في ذكرى انقلاب مايو 69 انقلاب مايو والتحالف الشيوعي الناصري --1 محمد علي خوجلي

في ذكرى انقلاب مايو 69  انقلاب مايو والتحالف الشيوعي الناصري --1  محمد علي خوجلي

في ذكرى انقلاب مايو 69

انقلاب مايو والتحالف الشيوعي الناصري --1

محمد علي خوجلي

تم انقلاب 25 مايو 1969 في السودان تحت ظل صراع القوى السياسية حول سلطة الحكم الممتد منذ 1956، وكذلك في حقبة الحرب الباردة وتنافس القطبية الثنائية حول مناطق النفوذ والمصالح، والذي من ادواته صنع انقلابات أو حمايتها أو اجهاضها، ولذلك كان لأجهزة المخابرات ادواراً متعاظمة.

وفى مطلع 1969 ومع تسارع الخطى لانتخابات رئاسة الجمهورية قام حلفان:

الاول:

حلف الدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية كدعوة صريحة للديكتاتورية المدنية والدولة الدينية، بعد ضيق الاحزاب الحاكمة نفسها بالديمقراطية، بحل الحزب الشيوعى وطرد نوابه ورفض تنفيذ القرارات القضائية.

الثاني:

حلف اتحاد القوى الاشتراكية، وضم الشيوعيين والقوى الوطنية الديمقراطية المختلفة والنقابات العمالية ونقابات المهنيين ورجال القانون واساتذه الجامعات وتنظيمات النساء والشباب والطلاب والمزارعين.

وتيسر للمخابرات الدولية والاقليمية (الامريكية والبريطانية والمصرية)، اختطاف فكرة الانقلاب التي كان لها مؤيدون في الحلفين، بل تمكنت من اختطاف تحالف القوى الوطنية الديمقراطية  بالكامل: افكاراً وتنظيمات واشخاص، ليصبح مرشح القوى الاشتراكية لرئاسة الجمهورية، هو نفسه رئيس وزراء الحكومة الانقلابية المعادية للديمقراطية.

وفي مايو 1969 كانت هناك ثلاث تيارات في تنظيم الضباط الاحرار:

* عارض الاول الانقلاب من حيث المبدأ (الضباط الشيوعيين).

* ورأى الثاني أن قدرة التنظيم على التغيير/الانقلاب غير متوافرة.

* ورأى الثالث تيار الاقلية الناصري (مجموعة الستة)، ليس فقط توافر القدرات، بل ضرورة التعجيل بالتحرك، ونفذ انقلابه بدعم المخابرات المصرية.

وخطة المخابرات المصرية، بالاشتراك مع مخابرات الدول الراسمالية، والدولة السوفيتية السابقة، لتصفية الحزب الشيوعي وإبعاده من الحياة السياسية، شملت كل الجبهات الفكرية والسياسية والتنظيمية، بإنشطة مرتبة ومتزامنة.

ونجاح القوميين العرب (الناصريين) في اشراك الشيوعيين في انقلابهم، بدعم السوفييت ونجاح الانقلاب بخديعة الضباط الاحرار والهيمنة على مجلس قيادة الثورة، جعلهم القوة الاولى في الجيش، فقاموا بحل تنظيم الضباط الاحرار في اكتوبر 1969 واقاموا بديلهم (أحرار مايو).

ويدرك التيار الناصري قوة نفوذ الحزب الشيوعي في الاتحادات والنقابات والتنظيمات الجماهيرية، الذي استمده من قبل قيام حركة القوميين العرب في المنطقة، وارتباطه بالقضية الوطنية، والنضال ضد الاستعمار، فجعل من الشيوعيين غطاءه. كما تعلم اجهزة المخابرات يقيناً، أنها تواجه حزباً تاريخياً قوياً، ويمثل مركز النضال الثوري، فاعتمدت في هذه الجبهة على عملاء النفوذ، وتزكية الخلافات في الحزب الشيوعي، وتصفية وإبعاد وطرد الكوادر الشيوعية المناضلة، ومع الاستعانة بالسوفييت اصبحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، تحت خدمة الناصريين بشعارات ثورية.

ولذلك وغيره لم تفصح شريحة القوميين العرب عن نفسها، وهي في سلطة الحكم، وعند فض تحالفهم مع الحزب الشيوعي، أحالوا الأمر لنميري إعلانه وهكذا حتى بدأ نميري في ابعادهم في العام 1973

وكما صمت الناصريون عن اعلان سلطتهم فإن الحزب الشيوعي، صمت عن مشاركته في السلطة مع الشريحة (دعوها تموت بالصمت) واطلقوا عليها سلط  مايو.

وفي اجتماع اللجنة المركزية يوم 25 مايو 1969، أشار عبد الخالق الى:

(أسلوب إضعاف الحركة الشيوعية في المنطقة العربية عن طريق، كسب عناصر من المثقفين الشيوعيين الى المواقع الفكرية للديمقراطيين الثوريين، وإن ذلك يقود الى التغاضي عن الديمقراطية للجماهير، ومصادرة النشاط المستقل للطبقة العاملة والاعتماد على السلطة وبناء اجهزة مخابرات الدولة البوليسية.

