أسئلة الشعر والراهن والتجربة

أسئلة الشعر والراهن والتجربة الشاعر التونسي محمد العربي : -الشعر منفلت من كل تصنيف ومفهوم -أغلب ما يكتب من رواية عربية هذيان -لا أطمئن لما أكتبه -الشعر يورث الفقر فى المجتمع العربي فقط .

أسئلة الشعر والراهن  والتجربة

أسئلة الشعر والراهن  والتجربة

الشاعر التونسي محمد العربي :

-الشعر منفلت من كل تصنيف ومفهوم

-أغلب ما يكتب من رواية عربية هذيان

-لا أطمئن لما أكتبه

-الشعر يورث الفقر فى المجتمع العربي فقط .

 

حوار : محمد نجيب محمد على – عامر محمد أحمد

 

 


الشاعر التونسي محمد العربي يعد من الشعراء أصحاب البصمة الواضحة في الشعر ، في راهن موقع الشعر في خارطة الكتابة . تفرق دم الشعر بين أجناس الإبداع لكنه موقع وموقف قائد للتفكير والإستنارة . الشعر تمرد ومحمد العربي تمرد على الساكن والراكد ، ويرفض مقولة زمن الرواية وأن الجوائز ومنطق السوق يحكمون السياقات وليس تراجع الشعر . فاز محمد العربي بجوائز شعرية كثيرة ، جائزة بيت الشعر التونسي أفضل مخطوط شعري 2014، وجائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب – أصيلة – المغرب 2018 ، وجائزة أيام قرطاج بتونس 2019 . وهو متحصل على الإجازة في اللغة والآداب والحضارة العربية ، وترجمت له أعمال ونصوص شعرية إلى الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والفارسية والكردية . من إصداراته : حتى لا يجرحك العطر ، القتلة مازالوا هنا ، حين كنت تحدثينني عن الحب .إلتقيناه وكان هذا الحوار .

-هل في استطاعة الشعر تقديم مزيد من البلاغة الشعرية عن شقاء العالم.؟

الشعر هو أقدم الفنون على الإطلاق، كان و مازال يغني شقاء الإنسان وغربته في هذا العالم.فكما احتاج الانسان الأول الى فكرة الله والدين فقد احتاج أيضا الى الشعر للتعبير عن مكنوناته، عن سحر الوجود وعبثيته معا.عن الجمال والقبح في داخله وفي العالم.إن الشاعر سيبقى ضمير العالم الحي والمتيقظ مهما كانت الظروف التي تحاول قمعه أو اسكاته.
-الشعر ديوان العرب تحولت حوائط الديوان إلى ألوان متعددة روايات وتشكيل ونثر؟
كان الشعر ديوان العرب حين كان للعرب مجدا وسيطرة على العالم في ظل حضارة متوهجة تسدعي الفكر والفلسفة والعلوم ومنفتحة على المعرفة . قبل أن تدخل الحضارة العربية مراحل من الانحطاط والجمود والتكلس وإلغاء للعقل.
النثر أيضا أضاف الكثير للمدونة الأدبية العربية. صحيح أن الرواية تحتل اليوم موقعا أكثر من مهم من حيث الاهتمام والقراءة وهذا يعود الى أسباب عديدة ليس من بينها تراجع الشعر أو كما يدعي البعض أنه زمن الرواية بل ان السبب الأول هو منطق السوق والجوائز التي لم تكن يوما دليلا على جودة عمل أدبي من عدمه.، فأغلب ما يكتب اليوم من روايات هي في الحقيقة تعبّر عن قدرة الكتاب العرب وطاقتهم الرهيبة عن الهذيان .رغم اني لا أنكر وجود أعمال روائية عربية متفردة.
-الشعر يعيش في راهنه مرحلة انفصال عن الجمهور، ماهو السبب في هذا التراجع عن التأثير على المشهد الإبداعي؟
ربما الجمهور هو الذي ابتعد وانفصل عن الشعر والأدب والفكر عامة، وانشغل بأشياء أخرى من بينها همومه اليومية ،وما تعيشه الشعوب العربية من مشاكل اجتماعية وسياسية ونفسية.نحن نعلم جيدا أن الانسان العربي لا يقرأ وهذا لا يعود الى أن ما يكتب لا يعبر عنه.
ربما علينا أن نواصل الكتابة بغض النظر عن مدى مقروئيتنا.وأن لا نفكر فقط في اللحظة الراهنة.ثمة أعمال أدبية عظيمة اكتشفت بعد الاف  السنين، وظلت أعمالا خالدة.كثيرون هم الادباء الذي ماتوا دون أن ينعموا ولو قليلا بما حققوه من نجاح وانتشار وربما يعود هذا الى أسباب واضحة أو غامضة...

