع الذكوري. ينتج عن ذلك حسب المتخيل السردي جرائم سببها القمع الذي تتعرض له المرأة. وقد مثلت الرواية ذلك من خلال:
شخصية لمياء تلك الفتاة التي حاولت أن تعيش قدرا من الحرية في حياتها بالعاصمة وتقيم علاقة حب مع زميل دراستها عمران عبد الكريم. وقد مثلت جلستهما في ضفاف النيل الأزرق بالعاصمة الخرطوم عند متنزه (الأسكلا) قبالة جزيرة توتي تعبيرا نفسيا عن رغبة المرأة (لمياء)في أن تعيش الحياة بالطريقة التي تناسبها وترغب فيها، وإن كانت قد تسللت خلسة من منزل أسرتها وأنها خدعت والدتها بأنها ستزور أسرة صديقتها لغرض معين وأن أخ صديقتها سيوصلها للمنزل، والأم تستنكر ان يكون أخ زميلتها هو من يوصلها إذ الأعراف والتقاليد التي تؤمن بها الأم- وهي راسخة في المجتمع-لا تسمح بمثل هذه العلاقات.
         إذن لمياء تريد أن تعيش حياتها كما تحب وأن تتمرد على قيم وعادات المجتمع، خرجت عنه للسكن بالمدينة (أم درمان)، رغم أنها لم ترتكب فعلا يراه أهل المدن -الأكثر تحررا- أنه غير مقبول.
صورة لمياء في المعدية التي ستأخذها للضفة الأخرى من النيل في زيارة عمتها المريضة بقرية تقع غرب مدينة شندي، وكيف أنها بدت كامرأة مختلفة في شباب القرية وانهم تطلعوا ان تنال إعجابهم أو أن يجدوا مجرد فرصة للاقتراب منها في محاولة الادعاء بمساعدتها على الصعود للمعدية عبر ذلك اللوح الخشبي .لنوع من التودد والغزل باعتبار أن بنات المدن يتقبلن الغزل على عكس ما هو ممنوع ومحرم في بيئتهم. ومن ثم إبراز التناقض في السلوك الذكوري للرجل الذي يريد ان يتغزل بطريقة يأباها وينكرها إن وقعت لواحدة من قريباته او أخواته، وهذا ما عبر عنه ابن عمة لمياء عندما تضايق من ذكر شباب القرية للبنت التي جاءت معهم بالعدية من المدينة.
الإشارة إلى الأعرابي الذي أسر لمياء بنظرته وهي في المعدية، وتعبيرها بطريقة خفية عن إعجابها به، ثم المصادفة التي جعلت ذات الأعرابي وهو يتجول على ظهر ناقته بأزقة القرية لبيع بعض الأعشاب التي يمتهن بيعها، أن يرى لمياء بمنزل عمتها بملابس البيت العادية وذهوله بها وفرحتها هي أيضا برؤيته مرة أخرى، ولكن ظهور ابن عمتها في الشارع وقمعه للأعرابي الذي كانت يتلصص بعيونه داخل منزلهم بطريقة غير مقبولة جعلها هي تختفي في الداخل. ولعل ما يمكن ان يقرأ من بين السطور هنا الإشارة إلى الطبقية التي يعاني منها المجتمع، وتصنيف الأشخاص حسب انتماءاتهم العرقية والقبلية، فلا يجوز لمثل هذا الأعرابي مجرد التفكير بأنه إنسان يمكن ان تحترم مشاعره في هذا المكان.
قصة الطالبة منال عبد الكريم التي مثلت مأساة هذه الرواية استطاعت الكاتبة أن تمثل من خلالها عدة قيم دينية واجتماعية راسخة، وهي قيم محمودة في مجتمع الرواية. حيث تعتبر منال طالبة جادة في دراستها وبارة بوالديها ومتفانية في خدمتهما، إضافة إلى أنها تراعي قيم الدين من إقامة الصلاة وتلاوة القرآن وغير ذلك، مما يجعل منها مثالا للفتاة التي تتسق وقيم المجتمع الذي تعيش فيه، وليس في سيرتها ما يدل على نشوزها عما هو موجود في مجتمعها.
