.                    سؤال الشعر  

.                    سؤال الشعر   ادريس زايدي... المغرب       إن كتابة الشعر  والكتابة الشعرية في الثقافة المغربية والعربية ليس من باب التعلق  بقدر ما يشكل الموضوع حضورا  قويا في الهوية

.                    سؤال الشعر  

.                    سؤال الشعر  

ادريس زايدي... المغرب 

 

 

 

 

 

     إن كتابة الشعر  والكتابة الشعرية في الثقافة المغربية والعربية ليس من باب التعلق  بقدر ما يشكل الموضوع حضورا  قويا في الهوية الثقافية الشعرية العربية والإنسانية . ولعل سؤال تطور الأشكال التعبيرية أمر هام، كما أن الكتابة الشعرية على العمود ليس ردا على الفكرة القائلة بنفي هذا النوع من الشعر، بدعوى كونه لا يجاري العصر، في الوقت الذي يشكل حضوره علامة بارزة في كثير من البلدان العربية، وإنما أمر السؤال بين الأنواع الشعرية عن درجة علاقة الشعر بالوجدان الثقافي العربي ، ما دامت اللغة العربية تحقق نوعا من التشابه بين الأقطار في منجزها الشعري وتحولاته. 
    لقد كان عرض السؤال عن هذا النوع من الشعر  حاضرا في نفسي بل يعيد طرح أسئلة جديدة  عن وظيفة الشعر وقضاياه ، وعن الشعر العربي في علاقته بالتجارب غير العربية  فارسية ويابانية وغربية  عموما ... وهنا يتشكل السؤال الأكبر  : هل بات لزاما علينا  أن نقتفي "الأرض الخراب "و آثار الغرب بحجة تفوقه المادي ؟ وهل علينا أن نقرأ كتاب سوزان برنار لنكتب الشعر ؟ وهل علينا أن نمجد قصيدة النثر  لنتجاوز  تاريخ انكسارنا العربي ، بدءاً بأولى القضايا  التي انعكست على الشعر ، فكان تكسير بنية القصيدة  فتجاوزها إلى قصيدة الرؤيا  وما والاها من أشكال أخرى  ، مما سمح للشعر أن يطرح على نفسه أسئلة جديدة لا تعدو أن تكون ، ما الشعر ؟
      وبالسؤال نبحث عن أجوبة يكون أهمها تربية الحس الجمالي لا غير ، وهو عند العرب لا يتحقق إلا بما يقدمه الشعر في لبوس موسيقي تكويني فيه  ، هو وزنه مع الإنشاد  كشعور أساس في بنية العقل العربي ...
  وإذ لا أخالف دعاة الحداثة  الرأي إطلاقا ، بل العكس تثير الحداثة سؤالا مهما  يستحق منا أن ننتبه إليه ، وهو توجه أمجده كثيرا  ، إذ الشاعر أصبح ملزما أن يكون مطلعا على التجارب الإنسانية لينصهر فيها  ويبتكر أساليب جديدة ، وهو أمر لا مراء فيه  يفيد الشعر العربي ولا يضره رغم ما يمكن أن يقال دفاعا عن الهوية والخصوصية ...كل ذلك حصل ويحصل باستمرار منذ أن تحقق الانفتاح اطلاعا وترجمة - والمغرب باب الحداثة بشهادة المهتمين - والأسماء كثيرة  ممن دافعوا عن التجارب الشعرية الحديثة في المغرب كما المشرق . وهذا لم يمنع القصيدة التقليدية أن تعيش رغما ،  بل أصبحت تستعيد قوتها - ولا أدافع عنها - ما دام الشعر العربي المعاصر الحداثي لم يستطع أن يغير من وجه الوطن العربي ،وصار الانكسار النفسي سمة العصر ، الانكسار الذي يحجب رؤية الجمال كقيمة إنسانية  ... وصارت القصيدة الحديثة مهوى السؤال عن ماهية الشعر  ؟
    فأنا لا أنكر دور الرواد ، ولا أنكر ما يجب على الشعراء المحدثين من كثرة الاطلاع على النماذج المختلفة والمتنوعة ، فأمر ذلك تم الحسم فيه منذ زمن النهضة والتحولات مع السياب ونازك وبلند الحيدري  فيوسف الخال وأدونيس ومحمد بنيس وعبد الله راجع  والطبال  وأحمد المجاطي ، لكن كيف أمكن للقصيدة العمودية أن تستمر ، لولا تعلق النفس العربية بسر تحمله ككينونة ووجود .  وليس العربي مجبرا أن ينقل تجربة غيره ليحيا في قصيدة لا تحمله ، وما " أزهار الشر " لبودلير سوى تجل لثقافة عصره الفلسفية من نتشوية وهيجيلية وماركسية ... ليصبح أمير الشعراء  كما سيسمى شوقي أميرا للشعراء في ظروف عصر النهضة ، والفرق واضح بين الرجلين .
    أن نطلع  على غيرنا لا يزيد الشعر إلا قوة ونضارة . فكلما قرأت بحيرة لامرتين أحس بنشوة تتجدد في القصيدة الفرنسية  أو قرأت من الشعر الفارسي انتابني سلسبيل الامتداد كما مع  نيما يوشيج الذي يقول في "بيتي غائم "
                  على الطرقات
                   عازف الناي
                   الذي يعزف باستمرار
                   هو وحده من يشق الطريق
                   عبر هذا العالم الغائم

  ومثل هذا الشعر  العذب يغري بالتواصل بين الشاعر والمتلقي ، لكنه في شعرنا  العربي لا يزال يمتح من فلسفة هي في بداية التشكل بناء على قدرة الانسان العربي المتعثرة  وعسر القابلية للتحول كما يعكس ذلك المناخ التنموي العام سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا . ذلك الاحساس الذي لم يتخلص بعد من رواسب الخيمة والعمود في زمن لغة "تيك" بتعبير الناقد بنعيسى بوحمالة ...ويبقى الشعر الحديث وحده يصنع تاريخه الفني والجمالي قسرا ، وفي غفلة عن الأذواق التي تجره إلى الماضي ، في الوقت الذي تسع الحداثة كل الأشكال التعبيرية ، وتسع القصيدة العمودية كل الحداثة ...
       إن الأمر ليس سهلا أن نقرأه على عجل . في الوقت الذي نرى أسئلة المروق  الشعري تترى خارج الأبنية التركيبية والدلالية  والتوقيعية ، دفاعا عن حداثة ظل بابها مفروما خارج مرجعه ... 
       تلك بعض الأسئلة الكامنة وراء إشكال القصيدتين في التجربة الشعرية العربية  التي حققت تراكما وحلما ممكنا، يؤجل تحققه باستمرار ....