قراءة فى كتاب المنجز الروائي فى شرق افريقيا
قراءة فى كتاب المنجز الروائي فى شرق افريقيا "الرواية الكينية نموذجاً "لعمر محمد سنوسي . عامر محمد أحمد حسين-كليك توبرس إستطاعت حركة الأدب الإفريقي عبر حقب زمنية عديدة أن تضع بصمة واضحة فى الأدب العالمى تتفاوت مابين الحضور والتأثير والقوة والضعف
قراءة فى كتاب المنجز الروائي فى شرق افريقيا
"الرواية الكينية نموذجاً
"لعمر محمد سنوسي
. عامر محمد أحمد حسين-كليك توبرس
إستطاعت حركة الأدب الإفريقي عبر حقب زمنية عديدة أن تضع بصمة واضحة فى الأدب العالمى تتفاوت مابين الحضور والتأثير والقوة والضعف وأحيانا الغياب لأسباب ترتبط بالعامل الأقتصادى والسياسي فى دول مابعد الأستعمار فى أفريقيا.والناظر لتاريخ الأدب الأفريقى يجد أن آلية التقسيم الجغرافى قد أحكمت خناقها على التصنيف، وأن مفهوم الحيز الجغرافى لأفريقيا ليجمع بين طياته تنااقضات شتى فى وضع إطار الجغرافية الثقافية والعرقية كأطار للتعريف بهذا الأدب ،وعلى عكس ماتصف به العقلية الأوروبية نفسها ككتلة تاريخية ثقافية ذات توجه أدبى واحد ليس فيه للشمال الأوروبى سبق على الجنوب وليس فيه للغرب على الشرق من فضل ،وكذلك تم تصنيف الأدب الأسيوى جغرافياً لفصل المكون الثقافى عبر التواصل والهجرات بين الجغرافية العربية الاسلامية وجغرافية الصين واليابان وكوريا وغيرها من الدول ذات الإتجاهات الثقافية والدينية المختلفة.وإن ظل أدب امريكا الجنوبية بمعزل عن الثقافة الأمريكية الشمالية فى نادرة لانظير لها فى تصنيف الأدب خارج أوروبا ،إلا أن الأدب الأمريكى والفنون عموماً تنصهر فى داخلها كل ثقافات أوربا وأمريكا الجنوبية .ويظل السؤال قائماً على تعريف الأدب الأفريقى .إذ يقول الكاتب والناقد المصرى الراحل الدكتور "على شلش"فى كتابه " الأدب الأفريقي "هناك إجماع عام بين جمهور المستفرقين على أن الأدب الأفريقي مصطلح يعنى أدب المناطق التالية جنوباً للصحراء الكبرى حتى إلتقاء القارة بالمحيط فى أقصى الجنوب وقد نشأ هذا الإجماع من إجماع سابق عند المستفرقين على أن أفريقيا قارة نقسمها الصحراء الكبرى الى قسمين مختلفين كل الأختلاف قسم يقع شمالها ويسمون أفريقيا العربية الأسلامية وآخر يقع جنوبها ويسمون "أفريقيا جنوب الصحراء أو إفريقيا السوداء.ومن الواضح أن هذه القسمة الأخيرةجغرافية طبيعية لايزيد عمرها على قرن من الزمان ولكنها وضعت فى إطار سياسي إستعمارى واضح الهدف ،هو تشطير القارة وتدعيم تجزئتها والإنفراد بكل شطر على حده ويضيف الراحل "شلش" "فلم تكن الصحراء الكبرى هذه فاصلاً حقيقياً بين الشمال والجنوب قبل السيطرة الإستعمارية بل كانت طريق الهجرات والقوافل والتجارةة . ويؤكد الدكتور شلش "ومع ذلك إذا صح أن نأخذ بالقسمة الجغرفية السابقة كقسمة مجردة من الأغراض السياسية وغيرها فلايمكن الأخذ بها على صعيد الأدب لأن إنتشار الثقافة العربية والإسلامية جنوب الصحراء الكبرى وتغلغلها فى ثقافات الشعوب الزنجية هناك قد شكلا مؤثراً مهماً من المؤثرات فى الثقافة والأدب ."(1)
المنجز الروائي فى شرق أفريقيا "الرواية الكينية نموذجاً"
