عبد الخالق محجوب : الوعى وازهار القناديل

عبد الخالق محجوب : الوعى وازهار القناديل عرض كتاب.. كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين. كان عمره حينها أربعة وأربعين سنة، شاب كأنضر مايكون الشباب، وكلمة "الوعي " التى أجاب بها على جلاده حينما سأله ساخرا "ماذا قدمت للشعب السوداني؟ "لاتزال بعد نصف قرن من الزمان تلهم الشباب وتغير مجرى التاريخ، " هذه الكلمات تزين غلاف كتاب "عبدالخالق محجوب الوعي وإزهار القناديل" للكاتب" حسن

عبد الخالق محجوب : الوعى وازهار  القناديل

عبد الخالق محجوب : الوعى وازهار  القناديل
عرض كتاب.. كليك توبرس-عامر محمد أحمد حسين.

 

 

 


كان عمره حينها  أربعة وأربعين سنة، شاب كأنضر مايكون  الشباب، وكلمة  "الوعي " التى أجاب بها على جلاده حينما سأله ساخرا "ماذا قدمت للشعب السوداني؟ "لاتزال بعد نصف قرن من الزمان تلهم الشباب وتغير مجرى التاريخ، " هذه الكلمات تزين غلاف كتاب "عبدالخالق محجوب الوعي وإزهار القناديل" للكاتب" حسن محمود الريح " وصدر قبل ايام عن دار المصورات للنشر والطباعة والتوزيع، عدد صفحاته265، من القطع المتوسط، احتوى الكتاب على مقدمة وفصول وعناوين عديدة بالإضافة إلى ملاحق. وسيرة الأيام الاخيرة لزعيم الحزب الشيوعي واحد أبرز قياداته  التى ظلت  اسرارها غامضة ووتتعدد حكايتها  بتعدد الروايات،  وقد يكون الوصف الشامل في قراءة هذا الكتاب وتقف في حلق،  كل من يطالع هذه السيرة الغيرية كلمة (الخذلان) وقد لاتطفئ الكلمة السؤال عند من كان ملتزما حزبيا، وحالت الأمواج العاتية دون وقوفه في الخط الأمامي للدفاع عن الشهيد عبدالخالق محجوب.. يقول دكتور حيدر بابكر الريح، في مقدمة الكتاب "أذكر أنه في صباح الجمعة 23 يوليو 1971م يوم عادت فصيلة من الجيش السوداني من جمهورية مصر، بقيادة خالد حسن عباس، ومعه من المدنيين الأستاذ أحمد سليمان  الذى حضر من المطار مباشرة للسلام على والديه، في ذلك اليوم ذهبت إلى منزلهم لتحيته، وفي طريقي وجدت المرحوم طه الكد وصحبني إلى منزل والد أحمد سليمان، و عندما رأي أحمد سليمان الأخ طه الكد انفجر في وجهه قائلا :"خالك ضيعنا وضيع البلد، البلد راحت والماتوا كتار ولسه حايتكتلوا ناس كتار "وعنف حركة 19/يوليو تعنيفا شديدا. بعد أيام قابلت طه فسألنى: ليه يوم الجمعة ماسألتنى مشيت قابلت أحمد سليمان لشنو؟ "فقلت له مستسفرا :"مشيت لشنو"قال لي:"عبدالخالق رسلنى قال لي:قول لأحمد عبدالخالق في ابي روف، شوف ليه طريقة.. "ومضى طه قائلا :"لكن لو هاج فيك او نبز اوعك تكلمه"لم نحدث أحمد سليمان بهذه الواقعة إلا بعد فترة طويلة فتأثر كثيرا "ويضيف دكتور حيدر بابكر"إن قراءة مجموعة 19يوليو للظروف المحلية والدولية لم تكن مواتية ولامناسبة لنجاح الحركة التصحيحية أو انقلاب هاشم العطا. على الرغم من ذلك استطاع عبدالخالق بناء حزب كان من أميز الأحزاب الشيوعية في أفريقيا والشرق الأوسط وله تأثيره الكبير في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في البلاد "

 

 