             ولعل صدفة قدرية جعلتها تقع في طريق ذلك الشاب الذي يعمل فني مختبرات طبية في مستشفى المدينة التي تقطن فيها. وكيف أن استدرجها بطريقة نفسية جعلتها تنقاد له ببراءة، ولكنه يفعلها معها ويجعلها حبلى، ويفر من المستشفى في شندي إلى بلده في إحدى قرى الجزيرة في فعل ينم عن جبن وعدم مراعاة لمصير هذه البنت التي تركها نهبا للخوف من العار والأمل في أن يعود إليها ليتزوجها قبل أن ينكشف أمرها، في مجتمع لا يمكن إطلاقا أن يتقبلها طالما حبلت سفاحا فاختارت أن تحسم قهرها بأن تحتضن النيل حضنا أبديا لعلها تغسل عارها، وتخفي جريمتها.
ردة فعل المجتمع على انتحار هذه الشابة بعد أن انكشف سترها بواسطة تشريح الجثمان، يدل على تقبله لفعلتها، بل لومها أيضا لأن فعلتها ليست قاصرة عليها، بل ستكون سببا في قهر اخيها وأبناء عمها الذين تلطخت سمعتهم بهذه الفعل غير المتسامح فيه من قبل المجتمع مكان الرواية.
ردة فعل الشاب الذي كان سببا مباشرا في هذه الجريمة يشير إلى أن الكاتبة أرادت الإشارة إلى كون القهر ليس قاصرا على المرأة في كل الأحوال، بل الرجل أيضا قد يكون مقهورا ومقموعا، فلم لم يعد هذا الشاب لهذه الفتاة التي انتهك عرضها ليسترها؟ خاصة وأنه رأى فيها تعويضا عن زوجته المتوفاة في شكلها وعمرها وأنها تمثل تعويضا مناسبا.
            يعود ذلك حسب الراوي العليم لأن أسرته وحسب العادات والتقاليد قد قررت مصيره بأن يتزوج من أخت زوجته التي توفيت نتيجة تعسر في الولادة بسبب الختان الفرعوني القاسي الذي كان سببا مباشرا في حالة النزيف التي تعرضت لها والتي أودت بحياتها. فالإشارة إلى الختان الفرعوني هنا وضعت بعناية من قبل الكاتبة. غير أن قهر هذا الشاب تمثل في إلزامه بالزواج من اخت المتوفية رغم لأنها تختلف عنها وأنها ليست خيارا مناسبا له ولكنه رضخ لهذه العادات ولم يستطع مجرد التصريح بأن عليه أن يتزوج تلك الفتاة التي وعدها بالزواج بعد أن انتهك شرفها.
انتحار هذا الشاب يدل على عدم قدرته على مواجهة مجتمعه، وإحساسه بأنه تسبب بطريقة مباشرة في قتل نفس بريئة؛ بسبب جبنه وعدم قدرته على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح، فكان موقفه المتأخر هذا، وإن كان خطأ في حد ذاته إلا أنه يمثل صحوة ضمير متأخرة وقد كانت نتيجتها كارثية، عبارة عن انتحار بطريقة بشعة. ثم الإشارة على أن أسرته تسترت على سبب الوفاة خوفا من الفضيحة.