فازت دراسة المنجز الروائي فى شرق أفريقيا _أضواء على البناء وآليات السرد _الرواية الكينية نموذجاً ،للباحث والمترجم" عمر محمد سنوسى" بالجائزة الأولى فى مسابقة جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابى فى مجال النقد الأدبى _الدورة السابعة ."وكما أوضح الأستاذ مجذوب عيدروس فى تقديم الكتاب بأنها ربما تكون الأولى لكاتب سودانى يدرس الرواية الكينية ".وبالتالى فان الباحث عمر سنوسى مع ريادته فى تتبع الرواية الكينية وهى أن لم تكن مجهولة لقطاع كبير إلا أنها على مستوى إنتشار الرواية الغربية ورواية أمريكا اللآتينية والرواية العربية تكاد تكون شبه مجهولة للقارئ "السودانى "كما أن الدراسة إشتملت على ابواب وفصول إحتوت بداخلها على عناوين ،كل عنوان كان يمثل نقطة إنطلاق الى آخر للوصول لقراءة مكتملة ،ومابين المهاد النظرى وإستدراكات ختامية .هيمن خطاب نقدى متميز على مسار الدراسة مرتبط أساساً بإنتاج معرفة عميقة ومتجذرة بالرواية الكينية وقد كان الخطاب يجمع بين طياته نصاً نقدياً ومثقفاً ورؤية مبدعة وخلاقة فى قراءة الرواية الكينية فى البناء والسرد ،ويتفق الباحث عمر سنوسى مع الراحل "على شلش " "فى رفض التصنيفات الجيوسياسية والأثنوثقافية للقارة وأثرها على التقسيمات المدرسية لآداب وفنون القارة شمال الصحراء وجنوب الصحراء وشرق القارة وغربها ، وأنها لم تنهض على قاعدة موضوعية أو علمية ولكنها دواع متعسفة ضيقة الأفق والنظر إعتمدت الأبعاد الأثنية والسياسية غلى خلفية الصراع التنافس بين قوى الإستعمار والهيمنة على القارة حيث عملت على فصل كيانها الى شمال وجنوب أوشرق وغرب وفرقت بين أفريقيا شمال الصحراء وأفريقيا جنوب الصحراء لتحقيق الهيمنة على مقدرات القارة وإستغلال إنسانها "(2).
ويشير الباحث الأستاذ عمر سنوسى الى أن مدرسة"الزنوجية "مثلاً التى كانت منبعاًللمحفزات والمنطلقات التى إتكأ عليها الكتاب الأفارقة الفرانكفونيين _سينغور "داؤود ديوب"وزملاؤهم من جذر المارتنيك "سيزار، داماس،باليزتوماس والمدرسة الإفريقانية فى مقدمتها سونيكا ، وأشيى التى إتكأت على الثقافة الأنجلوساكسونية وثم من بعدها مدرسة عموم أفريقيا بقيادة سيكوتورى ونكروما وبيليوه ،التى إعتمدت القومية الإفريقية خلفية مركزية لها فى الشأن الإبداعى ، ويؤكد السنوسى أن منطلقات تلك التقسيمات لم تكن سوى تداعيات وردود أفعال للصراع الفكرى والثقافى بين مثقفى ومبدعي القارة فى مسيرتهم نحو النضج والتطور واكتساب الهوية بعيداً عن مراكز الإستلاب والسيطرة."(3)
ويؤكد الراحل إدوارد سعيد نظرة الأوروبى للشرقى وهى فى نظرى نظرته للأفريقى على حسب تعريفه أوروبياً "ولايحاول كرومر إطلاقاً أن يخفى حقيقة كون الشرقى بالنسبة له دائماً وحصراً المادة الانسانية التى قام بحكمها فى المستعمرات البريطانية فهو يقول "ولأننى لست إلا دبلوماسياً وإدارياً موضوع دراسته هو الإنسان أيضاً إنما من وجهة نظر حكمه وإدراة إموره فإننى أكتفى بملاحظة الحقيقة التالية وهى أن الشرقى بوجه أو بآخر ،وبشكل عام يتصرف ويتحدث ويفكر بطريقة هى النقيض المطلق لطريقه الأوروبى "(4)
رواية أفريقية:
