كتاب التصوف بين الدروشة والتثوير(5) خطاب السياسة في ميزان الناقد الآخر *عامر محمد احمد حسين..

كتاب التصوف بين الدروشة والتثوير(5)  خطاب السياسة في ميزان الناقد الآخر  *عامر محمد احمد حسين..

كتاب التصوف بين الدروشة والتثوير(5)

خطاب السياسة في ميزان الناقد الآخر

*عامر محمد احمد حسين..

لقد كان مؤسسو الفكر الصوفي على دراية وثقة بأن الطريق طويل وشاق ،وبالفعل فإن سيرتهم الشخصية والفكرية مثلت بالتجربة والبرهان الطريق الصعب الي العرفان ،وان ماوصل إلينا منهم كان في جوهره الاساس المتين لقراءة آثارهم وأثرهم وتأثيرهم.وبعيدا عن تمسح كتاب التصوف بين الدروشة والتثوير بالتصوف ومواقف المتصوفة ومحاولته تأطيرهم في قالب يخصه في دعايته السياسية لمايعتقده من معتقدات فإن الاجراء الاول لتاسيس خطاب حول التصوف ،يتمثل في العنوان وتركيبته العجائبية، والعجائبية في اللغة:عجب شديد:المبالغة.وعجب عجاب:شديد المبالغة..والسؤال بعيدا عن هذه العجيبة،لماذا يشتم الكاتب النحرير المتصوفة ويصفهم بالدروشة  ،ثم يدعوهم لركاب قطار الثورية ،أليس مثل هذا الخطاب هو السياسة بعينها، واحابيلها،وخطابها المعلن والمضمر..واعجب من كل ذلك ان الكتاب في سياسته وتجواله بين الكتب-المصادر- لم يترك بابا يدخل منه الي حقل السياسة، إلا طرقه ووقف امامه مسكينا درويشا ،يحمل في (اياديه الابريق) كي يغسل عن اهل العرفان-الدروايش -الغفل-ماعلق بالثوب من (رقع والوان وثقوب في الجبة والراس)..والعجب العجاب ،رفض صاحبه للنقد ونصيحة خالصة من زميل وصديق.إذا اتاك يوما يقين باكتمال وكمال ماتكتب..اترك الكتابة.. ولن تندم لانك لن تضيف للعالم مايفيد،وستخصم من مقالاتك الصحفية ونضالك السياسي...يقول الاستاذ عبدالله الشيخ"التصوف موقف تاريخي اجتماعي وسياسي إتخذته النخبة السياسية عقيدة وتقية لكسب الغالبية العظمي التي تدين به.استصحب تحالف الفونج والعبدلاب سنن العصبيات القبلية فجعل التقريش-او الانتساب العرقي قاعدة لإكتساب الشرعية وإعتلاء السلطة من هنا قدم الفونج انفسهم كسلالة اموية --في مقابل نسب العبدلاب العباسي..كتاب التصوف بين الدروشة والتثوير..ص.162".في كل تعريفات التصوف لم اجد مثل ماجاد به للتعريف بالتصوف الاستاذ عبدالله الشيخ-التصوف :موقف تاريخي واجتماعي وسياسي اتخذته النخبة السياسية عقيدة وتقية..والعجب العجاب:استصحاب الفونج والعبدلاب سنن العصبيات القبلية وجعلوا من الانتساب لقريش قاعدة لاكتساب الشرعية وإعتلاء السلطة..الفونج:قدموا انفسهم كسلالة اموية والعبدلاب كسلالة عباسية..والسؤال من الاقرب الي قريش الاشراف العباسيون ام آل امية وبعيدا عن قراءة التاريخ معكوسا وإستنطاق مقولات تلك الفترة بما هو ظاهر لمن يبحث عن قشة تقيه شر الغرق  لذلك حمل الفونج والعبدلاب اوزار في الاختلاف وتنافسا بين آل العباس وآل امية(اتخذوا التصوف عقيدة وتقية لكسب الغالبية العظمي) وفي كل تناول او بحث في تاريخ وفكر تصوف اهل السودان لم اجد اعتسافا مثل هذا الاعتساف الظالم ، والقراءة المغلوطة ، ..