نبش ثان:
يقول المؤلف (حسن محمود )في مقدمة الكتاب وفي نبشه الثاني منها"في يوليو 1971، اتذكر وأنا طفل في السادسة إلا قليلا من عمرى، أن اصطحبتني والدتي حاجة عاتكة ذات عصرية راجلين من بيتنا في ودنوباوى إلى ابي روف لزيارة عمتها صفية الريح (لتحمدل)لها السلامة على عودة أبنها أحمد سليمان من رحلته مع خالد حسن عباس عضو مجلس قيادة الثورة، الرحلة التى ابتدأت بلندن ولم تنته بموسكو كما هو معروف، وصلنا قبل المغرب بمحاذاة المنزل الذى اعتقل فيه الزعيم عبدالخالق ووقفت ومعها بعض معارفها من النسوة اللائي صدف مرورهن يتهامسن ويحكين لها (الحادثة )في تلك الليلة السابقة الحزبية ويشرن ناحية المنزل "
الهروب
"قبض على الأستاذ عبدالخالق محجوب يوم 15/فبراير 1971، وتنقل بين عدد من المعتقلات حتي نقل إلى معتقله الأخير في ميز مصنع الذخيرة بالشجرة. في 29/يونيو 1971 تم تهريب عبدالخالق من سجنه بعد عملية دقيقة ومحكمة وجريئة خطط لها بذكاء  (عبدالخالق نفسه) وشارك فيها كوادر الحزب الشيوعي بمصنع الذخيرة وهم:الرقيب أول الطاهر ابو القاسم مسؤول الفرع التنظف، وعثمان الكودة، والعريف عثمان محمد عبدالقادر.
شارك في خطة الهرب:
-عبدالمجيد شكاك (عضو اللجنة المركزية للحزب، وهو مشهور بأجادة فن التأمين والأمن الحزبي وكان مشرفا على التنظيم السري لضباط الصف بالقوات المسلحة )
-محمد نور السيد  (كاتم سر عبدالخالق محجوب ومساعده في التنظيم السري للضباط الشيوعيين )
-المقدم عثمان حسين ابوشيبة
-الرائد هاشم العطا
-المقدم محجوب إبراهيم طلقة (إبن خالة عبدالخالق محجوب )
-حسن قطان (الشاب حينها وعضو الحزب وهو من قيادات الحزب الشيوعي بالدويم)
تم التهريب بعربة هاشم العطا إلى متزل المقدم عثمان حسين ابوشيبة داخل القصر الجمهورى، بعد ذلك اختفى الزعيم عن الأنظار وفشلت أجهزة الأمن المايوية واستخباراته العسكرية في فك غموض هذا  الهروب الكبير والعبقري"
فك غموض..
تميزت شخصية عبدالخالق محجوب بالحركية والديناميكية والذكاء الحاد، قال بذلك معاصريه واثبت الأيام ذلك ولكن هل كانت 19/يوليو، مغامرة، أم أنها كانت محاولة لإنقاذ المشروع، بعد اطلالة السلطة على التنظيم وشقه إلى نصفين، نصف مايوي، وآخر يتشبث بقشة بقاء الفكرة والتنظيم. وهذا الكتاب ظلت كل صفحاته في اشتباك بين الانقلاب -الحركة التصحيحية وسيرة الزعيم والمصير المأساوي والخذلان الكبير لمن سعى من اجل تثبيت  مايراه صوابا وفي فصل (اين اختبأ عبدالخالق قبل ساعة الصفر) يقول (حسن محمود الريح) "من منزل قائد الحرس الجمهورى ابوشيبة انتقل عبدالخالق إلى .
. منزل صديقه كمال رمضان بالعمارات شارع 49، كمال من أقرباء سعاد إبراهيم أحمد. كان كمال عروبيا تقدميا أقرب إلى حزب البعث العراقي،  وشهد منزله  يوم 20 يوليو 1971 لقاء عبدالخالق محجوب مع المستشار طارق العاني قنصل العراق بالخرطوم وفيه رفض عبدالخالق الوصاية،  مع طلب دعم مالي عاجل،  وعسكري فني،  وتم لقاء آخر في أمسية 21/يوليو  وتمخض الاجتماع عن إرسال الطائرة العراقية التى اقلت المرحوم محمد سليمان الخليفة وتحطمت في طريقها إلى مطار جدة لتعذر الهبوط في مطار الخرطوم نسبة للامطار" ويمضي( حسن الريح) في تتبع حركة عبدالخالق في تلك الأيام الاخيرة،  من حياته ويقول: "عند اقتراب ساعة الصفر انتقل عبدالخالق من منزل كمال رمضان إلى شقة بالطابق الأول من منزل صديقه ميرغني محجوب زوج فاطمة محمد عبدالمجيد القاضى (وهو خال سعاد إبراهيم أحمد ) وكان رجل الأعمال ميرغني محجوب صديقا مقربا لعبدالخالق وكان منزله مركزا لالتقاء كثير من أصدقاء ومعارف ميرغني بمختلف توجهاتهم السياسية مثل، جمال محمد أحمد ، ومحمد توفيق،  والمحامي أنور ادهم ،  ومحمد إبراهيم ابوسليم. ضربت على وجود عبدالخالق في هذه الشقة سرية مطلقة ولم يكن يعرف بها سوى محمد إبراهيم نقد،  وعبدالمجيد شكاك عضوا اللجنة المركزية للحزب، ومحمد نور السيد وكان حلقة الوصل بين الحزب الشيوعي وعبدالخالق هما حامد الأنصاري، وكمال إبراهيم أحمد أي  زوج سعاد واخيها الأصغر، وكانت سعاد تشرف على حاجيات وملابس عبدالخالق وكانوا يخططون لتهريبه خارج البلاد للعلاج حالما تسنح الفرصة "
ساعة الصفر-- الانقلاب والتوقيت..