لعل سؤال الرواية وتطورها وإنتشارها لايزال مطروحاً وسيظل لفترة طويلة قادمة بعد أن زادت تعقيدات الحياة ولم يعد الشعر يمثل الخطاب الفكرى والثقافى و الاجتماعى للجمهور والنخبة ،كما تزحزحت القصة عن المكان الذى إنتزعته لعقود فى صفوف الكتابة الأولى .يقول الباحث عمر سنوسى "وعلى غرار الرواية اللاتينية والآسيوية تقلبت الرواية الأفريقية فى أطوار التكوين والتطور نفسها:المحاكاة والتقليد ثم مرحلة التهجين ،نبحث عن الملامح والهوية وصولاً لأطوار الثبات والإستواء فى البناء الشكلي والموضوعي حتى غدت على هيئتها الراهنة ذات مذاق يسمها بخصوصية وتفرد بارزين بحقيقة نوع القضايا والمسائل التى تعالجها الرواية الأفريقية والفضاءات الكونية والحياتية التى تنشط فيها شخوص وأحداث الرواية فى إيقاع يتسم بالبساطة والصحف فى آن واحد واحد."(5)
ماأشار إليه الباحث عمر سنوسى "ينسجم مع قراءة خطاب الرواية فى العالم الثالث الا أن ثمة إنعطافات حادة كثيراً ماتقود هذه الرواية فى أفريقيا الى مهابط الكبت ،العنت ، الفاقة ،عجز المجتمعات المحلية اللحاق بقطار التحديث وتغيير سؤال الحداثة والفضاءات الكونية التى إرتبطت بالهجرة الشرعية وغير شرعية فى بحث إنسان هذه البلاد عن الخلاص لعجزه عن ايجاد "المخلص"المحلى على مستوى الدول والنخب .هناك إتفاق غير مكتوب على تساوى القضايا المطروحة لهذه المجتمعات مع أزمات تمس الشخصية ،الكينونة، الثقافة العامة وماتعانية هذه المجتمعات من قهر داخلى موروث إستعمارياً ومستمر مع الحكومات الوطنية .وسؤال الكم فى راهن الرواية المكتوبة خارج المنظومة السردية الغربية اصبح هذا السؤال الكمى "مقدم على الكيفى " عسى ولعل يخرج من هؤلاء الكتاب روائى ينال ماناله الطيب صالح ونجيب محفوظ وول سونيكا وتشينوا أشبي سابقاً وعلى لسان تشينوا أشبي يورد "عمر سنوسى " مقولة لصاحب الأشياء تتداعى "إن الشعوب الافريقية لم تسمع بالثقافة لاول مرة عن طريق الأوروبيين وأن مجتمعاتهم ليست غبية ،بل هى تملك غالباً فلسفة عميقة جداً لها قيمتها وجمالها وأن لديها شعراء بل وان لديها فوق كل شئ كرامة "(6)
وماتعانية القارة أفريقيا ومايعانيه إنسانها الباحث عن صون كرامته مع الغطرسة الاوروبية ،يلخصه الكاتب "أمارتياصن"فى كتابه "الهوية والعنف"فى العالم ثراء مذهل وفقر موجع ،هناك وفرة غير مسبوقة فى المعيشة المعاصرة وماكان لأسلافنا ان يتخيلوا الطلب الهائل على المصادر والمعرفة والتكنولوجيا الذى ناخذه اليوم أمراً مسلماً به ولكن عالمنا ايضا عالم فقر مروع وحرمان بغيض وهنالك عدد مذهل من الأطفال يعانون سوء التغذية وسوء الكسوة وسوء المعاملة وايضا بالطبع المرض "(7).
الكاتب"ميجا موانقى "
"تناولت الدراسة بتمحيص شديد وقراءة متزنة لتجربة الكاتب "ميجا موانقى "وقد إعتبرته أحد أبرز الروائيين فى القطر الكينى وحاز على إعتراف واسع داخل وخارج القارة "أوردت الدراسة سيرته الذاتية ومنها دراسته فى كلية كينياتا وإلتحاقه بعدها بالتلفزيون _القسم الفرنسى وفى هذه الفترة فى العام 1973م ،كتب روايته "عجَل بفنائي ""حازت على جائزة جومو كنياتا للأدب وتم أقتبباس أحداث هذه الرواية فى فيلم.