آثار العروي بالمقلوب..

بحثت في كل هوامش ومصادر كتاب الاستاذ عبد الله الشيخ(التصوف بين الدروشة والتثوير) عن كتاب الدكتور(عبد الله العروي) (العرب والفكر التاريخي) وكتاب الدكتور (حسن حنفي) (من الفناء الي البقاء) ولم اجدهما وحتى لانظلم الكاتب فإن توارد الخواطر وارد جدا ويقع ضمن نطاق المعقول وإنما نطاق اللامعقول ان يكون الكاتب قد هضمهما  واستوعبهما وكتب مقتفيا آثارهم ورؤاهم ولم يذكرهم بالخير ،او يثبت لهم تأثيرهم عليه في غدوه ورواحه بينهما وإن اعترف للراحل الدكتور(حسين مروة ونزعاته المادية)..ماعلينا..يقول الدكتور عبدالله العروي في كتابه(العرب والفكر التاريخي) "فالمثقفون الذين نناقش مواقفهم لانهم ثوريون في اهدافهم وتقليديون في تفكيرهم ومنطقهم هم الذين روجوا فكرة المنهج الثالث .إنهم يهدفون إلي التحرير الاقتصادي بالاصلاح الزراعي والتاميم والتصنيع ويظنون ان مضمون هذه الإصلاحات هو الاستراكية وبما ان الإشتراكية ليست الإقطاعية ولا البرجوازية فإنهم يعتقدون انهم ينهجون نهجا ثالثا يخالف في نفس الوقت المنهج التقليدي السائد في المجتمعات السابقة للراسمالية والمنهج البرجوازي المتغلب اليوم في الغرب الراسمالي..وهكذا تختلط في اذهانهم الاشتراكية التي هي مجموعة اهداف سياسية واجتماعية واخلاقية والماركسية التي هي طريقة تحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية.والواقع ان الاشتراكية ليست دائما ماركسية ممايدل على ذلك تعدد الوانها وهويتها ومن السهل ان تتفق مع المنهج التقليدي بل يمكن ان تنبني عليه في البلاد التي لاتعرف تقدما اقتصاديا ملموسا--العرب والفكر التاريخي-ص8-9..عبدالله العروي"

-يبحث الكاتب عبد الله الشيخ في كل كتابه عن طريق ثالث متخيل بين ثورية  وتقليدية ،يراها وهي في حقيقتها الاجتماعية الاكثر إلتصاقا ومعرفة بتطور مجتمعها السوداني.

-يكاد كتاب التصوف بين الدروشة والتثوير تلخصه فكرة وشرح وتحليل المفكر المغربي عبد الله العروي في هذا الفهم العميق لمثل هذا التيار والحالة السودانية ومعامل ومختبرات التجارب التي يمارسها كتابة البعض دون معرفة كافية بتاريخ هذا الشعب.. يقول عبدالله الشيخ"كان غزو السودان عام 1821م من اهم العوامل التي تضافرت لإعلان نشأة الدولة القومية على الجذر القبلي.كان الأثر الخارجي-الغزو -لقاحا جدد ماء الحياة في النواة ،ممثلة في سلطنة سنار ،فأصطحبت الدولة في نشاتها الكثير من تقاليد القبيلة وفهم الطريقة التي كانت الايديولوجيا الهادية للسلطنة طيلة ثلاثة قرون.خلال تلك الفترة خدم التصوف العفوي غرضه حتي افلس ولم يعد يلبي حاجات الواقع الاجتماعي وبدأ التعثر في خطى الطليعة الصوفية حتى وقع الفراغ الذي ملأه الأتراك"-كتاب التصوف بين الدروشة والتثوير" يتخذ عبد الله الشيخ،زواياه من تناقضات يراها  الصواب.ومن بين هذا الصواب نقرا الآتي: غزو محمد علي للسودان-لقاح جدد ماء الحياة في الدولة القومية ذات الجذر القبلي..والصحيح ان الباشا محمد علي ،كان يريد التخلص من جيشه القديم الانكشاري، ومع رفض الفلاحين المصريين دخول الجيش وهروبهم فإن الأستيلاء على السودان بفهم الباشا الالباني يمثل له الحل لإقامة وتشييد مملكة محروسة بجيش منضبط..وكان العنوان الأبرز زيادة عدد وعتاد المماليك في شمال السودان وتمددهم وهو ينظر بعيني الثعلب الماكر الي (ثأر القلعة) ..ولكن المحير اللقاح الجديد لعلاج(كورونا الالبان وسيطرتهم على الدولة العثمانية)  ومن ثم اصطحاب الدولة السودانية الجديدة على يد محمد علي باشا -تقاليد القبيلة وقيم الطريقة التي كانت الايديولوجيا الهادية للسلطنة طيلة ثلاثة قرون..والمعلوم بالضرورة ان حكومات التركية/الالبانية في السودان ومصر ماكانت تشرك في السلطة العليا رعاياها من دولتي وادي النيل،وإذا كان يريد بهذا اللقاح الدولة السنارية  فإن هذا اللقاح القبائلي ،معلوم تاريخيا وكان طبيعيا منسابا كجيران النيل ولعلمه وتاريخه الاجتماعي والصوفي والثقافي ،صفة الاندماج والتسامح واختلاط الدماء وعبق الارواح وطيبها وهي اساس السودان الراهن ولا اساس للسودان بغيرها،ويتجدد مشروعها تلقائيها ويتطور بتطور الزمن ولاتحتاج لأنبياء كذبة لتذكيرها بذلك..