 

 


وتحت عنوان  ( الانقلاب والتوقيت الجريء ) أوضح حسن محمود الريح"نفذ الانقلاب في الثالثة وأربعين دقيقة من بعد ظهيرة 19/يوليو 1972م، في توقيت اذهل جميع المراقبين. الجدير بالذكر أن آخر اجتماع تحضيري لمجموعة العسكريين المنفذة عقد في منزل شقيقة الملازم عمر وقيع الله، وهي زوجة أحمد عبدالحليم  (الشفة عبدالحليم )واحمد عبدالحليم الذى يلقبه أصدقاؤه ب"الكاهن" من المايويين الذين زاملوا نميري في (حنتوب)وعملوا معه كقادة ورجال دولة ومنظرين حتي الانتفاضة. كان أحمد مسافرا خارج البلاد وكانت خطة محكمة للتمويه بالاجتماع في منزل احد كوادر مايو. روي أن هاشم قضى زمنا طويلا بعد استلامه السلطة وتحركه من القيادة العامة عصر 19 يوليو بحثا عن قادة الحزب الشيوعي وذهب إلى ميس الهبوب جوار نادي الأطباء وأخذ يصرخ وينادي بأعلى صوته عن نقد-- الإشارة إلى المرحوم محمد إبراهيم نقد -سكرتير الحزب الشيوعي عقب اعدام الشهيد عبدالخالق محجوب - ويشير المؤلف( الريح) إلى "وحينما جاء هاشم العطا يبحث عن عبدالخالق في منزل سعاد إبراهيم أحمد وكانت قيد الإقامة الجبرية لم تخبره بمكانه، بل أنكرت معرفتها ثم صرفت جنود الحراسة بعد خروجه مباشرة وتحركت بعربتها وموهت في شوارع الخرطوم، ثم ذهبت إلى حيث يقيم عبدالخالق ووجدت معه محمد إبراهيم نقد وهما يصوغان في بيان الحزب الداعم للانقلاب  (ذهب الزبد جفاء)
بقاء الزبد..
وتحت عنوان  (العودة )يقول حسن محمود الريح"وفي نفس توقيت الانقلاب تقريبا حوالى الثالثة والنصف عصرا، اقتربت قوات سلاح المدرعات بآلياتها الثقيلة متجهة نحو القصر الجمهوري للقضاء على الانقلاب الشيوعي، وكان (حسن محمود ) قد سرد قبل سيناريو العودة، سيناريو ظل لحقبة طويلة مسار نقاش وجدال حول تورط قيادة الشيوعي في الانقلاب، إذ اكد على"مماتقدم فقد كانت سعاد إبراهيم أحمد هى من تولى إدارة اختفاء عبدالخالق في مرحلة انتقاله من منزل ابي شيبة بالقصر الجمهوري وحتى قيام حركة يوليو عصر 19يوليو، رغم وجودها في الإقامة الجبرية. جزمت القيادية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي بأن الشفيع ونقد كانا يعلمان تمام العلم بخطة الانقلاب" ويضيف حسن الريح"يقول الراوي :في مساء 19يوليو، دعى عبدالخالق إلى اجتماع للجنة المركزية، في منزل سعاد إبراهيم وزوجها حامد الأنصاري:الجند الرئيس للاجتماع كان مقابلة هاشم العطا لأعضاء (اللجنة المركزية )وتوضيح لماذا كتنظيم عسكري قاموا بالحركة التصحيحية -حسم عبدالخالق أمر مناقشة الأعضاء لكيفية حدوث الانقلاب وقال لهم بما معناه"السلطة اهى قدامكم في الشارع ياتمسكوها ياتموتوا"حضر الاجتماع إضافة إلى عبدالخالق، الشفيع، نقد، التجاني الطيب، الجزولي سعيد، سعاد إبراهيم، الوسيلة، سليمان حامد، سعودي دراج، صلاح مازرى، جوزيف قرنق، عبدالمجيد شكاك، وخضر نصر (عمال السكة حديد عطبرة )بعد اجتماع اللجنة المركزية، وفى الأيام التى تلت، قابل عبدالخالق ممثلين لكل ألوان الطيف السياسي، في يوم الخميس 22يوليو، قبل موكب التأييد، اذاعت إذاعة البى بى سى نبأ القبض على بابكر النور وفاروق حمد الله بعد إنزال طائرتهم جبريا في مطار بنونة في ليبيا بنغازي. بعد موكب التأييد وقد امتلأت ساحة القصر الجنوبية بالاعلام الحمراء، شوهد الزعيم عبدالخالق متابعا الموكب بعد مشاركته في المسيرة وهو يرتدى جلابية بيضاء وعمامة في تقاطع شارعي البرلمان