إشارة الكاتبة إلى أن جذور منال عبد الكريم تعود إلى منطقة بشرق السودان، وأن الشاب فني المختبرات الذي ارتكب الجريمة أيضا من خارج بيئة مجتمع الرواية، وقد جاء من إحدى قرى الجزيرة. لعل في هذه الإشارات ذكاء فني من الكاتبة؛ فرغم أن الشخصيات كلها خالية في واقع الأمر إلا أنها لم تربط هاتين الشخصيتين الملطختين بعار الشرف بإنسان المنطقة الأصلية التي تشكل مجتمع الرواية، ولعلها بذلك تدفع عن نفسها الدخول في مواجهة مع المجتمع المحلي، وكأنها تجعله بريئا من مثل هذه الأفعال التي هي في حقيقة الأمر تقع في المجتمعات السودانية وتتفاوت ردة الفعل حولها حسب الثقافة المحلية لكل مجتمع، وإن كان تجريمها اجتماعيا وخلقيا يعتبر مشتركا في المجتمع السوداني الذي في أغلبه يرفض هذه الأفعال لمناقضتها للدين والعادات والاخلاق.
أيضا تضمنت الرواية إشارات سياسية تمثلت في موقف عمران عبد الكريم المحامي الذي ظل عرضة للاعتقال بسبب مواقفه السياسية المعادية للسلطة، منذ عهد الرئيس نميري (زمن الرواية) والذي انتهى بهرب عمران خارج أسوار الوطن حتى تتهيأ له ظروفا سياسية مواتية ليعود للوطن، وينقذ حبه من لمياء التي كانت وفية له، فلم تتزوج طيلة فترات غيابه الممتدة أملا في عودته والزواج منه.
الإشارة من خلال مكتبة المأمور إلى الثقافة العالية التي يتمتع بها عمران ذلك السجين السياسي، مما يشير إلى أن المثقفين عموما في خصام مع السلطة وبشكل مستمر.
كون مأمور السجن يمتلك هذه المكتبة النادرة والمليئة بالمصادر والمراجع وبأكثر من لغة، يدل على ثقافة عالية لدى المأمور. وهو عكس الصورة النمطية في ذهن القارئ عن السجان وقسوته وغلظته واتهامه بالجهل.
استطاعت الكاتبة من خلال نموذج (عطور) زوجة المأمور أن ترسم صورة للمرأة السودانية المحبوبة في مجتمع الرواية، والمتقبلة لذاتها بهذه الصورة، امرأة أكثر اهتمامها بزينتها الشخصية والمتمثلة في اهتماها (بالدخان، والدلكة، والعطور المخلوطة مثل الخمرة) وغير ذلك مما يجعلها محبوبة ومرغوب فيها لدى زوجها. وهي الصورة التي عليها معظم النساء في بيئة الرواية امرأة تهتم بزينتها الشخصية وتقيم في المنزل تنظر زوجها بعد ان تعد له الطعام الشهي الذي يحب والذي يتوفر لديهم. وهذه الصورة بخلاف صورة المرأة المتحررة بمفهوم الثقافة الغربية، والتي تعمل ويهمها ان تلبي رغباتها وتحقق ذاتها بصورة مستقلة عن الرجل.
            نستطيع أن نختم القول هنا بأن الساردة استطاعت أن تمثل الواقع الاجتماعي للمرأة السودانية تحديدا، داخل مجتمعاتنا المحلية بصورة معبرة، تقاوم بشكل فني كل العادات والتقاليد السيئة والتي تتضرر منها المرأة، وفي الوقت نفسه تعبر عن قيم المجتمع وعاداته الإيجابية بحب كبير وتعاطف واضح من خلال الإشارات المتكررة لذلك عبر الإشارات الثقافية لكل ما هو تراثي بنوع من التأصيل والتناول الإيجابي المحبب.
استراتيجيات الكتابة السردية:
           يمكننا ان نقول إجمالا أن رواية حصار الأمكنة تعتبر من الروايات الجديدة التي تنتمي لروايات الحداثة أو روايات التجريب التي فارقت طرائق الحكي التقليدي المحكم، وقد وظفت تقنيات جديدة على مستوى اللغة وطرائق السرد وتقنياته، ومستوى الرؤية السردية.
