الأستاذ الدكتور المفكر عبدالله علي ابراهيم 

الأستاذ الدكتور المفكر عبدالله علي ابراهيم  الربيع العربي لم يدعمه مثقف أو رؤية المثقف لم يخدم السياسة كمثقف  جيل شيبون كان يصرف من يصف نفسه ب"المثقف" ويهزأ به الاستنارة والديمقراطية متلازمان لا يتقدم احدهما على الآخر حوار  – عامر محمد أحمد يعد المفكر عبدالله علي ابراهيم أحد كبار الكتاب في السودان وأكثرهم تزويداً للمكتبة العربية بالعناوين الجديدة في الفكر والأدب مع اهتمام بعلم الاجتماع ركيزة في محاوراته الفكرية وقراءاته الثقافية, يتكيء أستاذ التاريخ

الأستاذ الدكتور المفكر عبدالله علي ابراهيم 

الأستاذ الدكتور المفكر عبدالله علي ابراهيم 
الربيع العربي لم يدعمه مثقف أو رؤية
المثقف لم يخدم السياسة كمثقف 
جيل شيبون كان يصرف من يصف نفسه ب"المثقف" ويهزأ به
الاستنارة والديمقراطية متلازمان لا يتقدم احدهما على الآخر
حوار  – عامر محمد أحمد

 

 

 

 


يعد المفكر عبدالله علي ابراهيم أحد كبار الكتاب في السودان وأكثرهم تزويداً للمكتبة العربية بالعناوين الجديدة في الفكر والأدب مع اهتمام بعلم الاجتماع ركيزة في محاوراته الفكرية وقراءاته الثقافية, يتكيء أستاذ التاريخ بالجامعات الأمريكية على ذخيرة وافرة ثقافية وموسوعية جعلته في موقع الصدارة بين رفاق دربه وأبناء جيله وهو ابن الطبقة الوسطى والمدافع عنها باللسان والسنان والقلم كما ظل مواصلاً لرسائله في الأدب والفكر والسياسة بزاوية نظر المثقف المنتمي الى نفسه ثقافة وأهله حضارة وأمته فكرة وما بين مقره والخرطوم دار الحوار وكانت هذه الحصيلة..
× في كتابك عن الشاعر محمد عبدالرحمن شيبون وانتحاره ظهرت مأساة المثقف في حزب عقائدي هل كان انتحار شيبون احتجاجاً على وضعه داخل الحزب الشيوعي أم احتجاجاً على علاقته مع الرفاق؟ 
-شيبون من جيل المثقفين-المتعلمين الذين وصفهم أستاذنا عبد الخالق بأنهم "انغمسوا" في الشعب في آخر الأربعينات وفي الخمسينات فتحوا جبهات مبتكرة للعمل بين العمال والمزارعين. وبلغوا تلك الجبهات بعموميات الماركسية وسخروا موهبتهم بشكل فدائي لنضال الشعب الوطني والاجتماعي. المثقف كإشكالية حزبية ظهر للسطح خلال المؤتمر الرابع (1967) وما بعده. والسبب في ذلك هو نهوض الشعب في ثورة (أكتوبر 1964)..
× أطاحت اكتوبر بنظام عسكري وأتت بالديمقراطية؟
-لم تطح بنظام ديكتاتوري بل غيرت تركيبة السلطة لأول مرة بتمثيل المهنيين والعمال والمزارعين في سدة السلطة لأول مرة. كانت هذه السدة قبلها في كل ديمقراطية حكراً لطبقة الإرث من زعماء الطوائف الصوفية والقبائل. وكان هذا النهوض الجديد بحاجة إلى قدرات ثقافية تزلزل بنيات المجتمع القديم الإرثي ببرنامج ييسر صعود هذه القوى الجديدة، واستتبابها في الحكم.
×هذا الجيل وجد من الفرص ما يعطيه نعمة التبصر في أهمية دور المثقف؟
- جيل شيبون كان يصرف من يصف نفسه ب"المثقف" ويهزأ به ك"لقمان الحكيم". كان هذا ما وصف به رفيقنا الصحافي المخضرم بقادي في صدام مع الشاعر الكاتب صلاح أحمد إبراهيم. وأعتذر عن ذلك لاحقاً بشفافية وخلق. كانوا كما وصفتهم فراشات تحترق من اجل الشعب.