تحدثت الدراسة عن الرواية الأولى "عجل بفنائي "،باللغة الانجليزية وتقع فى 177صفحة من القطع المتوسط .وهى تحكى عن "شابان قدما من الريف بطموحات وآمال عراض، بعد أن تأهل كل منهما بقسط من التعليم يؤهلهما للبحث عن وظيفة فى المدينة الكبيرة،وظيفة تحقق أحلامهما وطموحات أسرتيهما التى أنفقت كل ماتملك كى يبلغا هذه المرحلة ولكن "معدة" المدينة الضخمة التى تشبع ،إبتلعتهما كغيرهما ممن سبقهما ومن سيلحقهما ولم يجد غير شوارع المدينة وأزقتها ملاذاً وسكناً وهكذا أستحال الصديقان الى مجرد كائنين مشردين معزولين عن ماحولهما من حياة وبشر ، وتشرنقاً فى عالم مجهول وغريب ، وعاشا على النهب والسلب وإقتحام المنازل وصارت حياتهما مسلسلاً تتراوح حلقاته بين السجن وأرصفة الطرق والأزقة .ويشير السنوسى "الى أن الرواية تعكس رؤية الكاتب عن الأوضاع والوقائع الأجتماعية والثقافية فى فترة مابعد الإستقلال .
مايستوقف القارئ لهذه الرواية هو المصير المؤلم الذى صورته الرواية لشابين "نالاً تأهيلاً وكانا يحلمان بغد جميل ثم إنزوت هذه الأحلام وتحولت الى الشر والنهب والسلب والى السجن والتشرد والضياع الدائم .ولعل مدرسة مابعد الإستعمار التى هيمنت على الدراسات الإجتماعية والإقتصادية لدول العالم الثالث ترى فى هذا النموذج ،النموذج الأمثل لتمثيل فترة الدولة الوطنية ومشاكلها والمركزية الأوروبية التى تحكم وتتحكم فى العالم بالهيمنة الإقتصادية والعنف المسلح عبر إشعال النار فى أجساد دول مابعد الإستعمار .وفى كتابها "إعادة التفكير فى الحداثة _نزعة مابعد الإستعمار والخيال السوسيولوجى _ترى "جير مندرك.بامبرا"أن"عمليات التحرر من الإستعمار ظلت السباقات المؤسسية والإقتصادية والثقافية للسيطرة الغربية بدرجة كبيرة وفى الوضع الملائم ،ويجب أن ندرك كنتيجة لذلك ومن أجل إكتشاف أنفسنا داخل المأزق المتناقض القائم على إنتقاد المصالح المسيطرة ،بينما نعمل داخل علاقات محددة بواسطة السياق لحماية تلك ..المصالح"(8)
النزول الى جادة النهر
ويشير" سنوسي" الى "ومحور هذه الرواية حياة عاملين بنوأشولا_يعملان فى أحدى شركات البناء المملوكة لأحد الأسيويين الذين شكلوا قبل وبعد الإستعمار القوة الإقتصادية المهيمنة _ويعملان بأجر بالكاد يفى حد الكفاف "بن وأشولا التى تنتهى بين حانات الخمر وملاهى العهر ،حيث تلتقى الأشياء بالأشياء ثم تزداد معاناة "بن"حينما توعده إحدى المومسات بعمل يليق به ولكنها تهرب وتترك له إبنها ذا الاربع سنوات الذى لاتدرى له أباً "لتزداد معاناة "بن" النفسية و الأخلاقية _ويلاحظ الأستاذ "سنوسى " وجود تماثلات عديدة وتشابهات متكررة فى طبيعة أحداث الروايتين وفى بناء شخوصهما وأن تيمة القصتين فى كل من الروايتين تنبع من فكرة واحدة "المصائر البائسة المشتركة لأهم قطاعات المجتمع ،الشباب ،وتراكم الغبن الإجتماعى والإقتصادى والفساد السياسى".