 

 

- قال أحمد عبدالمعطي حجازي في وصف قصيدة النثر"القصيدة الخرساء؟
ليس حجازي وحده من حارب قصيدة النثر بل نقاد كثيرون قد حاربوها ووصل بهم الأمر الى اقصاء كل من يكتب في هذا الشكل.وأعتقد أنه لم يكن دفاعهم عن الشعر بل عن الوزن اذ ظنوا كما رسخت المدونة النقدية القديمة في الأذهان أن  كل كلام موزون يدل على معنى هو شعر وأن هذا الشكل من الكتابة هو  تشويه للشعر بل وصل بهم الأمر الى تخوين من يكتبها، وكل هذا هراء. اذ لا تعثر أحيانا عن الشعر في الوزن ولا في النثر والمسألة أعمق بكثير من هذه المفاهيم الغوغائية. فالشعر ينفلت دائما من كل تصنيف ومفهوم. وأظن أن هذا الصراع قد حسم منذ زمن.واني أشفق كثيرا عن الذين مازالوا يتمسكون بهذا الجدل العقيم.

- قصيدة النثر تحولت إلى منصة التساهل في كتابة الشعر؟
صحيح ،الكتابة في شكل قصيدة النثر صارت مستباحة ومنصة لاستسهال كتابة الشعر.وهذا ينطبق أيضا عن القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة التي هي عبارة عن نظم للكلمات الموزونة لا غير.
تلك هي المشكلة في اعتقادي لا علاقة للشعر بالوزن ولا بالنثر.فهو معادلة أخرى تنفلت من كل هذه المعايير.
نحن بحاجة ماسة الى غربال مخائيل نعيمة.

 

 

-تعريف الشعراء للشعر مختلف، ماهية الشعر كيف تعرفها؟
هذا هو السؤال الاشكالي فعلا وهو ما يندرج في سياق حديثنا عن ماهية واضحة للشعر لان قوته وجماليته ربما تتشكل من انفلاته عن التصنيف والتشكل في مفهوم دقيق وشامل.
في إحدى محاضرات بورخيس وتحديدا محاضرته "لغز الشعر" والتي حاول فيها تعريف الشعر على أنه عاطفة ومتعة بالأساس.يحدثنا بورخيس عن القس بيركلي الذي تصور أن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها- فالتفاحة بذاتها لا طعم لها- وليس الطعم في فم من يأكلها،وإنما في التواصل بين الإثنين.والشيء نفسه ينطبق هنا  على الشعر...

-هل يجرح العطر الروح؛-"ديوانك حتي لايجرحك العطر"؟
ما حاولت التعبير عنه في كتابي البكر "حتى لا يجرحك العطر" هو سيرة الشاعر وهي سيرة مليئة بالروائح والعطور اي بالذكريات التي تجرح. ليس هنالك ذكرى لا تجرح حتى الذكريات الجميلة لاننا لا نستطيع أن نقبض عن الزمن.
انه كتاب يصور الخيبات السياسية والعاطفية و النفسية في بلد ولدنا فيه مصادفة.وفشلنا في تغيره نحو الافضل.حلمنا بالثورة ودافعنا عن احلامنا لكننا استيقظنا على كابوس مرعب.ربما جاء ذلك الكتاب ليضمد ذلك الشرح بين الحلم والواقع. ليخلق معادلة ما بين الينابيع الحارة للطفولة وبين الاسمنت البارد…
ربما اكتشفت أن الكتابة هي الوحيدة القادرة على تضميد كل تلك الجراحات.

