سرديات عبدالماجد عليش.. المجالس و خرطوم56.... سطوة مجتمعية    عامر محمد أحمد حسين.... 

سرديات عبدالماجد عليش..  المجالس و خرطوم56.... سطوة مجتمعية    عامر محمد أحمد حسين.... 

سرديات عبدالماجد عليش..

المجالس و خرطوم56.... سطوة مجتمعية   
عامر محمد أحمد حسين.... 
ظل سؤال الكتابة الروائية مطروحا بشدة، عقب وصول الرواية إلي قمة الإبداع في تتبع  حركة تطور  المجتمعات،   بمقياس ريختر الوعي الكامنة تجلياته في الخطاب السائد في الساحة،   مغامرة، وطرق كتابة وتجديد أبنية سرد.. يقول المفكر الفرنسي  (ادغار موران) في كتابه  (روح الزمان )-الجزء الأول "ويسمح المجال الخيالي المشترك، بتصور كون عمل ناجم عن شروط  سيسولوجية وتاريخية محددة، أن يكون له إشعاع خارج بيئته وعصره :إنها مفارقة  (عالمية التحف الأدبية والفنية،) إن التحف الفنية العالمية هي تلك التى تمتلك في ذاتها من الأصل، إمكانيات إسقاط -تماه لامتناهية أو تراكم هذه الإمكانيات. وهكذا يفلت عمل فني من سوسيولوجيته ولكنه سيرد في الوقت نفسه إلى سوسيولوجيا أخري ".. ومغامرة عبدالماجد عليش(-مبدع سوداني يستخدم المركبات العامة، واحيانا عند الانبساطة المالية للخروج من زحام المدينة يركب تاكسى- أمجاد )ويضيف  ادغار موران "وتنشط عوامل عديدة التماهي :فتقع الدرجة الفضلى من التماهي في توازن مابين الواقعية والصياغة المثالية. فيجب أن تتوفر شروط احتمال ومصداقية تؤمن الاتصالات مع الواقع المعاش، أن تشارك الشخصيات بجانب ما، في البشرية اليومية ". ويقول (مبروك دريدي) في كتابه  (المكان في النص السردي العربي -البنية والدلالة )  "يعد بحث العلاقة الاحداثية (نص/فكر ) سؤالا في اتجاهين، فهل النص ناتج الفكر؟  أم أن  الفكر هو باعث النص ومسببه؟ " هذه الأسئلة عن النص/الفكر  تتبعه الفكرة والخطاب السردي ومتن النص وهامشه في روايتي  (المجالس والخرطوم 56)للمبدع عبدالماجد عليش إذ يقع النص وتناصه في صميم قراءة التحولات الاجتماعية في متن المدينة وعلاقة هامش الحياة بالمدينة ثنائية، الثراء والفقر، العلم والجهل، المراة والرجل، وتتجلى مغامرة عليش في أن متن وهامش عليش في روايتيه، يختلط فيه الحقيقي والخيالي،  والسارد العليم هو نفسه (السارد والشارح العليم لهامش النفس مع وثيقة تعضد المتن وتثبته. والشارح العليم للمتن السردي، يقطع بالإشارة فتجد دائرة اكتمال الفكرة في هامش الكتاب. 
طبقة على طبقة. 
يؤكد  (ادغار موران) على الآتي :" في بداية القرن العشرين كانت حواجز الطبقات الاجتماعية والأعمار ومستوى التربية، ترسم الحدود بين مناطق الثقافة المختلفة، فكان هناك تمايز بين صحافة الراي وصحافة الأخبار، والصحافة البرجوازية والصحافة الشعبية، والصحافة الجدية، والصحافة السهلة".. والصحافة والوثائق في مجالس و"خرطوم 56"- عامل سردي اساسي في دعم  (المتن الحكائي )بهامشه الحقيقي من اخبار اجتماعية. ويمكن بلورة فكرة الصحافة الاجتماعية في قالب الصحافة  (السهلة ) إلا أن الجدية في المتن الحكائي، وخاصة في رواية  (خرطوم 56) تجعل من الصحافة  (-الصفراء ) عنصرا داعما لقراءة التحولات والتبدلات بين الراهن المعاش والسابق القديم ومقولة -الزمن الجميل - والزمن المرهون للأحلام داخل الفرد والجماعة. 
"المجالس.. 
عدد صفحات رواية  (المجالس ) 94 صفحة من القطع المتوسط، صدرت عن الشركة  العالمية للطباعة والنشر -2009. تتميز شخصيات المجالس بالبساطة و التلقائية مع خبرة بالحياة، وهي خبرة ميزت جيل التأسيس في المدينة وهامش المدينة.. جيل تأسست مفاهيم التحديث تحت سطوة الاستعمار ثم انطفأت سريعا أنوار مدنيته بانكسار الدولة الوطنية أو دولة مابعد الكولونيالية. البناء السردي أعتمد على حرية الشخوص في مسرح الرواية في التعبير عن مكنوناتها والراوي العليم يمثل الضمير ومصحح المتن والموثق. "مجلس الشيخ الفاضل ولد الشيخ الحسن الهادي )"جسمي  مثقل بالأمراض.. النظر راح والسمع راح والشم راح وكل شئ راح.. (المعتصم ولد الشيخ الفاضل ) - فوق ثمانين سنة ولازم يعمل لنا موجود، بتدخل في كل حياة زمان وعصر  يلخبط لنا حياتنا، الآن يدعونا لمجلس مثل مايفعلون زمان "
تتجلى في هذه الفقرة ثنائية الأب والابن، صراع الأجيال بين مايراه الآباء لحياة الأبناء، وتمرد الأبناء على القوالب الحياتية القديمة- الآن يدعونا لمجلس مثل مايفعلون زمان-.. متن حكائي. وإذا نظرنا الى  مجلس الشيخ الفاضل نجد الآتي :"ضم المجلس إضافة للشيخ الفاضل وولده، مولانا النوراني المصاب بالحبس منذ العام تسعة وستين، تنداح رائحة عطر فخم من عباءته الحريرية الزرقاء التى تغطي أنبوب البلاستيك -فوق مقعده صورة أخته الحاجة سكينة بت الفكي راحتي يديها على فخذيها والثوب الأبيض يستر جبهتها حتي رموش العينين.. جالسة على كرسي مصنوع من خشب اشجار الجنوب أيام التجارة في عزها. راجلها المرحوم الكامل المجمر مأمور ملكال كان يرسل الأخشاب إلى أخوه في كوستي :أحسن نجار في البلد"
يقول الدكتور  (علي الوردي ) في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ) "إن الحياة البيتية في المدن العراقية ضعيفة غير متماسكة. وأقصد بالحياة البيتية رابطة التآلف والتعاشر بين أعضاء البيت الواحد، اي بين الرجل 