عتبات النص
أوضح الباحث "عمر سنوسى "بالعودة الى عنواني روايتي الكاتب الكينى "ميجا موانقى" نجد أن كل العنوانين "النزول الى جادة النهر _عجًل بفنائي "لايشير فقط الى زاوية النظر الى الأحداث وإنما يقدم معطيات أولية للقارئ تعينه على التوغل فى مسارب وطرقات نصي الروايتين"
وأن عنوان الرواية الأول "عجًل بفنائي " يفاجئ القارئ بغرابته وشذوذه اللذين يشكلان جواً نفسياً سالباً وقابضاً يهيئ القارئ للأتى :وهو إتكاء على خلفية العنوان ،غير سار ويشي بتنبؤات واحتمالات يترقبها القارئ بحذر وتوجس ،من ناحية أخرى .
فان التعاطى المباشر مع وقائع الرواية يؤكد البعد الإستباقى التنبؤي لدلالات العنوان وشحناته الإيجابية والرمزية تعود لمآلات معلقة ،يبدومعها لشخصيات الرواية أن باطن الأرض خير من ظاهرها .ويؤكد "سنوسي "أن عنوان النص الثانى _النزول الى جادة النهر "لايقل دلالة عن سابقه، وهو يتجاوز إطار البعد المكانى ليتحمل بأشارات ومحمولات نفسية وإجتماعية تلازم شخوص الرواية فى كل حركاتها وسكناتها _كما تشكل "جادة النهر"لافته بارزة تشير الى قاع المدينة حيث الكائنات المنبتة عن أصولها وعن كل مايمت للبشرية والإنسانية بصلة ،كائنات تدفعها الأحداث والمصائر السوداء .(9)
وفى كتاب "دراسات مابعد الكولونيالية "نجد مقطعاً نادراً لصدق أوربى ضد إستعمار بلاده لوادى النيل هو الكاتب"إلفرد سكاون بلنت"،صاحب كتاب "التاريخ السري لإحتلال إنجلترا لمصر " إحذروا منا فاننا لانريد لكم شيئاً من الخير ،لن تنالوا منا الدستور ولاحرية الصحافة ولاحرية التعليم ولاالحرية الشخصية ،ومادمنا فى مصر فالغرض الذى نسعى اليه من البقاء فيها هو أن نستغلها لمصلحة صناعتنا القطنية فى مانشستر وان نستخدم أموالكم لتنمية مملكتنا الافريقية فى السودان ..لم يبق لكم عذر اذا أنتم انخدعتم فى نياتنا بعد أن وضح الأمر فيها وضوحاً تاماً،فأحذروا أن تنساقوا الى الرضى بإستعباد بلادكم ودمارها"(10)
البنية السردية:
تناولت الدراسة البنية السردية البناء الزمنى _بالبناء السردى –لروايةالنزول الى جادة النهر_حيث اوضحت "فى هذا النص يتحكم الفضاء المكانى للأحداث بصرامة قابضة ليس على الوقائع السردية فى بنيتها الصغرى وانما امتد ليشمل بنية الرواية الكبرى، وقد اثر ذلك على البناء الزمنى داخل الرواية كلها فمحدودية جغرافيا الأحداث فى هذه الرواية التى أتحصرت مجملها فى ثلاث مناطق
_المجمع السكنى فى جادة النهر حيث يقيم أحد بطلي القصة
_موقع العمل _جغرافية مشتركة بين بطلي العمل
منزلمجازاأوشولاروأشار الباحث الى أن هذا الإنحصار قد قاد الى إفقاد الهيكل الزمنى للرواية وحدً من طاقة التراوح والتأرجح والتداخل بين عناصر البناء السردى على مستوى زمني الرواية،الداخلى والخارجى وزاد من سطوة الراوى السارد ،وأوضح الباحث أن جغرافية النص المحدودة وحركة شخوصها الأفقية _المنزل _العمل _الحانةأتاحت السيادة لعنصرى السكونية والرتابة.