 

 

 

 


× خروجك كمفكر يساري من الحزب الشيوعي جعلك أكثر انفتاحاً على التيارات الثقافية.. هل يحد الاهتمام السياسي من حركة المثقف؟
-لم احتج للخروج من الحزب للانفتاح على تيارات ثقافية كنت محروماً منها كما يوحي السؤال. انفتحنا كشيوعيين طلاب حتى على مسرح العبث الذي استنكره ماركسيون أعتى منا وأرسخ. للماركسية السودانية خصيصة انفتاح لأنها كانت نافذة السودان الوحيدة تقريباً على سائر الحداثة. كانت تياراً فكرياً في حد ذاتها وجسراً وطنياً لثقافات الدنيا.  
× مساهمة المثقف اليساري السوداني النظرية أضعف من مساهمته حركياً داخل التيار اليساري ولماذا؟
-ربما استفاد القاريء هنا من إجابة سابقة. حين أراد الحزب بعد ثورة أكتوبر تنشئة المثقف الذي يعمل كمثقف في دهليزه لم تجد هذه الخطة تطبيقها بعد وفاة راسمها استاذنا عبد الخالق. وقد شرحت ذلك تفصيلاً في رسالتي لمؤتمر الحزب السادس الذي انعقد قبل أيام. للأسف لم يلتزم محمد إبراهيم نقد، السكرتير الخالف، بالخطة. فقد استخدم طائفة من أميز المثقفين مثل الخاتم عدلان والحاج وراق وفاروق كدودة خارج وصف وظيفته ككادر سياسي ومنبري وتنظيمي. المؤسف أنهم سعدوا بهذا التوظيف الخاطئ حتى استبانوا النصح في ضحى الغد.
 × ماهو دور المثقف في التغيير في ظل انعدام الأدوات والرؤية.. كيف يصل للتغيير الحقيقي والمساهمة في التطور والتحديث؟
-انعدام الرؤية وقع لأن المثقف لم يخدم السياسية كمثقف. وفهم من التزامه بالحزب السياسي الخضوع وطأطأة الفؤاد. فلم "يرم بعيد، كما نقول، أي أن يستبق إقليم التكتيكات إلى إقليم الاستراتيجية الذي هو حقل الرؤية.
× هل كتب على المثقف أن يطارده حزبه والسلطة الحاكمة وشعبه؟
نعم. لأنه لم يطارد نفسه بأخذ التبعة التي على كاهله بحقها: خلوة وجلوة. ظل عالة على الدولة والحزب يتكفف الجاه والقراء ويكتب بما يطلبه المستمعون.
× ثمة روح جديدة تسري في مفاصل المثقف بالسؤال عن دوره. كان دوره سابقاً للزينة وأن يحشر في الخيال "ضحى"؟
بعد نكساته الأخيرة مع الحزبية صح أن يسترد نفسه من سلطان غيره ويسائله لا يخفض له جناح الذل. فكساد السلطان (حكومة ومعارضة) في ذبول فانوس المثقف الذي يضيء في آخر النفق. ما أبلغ الشاعر الذي قال:
والبندر فوانيسو البيوقدن ماتن
            وأرخى الظلام جناحه علينا
× التغيرات الدراماتيكية في الواقع المعاش ثقافياً واجتماعياً حتمت لباس المثقف رداء الميدان إلا انه أصابه الفشل ميدانياً في القاهرة وطرابلس وصنعاء؟
-لنسأل إن كان وراء الربيع العربي نظر مثقف أي رؤية. ستجد أن من استحق الفضل في وثبة الربيع كان الوسائط الجديدة. لم اسمع بمثقف يذكر في باب الرؤية.  