 وزوجته وأولاده، وهي التي تسمى في اللغة الإنجليزية بالHome life. فالرجل لايجالس زوجته، واولاده إلا قليلا. فهو لايكاد يتناول طعامه في البيت، بعد الفراغ من عمله، حتي يتناول عباءته ويخرج إلى المقهى أو الديوان أو مااشبه. إن البيت مخصص للنساء عادة والرجل لايحب أن يبقى معهن فيه،  وهن من جانبهن لايردن أن يبقي الرجل معهن فيعكر عليهن صفوهن. " والمجالس في المدينة السودانية تنطبق عليها صفة وحركة المدينة العراقية. ومجالس (عليش)في روحها سردية مبعثرة عن حيوات هذه الشخصيات، وقوة حجة الأب الشيخ مقابل الإبن ورضوخة في الزواج، الطلاق"ضغطت على المعتصم فاقسم بكتاب الله إنه ماقصر في حقها، اكل وشرب وكساء فخم لها قبل الأولاد. طيب ليه ترمي يمين الطلاق..؟ اهوج أنت حتي تاتيك ريح الشيطان " ومااورده دكتور (علي الوردي ) (يتناول عباءته ويخرج إلى المقهى-إن البيت مخصص للنساء ) تظهر جلية في تأطير  (المعتصم ) لحياته الزوجية  (اكل وشرب وكساء فخم لها قبل الأولاد ) ودهشة الأب في أن هذه الحياة النموذجية كيف تصل يمين الطلاق فتقطع شمال المودة.  
_مجالس الصدمة.... 
حفلت رواية المجالس بشخصيات قد يراها القارئ لكثرة التعرف عليها نمطية أو معروفة مجتمعيا، وهذه الألفة مع هذه الشخصيات، تمثل الصعوبة في مواجهة سخرية مستترة من الراوي، في رسم المسار والمصير، الدكتور مجذوب ولد المرحوم السنوسي -الفريق الركن معاش الكامل الأصيل الفاضل -الحاجة النزهة بت مهدية- هذه النماذج الإنسانية مابين الواقع  والمتخيل ،  تعيش عزلة تحيط بها وتقودها رغم مايظهر منها من تفاعل مجتمعي، إذ أن الصورة السردية في رسم شخصية   (الدكتور مجذوب ولد السنوسي )واضحة جلية في ثنائية الآب والابن وغياب لغة التفاهم (شكى مر الشكوى من أفعال أبيه، لايريد أن يصدق ان كل شئ تغير. يكرر الحكاية الوهم عن الحركة الوطنية، عقدت كل اجتماعاتها السرية هنا في هذا الديوان " ومن المكان  (الديوان ) وهو :مربط فرسان" الإجتماعات السرية، تبدأ حرية الأفكار مع بساطتها في بلورة خطوة نحو الانعتاق من الاستعمار، إلا أن منظار الإبن في استدعاء الأب التاريخي من الحكايات تصطدم تلقائيا بالرفض باعتباره تكرار لحياة سابقة لا يريد أن يعيش فصولها كما عاش الأب. ثمة ملاحظة في رواية" المجالس: القديمة أو الصالونات الأدبية ،والسياسية، تتلخص في أنها كانت رؤية ومسار مقاومة لعنف المستعمر، وطريقة حياة مجتمعية، تختلف عن غالب المجتمع، وهو  يعيشها دوامة الحياة ولايعنيه من يحكم، مستعمر أو حاكم وطنى. وذلك لعدة أسباب منطقية، قلة التعليم، سطوة الانجليز في توجيه المتعلم، بساطه الحياة وبداوة المجتمع، وشخصيات  (المجالس ) من رجال ونساء وبنات تجد الخطاب، يتضمن، أقوال الأسرة، الأب، الأبن، الزوجة، زوجة الإبن، المرآة  (سليطة اللسان -نموذج بت مجذوب إلا قليلا. (قليلة الأدب، جاءتني على أقل من مهلها، وثوبها واقع من رأسها بالقصد، وشعرها يسألني الله قاصدة زي حلاقة الرجال في سري، تعوذت" ويحتاج القارئ في سرديات عبدالماجد عليش دائماً وضع إطار متكامل للصورة المجتمعية التي يجيد رسمها بعناية..ثمة سؤال عن الواقع المتخيل ما الذي يعطيه القبول وهنا كل القبول ويتلخص في روح الفنان والمقدرة، على الحكي ،واللغة السردية ،جواز المرور إلى خلود الكتابة وتميزها..