وتطرق الباحث"عمر سنوسى"فى رواية "عجًل بفنائي" لموقع السارد وأن الراوىً يتموقع فى ثلاثة مواضيع وأختار المؤلف لرواية السارد زاوية الرؤية من الخلف حيث يكون الراوىً أكثر الماماَ بالأحداث من حميع شخصيات الرواية ولايقنع بالوصف والتعليق كما يرى أو يعلم ،بل يرصد التفاصيل الخارجية للشخصيات وينفذ الى أغوارها .
كما تضمنت الدراسة لرواية عجّل بفنائي ،الحوار والوصف والسرد،الوصف السردى الإنتقالى ،مع نماذج من ترجمة الباحث للوصف السردى فى الرواية.
نقوقى واثينقو
أورد الباحث سيرة ذاتية للروائى الكينى الأشهر نقوقى واثينقو،ولد فى العام 1938م ،روائى سياسي نشط‘يحمل درجة الدكتوراة فى الأدب المقارن من جامعة نيويورك ،كتب أول رواياته بالإنجليزية ،ثم كتب بلغة قبيلته "إلكيكيويو" وأستعرض الباحث رحلته بين السجن والمنفى التى إستمرت لمد "22"عاماَ، عاصر "نقوقى" ثورة "الماوماو" وكانت موضوعاً لرواياته وتعد كتاباته،المرجع الرئيسى لكفاح الشعب الكينى ضد المستعمر .وتناول الباحث رواية "النهر يتوسطهما " وأن أحداث الرواية تدور فى فترة زمنية تلى إتصال شعب الكيكيويو بالبعثات التبشيرية والمستوطنيين الأوروبيين .وأشار الباحث الى أن الإنجاز الحقيقى للرواية يتمثل فى القدرة التى يكشف عنها " نقوقى" فى التوغل فى عقول شخصياته ورصد عمليات الشك والتساؤلات الباطنة التى تغلف أرواحهم وتصادر الطمأنينة .وفى كتابه" الأدب الأفريقى "يورد الكاتب المصرى الراحل "على شلش "مقولة للكاتب الروائى السنغالى الراحل "عثمان سسمبين " تلخص مدرسة "نقوقى " فى الكتابة "حين يبدع الأديب فهو لايفكر فى العالم إنما يفكر فى بلده" ويؤكد هذه المعانى الناقد النيجيرى "ج.د.كيلام" والحديث ل "شلش "يؤكده فى كتابه عن "روايات تشينوا أشيبى" فيقول "إن الأدب فيه إلتزام خاص بتكوين القيم الأساسية للمجتمع وبهذا يشكل جزءاً من مجموع الحاصل الثقافى للمجتمع "(11) .
وأوضح الباحث "عمر سنوسى " أن "نقوقى " فى رواية النهر يتوسطهما ، كانت سمات العنوان على النحو التالى
_الإتكاء على الموروث الشعبى والأساطير والتاريخ
_الشحنة الرمزية العالية
_الإقتصاد فى المفردات
_المفارقة والتضاد
تضمنت الدراسة لرواية النهر يتوسطهما، قراءة عميقة تطبيقية لبنية الرواية " البناء الحدثى ،وأن الرواية امتازت بالحيكة المتماسكة والتسلسل المنطقى للأحداث والوقائع وأن الخطاب السردى السائد ، هو خطاب الراوّى مع والذى يكون على علم بالاشياء وبنفس القدر لدى الآخرين مع ملاحظة قدرة المؤلف الفائقة فى عدم ترك الراوىّ فى هذا الوضع، وكانت بنية النص الروائى مفتوحة ومنسابة ومتداخلة وأننا أمام بنية زمنية إستطاعت تحقيق التوازن الدقيق فى العلاقة بين زمن الخطاب وزمن التخييل وترتب عنها تضافراً مع عوامل أخرى ،خطاب سردى غاية فى الإقناع وعلى قدر عالٍ من الدقة والتصميم والإنجاز.