× تجربة المثقف مع المطالبة بالحريات فاشلة وصراعه من أجل سيادتها في حزبه أفشل, وفي مجتمعه مطاردة للأحلام؟
-بالطبع تعرف الآن أنني لست "ممن بكى أو تباكى" على المثقف للمزاعم أنه مظلوم من حزبه أو نحوه. بل هو ربما استحق أكثر من ذلك لأنه طأطأ الفؤاد في حضرة السلطان.
× الاستنارة التزام والمثقف السوداني لم يلتزم بالاستنارة بل انقلب عليها للوصول السريع عبرها وترك ما يؤمن به من أفكار لحساب الايديولوجيا والحفاظ على الحزب؟
-جئت لي. سؤالك حصانك. فالمثقف عندنا بشكل عام عجول لا يستأني. قلت مرة هذا من أثر ثورة أكتوبر: مظاهرة، شهيد، تغيير، مناصب. فقامت الثورة في رحاب الجامعة ثم لم تعد الجامعة كما ينبغي أن تكون برجاً عاجياً للدرس والتحصيل والكتابة مع الأناة.
× النسق المثالي في البحث عن الحقيقة الكلية والوجود الحقيقي أصاب المثقف الحزبي بالتناقض بين ما يراه وما يراه تنظيمه, بين ما يؤمن به وما تسير به روح التاريخ والمجتمع؟
-قلت إنه  ملازم الفروة وهي عبارة عن من كانوا يلزمون فروة الخليفة آناء النهار يجدهم متى طلبهم. حين لا تأتي "للفروة" مثل ما فعلت انا منذ أربعين عاماً قامت قيامتي ولعنوني..
× هل تؤمن بتقدم الاستنارة على الديمقراطية اذ لا ديمقراطية حقيقية بدون شعب مستنير لا يكفي "فك الخط"؟
-إنهما متلازمان. لا يتقدم الواحد على الآخر لأن الديمقراطية (أو طلبها) هي حاضنة الفكر الطليق الشارد نحو النهضة.
× أنت تعلم أن المركزية الديمقراطية لا سؤال فيها ووظيفة المثقف السؤال, لماذا الانتماء لفئة لا تؤمن بالسؤال؟
تحميل المركزية الديمقراطية سوءة الحزب مع المثقف تشخيص خاطئ. لن يبلغ أي تنظيم الغاية منه بغير قبس أو آخر من هذه المركزية الديمقراطية. وهي إن ساءت لا تسئ للمثقف كما جرى الاعتقاد. إنها تؤذي كل عضو فيه وتهدم الكيان. كما جاء في رسالتي للمؤتمر السادس للحزب فأزمة المثقف في الحزب هي أن الأحزاب لا وصف وظيفي لها للمثقف سوى أنه ملازم فروتها وكاتب عرضحالتها وكلب حراسة تاريخها. ولذا ثمنت جهد أستاذنا عبد الخالق محجوب الذي كتب وصفاً وظيفياً للمثقف في حزبه منذ المؤتمر الرابع للحزب في 1967.
× هل قيام تنظيمات على أسس ديمقراطية يقي من سؤال المثقف؟
- هذا كدح في الطريق الصحيح. فلن يحلنا قيام الأحزاب على محض الديمقراطية. فرالف نادر، المحامي والناشط في قضايا المستهلك الأمريكي، نال الأمرين من الحزب الديمقراطي الأمريكي لأنه جرأ على نزول الانتخابات كمرشح للخضر. قرأت عن افتتاحه لمتحفه لمسيرة النضال من أجل المستهلك الأمريكي أقامه في براري أمريكا معتزلاً ممن كانوا يعتقدون فيه يوم كان معاهم معاهم.