لعنة الكتابة

لعنة الكتابة حميد الرقيمي - اليمن لم أفكر قط بأن أصير كاتباً، لقد عشت طفولتي كبقية الأطفال الآخرين، بين كرة القدم والألعاب التقليدية، فقط مرافقتي والدي الدائمة كانت الإستثناء المختلف عن رفاق طفولتي، كانت التجارب التي تتقطر من أفواه أصدقاء الوالد تأخذ مداركي إلى دوائر واسعة

لعنة الكتابة

لعنة الكتابة

حميد الرقيمي - اليمن

 

 

 

 


لم أفكر قط بأن أصير كاتباً، لقد عشت طفولتي كبقية الأطفال الآخرين، بين كرة القدم والألعاب التقليدية، فقط مرافقتي والدي الدائمة كانت الإستثناء المختلف عن رفاق طفولتي، كانت التجارب التي تتقطر من أفواه أصدقاء الوالد تأخذ مداركي إلى دوائر واسعة، وكنت معها أفسّر الأشياء بهواي الطفولي دون أن يدري أحد ماذا يجول في داخلي، لم أكن أترك همزاً أو همساً مشفّراً يجري بين تلك الفئات دون أن اختزنها في ذهني وأسرح بها باحثاً عن القواسم المشتركة الأخرى التي تربطها بشكل متناسق يجعلها أكثر قبولاً وتصديقاً، ذات يوم لمّحت لأبي بمعرفتي خيوط حكاية معيّنة؛ فلم يكن منه إلا الدهشة التي وضعها في صدري وهي يسند محبته ورضاه عن هذا الإدارك المبّكر مشفقاً في الوقت نفسه عن حياة صعبة سأعيشها في هذا التعمّق الذي لا يقود إلا إلى الحقائق، والحقائق دائماً متعبة يا ولدي، قالها وقد خالطه المزيج الثقيل الذي لا يميل إلى جانب دون أن يدمي الجانب الآخر، اليوم أنا مسكون بهذه الدهشة، تغّلفني ذكريات كلّما ظننتها شردت مع الرياح ، ألقاني أنقب بقايها التي تقودني بنشوة المستبد إلى بقاياها الأخرى، لم أفكر قط بالكتابة، صحيح عندما كنت طفلاً انسج في خيالي حكايات مأخوذة من تجارب صبيانة مراهقة، وكنت أخرجها للآخرين بطرق مختلفة، تشبه ما يسكنهم تارة ، وتارة أخرى تلتقي في المفترق الأهم، لكنني لم أكن أختنق إذا لم أفعل، صرت أشعر بالإختناق عندما لا أكتب، تُمسكني الحروف من حنجرتي ، تربض على نبضات قلبي، تسري بشظاياها مع أنفاسي، ولا فكاك من هذا كله إلا بالورق التي أحملها ومعها صوراً كثيرة لم أكن أعلم بوجدها في حياتي إلا عندما أكون على وشك الموت اختناقاً، وفي عمق هذا دائماً ما أسأل نفسي خائفاً ماذا أكتب لهؤلاء الذين أشبعتهم حروفي ضجراً ومللاً، لم أحمل إليهم إلا جثث ضحايا، وأنين مشردين، وصيحات أطفال تسرقهم المتاهات دون رحمة، ماذا سأقول مجدداً في حروف مصلوبة بالمنافي لا تعرف طرقه  إلى السكون والطمأنينة، صدقوني بأن التمرّس على الكتابة لعنة حقيقية لن يدركها الكاتب الأحمق إلا في لحظات اختناقه وموته البطيء.