رواية حبة قمح
أشار الباحث "سنوسى" الى أن رواية حبة قمح من أمتع الروايات التى كتبها "نقوقى" وأنها من ناحية المضمون فقد بلغ "نقوقى" الغاية وأستوفى القصد بالرغم من أن قصة الرواية من الموضوعات المألوفة والأثيرة عند "نقوقى " "كفاح الشعب الكينى ضد المستعمر وأذنابه من الطاقم الوطنى وتدور حبكة الرواية حول عالم مغلق يتسم بغياب الإنسجام والتماسك وتميزت بنية أحداث للتشظى وللكشف على إمتداد تتباين محكياتها وتنوع شخصياتها ولانكاد نقف على اية ثغرات سردية رغم تعدد اللوحات الحكائية التى تنقل بينها الراوىّ السارد عبر لغة شفافة حبلى بالمعانى والدلالات على مستوى الحكاية ومستوى الخطاب السردى .
وتضمنت الدراسة ،موقع السارد فى "حبة قمح" إنفرد الراوىّ _السارد _ الغائب عن الحكاية بعملية الحكىفى نص الرواية بأكمله تفصيلاً وتقديماً وتأخيراً وحذفاً ولكن لم يصادر شخصيات الرواية الأخرى ،بل أفسح لها حرية التغير عن ذواتها .وأن أبرز ميزة يمكن رصدها فى هذا النص حبة قمح" هى قدرة الكاتب "نقوقى" فى التمكن من توظيف الراوىّ الساردالتوظيف المثالى فالسارد المتحكم فى كل المجريات السردية الخبير بالماضى والحاضر،وبماسيؤول اليه المستقبل ،المنتقى لمحطات المحكى، بناء على سيرورة حدثيه معلومة سلفاً يفصل فيها مايشاء ويحجر فيها مايشاء "
يقول الكاتب"احمدو كوروما" "ساحل العاج" فى إجابة لسؤال "من الواضح أن هناك مشكلة لغوية كبيرة فى إفريقيا ،هل يؤثر ذلك فى الإنتاج الأدبى؟ " "نعم _هناك مشكلة لغوية خطيرة فى إفريقيا لاننا نستخدم اللغة الفرنسية وهذه اللغة لاتعبر بالضرورة عن طريقتنا الخاصة فى التعبير والاحساس." (12)
تميزت دراسة المنجز الروائي فى شرق افريقيا _الرواية الكينية نموذجاً للباحث "عمر محمد سنوسى " بالعمق والثراءوجهد الباحث ومثابرته ، فى رفع أغلال الجهل بالرواية الكينية ، كما أنها أخذت من النظر والتطبيق مجالاً خصباً فى البحث والتنقيب وقوة التحليل ومع معرفة دقيقة بعلم السرد واللغة ، وإستخدام كل المعارف النقدية والثقافية الراكزة بالمعرفة والتواضع والعلمية.. .
المراجع:
(1)الأدب الإفريقى _د:على شلش _عالم المعرفة المجلس الوطنى للثقافة والفنون الكويت مارس1993م.
(2_3)المنجز الروائى فى شرق افريقيا الرواية الكينية نموذجاً _عمر محمد سنوسى _الشركة السودانية للهاتف السيار زين.
(4)الاستشراق المعرفة – السلطة –الانشاء .إدوارد سعيد
ترجمة كمال ابوديب مؤسسة الابحاث العربية طبعة رابعة _1995م.
(6)مصدرسابقالمنجز الروائى
(7)مصدر سابق _
(8)الهوية والعنف وهم المصير الحتمى .ـأمارتياصنترجمة سحر توفيق_عالم المعرفة _يونيو2008م
(9)إعادة التفكير فى الحداثة نزعة مابعد الإستعمار _حير مندركبامبراص40 ترجمة ابتسام سيد علام .حنان محمد حافظمراجعة _أحمد زايد.
الطبعة الأولى 2016المركز القومى للترجمة _مص .
(10)دراسات مابعد الكولونيالية المفاهيم الرئيسية _بيل أنشكرفتجاريث جريفت_ هيلين تيفين ترجمة _احمد الروبى _ايمن حلمى _عاطف عثمان _كريمة سامى
الطبعة الاولى 2010مالمركز القومى للترجمة _مصر .
(11)الادب الافريقى _مرجع سابق
(12)منفى اللغة _حوارات مع الادباء الفرانكفونيين
_شاكر نورى _كتاب دبى الثقافية _
2011م_ حوار مع الروائى العاجى _احمدو كوروما