       ونكتفي هنا بالوقوف عند لغة السرد تاركين الجوانب الأخرى لقراءات لاحقة إن شاء الله:
اللغة والوصف:
           استطاعت بثينة خضر مكي في هذه الر واية الإفادة من خبرتها التراكمية في الكتابة الإبداعية لتأتي عندها اللغة السردية بطريقة جديدة ،ليست مجرد لغة هدفها توصيل الحكاية مع مراعاة الفصحى فقط، وإنما استثمار طاقة اللغة واستغلالها للتعبير عن الموروث الثقافي وتأصيله ،والتعبير من خلاله عن الوعي بالمجتمع وما هو سائد فيه من قيم ثقافية ودينية وأدبية ،فقد استطاعت الكاتبة أن تهجن اللغة السردية بمدونة ممتازة من الألفاظ ذات الحمولة الثقافية ،والتي تعبر عن المرجعيات الثقافية         والاجتماعية في مجتمعنا السوداني ،ومن ثم استطاعت أن تدمج ما هو ثقافي وتعبر عنه بألفاظه التراثية ، ولكنها لم تغفل القارئ غير السوداني، فأشارت إلى معاني هذه الألفاظ في الهامش ،مما يؤكد على وعيها بوظيفة هذه اللغة الثقافية وأنها مقصودة في حد ذاتها لأنها تمثل إشارات مركوزة في الوجدان الجمعي للأمة السودانية ككل. وتعتبر هذه اللغة أكثر فاعلية في التوصيل المكثف لكل ما تريد أن تقوله الكاتبة، فالخيال الجمعي ينفتح مع هذه اللغة على ذاكرة خصبة ومليئة بالحكايات والمواقف والعواطف الإنسانية التي ما أن يشار إليها بلفظ حتى تتكامل صورتها في ذهن القارئ السوداني خاصة.
         ولنجمل القول بالإشارة لجملة من هذه الألفاظ التي وظفتها الكاتبة لحمولتها الثقافية:
             من ذلك جملة من الألفاظ المرتبطة بالحياة الاجتماعية عامة مثل (اللدايات-القوز- الزريبة- قنجة - الهدام- الشربوت- الحليب المقنن- الختة- الكوريق- الهبابة –الشملة ...إلخ)
        ومن ذلك ألفاظ خاصة بعادات ترتبط بزينة المرأة السودانية وبالزواج وبعض الطقوس المرتبطة به ومنها (حنة العريس، الجرتق، أغنية المناحة، الدوبيت، البطان، سد المال، أغنية السباتة، الشيلة، الدخان، الدلكة، الخمرة ...إلخ) قد اتبعت كل ذلك بشرح تأصيلي لهذه المفردات في الهامش مما يمكن الشباب من غدراك هذه المصطلحات الثقافية وكذلك يعين القارئ العربي والاجنبي على الفهم.
           ولعل هذا النوع من السرد الذي يمثل الهوية الثقافية قد أشار إليه الباحث العراقي عبد الله إبراهيم وذكر عدة نماذج اهتمت به في الرواية العربية، ذكر منها: 
موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، وكذلك روايات إبراهيم الكوني، ورواية فساد الأمكنة لصبري موسى، وغيرها من الروايات التي أظهرت قدرة كبيرة على تمثيل المرجعيات الثقافية.
             ويمكننا أن نضم بكل ثقة رواية حصار الأمكنة لهذه النماذج الفذة في الرواية العربية المعاصرة. نرجو أن تتقبلوا فائق تقديري على قراءتكم لهذه الورقة التي جاءت قاصرة على بعض الجوانب وتركت جوانب مهمة لم تتعرض لها ربما نعود إليها لاستكمالها في وقت لاحق.

هوامش البحث:
إدريس الخضراوي: الرواية العربية وأسئلة ما بعد الاستعمار، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط2، 2012م، ص64
 عائشة لعبادلية: الرواية من منظور الدرس الثقافي(مقال) مجلة آفاق للعلوم 2017م، ص231
 عبد الله إبراهيم: موسوعة السرد العربي، ج2، المؤسسة العربية للدراسات والنشروالتوزيع،ط1، 2008م، ص67.