 

وكتب ألان غريش/ ترجمة بدرالدين الهاشمي

في 25 مايو 1969 استولى العسكر على السلطة في السودان، وكانت ايديولوجية قادة الانقلاب هي، ايديولوجية قومية عربية ملونة بـ(اشتراكية)، قاعدتها الشعبية هي الجيش والطبقة الحضرية، ومثلها الاعلى هو التجربة المصرية.

وكان الشيوعيون العرب في الستينيات، ووفقاً لما قرره المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، قد تحالفوا مع القوميين العرب، وقدموهم كقادة لهم ومضى الحزب الشيوعي المصري لأبعد مدى، فحل نفسه وانضم للاتحاد الاشتراكي العربي الذي انشأه عبدالناصر.

ان ثورة مايو قد قامت كنتيجة مباشرة للصراعات الداخلية، والاوضاع السياسية والاجتماعية والعسكرية في البلاد، غير أنها قامت ايضاً ضمن اطار عربي اوسع، كان مثله الاعلى جمال عبدالناصر. لقد كان الضباط الاحرار من قادة مايو، من نفس قالب الضباط الذين قاموا بانقلاب العراق في يوليو 1968، وانقلاب ليبيا في الفاتح من سبتمبر 1969، وانقلاب حزب البعث التصحيحي في سوريا بقيادة حافظ الاسد في1970

وعداء حركة القوميين العرب للشيوعية والشيوعيين، في المنطقة العربية، لم يكن سراً وخاصة في مصر، ولم يكن لشريحة القوميين العرب في حكمها السودان، اي مبادرات فهي تحت الاشراف المصري المباشر، تخطيطاً، وعولت في التنفيذ على عملاء النفوذ المصري واللجنة المركزية للشيوعي السوداني. ونجاح الناصريين في اشراك قيادات كثيرة من الحزب الشيوعي من اسبابه ايضاً، (خلجان المخابرات المصرية)، التي اشار إليها محمد سعيد القدال في تداعياته التاريخية عن الحزب الشيوعي وانقلاب مايو.

أنظر:

قال عبد الخالق في محاكمته يوليو1971

"هذه المحاكمة سياسية، ورئيس المحكمة ذو اتجاه سياسي ينتمي للقوميين العرب، هذا الاتجاه الذي دفع البلاد في طريق شائك، ولم يتفهم الابعاد الوطنية والتقدمية للحزب الشيوعي".

والبيان الاول لسلطة القوميين العرب، والذي لم يشارك الشيوعيون في صياغته، أكد على المبادئ الاساسية لحركة القوميين العرب في المنطق.

وكتب عبد الله زكريا/التاريخ السري للاحزاب

"أسس بابكر كرار بعد نجاح انقلاب 25 مايو 1969، مركزاً للدراسات العالمية بالخرطوم، وهدف قيام المركز مصارعة الشيوعيين داخل مايو. وفي مايو كان النميري وفاروق وخالد ومأمون (من مجموعة الستة)، يمثلون التيار العروبي ونحن جندنا انفسنا لدعم التيار العروبي وطرد الشيوعيين من مايو".

وجاء في مذكرات مرتضى أحمد ابراهيم

(وعندما سألتهم عن أسباب ادخال الضابط محمد عبد الحليم في مجلس الوزراء، وزيراً للدولة، رد نميرى: بأن عبدالحليم له صلة قوية بمصر، وفي كثير من الاحيان يحمل رسائل الى عبد الناصر، ولهذا فمن اللائق ان يوضع في مركز يتناسب مع المهمات التي توكل اليه).

واختم هذا المقال المجتزأ من كتابي غير المنشور، (عملية يوليو الكبرى في السودان)، بالاشارة الى تحالفات الناصريين ومآلاتها بحسب التجربة في المنطقة العربية وهي:

* الاستناد دائماً على تحالفات/شراكات مؤقتة في حقيقتها واستراتيجية في مظهرها مع القوى الاخرى، شيوعية أو تقدمية.

* عند الوصول الى سلطة الحكم، وقبل أن يمر وقت طويل، تبدأ خططهم لإضعاف الحلفاء للهيمنة على الدولة بوسائل أبرزها:

1/ تذويب الحلفاء في سلطتهم وتنظيماتها.

2/ الانقلابات والعمليات العسكرية.

3/ القمع والقتل والاغتيالات.

وبعد ذلك ينتقل صراع السلطة، الى تيارات حركة القوميين العرب نفسها بذات الوسائل.

واتخذت خطة تصفية الحزب الشيوعي في السودان صور كثيرة منها:

• تغذية الصراعات على المستوى القيادي وحتى إحداث الانقسامات.

• التصفية الناعمة: الاشتراك في الانقلاب/ استيعاب الكوادر في اجهزة الدولة/تقديم العروض لتغيير اسم الحزب وغير ذلك..

• تبني شعارات اليسار عامة واجزاء من برنامج الحزب الشيوعي، لإفراغها من محتواها وإفراغ الحزب من ثوريته.

• الفصل من الخدمة/الاعتقالات التحفظية الطويلة.

• فض التحالف دون اعلان.

• حل التنظيمات الديمقراطية/الجماهيرية للشباب والنساء.

• تخريب الحركة النقابية العمالية بقانون نقابات شمولي، وجعلها تابعة للتنظيم السياسي الواحد والحاكم (من روافد الاتحاد الاشتراكي السوداني).

• ترتيبات عملية يوليو الكبرى في السودان، في 1971، وقتل واغتيالات القيادات الشيوعية الفكرية والنقابية والعسكرية.