الختام

احتج الاستاذ عبدالله الشيخ كثيرا على وصف كتابه بانه سياسي،والصحيح ان كتابه شتات افكار وشتات كتب وشتات آراء مبعثرة ودعاية سياسية لفكرة وفكر ،لم تغب ابدا عن صفحات الكتاب،وكانت تقوده،وكلما حاول الإنفكاك منها اعادته من جديد الي مربع تحويلها ، وكانت السمة المميزة لهذا الخليط المبعثر هو التوهان وغياب العلمية والإتكاء على الظنون والتاريخ(الظني) على طريقة..وجدتها..وجدتها.هذا كتاب سياسي وفطير في رؤاه واستنتاجاته ،افتقر الي العلمية والمصداقية وكان ترويجا فاشلا لخط سياسي، ظل يسعى الي وراثة الصوفية، بنفي التصوف عنهم تمهيدا لإخراجهم من الخارطة بداوعي الدروشة.تقول الدكتورة كلود عداس ،في كتابها"إبن عربي سيرته وفكره" "يظن البعض ان الإنسان الصوفي مأخوذ بعالمه الداخلي ومشغول بوارداته عن عالم الغيب ،لذا فهو غائب عن مجريات الواقع التاريخي وقاطع للتواصل مع محيطه البشري وهذه الصورة النمطية ربما القتها  في الأوهام بعض اقوال صوفية وردت في كتب التراجم والطبقات،وذلك قبل إنتشار الكتاب الصوفي المدون بقلم صاحبه في حدود القرن الرابع الهجري ،وتكشف لنا حياة إبن عربي ،بأن الإنسان الصوفي الذي ينفتح له عالم الغيب،ينفتح في الوقت نفسه على عالم الكون"

-واخيرا..يقول عبدالله الشيخ"افضي التنافس بين السيدين في الميدان السياسي الي وقوعهما في الفخ ،فأرتمى كل كيان في حضن إحدى الدولتين وتحولت دائرة الختمية ودائرة الأنصار الي مركزين لطائفتين..و(وكرا للإستعمار) وفي هامش كتابه نسب عبدالله الشيخ ،مقولة (وكرا للاستعمار) الي مذكرات المرحوم خضر حمد طبعة الشارقة 1980م،صفحة(108).وبمراجعة الصفحة108 -طبعة مركز عبدالكريم ميرغني 2013م ،ولم اجد(الوكر الاستعماري المهجور) وقد يكون لإختلاف مقاس الطباعة في كل كتاب ،وعليه فإن المقولة المنسوبة الي خضر حمد ،وبأيرادها في متن كتاب ا(لتصوف بين الدروشة والتثوير) تصبح جزءا من خطابه، وبالتالي دعوة لكتابة اخرى لاعلاقة لها بهذه المقالات..