 

 

 


والقصر" كان سيناريو عودة نظام مايو مسيطرا على صفحات عديدة من صفحات الكتاب، وانعكاس العودة على مصير عبدالخالق إذا تحققت نبوءة المفكر والسياسي الحاذق الشهيد عبدالخالق  في اجتماع اللجنة المركزية للشيوعي وقائد الحركة التصحيحية الرائد  هاشم العطا "السلطة اهى قدامكم في الشارع ياتمسكوها ياتموتوا" ويحتوي الكتاب في تبصير القارئ بكل تفاصيل الانقلاب التصحيحي واعدام عبدالخالق ورفاقه من مدنيين وعسكريين ونقرأ العناوين الآتية :أحداث اللواء الثاني مدرعات الشجرة، رواية الملازم المعز عمر أحمد عن الهجوم المضاد يوم 22يوليو1971. رواية بشير مختار المقبول الدفعة23التخرج 1970 -المدرعات. رواية الملازم عمر عبدالماجد (لا إله إلا الله.. الحي يقوم)رواية العقيد معاش صلاح محمود مدير مكتب وزير الداخلية. رواية الملازم حسن محمد ابونا، بطل قصر الضيافة . وخيار التوجه الى امدرمان ونقرأ فيه حركة الانقلاب المضاد وفرضية النجاة بعد عودة النظام المايوي للشهيد عبدالخالق وتدخل الجهات الخارجية لإفشال الحركة التصحيحية وكذلك خرائط لتحركات عبدالخالق مع عناوين صغيرة مثل "اين اختفى نشطاء ابي روف. الرواية الابروفية للوشاية، وقائع ماحدث في الأمن الداخلي، الوشاية حقيقة ماحدث، كراسة طه الكد، محمد إبراهيم نقد، دور السفارة المصرية، الأوراق في منزل سعاد إبراهيم أحمد، الغستابو.. نيران صديقة، اعتقال حسن العماس، اعتقال هاشم العطا، اعتقال عبدالخالق، رواية النقيب أبوبكر حسن بشارة.. الخاتمة.. عبدالخالق :استقلالية الرأي وعلاقتة بالاتحاد السوفيتي..  "
يقول حسن محمد الريح "لقد سقط عبدالخالق محجوب، أعدم شنقا حتي الموت إلا إنه مات كما عاش مناضلا من نوع نادر شجاعا من الطراز الأول، مات ولم يتبدل إيمانه بقضيته.. مقتبس من كتاب فؤاد مطر الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر؟ "
 الكتاب في موضوعه،  اشتمل على تاريخ عريض كان الزمن الحقيقى  فيه لايتجاوز ثلاثة ايام عمر حركة يوليو ولكنه في ذات اللحظه كان الالمام بفترة مايو الأولى( 25/مايو1969 ---19/ يوليو 1971 م ) حاضرا بقوة في الارتباط بالانقلاب، كأداة تغيير عنيف في تاريخ الشعوب، وفي صورة الزعيم داخل ذاكرة  الأحزاب الايديولوجية والجمهور وفي معنى الخذلان لمن وهب حياته ثمنا لفكرة وقضية آمن بها وعمل من أجلها وفي لحظة مصيرية تغير مجرى التاريخ ولازال  سؤال البحث في سيرة آخر ايام عبدالخالق مطروحا أين ذهب الرفاق؟؟.