-ماذا أردت أن تقول بدواوينك الشعرية؟
أحيانا أشعر بأن كل شيء قد قيل من قبل ولا جدوى من الكتابة.أي ربما ، ليس هنالك كاتب على هذه الأرض لم يسأل نفسه ما الذي أريد قوله بما أكتب وما الذي قد أضيفه لما قيل.لكن اذا تمعنت في تاريخ الأدب عموما ، تجد انه بستان عظيم ، وكل ساهم فيه بقدر ما. ثمة دائما مناطق لم تكتب بما يكفي ربما هي حياتك أو حياة الآخرين.
لكل منا بصمته في الحياة التي قد تشبه غيرها لكن ليست هي.ولكل منا خطوته وأسلوبه في الكتابة.
- تونس فتحت أبواب الربيع العربى، لماذا نجحت الثورة التونسية في استمرار الديموقراطية وفشلت الشعوب في دول أخري وكيف تعرف الثورة  ؟
ربما الصدفة هي التي جعلت تونس تكون أول من فتح باب "الربيع العربي" وربما ليست صدفة مازلنا لا نعرف.فقط أنا أعرف الى حد الان أنه ليس ربيعا بل محاولات بائسة للانتفاضة قوبلت باستغلال من قبل منضومات فاسدة جديدة.أي أنه في الحقيقة لا شيء تغير.بل اننا نمضي الى المجهول والى وضع أشد انحطاطا من قبل.
الثورة اذا لم تحدث في الثقافة والفكر والعقل أساسا فإنها حتما فاشلة من قبل أن تبدأ وأحسن دليل ما يحدث اليوم في دول عربية كثيرة .من بينها تونس. صحيح أن تونس لم تنزلق الى مربع العنف بشكل مباشرة لكننا شهدنا الاغتيالات السياسية ومحاولات كثيرة لاثارة الفوضى والتفرقة بين أفراد المجتمع.وربما غياب الطائفية وطبيعة الإنسان التونسي المسالمة ساهما في وضع مستقر الى حد ما.
أما بالنسبة إلى الديمقراطية فقد أنجبت لنا حركة النهضة الإسلامية...
أقصد أن المنضومات الفاسدة والرجعية يمكن أن تصنعها الديمقراطية كما الديكتاتورية في غياب الثقافة والفكر.

 

 

-تجربتك مع الكتابة، كيف تنظر لها وماهي خطط المستقبل في تطوير المشروع الإبداعي لمحمد العربي؟
لا أطمئن  لما أكتبه، حتى وإن شعرت في لحظة بتوهج نص ما أو فكرة ما فإنه سرعان ما أعود الى الحيرة نفسها القلق حول تجربتي.أظن أنه كلما توغلنا في الكتابة إلا وصارت المهمة أصعب.
الكتابة ليست سهلة أبدا ،إنها أصعب شيء على الاطلاق.اني أعود اليها كأنني أكتب لاول مرة.وعدم الرضا حول منجزي هو ما يدفعني دائما الى البحث عن مواضيع جديدة وأرض أخرى وسماء بعيدة. لا بد من تغيير دم النص.لا بد من المغامرة والتجديد في الأسلوب... في الحياة وفي الكتابة.
أصدرت 3 كتب شعرية ولي 5 مخطوطات جاهزة للنشر وكتاب في القصة القصيرة.وأشتغل ببطئ على عمل روائي.

-ماذا عن  العولمة الثقافية وتأثيرها على الثقافات الوطنية؟
لكل عصر ايجابياته وسلبياته وكذلك التقدم العلمي والتكنولوجي .نحن ندفع ضريبته كل يوم من حياتنا. صحيح أن العالم قد صار قرية صغيرة وبامكاننا الحصول على المعلومة في وقت أسرع ألف مرة من قبل. وبامكانك أن تجوب العالم وأنت في مكانك. لكن هذا التقدم قضى على التجربة الشخصية لكل مجتمع. على ثقافته وخصوصياته وتفرده....
-الشعر يورث الفقر ما قولك ؟
الشعر لا يورث الفقر الا في مجتمعاتنا العربية التي لا تقدر الفن الذي يمثل هوية الشعوب وضميرها.
يقول إميل زولا "أكتب كي أصير ثريا ومشهورا".بينما في مجتمعاتنا يظل الكاتب يسعى خلف لقمة العيش. بينما الكتابة مهنة صعبة تحتاج فعلا إلى التفرغ لكن الكاتب العربي لا يستطيع أن يعيش بقلمه، وهذه هي المشكلة.